الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة لأدوار المجتمع الدولي والنُخب في ليبيا

عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)

2017 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


سجلت قوات البنيان المرصوص ملاحم وإنتصارات لم نرى لها مثيل حتى عند من عُقدت لهم ألوية وقُيد لهم دعم خارجي وأحلاف عربية صديقة وطائرات تجوب سماء شرقنا الحبيب، وبذلك فإن شباب الثورة من جميع أصقاع ليبيا قد أدوا دورهم المنشود نحو الوطن، ورغم بيان الإنتصار الذي أبعد شبح داعش عن الشاطي المقابل لليبيا، إلا أن ذلك قليل التأثير على مجريات الأحداث المحلية سوى كانت سياسية أو إقتصادية، ويعود الأمر إلى أسباب جوهرية تتعلق بما يسمى بالمجتمع الدولي (جزافاً) ويقصد به الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها أمريكا.
يحلو للبعض أن يتلمس الفرق بين مواقف الدول الكبرى ويمني نفسه بتغيير المواقف عند كل تصريح أو تلميح من رؤساء وزارات ووزارء خارجية تلك الدول، ولا ينفك البعض من تصنيف القوى الداعمة إلى معسكرين إحداهما لجيش حفتر وهم فرنسا ومن ورائها مصر والإمارات والأردن، والأخر للمجلس الرئاسي وهم أمريكا وبريطانيا وإيطاليا ومن ورائهم قطر وتركيا. حقيقة الأمر أن الدول العربية المربكة والمزعزعة للواقع الليبي تحركها مصالحها الخاصة في ليبيا ولكنها لا تخرج عن السياسة المعتمدة من الدول الكبرى، و بذلك فإن التناقض في التصريحات بين وينر وجنتلوني ولو دريان أو فالس تناقض ظاهري لا ينم عن تغيير في سياسة الدول الغربية الكبرى.
إن سياسة ما يسمى بالمجتمع الدولي تكاد تكون واحدة في معظم دول العالم الثالث منذ قيام الثورة الإيرانية التي لم يتم توقع إنحدارها إلى خسائر بمئات المليارات للدول الغربية ودخول دول أخرى بديلة للسوق الإيراني. سياسة الدول الغربية تتمثل في تحديد ودعم سلطة رئيسية (تدعى شرعية) وهي الحكومات الثلاث السابقة ثم نزعت الشرعية من الحكومة المؤقتة لتتحول إلى المجلس الرئاسي بعد إتفاق الصخيرات، موازيا لذلك دعم قوة بديلة للحكومة أو بعثها من لاشئ لتكون حكومة شرعية عند إنسداد الأفق وفشل السلطة الرئيسية، في الحالة الليبية كانت القوات القبلية أولاً ثم قوات الكرامة ومشروع حفتر البديل. هذه السياسة نجحت في تغيير الكثير من رؤساء الدول مثل الأرجنتين وفنزويلا وبنما وهايتي وأخيرا عزل رئيسة البرازيل ديلما روسيف؛ منها ما هو بإنقلابات عسكرية ومنها بالقوة الناعمة عن طريق الدعم الإعلامي والفني لخلق شعبوية تضع عملائها على سدة الحكم، وبذلك تضمن القوى الكبرى ولاء الحكومات لسياساتها، أو الإتجاه للبديل كلما رفضت تلك الحكومات الإنصياع لاوامرهم، وهكذا يكون من المؤسف التعويل على المجتمع الدولي لحل مشكل الشعب الليبي رغم أنه الوسيلة المتوفرة حاليا للتقريب بين الفرقاء.
الوجه الآخر الأكثر أهمية لتفاقم اللأزمة الليبية هو تدني الوعي الشعبي والنخبوي، وحداثة التجربة الديموقراطية، ووقوع الجماهير في حبائل ومكائد الإعلام الموجه، لخدمة مصالح دول بعينها، ولو أدي إلى تدمير الدولة الليبية عن بكرة أبيها، وإلا كيف يتشبث قطاع من الليبيين بمن كان في ضيافة وكالة الإستخبارات الآمريكية لربع قرن أن يكون قائدا عسكريا لهم، وأن يتوج السارق جضران ملكا على فيدرالية برقة، وكيف يتم قبول من عاش في ضيافة الجمعيات الألمانية رئيسا للوزراء، ومن رفض التنازل عن جنسيته الأمريكية أن يكون له دورا في صياغة الدستور، وكيف يرتضي ألاف العسكريين أن يكونوا تحث أمرة قيادة مدنية، وكيف يتماهى الشعب مع قفل الطرق والمواني وإنتشار الحرابة، هذا بعيدا عن سرد مثالب الصف الثاني الذي أصبح الكثير منهم ألعوبة في أيدي الدول العربية ومن ورائهم الدول الغربية، وبلا شك أن إزدهار النعرات القبلية والجهوية وإنهيار مؤسسات الدولة السابقة عمل على إستحالة توجيه التهم لاحد المسئولين قضائيا أو حثى فضح أعمالهم صحفيا.
تاريخيا الشعوب النائمة لا حظ لها في التغيير أو الإرتقاء حتى يعاد برمجتها من جديد، ليس بطريقة الصحوة السيئة السمعة التي أنتجت القاعدة وداعش وجميع الحركات الجهادية، بل بالسير في طريق الحداثة المنضبطة والموائمة لثوابت الأمة من خلال نخبة واعية.
خلال هزيمة 5 يونيو 1967، بدلا أن يطيح الشعب المصري بالحكم العسكري المتسبب للهزيمة، نشطت الألة الإعلامية ليخرج الشعب المصري متمسكا بعبد الناصر زعيم الأمة العربية وبطانته السيئة، وبذلك توالت الهزائم السياسية والعسكرية والإقتصادية على مصر ومن ورائها الدول العربية إلى يومنا هذا.
يقول المفكر الإيطالي كارلو سيبولا لافرق بين البشر إلا بأفعالهم (وهو قول جميع الكتب السماوية) فالأفعال وحدها لها التاثير المباشر على الدول والشعوب، وصنف هذا المفكر الجنس البشري إلى أربعة أصناف: الصنف الأول هم الذين تنتج عن أفعالهم منفعة لهم ولغيرهم وهم العقلاء (الأذكياء)، والصنف الثاني الذين تنتج عن أفعالهم منفعة لهم وضرر لغيرهم وهم الأشرار (القراصنة)، والصنف الثالث الذين تنتج عن أفعالهم منفعة لغيرهم وضرر لهم وهم المغفلون، وأخيرا من ينتج عن فعلهم ضرر لهم ولغيرهم وهم الأغبياء.
وحيث أن العقلاء مُرحب بهم (وهم القلة)، والأشرار يمكن توقع فعلهم أو الزج بهم في السجون إن تمادوا في غيهم، والمغفلون يتحملون أوزارهم الواقعة عليهم من أفعالهم، فإن المشكلة الأساسية في فئة الأغبيا، وهم الأكثرية من الدهماء، وهم المصدر الأساسي لكل المصائب والشدائد والأزمات بسبب صعوبة التنبؤ بأفعالهم وأنهم يتيحون كل الفرص للأشرار لتنفيذ مآربهم. ويستطرد المفكر سيبولا ان فئة الأغبياء تتوزع على كل شرائح المجتمع، فهناك أغبياء فلاحين وعمال وموظفين وحقوقيين وأساتذة جامعات وبنسب متقاربة عند كل الشعوب، إذا أين الخلل في المشهد الليبي إذا كنا جميعا في الهم سواء؟؟
من الواضح ان وعي الشعوب ووجود مؤسسسات فاعلة في الدول المتطورة تجعل تولي أمور الشأن العام للدولة مقتصرا على العقلاء، وأن الأشرار إما أن ينضبطوا مع قوانين المجتمع أو يدخلون غياهب السجون، أما المغفلون فيتحملون أخطائهم حتى إلى أن تصقل تصرفاتهم في مدرسة الحياة، وأخيرا ليس هناك فرصة لعبث الأغبياء حيث تكون قوانين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لهم بالمرصاد، فلا محاصصة ولا قبلية ولا جهوية ولا تيارات أيديولوجية يمتطيها الأغبياء لخلط الأوراق ونشر حالة التردي المجتمعي الذي نحن فيه جميعاً.
وبذلك فإن إسقاط المؤسسات السيئة وبناء غيرها على أسس مثينة عاملا أساسيا لترسيخ قيم مجتمعية نهضوية إيجابية تعمل على بناء الإنسان وتغيير المجتمع نحو ركب الدول المتقدمة التي يسودها الحرية والعدل والمساواه والشفافية ومكافحة الفقر والفساد، وتوطين ثقافة العمل والإنتاج نحو بناء مجتمع الرفاهية المنشود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة