الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الطريق من الضِفَةِ الشرقيّة ، الى الضِفَةِ الغربيّة لبغداد

عماد عبد اللطيف سالم

2016 / 12 / 26
كتابات ساخرة


في الطريق من الضِفَةِ الشرقيّة، الى الضِفَةِ الغربيّة لبغداد



استأجرتُ ، وأنا بكامل أناقتي "الرسمية" ، سيّارة اجرة صفراء صغيرة ، من منطقةٍ تقعُ في "الضفة الشرقيّة" لنهر دجلة في بغداد . الشيء الوحيد الذي لم يكن يتوافقُ "هارمونياً " مع السيارة ، هو السائق . أنا كنتُ ضخم الجثّة ، وهو كان أكثرُ ضخامةً منّي ، بحيث أصبحت السيارة "رجعيّة" جداً من الأمام ، و "تقدُميّة" جداً من الخَلْف .
ما إنْ قلتُ لهُ : السلامُ عليكم ، وردَّ: وعليكم السلام .. حتّى بادَرَني بالقول : أخي .. أنتَ ، و كما يبدو من المنطقة التي تسكُنُ فيها ، تنتمي الى تلك "الجماعة "، بينما أنتمي انا الى "الجماعة" الأخرى . مو ؟ قلتُ : نعم . قالَ : "خوشْ لَعَدْ". شوف أخويّة . بما انّ الطريق طويلة ما بين "الساحِل الأيسر" و "الساحل الأيمن" لبغداد ، و الازدحامُ شديد ، فإنّني أعرِضُ عليكَ "أجِنْدةً" تُساعدنا ، أنا وانت ، على تبديد كآبة هذا الوقت العصيب . و في هذه " الأجِنْدَة" خريطة طريق تتضمنُ ما يأتي : سأبدأُ أنا بتشريح و "تفليش" زعماء ، وقيادات ، و رموز "جماعتنا" من السياسيّين ، واستعراض كلّ مساوئهم ، وخطاياهم ، وجرائمهم بحقّنا .. وما أنْ أنتهي من ذلك ، حتّى تبدأُ أنتَ بعملِ الشيء ذاته بحقِّ نظرائهم من "جماعتكم" . ها .. شتكَول ؟ .
قلتُ : موافِق . هيّا يا صاحبي . امضِ قُدُماً .
بدأَ السائقُ باستخدام جميع نظريات "النقد الشعبي" المتوفّرة في السوق "الوطنيّة" العراقية .
بدأ أوّلاً باستخدام مفردات و مفاهيم المدرسة التفكيكيّة "الطِشّارية" . ثمَّ مرّ سريعاً على افضل اساليب نظرية "موت المؤلّفْ" ، المستخدمة الان على نطاق واسعٍ في اسقاط الخصوم .. ليصلَ اخيراً الى تكتيكات المدرسة " التفشّيريّة " ، والتي استخدمَ فيها "الفِشار" العراقيّ بأبهى تجلّياتهِ ، و بإفراط شديد ، تماماً كما يتمُّ استخدامُ ايّ سلاحِ دمارٍ شامل ، بطريقةٍ يُرادُ منها ، أنْ لا تُبْقي ، ولا تَذَرْ .
انتَهَتْ حصّتهُ من النَتْفِ والسَلْخِ المتعدّد الأبعاد عند وصولنا الى تقاطع جامعة بغداد . عندها التَفَت نحوي ، وقال : الآن حانَ دورك . و عليكَ بـ "جماعتكَ" ، وأرجو انْ لا تُقَصِّرَ استاذ.
توفيراً للوقتِ والجهد .. فقد بدأتُ حصّتي في نتفِ وسَلْخِ "جماعتنا" ، باستخدام ذات "المنهجيّة" التي استخدمها صاحبي السائق ، وذلك بمجرد تجاوزنا لتقاطع جامعة بغداد.
ولأنّني كنتُ (بحكم خبرتي الأكاديميّة) ، أكثرُ تحَكُّماً بـ "هيكلية" المسؤوليّة الأخلاقية المُلقاة على عاتقي ، فقد توَصّلتُ سريعاً الى إثبات جميع الفرضيّات التفكيكيّة و "التفشيريّة" لطروحاتي ، و طروحات السائق معاً . بل و تمكّنتُ من اثباتِها كلّها في مدّة قياسيّة ، و نجحتُ في تقديم الخاتمة والاستنتاجات والتوصيات عند وصولنا الى تقاطع ساحة قحطان .
عندها صرخَ السائقُ صرخةً أجفَلَتْني قائلاً : الله .. الله . يا اخي انا لم اكُنْ أُصدّقُ قبل هذه "الواقعة " ، وهذا الأداء "التفصيخي" المُذهل ، أنّ في "جماعتكم" ، ناس خَيْرين ، مثلكَ أنت !!!!.
بمجرد عبورنا لساحة قحطان ، و وصولنا الى "الأربع شوارع" ، سألني السائق(الذي كان ما يزالُ صديقي ، لغاية تلك اللحظة التاريخيّة الفارقة):هل هذا هو حيّ اليرموك ؟.
قلتُ : نعم . هذا هو . لاحظتُ عندها أنّ ملامحهُ قد تغيّرتْ ، ولم تَعُدْ تنتمي الى الألفة " الصديقة للبيئة" التي كُنّا نعيشُ فيها قبل قليل.
أخيراً، انحرفنا قليلاً عن الشارع الرئيس باتّجاه بيتي . ولكي أضع نهايةً سعيدةً لهذه "الالياذة" ، ابتسمتُ ابتسامةً عريضةً جدّاً في وجه صديقي السائق ، وقلتُ لهُ : شكراً اخي . سأنزِلُ هنا . لقد وَصَلتْ . أجابني بإصرار : أينَ وصَلتْ ؟ هذا شارع خدمي ، وأنا أريدُ ايصالك الى باب البيت.
من سوء حظّي انّ أكثر من "مسؤولٍ" كبيرٍ كان يسكنُ في البيوت التي تقعُ على امتداد الطريق الموصلةِ الى البيت. كانت هناك كرافانات ، وحرّاس ، و مطبّات ، وحواجز كونكريتية ، أزعجتْ صديقي كثيراً .
وصلنا قريباً من البيت. كان الشارع المُفضي اليه مُغلقاً أيضاً ، وفي مدخلهِ كرفان ، وسيّارات مُصفّحة ، وأسلحة .. وكلّ ذلكَ لأنّ جاري كان من اولئك "القادة " الكبار جدّاً . عندها نظرَ السائقُ اليّ ، كما تنظرُ زوجةٌ اكتشفتْ تَوّاً خيانة زوجها لها مع أعزّ صديقاتها(والعكس ايضاً صحيح) ، وقالَ بذهول : و .. هذا بيتك .. استاذ ؟؟!!.
هذه المرّة ، أنا الذي صَرَختْ وانا ادفَع "الكَروة" : شوف أخوية . تره آني "بروليتاري" رثّ ، ابن 16 رثّ .. بَسْ لابِسْ قاط ورِباط . وأبويه جان كادح .. لا موظّف جبير ، ولا ضابط جبير ، ولا زعيم عشيرة ، ولا رئيس "فُخُذ" . و داعتك هذا ليس بيتي ، ولا بيت الذين خلّفوني . والله العظيم هذا بيت ايجار . يابه والعباس .. هذا بيت ايجار . وهذا "القائد" أبو " الصبّات" آني لا أعرفه ، ولا يعرفني .. وهو جيراني فقط .. والنبيُّ أوصى بسابعِ جار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا