الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات مدينة كان الصعب الخروج منها

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2016 / 12 / 29
الادب والفن


ذكريات مدينة كان الخروج منها صعبا ! (3 )

الثانوية التي عينت بها، بحث عنها في كل الخرائط ولم أعثر عليها، زادت حيرتي تفرسا وعراءا، صديقي الوادزمي الوحيد الذي كنت أعرفه على الفايس كان اسمه عبد السلام، كان يضع على بروفايله صورة يظهر فيها قرب خيمة تقليدية سوداء، ويطلق ابتسامة بدوية، اعتقدت للوهلة الأولى أنه سوف يساعدني في معرفة الثانوية، لكن لم يقدم لي إجابات شافية، قال لي إنه يشتغل في اولوز بالجنوب المغربي، شعرت بالفراغ، فكان أن رميت نفسي مطوحا في الفراغ، ونزلت ذات يوم قرب كنيسة خربة وقطعت مسافة ليست بالبعيدة حتى وجدت نفسي قرب بركة من المياه، وكنت اسأل عن الثانوية التي كان اسمها مرفوقا بحي منبوذ يوجد في الهامش الجنوبي للمدينة، فكان كل من سألته عن مكان الثانوية يتأفف حتى التعالي، إلا أن أرشدني رجل مسن وسرت عبر شارع السالك حتى وصلت الى السوق الأسبوعي واخترقت جملة من الدروب، فلاحت بناية في طور البناء، إنها : " الثانوية "، لم تكن شيئا، وطيلة ثلاث سنوات لم تكن شيئا، ظلت الساكنة تنظر إليها كشيء غير مرغوب فيه، لست أعلم منارة شيدت وسط حي مهمش ومنبوذ ويتم رفضها ! كانت عبارة عن اسمنت وعمال يشتغلون لتشييد المولود الجديد، كانت الساكنة تنظر إليها بريبة، ربما كان ذلك ممر بالنسبة إليهم ، لقد ظل الأطفال الصغار والشبان يتسلقون جدرانها، ويركبون حيطانها، لم ينظر إليها كثانوية، فقبل بناء الثانوية ينبغي بناء المجتمع وبناء العقول، الثانوية ليست هي الأسمنت ولكن من اللازم تهييء المجتمع لكي يقبل ثانوية بالقرب منه، أن يحترمها ويقبلها ويرحب بها، لا من يستهتر بها، طيلة سكني بالحي المجاور للثانوية لم أرتح إلا بالدخول إلى المنزل، كانت عندي جارة تسكن بالقرب مني، سمعتها ذات مرة تقول لابنها :" هذا الذي يسكن جوارنا دائما سانظر إليه كتلميذ ولن أنظر إليه كأستاذ ومن المستعبد أن يصير أستاذا في هذا السن "، يعقب عليها ابنها الحقود : " لا لا عندو كالة صحيحة! إنه دخل بسبب الرشوة"، ترد عليه : " أسكت أيها الأحمق ما كان ليدخل إلى التعليم لو لم يكن مجدا"، كنت أسدل الباب، وتنتابني نوبة من الضحك، لأنني كنت محط اهتمام غرباء لا معرفة لي بهم وشغلتهم عن اهتمامهم، وهل كان لهم اهتمام ؟ كان اهتمامهم هو التلصص على الغرباء، لا أكثر !! ممكن هذا أن ينطبق أكثر على أصحاب الدكاكين، لكن جيراني هؤلاء زودونا ذات مرة بخبز المنزل، أما الجيران الذين سكنوا في الأعلى فمدونا خلال العيد باللحم، لا يمكن أن ينس هذا الكرم الوادزمي، لكن نحن من جهتنا كنا نراجع مع أطفالهم الصغار، وكنا نقبل ذلك على مضض خدمة للعلم والثقافة، البقالون كانوا يسكنون معنا، كلما ما ترددنا عليه مرة، يسألنا عن الوجبة التي سنعد، يسألنا عن أصلنا وعن ذهابنا و إيابنا، كان لا يفتر من السؤال، لكن ليس سؤال الوجود والحياة، بل السؤال عن الآخرين، لماذا السؤال عن قضايا الآخرين ونسيان الذات ؟ إنها من المسائل الكبرى في المعضلة الوادزمية، من أين أنت؟ هل أنت واد زمي؟ كيف تعرف القبائل الوادزمية ولست من واد زم ؟ كانت هذه هي الأسئلة التي تطرح علي من عموم الوادزميين، إنهم يريدون موقعة الآخرين وتصنيفهم، من منا ومن ليس منا! البراني سوف يرحل يوما إلى أرضه، بينما الجواني لن يفكر يوما في الرحيل، لذلك هو الأولى !
ع ع/ 29 دجنبر 2016/ الدار البيضاء -المغرب (يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا