الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأسلم وتراكم الديكتاتورية

ياسين المصري

2017 / 1 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في البلدان المتأسلمة: إما أن يكون المرء ديكتاتورًا بالوراثة، أو أن يصبح ديكتاتورًا بالثقافة.
يقول الأستاذ ممدوح عدوان في كتابه "حيونة الإنسان" :

"مجتمعات القمع، القامعة والمقموعة، تولّد في نفس كل فرد من أفرادها دكتاتورا، ومن ثمّ فإن كل فرد فيها ومهما شكا من الاضطهاد يكون مهيئاً سلفاً لأن يمارس هذا القمع ذاته الذي يشكو منه، وربما ماهو أقسى وأكثر عنفاً على كل من يقع تحت سطوته". (دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع ط 2 ، بدون تاريخ أو مكان طبع)

كثيرًا ما تتردد كلمة الديكتاتورية (Dictatorship) على ألسنة المواطنين في الدول الموبوءة بوباء التأسلم المزمن، دونما إدراك بأن الأغلبية العظمى منهم مفروض عليهم بالضرورة أن يكونوا ديكتاتوريين إمَّا بالوراثة و إمَّا بالثقافة. فالديكتاتورية جزء لا يتجزَّأ من عقيدة وثقافة ممنهجة يتم فرضها على المجتمعات المتأسلمة، بحيث تكوِّن منظومة عامة وطاغية، تنتقل - لا جينيًا - من جيل آخر. لذلك يصبح كل شخص في تلك المجتمعات ديكتاتورًا في وقت ما وبشكل ما؟. هذه المنظومة تبدو - بلا جدال وبكل معيار - في سلوك المتأسلمين عامة، بحيث لا يتعلق الأمر بالمناصب وحدها، بل أيضا بالأفراد العاديين، سواء كانوا في منازلهم مع أسرهم، أو مع الآخرين في الشوارع والمدارس وأماكن العمل وفي البرامج الحوارية وأي في أي مكان يتواجدون فيه.

كلمة ديكتاتور (Dictator) نشأت من لقب القاضي في روما القديمة والذي كان يُعَيَّن بقرار من مجلس الشيوخ في أوقات الطوارئ لسيادة الجمهورية بأسلوب ديكتاتوري. ويتم تَعَريبها بمصطلحات عديدة منها المستبد، لوصف الحاكم الذي لا يحكم عبر الوسائل الديمقراطية، أو الطاغية، وهو مصطلح كان في الأصل لقبًا محترماً في اليونان القديم، ثم راح يطلق علي كل رئيس أو ملك أو شخص يقوم بقمع واستبداد واضطهاد شعبه واعدام من يخالف أوامره، وزج الناس الأبرياء في السجون لمجرد اختلافه معهم في الرأي. ولكن كلمة " ديكتاتور" هي الأوسع انتشارا في الاستخدام الحصري كمصطلح - دون لقب - للقمع، والحكم الفاسد، والتعامل مع المخالفين أو المختلفين باستبداد وطغيان معًا. وعندما تدعوا بلدان أخرى رأس الدولة لبلد مُعَيَّن بأنه ديكتاتور بناء على هذه الممارسات وغيرها، فتلك الدولة توصف بالديكتاتورية.

من الواضح أن الديكتاتور المستبد يمكن أن يظهر في أي مجتمع، ومن الثابت أن يكون مدعوما بأيديولوجية خاصة، مثل النازية أو الفاشية أو الشيوعية أو غيرها، ولكنها تموت بموته. بينما الديكتاتور الإسلاموي المتسلط يعتمد على أيديولوجية مقدسة، يزعم أنها صالحة للإنسان في كل زمان ومكان، ولذلك، وعلى مر العصور، قام الملفقون والمستفيدون منها بتشكيل ثقافة وبائية شاملة جامعة على أساسها، بحيث تطبق كل يوم على أنفاس البشر، وتضيِّق الخناق على وجودهم.

الديكتاتورية في المجتمعات الموبوءة بوباء الأسلمة قائمة على ثقافة تدور في مجملها حول شخص واحد فقط، يزعُم أنه نبي الرحمة، وأنه جاء ليكمِّل مكارم الأخلاق، بينما يتجلَّى بوضوح في سلوكه مرض الأنا النرجسي باتباع أسلوب الاستعلاء على الآخرين وإقصائهم واحتقارهم، بل والاعتداء عليهم وقتلهم. وفوق ذلك يطلب من معتنقيه أن يكون أسوة حسنة لهم في أقوالهم وأفعالهم.

هذه الثقافة اللا إنسانية تضرب بجذورها في أعماق النفس المتأسلمة لتفصل بين الحاكم والمحكوم وبين المثقف والجاهل وبين الغني والفقير...، كما تفرق بين البشر على أساس اللون أو العقيدة أو الجنس. وبدلًا من أن يكون المتأسلمون في حالة تكامل وإنسجام كما هو الحال لدي البشر الطبيعيين، يعيشون حالة من الإقصائية والاستعلاء والاحتقار فيما بينهم. الكل يرى الآخر وكأنه يشكل تهديدًا لمصالحه الشخصية وخطرًا على وجوده أو إنقاصًا لمكانته. الكل يستمد جبروته ونفوذه من التيار الجاهلي واللا إنساني الممتد منذ نبي الأسلمة حتى اليوم، حيث يقبع هذا التيار دائما بعنف وإصرار في هرم السلطة والنفوذ ويتحكم في البلاد والعباد. مما يؤدي إلى اندثار الطبقة المثقفة، فنراها إما أن تترك البلاد والعباد وتهاجر، أو تستسلم أمام سلطان الجهل المتفشي في البلاد وبين العباد. إن صراع الأنا والنرجسية الإسلاموي القائم على هذه الثقافة البائسة والتعيسة تلعب دورًا رئيسيًّا في اغتيال أفكار التجديد، حيث أن المفكر المستسلم لسلطان الجهل لا يقدم لمجتمعه أفكارا بهدف التغيير والإصلاح، بقدر ما يقدمها لإبراز عضلاته الفكرية وتضخيم الأنا والنرجسية لديه، بمعنى أنه بدلا من تتلاحم أفكاره مع أفكار الآخرين لتخرج جميعها بنتيجة واحدة في مصلحة البلاد والعباد ، تتبارز مع بعضها البعض وتتقاتل لكي يُصفَّق لها هنا وهناك.

الثقافة الطاغية في بلاد المتأسلمين قائمة على التربية الدينية الإسلاموية التي تكرِّس وترسِّخ في عقلية الطفل مجموعة كبيرة من الخرافات والأوهام، فتجعل من الدين أساسًا في حياته اليومية، وركيزة قوية وراسخة في اللاوعي لديه، ومع تقدمه في في العمر، تصبح تلك الخرافات والأوهام جزءًا لا يتجزَّأ من مكوناته الشخصية، وإحدى العوامل المهمة في سلوكه وكلماته وحركاته دون أن يدري. وتكتمل دائرة الإطباق على كيانه مع ما يفرضه المجتمع من تقاليد وأعراف إسلاموية لا تتفق مع الواقع الإنساني المتغير باستمرار، ولا تنسجم مع التقدم المدني والحضاري، فيصبح فكره مقيَّدًا بالدِّين أكثر من أي شيء آخر في الحياة، ليتحوَّل بذلك إلى " محكمة تفتيش " تسير على قدمين، لا لنفسه، بل للآخرين تهيم بحثًا في نواياهم عن خطأ، وفي نفوسهم عن معصية، وفي قلوبهم عن عقيدة مخالفة لعقيدته، كي ينقض عليها، ويعمل قدر استطاعته على تدميرها بلا رحمة. يحاسبهم على المظاهر والكلام والسلام والعقيدة والأكل والشرب ودخول المرحاض والخروج من الحمام وكيفية النوم مع زوجاتهم، وطريقة تربية أولادهم. بل وماذا يعملون عندما يضرط أحدهم أو يفسِّي في حضرة الوالي السعيد.

ما هي إذن العوامل والأسباب الكامنة وراء هذه السلوكيات الشاذة؟؟

يرى الفيلسوف الألماني لودفيج أدورنو Theodor Ludwig Adorno( 1903 - (1969 انه لا يمكن فهم الشخصية الديكتاتورية المتسلطة والبحث عن اسباب ظهورها او عدم ظهورها في مجتمعات دون أخرى، إلَّا في نطاق سلطة العائلة الأبوية - البطريركية، التي تكوِّن الاساس الموضوعي لتطور النزعة التسلطية العدوانية. هذه النزعة تنمو مع الطفل بسبب كبت الحاجات من قبل العائلة الذكورية التي تفرض طاعة الكبار على الصغار واحتقار الأنثى، واعتبار الناس إمَّا قاصرين، أو مقصِّرين. أي أنه لا يمكن فهم هذه النزعة الَّا عند وضعها خارج السياق السياسة.

ومن ناحيته اهتم ماكس هوركهايمر( 1895-1973) Max Horkheime ، المؤسس الحقيقي لمدرسة فرانكفورت النقدية في علم الاجتماع، بدراسة موضوع العائلة والسلطة وتتبع اسباب النزعة العدوانية التي تنمو منذ الطفولة. وقال إنها بسبب كبت الحاجات من قبل العائلة البرجوازية التي تفرض طاعة الكبار على الصغار وتحول الضعفاء من الناس الى قاصرين. ويضع هوركهايمر المسؤولية بالدرجة، الاولى على الضغوطات الاجتماعية والكبت الذي يولد عدم التماثل والانسجام مع المجتمع وعدم التكيف مع البنى التراتبية بحيث يتخذ الطفل او الجماعة او الفئة الاجتماعية التي ينتمي اليها " نمط التفكير" السائد، مثلما يتخذ نفس المواقف ويطلق نفس الاحكام المسبقة بسبب قلة المعرفة والخبرة وضعف التربية الديمقراطية، التي تضطر الاطفال الى الدخول في صراعات تسلطية، خصوصا عندما لا يجد الطفل حلولا لصراعاته لدى العائلة.
Horkheimer,M Autoritaere Familie, in Kritische Theorie der Gesellschaft,Bd.1,Frankfurt/m 1986

كل إنسان في المجتمعات الإسلاموية محاصرًا منذ ولادته بأسوار دينية ذات أسس خرافية ووهمية تثير عاطفته وتشل عقله تمامًا، فتحيل بينه وبين السؤال المنطقي عن مدى صحة اعتقاده، وتمنع عنه المرونة لتقبل الآخرين ومعتقداتهم، وتزرع في نفسه الخوف عند مواجهة أي عقيدة أو فكرة تعارض دينه أو ترفضه، وهنا يتفق الصغار من حاملي الآيباد أو الآيفون أو ذوي البناطيل المتدلية أو قَصّة الشَّعر العجيبة مع الكبار من ذوي اللحية الكثيفة والزِّي البدوي الصحراوي أو الجلباب القصير، كما يتفق بالمثل كافة الجهلة والأميين وأنصاف المتعلمين مع الكثير ممن يعرفون بالنخبة والمثقفين والمناضلين السياسيين ونشطاء حقوق إنسان، يتفقون جميعهم على شيء واحد فقط، هو أن الدين لديهم خط أحمر، يثورون عند سماع أي نقد له أو هجوم عليه.

المشروع الثقافي، القائم على الإسلاموية منذ قرون، يخلق وعيًا تاريخيًّا مزيّفًا، لذلك كان دائمًا وقودا لصراعات مستمرة، لأنه يشكل نزعة ايدويولوجية فاشية شمولية تهدف الى تبرير التسلط وآليات القمع المادي والمعنوي على حد سواء. إنها النزعة التي تعبر عن نفسها بمدى ما تحدثه من تأثير على الحياة العامة للمواطنين وقولبة سلوكهم وربطهم دائمًا بأوهام وخرافات القومية العروبية والعاطفية الدينية من خلال التدخل القوي في نظام التربية والتعليم ووسائل الإعلام والاتصالات المرئية والمقروءة والمسموعة والسيطرة عليها ومراقبتها وتوجيهها ايديولوجيا. إنها تتبنى التعبئة السياسية والنفسية، التي تعمل على فصل الفرد المتأسلم عن الواقع من حوله، وتجرده من الوعي والهوية والإرادة الذاتية والشخصية المستقلة، فتجعله يهتز عاطفيًا كما تهتز الريشة في مهب الرياح، ليكون أداة ساحقة ماحقة في أيدي السادة المسيطرين والمستفيدين.

يذهب المفكر الأمريكي جين شارب في كتاب "من الديكتاتورية الى الديموقراطية" إلى أن الدكتاتور يأتي إلى الحكم بسبب جهل الأمة، إما جهلاً سلبياً بأن يجهلوا أن مشاكلهم نابعة من الحكم، بل يتصوروا أنها نابعة من شيء آخر، أو جهلاً إيجابياً وهو أسوأ الجهلين لأنه جهل مركب وهو أن يتصوروا أن من (الدين) الإبقاء على هذا النحو من الحكم، فالجهل ركيزة الحكومات الدكتاتورية.

إن الثقافة الإسلاموية التي تدرس في البيت وفي المدارس والجامعات ويتم بثها في المساجد والحسينيات ووسائل الإعلام بشتى أنواعها تؤسس للجهل المزمن، بحيث يصبح الإنسان تبعا لتعريف محمد أركون مضيفًا وحاملًا للجهل المركب، فيمرر بِنْية الجهل التي اكتسبها متجلية في معتقداته وسلوكياته للآخرين، ولمن يأتي بعده. فالجهل نوعان، الجهل البسيط وهو عدم العلم بالشيء واقتناع الإنسان بأنه يجهله فيسعى لتعلُّم ما يجهل، والجهل المركب الذي يختلف عن سابقه بكون الإنسان لا يدرك جهله للشيء ومن ثم لا يسعى لإدراكه، بل وفِي أحيان كثيره يدافع عنه بما لديه من إمكانيات.

لذلك، وفي أحوال كهذه فإن ممارسة السلطة والنفوذ من قبل أحد أفراد العائلة أو القبيلة أو الجماعة، تشعره بسمو ذاته وعلو ارادته على كل ارادة. إذ تخلق لديه شعورا بالزهو والعظمة وتولد احساسا بالتفوق والغطرسة، وانه من طبيعة سامية ومختلفة عن طبائع البشر الآخرين، وان ارادته فوق ارادة الجميع، ولا مناع أو وازع عنده بادعاء الانتساب إلى أهل نبي الأسلمة، وإمارة المؤمنين برسالته.

في المجتمعات الموبوءة بالتأسلم تسود الضغوطات الاجتماعية والكبت الذي يولد عدم التماثل والانسجام مع المجتمع وعدم التكيف مع البنى التراتبية بحيث يتخذ منذ طفولته " نمط التفكير" السائد في الجماعة أو الفئة الاجتماعية التي ينتمي اليها، ومن ثم يتبنَّى نفس مواقفها ويطلق نفس أحكامها المسبقة بعيدًا عن الاستقلالية في تحصيل المعرفة والخبرة والتربية الديمقراطية. إن انعدام الهوية والإرادة الذاتية والشخصية المستقلة تقف جميعها حجر عثرة امام نشوء طبقة وسطى واعية في جميع المجتمعات المتأسلمة من ناحية. ومن ناحية أخرى تعمل على تطور خصائص البنية الشخصية المتسلطة التي تظهر في ضعف الأنا.
إن عدم وجود امكانية في المجتمعات الإسلاموية لتطور الاستقلالية الذاتية وعدم اليماح للأفراد من اتخاذ قراراتهم الشخصية بحرية، يجعل الأنا الاعلى متشددة وعنيفة، بحيث تتماثل سلطة الفرد مع سلطة المجتمع. وفي هذه الحالة يصبح الأنا الفردي والجمعي بحاجة مستمرة الى عدو متخيل تعيد انتاجها من خلال آليات دفاعية - انعكاسية. هذا العدو هو الآخرون الذين يخالفونه الرأي والعقيدة أو يختلفون معه بشأنهما.

إن مفهوم التسلط لا يعني السلطة التي يملكها الشخص، أو انه يملك خصائص وصفات جسمانية أو غيرها، وانما يشير الى علاقة بين الاشخاص يكون فيها تطلع الشخص الى الآخر على انه انسان أدنى منه، أي انها عبارة عن علاقة فوقية، تنحصر في التسلط والخضوع. وليس من الضروري ان تكون السلطة شخصا او مؤسسة فحسب، بل تظهر أيضا كسلطة خفية أو مقنَّعة تحت أسم الضمير أو الواجب أو الخضوع للاوامر الاخلاقية أو الإلهية (المزعومة) التي تفرضها المطالب الاجتماعية بحيث لا يستطيع الفرد الاعتراض أو التمرد عليها. وتم بثها بشكل مكثف في وسائل التعليم والدعاية والاعلان، التي يصعب الالتفاف عليها أو مجابهتها. تماما كما يجري مع الديانة الإسلاموية منذ ظهورها وبلورتها وصقلها على مر العصور والأزمان من قبل أشخاص مغرضين ومستفيدين سواء سياسيين أو رجال دين.

إن الشخصية الإسلاموية المتسلطة تتعلق بالماضي مع التعصب والتصلب ضد القيم والافكار الجديدة والغريبة، كما أنها تميل الى الافكار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السلفية التي تعادي الديمقراطية، وترفض الافكار والمواقف الموضوعية وتهتم بالحتمية والقدرية، وتلتزم بالنماذج التقليدية وبالشكليات مع رفض الجماليات والفنطازيا والتحليل العلمي كذلك تتماثل وتتماهى بالقوميه الشوفينية المتعصبة، والامتثال للكارزما والاهتمام بخصائص الانا والتأكيد على المسؤولية الاجتماعية، ونبذ المسؤولية الفردية، وتفرط في الاهتمام بالقضايا الجنسية، بشكل مخفي او مبطن، وتتجه بقوة نحو عدم التسامح مع الآخرين المخالفين لها أو المختلفين معها، وعدم احترام الاثنيات والاقليات والاديان الاخرى. كما أنها تميل إلى فكرة التمركز على الذات وتعزيز الافكار القومية. كما أنها مندفعة بدوافع غير موضوعية وتصورات مليئة بالغيبيات وبالاحكام المسبقة التي ترتبط جميعها بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

إن هذا التعالي لدي الطاغية المتأسلم يولد لديه ايمانا قويا بقداسة سلطته، لان هناك علاقة حميمة بين السلطة والمقدس، خصوصا حين يجد من حوله جمهورا يقدم له الولاء والطاعة والخضوع ويصفق له ويؤلهه ويجعل منه "كارزما"، فالطاغية لا يحصل على القوة والسيطرة والنفوذ إلا بقدر ما يكون هو الأقوى، فاذا عزل أو اقصي عن مكانه، فليس له من سلطة يحتج بها، لان القوة وحدها هي التي كان يتحكم بها في حياة رعاياه.

ومن الثابت والمؤكد أن القيم والمعايير تنتقل من شخصية الاب الى الابن خلال مرحلة الطفولة ومن ثم يتم خزنها في اللاشعور. وأن قيم التسلط التي يمثلها أب قاس وشديد في تربيته تقود في اغلب الاحيان الى تطور " أنا عليا" قوية وشديدة، خصوصا اذا حدث قمع وكبت للرغبات غير الواعية في زمن الطفولة المبكرة. وهنا تظهر أهمية ودور العائلة التي تغرس في الفرد روح التسلط وتعمل على تنميتها لتظهر فيما بعد في تفكيره وعمله وسلوكه ومواقفه مع الاخرين.

إن العائلة كافراد ليست هي المسؤولة على غرس هذه الروح فقط، وانما العائلة كمؤسسة اجتماعية - ثقافية - سياسية تقوم بتنشئة الطفل وتربيته وتعليمه وفق نمط من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة، التي تنمي ميل الافراد نحو التسلط عند الطفل، وبصورة خاصة المرأة، حين تساعد في خضوعها، على تقوية هذه العلاقات التسلطية التي تعود الى النظام الابوي الذكوري.

ان قمع الرغبات وكبتها في اللاشعور يولد صراعا لا شعوريا وينمي اعتدائية لا واعية غالبا ما تسقط على اشخاص آخرين لتفريغ شحنات العدوانية.

إن النظم الديكتاتورية تعتمد على أن يقوم شخص ( رأس الدولة عادة ) أو حزب ( الحزب الوحيد أو الأقوى ) أو أقلية (جماعية أو عائلية أو دينية أو عسكرية أو اقتصادية) بالسيطرة على مقاليد الحكم بحيث يكون كل ما يجري تحت تلك المظلة عبارة عن تصارع ضمن بوتقة يفضي في النهاية لإتباع الجهة السلطوية القوية، و بالتالي لا توجد في تلك النظم سقوفٌ للحريات بشكل ما كما يُرى في الدول الديمقراطية .

وغالبا ما تتميز الدكتاتوريات النمطية ببعض أو كل الصفات التالية:
- 1 تعليق الانتخابات أو تزويرها، أو عدم إجرائها من الأساس.
- 2 عدم الاعتراف بالحريات المدنية و تعليقها.
- 3 أعلان حالة الطوارىء بشكل دائم.
- 4 الحكم بمراسيم سيادية (رئاسية أو ملكية أو غيرها).
- 5 قمع المعارضين السياسيين دون الإلتزام بسيادة الدستور والقانون إن وجدا.
6 - إتباع سياسة دولة الحزب الواحد أو الأسرة أو الجماعة.
7 - عبادة الشخص.




- 8 تسييس السلطة القضائية أو تجييرها لحساب سياستهم الخاصة، ودفعها إلى الأهواء الشخصية وعدم الالتزام بالقوانين في أحكامها.
- 9 الإبقاء على تخلف الأغلبية العظمى من الشعب حتى يمكن السيطرة عليها من خلال الجهل والكذب. والتعامل مع الشعب على أساس أنه جاهل بمجمله.
10 - تكييف العلوم ووسائل الإعلام والآليات التعليمية بما يتناسب مع ممارساتهم السياسية الخاصة.
11 - محاربة وتكفير كل تفكير منطقي لدي المناهضين لهم.
12 - توجيه أنظار وفكر الشعب نحو عدو وهمي أو ايهام الشعب به داخليًا أو خارجيًا.
13 - استغلال الدين والعاطفة لتثبيت حكمهم وفكرهم الخاص بهم عند الشعب.
14 - الإبقاء على حالة الفقر العامة للشعب لاضعافة حتى ينشغل بطلب قوته اليومي أو لقمة عيشة.
15 - نشر الأكاذيب والخرافات والتفاهات والأساليب القذرة لإلهاء الشباب عن التفكير في آليات الحكم.
16 - بناء جهاز مخابراتي قوى ونشيط لشق صفوف المجتمع ليفهم كيف يتحكم فية، والتركيز على النخب جميعها بهدف إذلالها عند الضرورة.
- 17 الاعتماد الكلي على أجهزة بوليسية في فرض الأمن المزعوم وتكميم الأفواه وكبت الحريات والانتقام من المعارضين ووضعهم في السجون لأزمنة طويلة بتهم ملفقة.
18 - المحافظة على بيروقراطية متوحشة في المرافق العامة ومؤسسات الدولة لإذلال المواطن وتضييع وقته ومجهوداته سدًا.
- 19 تعمد إضعاف مؤسسات المجتمع المدني والسياسي والاقتصادي والديني.
أو تحويلها إلى مؤسسات تابعة وخانعة. وفِي المقابل تقوية المؤسسات والأجهزة التي تستخدمها الدولة أو الفئة الحاكمة للسيطرة على المجتمع.
- 20 تفتيت المجتمع من خلال سياسة الاستقطاب الديني أو الطائفي أو العرقي بحيث يصبح المواطنون مشتتين لدرجة في تكتلات من الافراد المعزولين الذين لا يستطيعون العمل معا لنيل الحرية او نيل ثقة بعضهم البعض او حتى المبادرة باي شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أستاذ ياسين
عدلي جندي ( 2017 / 1 / 7 - 23:57 )
بمعني أن الديكتاتور مثل ما نشاهد الكلب مع العظمة (كلب ولقي عضمة) تلك هي ثقافتهم لو قربت منهم تقدم لهم مثلاً ما هو أفضل من العضمة تجدهم يزأرون
تحليل في الصميم
تحياتي

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س