الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أقر الله بالسحر أم نفاه

سعادة أبو عراق

2017 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل أقر الله بالسحر أم نفاه ؟
تطلق كلمة السحر كتفسير جاهز لكل تغيير لا تُعلم أسبابه الظاهرة، لذلك فهو يعزى إلى فعل غامض وهو السحر، أكان بتأثير من الجان والعفاريت أو الشياطين, أو بتأثير من شخص يقوم بحركات وأصوات ونفح وحرق للبخور فيُعتقد أنها تؤدي بالضرورة إلى نتيجة ما، أو تكتب بعض التمائم والرقى.
توارثنا في حضارتنا العربية الإسلامية إنكارا تاما للسحر حد التكفير، ومأمورون بعدم التصديق به والتعامل مع السحرة والمشعوذين، ذلك أن السحر شيء لا يمكن أن يقبله العقل المتنور الواعي، بسبب أن التأثير اللفظي في الأشياء غير مقبول علميا ولا عقليا، ولا يقوم على هذه العلاقة أية حجة علمية أو دليل يعتد به، ومثله تحويل بعض الأشياء كالمنديل إلى حمامة ، إذن فإن القرآن على قدر ما أكد على أن السحر ليس إلا ألاعيب وخداع بصري لكن الإيمان ظل باقيا بوجود السحر، ووجود سحرة وبالتالي وجود أشخاص يبطلون السحر.
إذن فكيف نقل إلينا هذا الفهم المتناقض أن هناك عدم وجود شيء اسمه سحر وهناك أيضا تعامل مع حالات السحر؟
بداية نقول أن كل شعوب الأرض قديما وحديثا عندها مفهوم عن السحر بشكل أو بآخر، وأكثر ما ينتشر عند الطبقات الدنيا غير المتعلمة أو عند ذوي العقول التي تميل إلى الخرافة، ولا أظن أن مفهوم السحر نشأ في المجتمعات فجأة ودونما بنية تحتية نما عليها، وأظنها المرتكزات التالية :
وجود مظاهر طبيعية لم يكن العقل البشري بقادر على تفسيرها وفك تحولاتها كالموت والمرض والجنون والأحلام والعبقرية والقوة وغيرها مما حير العقل البشري دهورا، وبما أنه لم يكن لأحد أن يعرف المؤثر في هذه الظواهر، فإنه مهد لخلق طبقة تدعي أنها تخلق هذه الظواهر أو تمنعها.
وجد في كل الأمكنة والأزمنة أشخاص يتميزون بالقدرات الخارقة، وهم موجودون بنسبة اثنين في كل مليون، يمكن لأحدهما قراءة الأفكار أو نقلها لآخرين أو رؤية أماكن بعيدة كزرقاء اليمامة، كما يمكنهم تحريك الأشياء بواسطة العين، ويمكنهم أيضا إجراء التنويم المغناطيسي والتأثير على أعضاء الجسم الإنساني شفاءً أو مرضا، وغيرها من الأفعال الخارقة للعادة.
ان الواحد من هؤلاء يستطيع فعل شيئا واحدا فقط ، وليس وقتما يشاء ، بل حينما يأتيه هذا الاستعداد.
ان هذه الظواهر النادرة التي تم الاعتراف بها كعلم عام 1968 وسمي بعلم البارا سكيولوجي ,كانت قديما تسمى الحاسة السادسة والحدس والتلباثة والتخاطر وغيرها.
هذه الندرة من الناس التي بمقدورها اجتراح الظواهر الخارقة للطبيعة كانت محط تقدير من الحكام والمسئولين ليعرفوا بواسطتها مقدما ما مصير معاركهم ومصير ملكياتهم وموت أعدائهم ، لذلك كانوا مقربين جدا وأصحاب حظوة عند الحكام وعند العامة، فقد كان العراف مستشارا بمرتبة وزير.
وبما أن حالتهم هذه خارجة عن تحكمهم وإرادتهم، أي أنها ليست جاهزة عند الطلب، كما كل المواهب الإبداعية، إنما تأتيهم في مواعيد لا تكون في متناول أيديهم، وهكذا عندما تناكفهم موهبتهم فإنهم يلجأون للكذب والتدليس، وربما كان لديهم حيزا من الخطأ المسموح به.
هذه الفئة المترفة المقربة أغرت بكثير من المدّعين الذين استطاعوا بفطنة جيدة أن يجيدوا التدليس، وربما اكتشفوا خفة اليد والتصرفات التي تنسحب من مجال النظر والانتباه.
جاء الإسلام وكان السحر شائعا بين كل الأمم وتم الاعتراف بهذا الواقع، ولم يكن ممكنا من لناحية العقلية إثبات زيفه، لكنه نفاه وحرمه.
وقد جاء ذكره في القرآن الكريم في مجالات ثلاث:
في سورة الأنعام من الآيات 103-122 أوضح الله بأن سيدنا موسى لم يكن لديه فكرة عن السحر، حتى انه تفاجأ بتحول العصا إلى أفعى، فجزع منها كما جزع السحرة أنفسهم، وحينما جاء السحرة يتحدونه كانوا يفهمون شروط هذا الفن الذي تواطؤا عليه، لذلك وجدوا أن تحول عصاه إلى أفعى والتهامها لأفاعيهم، أمر فوق طاقتهم ومقدورهم، كأن أفعاه مخلوقة بل هي مخلوقة حقيقية، هنا يؤكد الله بأن السحر لا يعدوا مهارات وحيل تخدع الناظرين، ودليل ذلك قوله (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)
وفي سورة ( المائدة آية 110) أوضح الله تعالى أن ما كان يمارسه سيدنا عيسى من شفاء للأعمى والأبرص والأكمه، ما هو إلا قدرة إلهية وليست سحرا، الناس أيضا لم يروا فيها سحرا عاديا يمكن أن يزول بعد فترة، كما يفعلونه الذين يعرفون اليوم بالشفائيين، أو كما فعله راسبوتين حينما أشفى الابن الأكبر لنقولا الثاني قيصر روسيا، لفترات ثم يعاود اعتلاله، فاعتبر بعد ذلك قديسا.
أما الآية الكريمة (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلاَ تَكْفُرْ( البقرة 102) في هذه الآية الكريمة يحدد الله مصدر تعليم السحر بأنه من الشياطين، وأن ادعائهم بأن يستطيعون التفريق بين المرء وزوجه، إنما هو ادعاء باطل فلا بد من إذن الله المسبق ( الذي َيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) وبالمفهوم الحديث أن الشقاق الزوجي له أسبابه الكامنة المترسبة التي تتفاعل وليس سببه السحر.
جاءت كلمة السحر بمعناها البلاغي معبرة عن دهشة الكافرين بالقرآن وما فيه من متعة السماع والتلقي، وموقف قوم موسى وعيسى من رسالتهم السماوية.
يبدو أن الالتباس الذي دخل على الإفهام إنما جاء من نص الآية السابقة، بأن السحر كان أصله من الملكين هاروت وماروت، وأنهما قد علما الناس في بابل ولكنهما كانا يعلمان السحر ويقولان إن السحر كفر، لا تكفروا فنحن نريد أن نفتنكم، أما الشياطين حسب تفسير ابن كثير فقد ألفوا كتاب السحر وأخفياه تحت كرسي سليمان وبعدما مات سليمان، اعلمت الشياطين بني إسرائيل عن وجوده، فنبشوا عليه وأخرجوه وتعلموا منه السحر، لإيذاء الناس كالتفريق بين المرء وزوجه .
واعتقد ان هاروت وماروت( على اعتبار أن الملائكة ظهروا للبشر) كان يعلمان الناس ما هو السر بأنه ليس قدرة بشرية إنما قدرة إلهية، فعليهم أن لا يكفروا، وينسبوا القدرات الإلهية للبشر.
لقد كتب ابن كثير في تفسير هذه الآية أكثر من عشرين صفحة يؤكد فيها قول كل الرواة والمفسرين من قبله أن الشياطين هم الذين علموا السحر لبني إسرائيل ،وهذا ما نراه اليوم لدى اليهود المغاربة، بل أن المغاربة المسلمين ذاتهم أصحاب سمعة في السحر وكشف السحر والبحث عن الكنوز، وأن معظم الألفاظ هي عبرية أو قريبة من العبرية، كماورد في كتاب شمس المعارف.
ولم يقف الأمر عند السحر بحد ذاته بل دخل على الخط الشياطين والجان، وكلها مخلوقات نسمع بها ولم يرها أحد من البشر، إنما هو الخيال جعلها على شكل إنسان بطريقة ما، أي أنسنة الشياطين والجن والعفاريت، وبالتالي نشأ ما يسمى مخاطبة الجان وإخراجهم من البيوت والأماكن المظلمة وقتل الكلاب والقطط السوداء ظنا أن الجان يتجسد بها، ولعل بعض القنوات الفضائية السعودية استضافت من يتكلمون عن السحر والمسحورين وكأنها إحدى قضيا الأمة، ناهيك عن بعض القنوات الفضائية المتخصصة في هذا المجال.
في النهاية لا يوجد ما يسمى بالسحر، يمكن له أن يؤثر على نفسية أحد أو عقله أو جسمه، ولا أن بجلب الكوارث أو يكشف عن الكنوز، أو سحر يحول النحاس إلى ذهب، ولا يوجد علم يمكن تعلمه وتعليمه، إنما هناك أشخاص يعانون من أمراض نفسية يجدون في الشعوذة سبيلا لحلها، ولقد أعجبني قول لمنوم مغناطيسي اسمه جميل جهشان في كتاب له عن التنويم المغناطيسي وهو يرد على تساؤل كيف تقوم بالتنويم، فقال أنا لا افعل شيئا ذلك إن كل من يأتيني لكي أنومه يكون قد أعد نفسه للتنويم، فمجرد أن يستلقي على السرير فإنه يبدأ بالنوم تلقائيا.
ولكن ما يسمى بالسحر الذي بين أيدينا اليوم يمكن تقسيمه لثلاثة أقسام
1 - العاب خفة تبهر الناظرين وتمتعهم, وقد وصفها الله بسورة طه (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) فما يراه الناظر ما هو إلا مغالطة حسية وتخيل محض، ولا احد يصدق انه يمكن لأحد أن يحول ورق اللعب أوراقا من فئة المائة دولار، أو منديلا إلى حمامة.
2 - الأفعال الخارقة وهي ليست أفعالا إرادية ولا يمكن اكتسابها وتعلمها أو تعليمها، أو التحكم بها زمنيا ومكانيا، لذلك فهذا المجال ليس سحرا، لأنه موهبة ربانية، كالغناء والرسم وقرض الشعر، ولكن هناك دجالون زبائنهم من الأغبياء والمرضى النفسانيين.
3 - الكثيرون يؤكدون لك أن السحر مذكور في القران، ولكن احدهم لم يذهب إلى القرآن الكريم ليعيد القراءة، بل يقولون وان الرسول صلى اله عليه وسلم قد سحره اليهودي لبيد بن عاصم بمشط، وأن هناك من هم قادرون على فك السحر، وإخراج الجن والعفاريت من البيوت والأجساد، وتهديد زعيمهم شمهورش وبقية زعماء الجان بالويل والثبور.
4 - للذين يريدون اتهامي بإنكار السحر، اطلب منهم اختبار أفكارهم وترك ما قيل لهم عن عجائب السحرة، بأن يأتوا بساحر ويطلبون منه شيئا يكون قادرا عليه، وقادرون على إدراكه، كأن يرمم حالة طلاق، أو يرجع غائب أو يدل على مجرم. او يجد شيئا مفقودا، أو يؤثر على نتنياهو لكي يوقف الاستيطان، وتتأكد لجنة محايدة من صحة الاختبار، وصحة النتائج, فإن وجدوا أن السحر قادر على فعل شيء كهذا، فلكم أن تؤكدوا ان هناك سحر.
5 - كل ما نريد قوله هنا ان الله حرم تعاطي السحر، ولم يقر بوجوده، لأنه علم باطل، وحرم الاعتقاد بصحته، حفاظا على الصحة العقلبة للناس، ولكي يستعملوا عقولهم في حل مشاكلهم وقضاء حاجاتهم، لا أن يعتمدوا على السحرة، وذلك توقيا من الغرق بالأوهام والتمنيات الكاذبة، وفي أوروبا جرم بابا الفاتيكان السحر، وكان بحكم بالموت حرفاً على من تثبت ممارسته للسحر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ارجو الاجابة على تساؤلاتي
صباح ابراهيم ( 2017 / 1 / 5 - 21:45 )
انا لا اؤمن بالسحر و لا بتاثيره بتاتا . لكني اسأل فقط
قولك : كل ما نريد قوله هنا ان الله حرم تعاطي السحر .
سؤال 1 : ان كان السحر هو خداع بصري ولا وجود له و لاتاثير حقيقي سوى الوهم فلماذا حرم الله شئ غير موجود ؟
سؤال 2 : هل تؤمن او تنكر ان الرسول محمد قد سحره اليهودي لبيد بن عاصم بمشط ؟
علما ان هذه الحادثة مذكورة بكتب السيرة والتراث الاسلامي كحقيقية وقعت .
سؤال 3 : السحر المذكور بالقرآن ، هل يدل على انه خداع بصري ام سحر حقيقي له تأثير و فعل ملموس .

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد