الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افراح شوقي ... وطن اخر سقط

سلمان محمد شناوة

2016 / 12 / 29
الصحافة والاعلام


أفراح شوقي .. وطن أخر سقط

في دولة قتل فيها أكثر من مائتين وسبعين صحفيا منذ عام ألفين وثلاثة في العراق الذي يعتبر أسوأ دولة في مؤشر الإفلات من العقاب في الجرائم التي ترتكب ضد الصحفيين في العالم.

نتفاجا بخبر اختطاف الصحفية أفراح شوق , ماء بارد صب على راسك وأنت تحاول إن تبحث عن بعض الدفء في شتاء ديسمبر البارد والجاف أيضا ..

أقول إن خطف أفراح شوقي هو نذالة بدرجة امتياز لا يليق بالعراق والعراقيين , ولكنها للأسف خطفت ...

ومهما بحثنا عن الذين اختطفوا الزميلة الصحفية المعروفة أفراح شوقي , وهل هي واحدة من عصابات الجريمة المنظمة ، أم هي إحدى الميليشيات المتستّرة ببرقع الدين والمذهب، ومهما كان شكل المؤامرة بخطف أفراح شوقي ومن يقف خلف هذا العمل الإجرامي , هل هي جهة داخلية أو خارجية ,إلا إن العملية بحد ذاتها موجهه ضد الدولة , والدولة مطالبة بشكل أساسي قبل غيرها بالبحث السريع والتواصل إلى الخاطفين وإعادة أفراح شوقي إلى أهلها .

من سوف يتذكر أفراح شوقي بعد أسبوعين من ألان ..أقول أيضا للأسف لا احد .. ومن تذكر عشرات المخطوفين والذي ذهبوا مع الهواء ..صورة علقت على الحائط أو على قارعة الطريق ..مثل الآلاف الشهداء ..تمتلئ صورهم بالشارع ولا يعرفهم احد أو يعرف قصتهم احد , صور سرعان ما تذوب من حرارة الشمس ..هل الإنسان هو مجرد صورة , هل الإنسان مجرد حكاية عابرة ورحلت ...

ربما هي كذلك ... كم يغيض إن نكون كذلك , وكم يغيض إن نقول ما ارخص الإنسان في العراق , فلا يسوي سوى طلقة من مجهول ..ثم يحتفي ويصبح حديث بعض أيام ويختفي كل ذكر له ..

وها نحن العراقيين .. دائما يضيع دمنا بين القبائل , ولا نجد بطالب دم , ولا نجد من يترحم علينا , ويقولون دعوا القافلة تسير , وكثيرا ما وقفنا على شواهد القبور , ونطيل البكاء , ولكن لا قيمة للبكاء , في أزمنة الحداد المستمرة إلى ما لا نهاية ..

حكاية أفراح شوقي , تشبه بتفاصيل متغيرة , حكايات الكثير عن العراقيون , والذين يتم اختطافهم لطلب فدية , أو لتصفية حسابات بين أقوياء ومتنفذون في الكتل والأحزاب والتي طفحت على السطح بقوة الجاذبية المضادة , فلا نعلم ماذا حدث لأمة العراقيين , وكأن كل الأساطير والتي تحكى عن العراقيين بان صحتها , فهم قوم غرباء عن بعض , ولم يكن تجمعهم سويا في وطن واحد إلا بالقوة الجبرية , وحين اختفت القوة الجبرية والدولة المتسلطة , عادوا كل إلى منبعه واصله , مهما كان , وتحول الشعب العراقي إلى قساة غلاظ يقتل بعضهم بعضا , ويرفض بعضهم بعضا , واختفى ذاك التعايش الجميل بين مكونات هذا الشعب العريق ...

مجهولون اقتحموا يوم الاثنين الفائت , منزل الصحفية أفراح شوقي بعد ساعات من نشرها مقالا على الانترنت، حمل عنوان "استهتار السلاح في الحرم المدرسي" وانتقدت فيه بشده "المجاميع التي تتصور نفسها أكبر من القانون" وتفرض ما تريد بقوة السلاح في العراق .

وقد أكد مصدر أمني اختطاف شوقي قائلا إن مسلحين ملثمين يستقلون 3 مركبات نوع بيك آب لا تحمل لوحات تسجيل ويرتدون ملابس مدنية اقتحموا ليلة الاثنين منزلها في منطقة السيدية جنوبي غرب بغداد.
وأضاف أن المسلحين اعتدوا على أفراد أسرة شوقي وسرقوا مصوغات ذهبية وأموالا وسيارتها الخاصة واقتادوها إلى جهة مجهولة .

فهل كان سبب مأساتها هذا المقال والذي نشرته , أم إن هناك أسباب أخرى , الموقف شائك وغامض , لان هناك في عراق ما بعد 2003 مساحة من الحرية إن تنتقد من تنتقد , وتهاجم من تهاجم , ولكن للسياسة حسابات أخرى , وكما للصحافة والإعلام حسابات أخرى , فمن المعروف إن القنوات الفضائية والصحف العراقية , هي واجهات لكتل وأحزاب متنفذة , ولا يستطيع إي أعلامي أو صحفي العمل أو الحديث إن لم تكن خلفه جهة تحميه وتوجه كلماته وتقاريره الصحفية , والحقيقة انه لا مكان للحياد في العراق , ولا مكان للمستقلين في العراق .

المستقل والمحايد لا بد إن يداس بالأقدام , والمتسيدون في الساحة الإعلامية والصحفية , هم أيضا التابعون للأقوياء في عالم السياسة والمال والنفوذ .

هل كانت أفراح مستقلة تحاول إن تجد لها مكان , حيث لإمكان لمستقل أو محايد , أم إن صوتها كان عاليا لدرجة يجب إسكاته , وهاهي قد سكتت ...

ما حالها ألان ( تعذيب , اغتصاب , تقطيع , قص شعر , أو إيهام بالغرق ) , ربما كل ذلك , وربما لا شيء من ذلك , والهدف هو ضرب سمعتها , وحتى وان عادت , يبقى السؤال مطروحا ماذا حدث في تلك الأيام والتي غابت فيها ....

المشكلة إن الذي حدث , يمكن إن يحدث لأي واحد فينا , مالذي يجعلنا نقول , إننا في بلد امن , ما نسبة الأمان الذي نشعره فيه إنا وأنت , ما شعورك وأنت مهدد يوميا , بشتى الأفكار والاحتمالات والتي لا تخطر على بال احد ( القتل , الاختطاف , التعدي , الضرب , السرقة ) , ثم تقيد الحادثة ضد مجهول , وما أكثر المجهولين في بلدنا اليوم , وما أكثر المتنفذين اليوم , ونحن نعلم إن غطاء إي إنسان هو الدولة والقانون , وحين يصبح القانون حبر على ورق , وحين تصبح الدولة مائعة , لاقوه فيها , فمن يأخذ حق الفقير والضعيف , ومن لا يملك من الدنيا سوى قوت يومه .

إلا نرى إن الكثيرون منا , كفر بالدولة وحمايتها ولجأ إلى العشيرة والقبيلة يبحث عن آمان له ولعائلته , حتى يجد من يدافع عنه إذا إصابته مصيبة , فلا يكفي ساعتها إن يقول " إن لله وان له راجعون " , فلابد من ظهر يحميك , ويد باطشة متسلطه ترد عنك الاعتداء , وسوف يفكر إي معتدي إلف مره قبل إن يعترض طريقك ..

هل مشكلة أفراح شوقي أنها في دولة لا حول ولا قوة لها , ويعلم الخاطفون جيدا إن لا احد , ونقول ونؤكد لا احد يستطيع إن ينالهم , أو حتى يقترب منهم , وتكون أفراح ساعتها ذهبت خلف الشمس , حيث لا يستطيع احد إن يتبعها خلف الشمس ..

يخيل لي أحيانا إننا في فوضى عارمة , وأننا في دولة اقل ما توصف في أنها دولة فاشلة ,وان الذي يحرك أمورنا هي قدرة إلهية لا غير , وان النظام في الدولة من الوهن وكأنه معلق بخيوط عنكبوت , لا نعلم متى تتقطع , فنسقط في هوة لا يعلم قرارها إلا الله .

كل يوم يمضى , وتزيد المسافة بين تحقق عودتها إلى أهلها سالمة , وكل يوم يمضي يضعف الأمل بالعثور عليها , أنها مأساة الأمن في هذا الوطن , أنها حياتك أنت وحياتي إنا , والقلق الذي نشعر به حين يخرج إي منا وهو لا يعرف هل يعود أم لا يعود , انه الألم الذي لا تستطيع منه فكاكا , وهو خيبة الأمل المستمرة والتي تعايشك ليل نهار , إن دولتك لم تعد تلك الدولة القوية التي تشعر بظلها بالأمان والاستقرار .

وماذا بعد ..الحقيقة هو نفس القلق والوجع والألم , والخوف على مستقبلك في وطن لا امن وأمان فيه ما الذي لا يجعلك أنت التالي , هذه الفوضى المتعبة والتي تجعلك في مهب الريح .. نحتاج من الدولة ان تثبت لنا أنها جديرة بالاحترام , وان تكشف سريعا عن خيوط الجريمة وان تعمل على عودة أفراح شوقي إلى أهلها , هذا يعطينا بعض الاطمئنان إننا في دولة تدافع عن شعبها وتحيطك ببعض الأمان والذي يكفي حتى نستمر بالحياة ..

خطف أفراح شوقي هو مثل خطف إي مواطن أخر , يجعلنا نسير نحو المجهول والفوضى وقانون الغاب , فحذار حذار ..إن يفقد المواطن شعوره بهيبة الدولة , ساعتها سوف يبحث عن مخرج أخر للحصول للحماية والأمان .
نأمل ونحن نكتب هذه الكلمات إن السلطات الأمنية توصلت إلى الخاطفين وإنها تعمل على عودة الصحفية إلى أهلها , فليس أسوء حين يتأكد الشعور داخلك .. انه لا أمل , وان لا قيمة للمواطن والإنسان في العراق , وهذا بحد ذاته دافع أساسي للهجرة والبحث عن وطن أخر ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال