الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات مدينة كان من الصعب الخروج منها (4 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2017 / 1 / 1
الادب والفن



في ثانوية على المدخل الشمالي للمدينة، استقبلنا يوم 3 من شتنبر 2013 مدير ذو هيبة وكاريزما عالية، كانت الابتسامة لا تفارقه، بلباس أنيق، ورأس يعلوه الشيب، مازالت عالقة به سحنة الشباب والتشبت بالحياة، كنا نحن زمرة من الأساتذة الجدد التحقنا بالثانوية التي مازالت قيد المخاض، فتم استقبالنا في ثانوية قديمة ذات أثاث رفيع ظل عالقا في مخيلتي ولا يمكن نسيانه إلى الأبد، كما لا يمكن نسيان ذلك البواب برأسه الحليق الذي ظن أنني تلميذ في لحظة اجتيازي لباب الثانوية، فتأكد أنني أستاذ حين رأيته ينظر إلي وأنا أوقع محضر الدخول، من حقه أن يتفاجأ وعمري آنذاك لم يتجاوز 22 سنة، بينما هناك تلاميذ في نفس السن أو أكثر مازالوا عالقين في البكالوريا أو ما دون ذلك، مكتريتي لم تصدق أبدا أنني أستاذ، وها أنا أصدم من قبل البواب بعدما صدمت من قبل من طرف المكترية، هكذا هي الحياة باعتبارها تجارب وخبرات، كنا حوالي 20 في الثانوية الوليدة، كنا أكثر تناغما وانسجاما، مازالت تربطني بصداقات مع الكثير منهم، لكن العلامة البارزة فيهم هو المدير، لقد علمته السنين الطويلة التي قضاها في التعليم أن يكون رجل المواقف، كان يؤدي أكثر من دور في الثانوية، كان يريد أن يفعل كل شيء من أجل المؤسسة الجديدة، كان هذا هاجسنا جميعا وخاصة على المستوى الثقافي ولكن قلة الموارد البشرية والمالية للنهوض بالمؤسسة لم تكن كافية بالمرة، لقد كان أملنا أن تنهض هذه المنارة وتساهم في التنوير، وللأمانة أقول : لقد احبطنا جميعا، وتم قتل رغبتنا في بناء المؤسسة، كنا كلنا شبابا، أكثر حيوية وطاقة، وكان العدد قليلا، وبالتالي كان من الممكن وضع الأركان والأسس الأولى للثانوية، لكن تبخر كل شيء، لما علم المدير أنني أستاذ للفلسفة توطدت علاقتنا أكثر، كان يكن لي كل الاحترام، ولا انسى ما قاله لي يوما : " أساتذة الفلسفة كانوا دائما هم رواد الفعل الثقافي، ولا خير في أمة لا تولي للفلسفة قيمة "، ظلت هذه القولة عالقة في ذهني وشجعتني أكثر، ورغم قلة الإمكانيات والظروف في ثانوية مازالت تشيد بادرت أنا وصديقي جابر، فأسسنا ناديا ثقافيا وأشعلنا شمعة وسط الظلام، وحاولنا جاهدين أن نفعل شيئا رغم غياب الإمكانيات والمكتبة والقاعات، لن أنس هذه التجربة ولن أنس هذه المغامرة، وخاصة مشاركتنا في الأولمبياد على صعيد المدينة وحصولنا على المرتبة الرابعة واحتفاء المدير بنا، شكل كل ذلك مصدر فخر لنا، لكن مع مرور السنوات انمحى كل شيء وذاب ولم يعد له وجود، لست أفهم الغرض من بناء مؤسسات دون مكتبة ؟ هل هي سجن أم منارة للعلم؟ هل الغرض منها هو حشر البشر وسطها وتدجينهم ؟ هذا ما يتضح من بناء مؤسسة اسمنتية تحيط بها جدران منيعة، فيمكن القول أننا كنا سجناء في وسطها وتعرضنا للاخصاء، فإذا لم تكن المؤسسة مجالا للتأمل والقراءة والبحث، فهي سجن مهمته تدجين العقول والاجساد وفبركتها وقتل فاعليتها وابداعها، كذلك بالنسبة لحشر 40 فردا داخل القاعة، تصبح مهمة المدرس هي المراقبة وليس الإبداع وحث التلاميذ على التفكير .

ع ع/ 1 يناير 2017/ وادي زم- المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة