الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أي حد يمكن الدفاع عن الإسلام؟

وجدي وهبه

2017 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"ما حدث لا يمثل الإسلام!" باتت هذه العبارة من أكثر التعبيرات المتكررة في الآونة الأخيرة، كلما وقعت حادثة إرهابية في الشرق أو الغرب سارع الكثيرون للدفاع عن الإسلام باعتبار تلك الأحداث لا تمثل الإسلام. وبالطبع يمكن إضافة عبارات من أمثال إن الإسلام دين سماحة، أو أن الرسول كان يشجع على التعايش بين الأديان. ومن كثرة استخدام هذه العبارة أضحت أيضًا موضع سخرية على اعتبار أن هذه البيانات كثيرًا ما تكون معدة سلفًا مع بعض التغييرات الطفيفة في التواريخ والأماكن.
من موقعي كباحث في الدين وعلم الاجتماع، أرى الورطة العميقة التي يتعرض لها الكثيرون ممن نطلق عليهم لقب "مسلم معتدل" وأيضًا من شريحة من التقدميين غير المسلمين الذين يدافعون عن الإسلام في الغرب. فالمسلم المعتدل يجد نفسه في صراع بين دينه، الذي يؤمن بكونه سماويًا أو إلهيًا، من جهة، وبين أبسط القيم الأخلاقية المتعلقة بحرمة حياة الإنسان ورفض الظلم والشهوانية المفرطة من الجهة الأخرى. وبصرف النظر عن شريحة، أعتقد أنها في تزايد مستمر، من "المسلمين المعتدلين" الذين باتوا يتقبلون بالفعل وجود إشكاليات أخلاقية وإنسانية عميقة في دينهم لكنهم مستمرون في الدفاع عنه لأسباب اجتماعية أو مادية أو غيرها، يظل معظم "المعتدلين" يعانون من أزمة تكمن في محاولة الإجابة على سؤال كيف لإله يفترض فيه الصلاح ولنبي هو خير البشر، أن يثمر عن كل هذا الكم من العنف والهوس الجنسي والظلم والقمع في الماضي والحاضر؟ الحل دائمًا يكون بالتوحد مع الدين بما فيه من إله ونبي، والدفاع عن باستماتة، وهو بالأساس دفاع عن الذات وحماية من أزمة هوية قد تعصف بالإنسان وبالمجتمع. وهكذا يتجه هذا "المسلم المعتدل" إلى تجاهل كل النصوص التاريخية المقدسة التي يستند عليها "المسلم المتشدد" أو إعادة قراءتها بشكل يتلاءم مع أخلاقيات وتصورات هذا المسلم المعتدل.
أما التقدمي غير المسلم، وخاصة في الغرب، فرغم كونه في معظم الأحوال غير مقتنع بالأصل الإلهي للإسلام، لكنه يراه أحد المحاولات البشرية للتواصل مع الألوهية مثله كمثل بقية الأديان. وينزعج هذا الشخص من ربط الإسلام بالعنف والبربرية خوفًا من الوقوع في فخ العنصرية تجاه المسلمين، أو معاقبة المسلمين بشكل عام بذنب أقلية، بحسب نظره، لا تمثل الأغلبية. هذا التقدمي يخلط بين دائمًا بين الإسلام كدين وإيديولوجية وبين المسلمين كبشر، كما يكون لديه استعداد شديد لقبول أي دفاع، ولو مفرط في سذاجته، عن الإسلام وتاريخه وكتبه، فقط من أجل الحفاظ على رؤية يزعم فيها التوازن والعدالة تجاه المسلمين. وبالتالي فإن التقدمي هو أسهل من يقبل بمزاعم أن الجذور التاريخية للإسلام يغلب عليها السلمية والمحبة والتسامح لكن الأجيال التالية، وخاصة في الحركات الإرهابية الحديثة، هي التي شوهت صورة الإسلام. وهذا التيار منتشر بقوة في الأوساط الأكاديمية الغربية.
غير أن قراءتي للواقع والمستقبل القريب تنذر المسلم المعتدل وغير المسلم التقدمي بعبثية محاولاتهم للدفاع عن الإسلام بشكله التقليدي. ولي عدة أسباب لتلك الرؤية أسوقها إيجازًا فيما يلي:
أولاً، الضعف الشديد لمبدأ نقد الذات في المجتمعات والتعاليم الإسلامية. فالمسلم يُلقَّن منذ نعومة أظافره على قاعدتين أساسيتين وهما أن المسلمين هم خير أمة أخرجت للناس، والثانية أن العالم كله يتآمر عليهم ويبتغي الفتك بها لا لشيء إلا لكونهم مسلمين. وهكذا يمتلئ ذهن ومشاعر المسلم بمزيج من التعالي أو الرفعة مع الشعور بكونه ضحية ومظلوم. هذا المزيج يمنعه من قبول أي نقد سواء من الداخل أو الخارج، والحل دائماً هو محاولة اكتشاف أطراف المؤامرة والدفاع عن الذات وعن الإسلام. وكلما ظهر صوت معارض أو منتقد في الداخل أو الخارج يسارع الكثير من المعتدلين بضربه أو إسكاته بحجة أن هذا الصوت يهاجم الإسلام، وبذلك يهاجم الله ورسوله والمجتمع المسلم.
ثانيًا، وفي المقابل فإن انتشار وسائل الاتصال والتواصل الحديثة جعلت مهمة إسكات الأصوات المعارضة وإخفاء الوجه القبيح للدين وتبني رواية واحدة مقبولة بمثابة عملية شبه مستحيلة في ظل تزايد أحداث العنف والهمجية وكذلك انتشار أسانيدها ومبرراتها المتأصلة في عمق التراث الإسلامي بكتبه وتاريخه. الأمر الذي معه تتآكل تدريجيًا الأرضية التي يقف عليها المسلم المعتدل وغير المسلم التقدمي في الدفاع عن إسلام هو في حقيقته ليس سوى مجموعة منتقاة من الكتابات الإسلامية ذات الصبغة المعتدلة.
ما يحدث الآن هو أن العالم يضيق ذرعًا بالإسلام والمسلمين. وستتزايد، كما هو واضح الآن، التيارات اليمينية المعادية للمسلمين في الغرب، وقمع بعض الأنظمة السلطوية للإسلاميين حينما يهددون سلطتهم. وهذا بالتالي سيغذي ويدعم أسانيد المسلم المعتدل عن كونه ضحية، فيبارك علنيًا أو خفية، أي أعمال انتقامية للحفاظ على كرامة الإسلام والزود عنه. وهذه الدائرة المفرغة لن تنتهي عن قريب، لكنها ستزيح تدريجيًا الصوت المعتدل أو التقدمي جانبًا.
للأسف، بات واضحًا الآن أن كثيرًا من المسلمين يزدادون يومًا فيوم في ترسيخ صورة دينهم كايدلوجية فاشية وإقصائية، مما يهدد بالقضاء على أبسط مظاهر التسامح والإنسانية التي كان يتصورها هؤلاء المعتدلون والتقدميون. لا أمل سوى أن يخرج العالم وعلى رأسهم المسلمون أنفسهم في رفض ومواجهة تلك الفاشية الإسلامية، من خلال التأكيد على قيم العدالة والإخاء والمساواة بين كل أتباع الأديان والمعتقدات، وإرساء قيم نقد الذات ونشر ثقافة التعددية والحوار بموضوعية وشفافية. وإلا فلن يصدقكم أحد فيما بعد ولن يصمد دفاعكم المزعوم عن الإسلام طويلًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك