الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثيران بلفات .. وأشياء أخرى

بدر الدين شنن

2017 / 1 / 6
الادب والفن


بعد وصول سامر إلى بيت أبو فريد .. كان ينتظر بشغف ، أن يستمع إلى قصة أبو فريد الجديدة ، التي وعده أن يكون أول من يطلع عليها .
لكن أبو فريد كان متردداً .. لسببين .. لأنه لدى سامر تجربة أدبية غنية .. ومن المؤكد أنه سيمطره بكثير من الملاحظات .. ولأنه ربما تسرع بإقدامه في قصته الجديدة .. على استخدام أسلوب جديد .. في عالم القصة .
وأدرك سامر أن أبو فريد في مأزق . وهذا ما شجعه على السؤال ، عن القصة ، للتعرف على ما هوجديد فيها..

حين بدأ أبو فريد قراءة قصته بأسلوبه الشيق . توقف سامر عن متابعة شرب قهوته ، ووضع الفنجان جانباً ، وركز على الاستماع إلى القصة ..

إنها قصة قصيرة .. تعاملت مع الماضي البعيد .. والقريب الراهن .. مع الواقعة ، والطرفة ، والعبرة .. وأشياء أخرى تخص الحاضر أكثر من الماضي .,
هكذا بدأ أبو فريد .. ثم اتجه لقراءة القصة .

وكانت القصة :
" م المعروف ، أن للخليفة العباسي هارون الرشيد عدد كبير من الأولاد ، لاسيما من الذكور . وكان يؤثر ابنه المأمون على جميع أبنائه . وكان هذا الإيثار ، يثير غيرة وحزن " السيدة ز بيد ة " أم الأمين .. وتطالب الخليفة بإلحاح ، بمعاملة ابنها الأمين أسوة بأخيه المأمون .. بل وبأفضل منه ، لأن الأمين هو ابنهما لبكر .

وللتخلص من هذه المشكلة ، قرر " الرشيد " إجراء امتحان للأخوين . ليكشف البرهان من هو الأحق من أخيه بالإيثار .. ووافقت أم الأمين .
وكان الامتحان أن طلب " الرشيد " من الأمين والمأمون ، أن يأتيه كل منهما " بأربعين ثوراً بلفات .. أي بعمائم " ..

في الوقت المحدد ، جاء الأمين يلفه الغبار والعجاج ، ومعه " أربعين ثوراً معممين باللفات " .. ارتاحت " السيدة زبيدة " وقالت للخليفة .. أ
- أنظر يا مولاي ابننا .. جالباً الثيران التي طلبت .
أجابها " الرشيد " :
- لننتظر المأمون .. ونرى بماذا سيأتي .
بعد قليل حضر المأمون .. وبصحبته " أربعين رجلاً " واضعين على رؤوسهم اللفات .. أي العمائم .

وهنا أطلقت أم الأمين تعابير الشماتة بالمأمون وخاصة قولها المكرر "هل صار المشايخ ثيراناً يا مأمون " .. والافتخار بابنها الأمين .. " الثيران هم ثيران الأمين " وقالت للخليفة :
- أين يستقر الذكاء والإيثار يا مولاي .. أعند الأمين .. أم عند المأمون ؟ ..
ضحك الرشيد .. وطلب من المأمون .. كيف اختار ثيرانه .
أجاب المأمون :
- تجولت في المساجد التي يجب أن تكون مصادر الفتاوى .. والعلم .. والفقه . كنت أسأل من ألقاه من المستمعين .. ماذا فهم من الشيخ الفقيه امن الشريعة والدين .. أو ماذا فهم علوم العالم التي يطرحها . فكان الذي لا يجيبني سوى بقوله . إنه كلام من ذهب .. إنه جواهر .. كلام نادر .. والشيخ عبقري يستحق الاحترام .. دون تناول أهم المعاني والدلالات والفائدة مما سمع ، أطلب منه أن يقف جانباً .. ثم نظرت وفكرت ماذا ستستفيد الناس من مثل هؤلاء .. فوجدتم جميعاً ثيراًناً بلفات .. وهم الثيران الذين طلبتهم أنت يا أبي .

بعد نظرة استفهام يشوبها قليل من الغضب .. من " الرشيد " إلى السيدة " زبيدة " وابنها ، أدركت السيدة أنها خسرت الرهان ..واستأذنت الخليفة بالانسحاب .. مصطحبة معها الأمين إلى الحمام .
وبعدها انسحب المأمون .. إلى حيث يلتقي زملاءه عادة ، ويجلسون مستمعين أو مشاركين ، الأساتذة الكبار ، في الشعر ، والفلسفة ، والأدب ، لإغناء العقل ، والفكر ، وتنمية الإبداع ، أو يمارسون فنون ومهارات الفروسية .. ويحفظون مكارمها ، ونبلها ، وذرى الشهامة فيها . وكان عهده .. بعد الأمين امتداداً لعهد أبيه " الرشيد " . وكان معاً صانعا العهد العباسي الذهبي ، الذي تحقق خلاله الكثير من الإنجازات الحضارية والعلمية والثقافية ، والبنى والمقومات الضامنة لبقاء وازدهار الوطن " .

وبانتهاء أبو فريد من القراءة .. أكمل سامر ما بقي في فنجان قهوته . ومر وقت ممل إلى حد ما ، كان كل منهما ينتظر الآخر ماذا سيقول . فبادر أبو فريد سائلاً صاحبه ..
- كيف وجدتها ..
أجاب سامر
- إنها نبذة تاريخية .. مقتطعة . لم يجر بعد استخدام هذا الأسلوب على نطاق واسع ، وفي نفس الوقت ، لا يصح نفي " القص " فيها .. ولا يمكن تبرئتها .. من الماشرة ، والسرد التاريخي . لكن كل من يقرأها بمنظور واحتياجات الواقع الراهن ، لابد أن يتعامل معها بأي أسلوب يحلو له . وتبقى هي قصة تفضح الثيران المنتشرين في كل مجال ومكان في عالمنا .

ارتاح أبو فريد قليلاً وقال :
- في زحمة القهر .. وفقدان القادة .. وقحط الفكر .. واستباحة الغزاة لنا .. لم أجد أمامي سوى الثيران ، في السياسة ، ودور العلم ، وأمكنة العبادة ، ودواوين الدولة . ما دفعني لوضع الرشيد والمأمون نموذجين يحتذى بهما .. للتخلص من الثيران عندنا .. وبناء عالم ذهبي .. نستمتع به نحن .. وتستمتع به الأجيال القادمة بعدنا .
قال سامر :
- حتى نتخلص من " الثيران " أي الأغبياء والمنافقون ، والفاسدون ، والخونة .. نحتاج أولاً إلى " رشيد .. ومأمون " . ولذلك يمكن أن نعتبر ما نكتبه في الزمن الراهن " المثورن " هو من عالم القصة .لكن ما سنكتبه في عهد مغاير فيه بصمات " رشيد ومأمون " ، سيكون برنامجاً يحفزنا على الوحدة ، والتحرر ، والشجاعة ، والعلم ، والإبداع .. والالتزام بأطر وحدود الأدب بما فيه " ألقصة " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية