الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (1/20)

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2017 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


عند إعادة قراءة الروايات الثلاث التي أوردناها في الحلقة السابقة لثلاثة سجناء سياسيين كانوا في سجن نقرة السلمان وعاصروا الأحداث التي ألت إلى انقسام السجناء الشيوعيين في السجن على انفسهم، بين من أسماهم آرا خاجادور ضمناً بالأقلية والأكثرية، و زكي خيري أسماهم باليساريين (الأكثرية) واليمنيين (الأقلية)، أما حسقيل قوجمان أسماهما بإتجاهين: إتجاه سالم عبيد النعمان، عشرين سجين من مجموع 250, واتجاه حميد عثمان الأغلبية الساحقة للسجناء.
نجد ان آرا خاجادور إختلطت عنده الأمور أو ربما أراد أن يخلطها، بتأثير من عقله الباطن، عندما يذكر: "انتقلنا نحن الأغلبية الى القلعة الشمالية مع الرفاق القدامى، أما الذين في سجن الكوت قد انتقلوا إلى القلعة الجنوبية."، مع العلم أن "الرفاق القدامى" كانوا يشكلون الأقلية وإستقروا في القلعة الجنوبية وبعكسهم توجه الأخرون إلى القلعة الشمالية. لم يتعارض هذا العرض مع ماجاء في روايتي زكي خيري و حسقيل قوجمان حسب وانما حتى مع ماذكره بنفسه في بداية تناوله لموضوع "كيف نشأت راية الشغيلة؟" عندما كتب :" وبات عدد الرفاق القدامى في سجن نقرة السلمان 41من 200 سجين تقريباً". ويظهر إخفاق آرا خاجادور في وصف نهاية ما حدث وصفاً دقيقاً، أيضاً، عندما كتب :" هكذا إشتدت الصراعات وعدم الانسجام في الحياة اليومية بين الرفاق وظهرت تشبه وجود فريقين، فقد عقدت الأغلبية إجتماعاً تمخض عن قرار بالإنفصال في مجال المعيشة." في الوقت الذي تشير كل الدلائل المستنتجة من الروايات الأخرى بأن منظمة السجن في نقرة السلمان تصدعت تحت تأثير نمو إستياء السجناء وبروز ردود أفعالهم بسبب الإستهانة والتلاعب بمقدراتهم، إلى منظمتين مختلفتين تماماً من حيث المظهر والتوجه الفكري وردود الأفعال تجاه أساليب إدارة السجن المذلة بحق السجناء السياسيين خلال عملية ديمقراطية مباشرة في غاية الشفافية، مبنية على إحترام حرية الإختيار والنأي بالنفس عن المهاترات والإستفزازات بجميع أشكالها، بانت مخرجاتها الإيجابية من خلال التطور النوعي الذي لم ينحصر في الحياة الثقافية للسجناء وطريقة عيشهم وإنما في خلق نقلة نوعية من المقاومة الذكية، الجريئة والباسلة للسجناء للتصرفات السادية التى كان المسؤولون عن السجن يمارسونها، ومواجهة السجانين المسلحين بمختلف أنواع الأسلحة لتوجيهها الى الصدور العارية للسجناء بهدف إذلالهم وتحويلهم من مناضليين عنيدين مفعمين بالأمل إلى شخصيات مازوشية، لم يكتفوا بتسليح أنفسهم بالوعي والتضامن وثقافة التسامح الى جانب إنماء روح النكتة والمرح وإنشاد الأناشيد والعزف على أدوات موسيقية من صنع أيديهم وحدها وإنما حتى بسيوف صنعوها من براميل معدنية مخصصة لخزن المياه، بأيدي شبه خالية من الأدوات التي يتطلبها عمل من هذا النوع لغرض الدفاع الجماعي، على الاقل، عن كرامتهم في ظل حقوق كانت غائبة كلما تطلب الأمر!
لكي لا نذهب بعيداً وندخل في تفاصيل مملة لإثبات ما زَعَمْتُهُ في الفقرة السابقة، بالإمكان مقارنة طريقة إعلان الإضراب الفجائي الذي جاء ذكره في رواية زكي خيري ومألاته (الحلقة الماضية)مع الحادثة التي أشار إليها حسقيل قوجمان نتيجة إحتدام النقاش بين السجناء حول مقال "ع.ع": " فتقرر دعوة جميع الذين اشتركوا في النقاشات الى اجتماع لمناقشة الموضوع. وكنت احد الذين حضروا هذا الاجتماع الذي دعي اليه حوالى خمسين سجينا... رفعت يدي طالبا الكلام فقلت ليس جميع المجتمعين ممن اشتركوا بصورة فعالة في هذا النقاش. اقترح دعوة عدد قليل ممن ساهموا مساهمة فعالة في النقاش واقتصار الاجتماع عليهم فقط. فسأل حميد عثمان المجتمعين عن رأيهم باقتراحي فوافقوا عليه ولذلك أبقوا خمسة سجناء لمناقشتهم كنت احدهم رغم اني لم اشترك في النقاشات غير العلمية التي جرت."(الحلقة الماضية أيضاً).
كما ويمكن الإستنتاج بأن عدداً ممَنْ كان قلوبهم وأفكارهم مع توجهات الأقلية إنخرطوا مع تيار الأغلبية تخوفاً من التهميش وتحت تأثير ظاهرة حلزون الصمت. لهذا نرى بأن زكي خيري الذي لم يُخفي تواطؤه مع سالم عبيد النعمان، بوضع قدراته الذي كان يتميز بها في خدمة سالم عبيد النعمان الشخصية سراً، الذي لم يتوانى في خدع السجناء الأخرين بتقمصه لشخصية الضليع في الماركسية - اللينينة يعترف بأنه كان : " من أوائل المنضمين الى«اليسار»"، ويأتي آرا خاجادور بعد أكثر من ستة عقود وظهور العديد من الحقائق الغائبة الى العلن يُرجع سبب ما حصل إلى عوامِلَ كانت في عداد الأمور الثانوية التي يستعد كل من يدخل السجن، في ظروف قاسية ولسنوات طويلة، التخلي عنها من أجل المباديء والأهداف التي يقتنع بها ويُناضل من أجل تحقيقها.
لم يكن المسُتَعْمِر بعيداً عن مراقبة ودراسة ما كان يحدث في سجن نقرة السلمان الصحراوي ومخرجاته، حيث تحول المكان الذي أرادوه أن يكون مقبرة ومسلخاً لكل ما هو مشرق وإيجابي من سلوك الانسان الواعي إلى ظهور تجربة ديمقراطية حقيقية ولو على نطاق جغرافي محدود تجابه النظام الذي اعتمد عليه في تأمين مصالحه، النظام الذي لم يجد غير القسوة كأسلوب للتعامل مع من يختلفون معه في الأفكار والتوجهات السياسية.
إن من أهم التكتيكات الذي يعتمد عليه كل مستَعْمِر لضمان مصالحه الاستراتيجية في مستَعْمَرته أو أيّ بلدٍ يقع تحت تأثير نفوذه، هو تمكين الأقلية الضئيلة من الهيمنة على مصير ومستقبل الأغلبية الساحقة ولم يُستثنى الحزب الشيوعي العراقي والعراق برمته من هذا الفخ الذي نُصِبَ بمكرٍ ودهاء منقطع النظير.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء