الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذين يجهلون التاريخ.. يُسيئون فهم الواقع وفهم الحاضر!! .. (8 والأخير) .. القوانين الموضوعية المنتجة للقوميات..وللقومية العربية!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2016 / 12 / 28
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


إن (المرحلة القومية) كأية مرحلة تاريخية كبرى، تشكل في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات انقلابات مفصلية عند دخولها إليها، كاستحقاق تاريخي، تحفزه وتبلوره تطورات حضارية وصراعات طبقية وتناقضات اجتماعية نوعية، ترافقها وتؤججها دائماً تحديات داخلية ـ رفض وقبول وصراع مصالح ـ وتحديات خارجية لقوميات وشعوب أخرى!!
لكن السؤال: ما هي الصراعات الداخلية والتحديات الخارجية المصيرية، التي حفزت المجتمعات العربية وساعدت على بلورة (القومية العربية) كمرحلة تاريخية وأداة نضالية، في الوقت نفسه ؟؟
إن القومية العربية كأية قومية إنسانية أخرى، فبالإضافة استحقاقات التاريخ وتطورات المجتمع الحضارية وتناقضاته وصراعاته الطبقية، حفزتها وبلورتها وطورتها تحديات مصيرية تاريخية كبرى تمثلت(1):
بالغزو الصليبي من الغرب!!
والاجتياح المغولي من الشرق!!
والذين وضعا (شعوب المنطقة) بين (فكي كماشة) كادت أن تقضي عليها قضاءً تاماً ومبرماً!!
وفي خضم نيران هذه الحروب الممتدة لعدة قرون وتحدياتها المصيرية الكبرى، ولد أهم مبدأين من مبادئ القومية العربية، وشكلا جوهرها الموضوعي .. وهما:

مبدأ المصير الواحد: لهذه المنطقة العربية ولشعوبها!!
ومبدأ (الوحدة): التي تحمي هذا المصير .. المهدد من الشرق بالمغول .. ومن الغرب بالصليبيّن!!

فالذين قرأوا التاريخ جيداً يعرفون أن [الغزوة الصليبية الأولى عام 1096م] قد قطَّعّت بلاد الشام، كما تُقطِع السكين الزبدة الطرية إلى قطع صغيرة .. لأنها كانت بلاداً متفرقة، بين حكومات مدن وأمارات طوائف مستقلة.. ومتصارعة فيما بينها!!
فعند الغزوة الصليبية الأولى ـ كما تذكر المصادر التاريخية ـ ونتائجها المدمرة على المجتمعات، قد ضجت الناس وقامت بــ (ثورة عارمة) تُدين الحكام، الذين ضيعوا "البلاد والعباد" بأنانيتهم وقصر نظرهم.. وتطالبهم بــ (الوحدة والتوحد) لدرأ هذا الخطر الداهم عن البلاد(2) وقد برز خلال تلك الثورة أبطال وثوار شعبيون، وسقط منهم شهداء ومصابون كثيرون!!
وتحت وطأة هذه الثورة وهذا الضغط الشعبي استطاع (نور الدين زنكي) أن (يوحد) أمارته في والموصل، مع إمارات الشام وجَعَلها تحت سلطة وقيادة واحدة هي قيادته، ثم عزز هذه الوحدة ولده (محمود نور الدين) من بعده!!
وبعد تطور مجريات ووقائع الحروب الصليبية، توحدت بلاد الشام ومصر بدولة واحدة، وقد أصبحت هذه الوحدة قوية وراسخة في زمن صلاح الدين الأيوبي وخلفائه والمماليك من بعده.. وبهذه (الوحدة) استطاعوا تحرير القدس وبلاد الشام، وبواسطتها تمكنوا من اقتلاع الغزو والاستيطان الصليبي من جذوره عن بلاد الشام بكاملها، وإلى الأبد.. وإن جاء الاستيطان الصهيوني لفلسطين فيما بعد!!
ونتيجة لهذه التجربة الحية عرف سكان المشرق العربي ـ ولو بصورة مبهمة وغامضة ـ أن (مصيرهم واحد) وأن لا حماية لهذا المصير (إلا بوحدة هذه المنطقة) أرضاً وشعباً وسلطة وموارد!!
وكانت هذه المنطقة بعمومها، و مصر وبلاد الشام خصوصاً تتوحدان كلما داهمهما خطر مشترك، بل وكل ما داهم سورية بالذات خطر خارجي يهدد وجودها ومصيرها.. وكانت مصر حاضرة دائماً، وفي اللحظة المناسبة تماماً لنجدتها!!

فوحدة مصر وسورية، حتى وإن استثنينا العصور القديمة وفترات الدول الأموية والعباسية والفاطمية، كانت أشبه بالمتوالية: وحدة وبعدها انفصال..وحدة مرة أخرى وبعدها انفصال آخر..ثم وحدة وانفصال، وهكذا دواليك لعدة مرات خلال القرون السبعة أو الثمانية الأخيرة!! .
فقد توحدت مصر مع سورية في عهد صلاح الدين ثم في عهد المماليك، ثم في عهد (علي بيك الكبير) عام 1767.. ثم توحدتا في عهد (محمد علي باشا) عام 1830 بدولة واحدة كبرى وعظمى، حسب مقاييس ذلك العصر!!
دولة كبرى ضمت بالإضافة لمصر وسورية أربعة أخماس الوطن العربي، وامتدت من جنوب الأناضول إلى كامل الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي بكاملها .. أي أن، تلك الدولة الفتية كانت تضم [جنوب الأناضول (تابعة لتركيا حالياً) ومصر والسودان وليبيا، وسورية ولبنان وفلسطين والأردن ، والجزيرة العربية والخليج العربي بكاملهما]..ولم يتبقى خارج هذه (الدولة العربية الكبرى) سوى [تونس والجزائر والمغرب وشنقيط أي (موريتانيا) اليوم]..وقد أًسُقِطَت هذه الدولة العربية الفتية من قبل الدول الكبرى أنذك!!
وفي العصر الحديث توحدت مصر وسورية مرة أخيرة .. في زمن الراحل جمال عبد الناصر عام 1958!!
وأعتقد أن مصر ـ كما علمتنا التجربة التاريخية ـ لن تترك سورية لوحدها في محنتها الحالية، وستهب لنجدتها في اللحظة المناسبة، وبغض النظر عن طبيعة نظام الحكم في البلدين، أو العقيدة السياسية للنظامين الحاكمين!!
فالقضية هنا قضية أمن قومي ومصير مشترك للبلدين، تهددهما قوى داخلية وخارجية واحدة أو متماثلة.. فالتاريخ يعيد نفسه هنا دائماً، وكلما توفرت له محركات وعوامل متشابه .. وعوامل التاريخ اليوم، هي بالضبط نفس العوامل التي فرصت وحدة مصر وسورية عام 1958 .. وهي نفس العوامل التي تكررت عدة مرات على التاريخ المعروف!!

فالوحدة كانت ليست نداءً عاطفياً، كما أنها ليست ترفاً سياسياً أو مطلباً كمالياً أو إيديولوجياً ـ وإن عَرِفها البعض وحتى القادة منهم ـ بهذا المعنى السطحي..إنما هي حاجة موضوعية ومصيرية (لأمن وبقاء وتنمية ورفاه المنطقة)..وقد عرفت شعوب المنطقة الوحدة وخبرت فوائده الفعلية، من خلال تجربتها الحية في خضم الحروب الصليبية والاجتياح المغولي للمشرق العربي، واللذين شكلا أكبر تهديد مصير جدي للمنطقة وشعبها، بكل ملله ونحله وإثنياته وأديانه خلال القرون الوسطى!!
ومنذ ذلك اليوم وإلى اليوم، وكلما داهم هذه البلاد وأهلها خطر خارجي، أو عصفت بأهلها عواصف هوجاء من كل اتجاه، برز بديهياً ـ وموضوعياً ـ في وجدان الجماهير الشعبية: أن الوحدة عربية هي الحل وهي المتراس الذي يحمي الجميع!!
لقد ولد ـ كما أسلفنا ـ منذ ذلك التاريخ في المنطقة العربية هذان المبدآن الجوهريان للقومية العربية: مبدأ (المصير الواحد) للعرب جميعهم..ومبدأ (الوحدة العربية) التي تحمي هذا المصير: أي توحد العرب بأي شكل من أشكال التوحد السياسي والاقتصادي والعسكري إن أمكن .. وبدون هذه الوحدة سيصبح العرب جميعهم سبايا: كما هو حالهم الآن .. ومحتلون: كما هو حال العراق اليوم.. وكما هو حال فلسطين أمس واليوم .. وربما غداً!!
ومنذ ذلك التاريخ أيضاً، أخذا هذان المبدآن الجوهريان للقومية العربية، يتبلوران ويتكاملان ويتوضحان مع الأيام، ويبلوران ويكملان معهما مبادئ القومية العربية، حتى استقرت أخيراً على كل هذه المبادئ التي تحملهما القومية العربية في صورتها الحديثة، في عموم الوطن العربي وفي بلاد الشام خصوصاً..لأن بلاد الشام كانت دائماً ـ وكما هي حالها اليوم ـ معرضة للأخطار الخارجية الجسيمة دائما.. ولهذا السبب ولدت على أرضها أهم مبادئ القومية العربية، لهذا السبب أيضاً سميت سورية بــ " قلب العروبة النابض " !!
*****
لقد كان هذا هو منطق التاريخ الواقعي لمنطقتنا العربية، وكثيرون هم الذين قرأوا هذا التاريخ ومروا على هذه الأحداث نفسها.. والقليلون منهم الذين فهموه فهماً موضوعياً يقترب من منطقه الواقعي هذا!!
فالتاريخ ليس أحداث وحوادث وملوك ومعارك فقط، إنما هو (كينونة وصيرورة) وعملية تكون أيضاً، لأمم وشعوب ومجتمعات وحضارات.. كما أنه عملية خلق وصنع لحاجات وضرورات، تتولد عنها أفكار وقيم وتقاليد وتصورات وأحداث وتعقيدات، تتراكم فوق بعضها بمرور الحقب والأجيال.. فتتبلور في النهاية كضرورات موضوعية وكوقائع اجتماعية وسياسية وفكرية، تفرض بالنتيجة واقعاً معيناً في مجتمع ما أو في بلد ما، له حاجات وعنده مشكلات ومعضلات، يختلف بها عن حاجات البلدان والمجتمعات الأخرى.. وتحتاج حلولاً تختلف أيضاً، عن الحلول التي تحتاجها المجتمعات الأخرى!!

فوقائع (تاريخ) الحروب الصليبية والاجتياح المغولي/التتاري الذي زامنه للمنطقة العربية، هما اللذان هددا (المصير العربي) وفرضا على العرب التفتيش عن وسائل لحماية أنفسهم و (مصيرهم) المهدد هذا..فكانت (الوحدة) بين شعوب المنطقة وبلدانها هي (الوسيلة الناجعة) لهذه الحماية .. فأصبح هذان الهدفان جوهر القومية العربية وحجر الأساس فيها، ثم تكفل التاريخ وأحداثه وتداعياته ببلورة باقي أهداف وغايات (القومية العربية)!!
وقبل أن تخلق " البرجوازيات العربية " وتتصاهر مع الأطماع البريطانية، وتلد عن مصاهرتهما سفحاً (القومية العربية)، كما زعم كاتب مقال " أسطورة القومية العربية " !!
*****
فالذين قرأوا التاريخ وفهموه فهماً موضوعياً، وصلوا إلى هذه النتيجة أو قريب منها بخصوص القومية العربية، والمسألة القومية بعمومهاً.. لأن القوميات الإنسانية بصورة عامة هي عبارة عن صناعة تاريخية، وليست حدود جغرافية أو توليفات سياسية أو عقائد إيديولوجية، حتى يمكن تصنيعها..كما إنها نزعة استقلالية ـ موجودة حتى عند المخلوقات غير الإنسانية ـ ويسعى إليها كل مخلوق إنساني على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والمجتمعات!!
أما أولئك الذين يقولون بإمكانية تصنيع قوميات من العدم، فهم يدللون على ضيق أفقهم ومحدودية تفكيرهم، في طبائع الناس وطبيعة النفس البشرية وضرورات الحياة الإنسانية .. اللهم إلا إذا كان المقصود من تصنيع مثل هذه القومية المزيفة تفرضه مصالح دولية، كـ (القومية اليهودية) المعبر عنها بــ (الحركة الصهيونية) التي صنّعت ما يسمى بــ "دولة إسرائيل" مثلاً: والتي تطلبتها في حينها المصالح الاستعمارية للإمبريالية البريطانية، أو التي تتطلبها مصالح الإمبريالية الأمريكية حالياً.. فيمكن أن يكون لمثل هذا القول وجاهة واعتبار، لأنه يمثل واقعاً قائماً وملموساً .. أما أن يقال مثل هذا القول عن أمة كبيرة وقومية كبيرة كالأمة العربية والقومية العربية.. فهنا العجب والغرابة، ترافقهما علامات استفهام كبيرة!!
لكن هذا بالفعل ما قال به بوضوح تام كاتب مقال " أسطورة القومية العربية "..بنصه التالي:
o ((لأسباب مختلفة تطورت هذه الأسطورة ـ يقصد القومية العربية ـ و كبرت بما في ذلك التدخل الاستعماري الذي أنشاء جامعة الدول العربية))(3)

لكن الظاهر أن كاتب هذا المقال لا يفرق بين " القومية العربية " و " والجامعة العربية ".. وكثيرون هم الذين لا يفرقون بين حقائق التاريخ والخدعة التاريخية، التي قد تفرضها في بعض الأحيان خرافاتهم الإيديولوجية أو رغباتهم الشخصية!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تلخيص مقتضب جداً لدراسة شاملة لنا حول هذا الموضوع..أي موضوع [القومية .. والقومية العربية بالذات]
(2) د. قاسم عبده قاسم: كتابه " ماهية الحروب الصليبية " .
(3) النص من مقال " أسطورة القومية العربية " .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع