الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحات عن العراق في القرن السابع عشر – قراءة في رحلة تافرنييه إلى العراق

كلكامش نبيل

2017 / 1 / 7
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يضم كتاب "رحلة الفرنسي تافرنييه إلى العراق في القرن السابع عشر"، الصادر عن الدار العربية للموسوعات – ترجمة كوركيس عواد وبشير فرنسيس، لمحات مهمة عن الطرق التي تصل بين حلب وبلاد فارس مروراً بالعراق، والكثير من المعلومات المهمة عن الحياة الاجتماعية والأحداث السياسية في العراق في تلك الحقبة، والصراع بين الفرس والعثمانيين، وإستيلاء الأتراك على بغداد، فضلاً عن الكثير من الأمور الخاصة بأحوال السكان والأديان في المشرق في أواسط وأواخر القرن السابع عشر. كما أن الملحق الذي أضافه المترجمان القديران يعتبر مكملاً تاريخياً مهماً يضم وصفاً للمدن التي تم ذكرها على لسان رحالة أوروبيين آخرين ورحالة عرب في القرون الوسطى. ويعتبر الملحق بحق مكملاً للكثير مما تم ذكره بإيجاز، ومصححاً لما أخطأ الرحالة الفرنسي في تدوينه – سواء أسماء المدن المغلوطة أو سوء الفهم لما رآه من عادات الشعوب. يضم الملحق أيضاً معلومات مهمة عن أسماء المدن وتاريخها القديم وذكرها في عصور ما قبل الميلاد – تم اقتباس أكثرها على لسان الراحلين طه باقر وفؤاد سفر. في بعض تلك الملاحق، ضمّن المترجمان معلومات يمكن أن تصف بعض المدن عبر التاريخ لاسيما فيما يتعلق بأحوال عانة والعمادية.

الكتاب مجتزأ من ست رحلات للرحالة الفرنسي تافرنييه – الذي قضى أربعين عاماً من حياته في التنقل والترحال. ولهذا السبب، يضم الكتاب أوصافاً لبعض مدن سوريا وإيران في الوقت ذاته لكي لا يبدو الجزء الخاص بالعراق من الرحلة مبهماً وغير متكامل بشكل يجعل القراءة غير ممتعة.

يصف الرحالة مشهد الإمام علي ولكنه يصفه في مكان غير دقيق – ربما الكوفة – ويذكر أسباب قلة الزوار الفرس في تلك الفترة بسبب الحروب مع العثمانيين وكون الشاه عباس قد حث رعاياه على زيارة المرقد في مشهد عوضاً عن ذلك لأنه رأى في دفع رسوم من قبل الزوار الإيرانيين للأتراك إهانة لأمته.

يذكر الرحالة أخبار الكثير من الأديرة الأرمنية التي تضم أناجيل ومخطوطات قديمة في جنوب تركيا، كما يذكر وجود الكلدان – ومنطقة جلها من اليهود – بالقرب من شيراز. يخلط الرحالة كغيره بين بابل وبغداد – ولكنه يذكر أن خرائب بابل بعيدة عن بغداد. ونلاحظ بوضوح إستمرار إستخدامه لتسمية بلاد آشور وكلدية لوصف شمال وجنوب العراق بالتتابع. في إحدى المواضع يشير الرحالة إلى تل باشر – قرب حلب – وهي المدينة التي يذكر ياقوت الحموي أن أهلها من الأرمن، وهذا يشير إلى قدم التواجد الأرمني في شمال سوريا. يذكر الكاتب تردي أوضاع المسيحيين وإفقارهم بسبب طغيان الترك وهجمات العرب عليهم في مناطق شمال ما بين النهرين، كما يذكر أن سوريا – ويقصد عموم المشرق - كانت فيما مضى ذات أغلبية مسيحية. يذكر الكاتب التمييز ضد المسيحيين ومنعهم من دخول الأماكن الدينية التي يديرها المسلمون – وبعضها لم يسمح له بالدخول إليها أيضاً، ويشمل ذلك: مقام إبراهيم في أورفا، والملوية في سامراء، وجامع النبي يونس "يونان" في الموصل، وغيرها. في قوش حصار، يذكر الرحالة أطلال ديرين، وتحويل دير ثالث إلى جامع فخم. في قوش حصار أيضاً يذكر وجود الأرمن والنساطرة، ووجود نسختين من الكتاب المقدس بالآرامية أحدها من القرن السابع الميلادي ومحاولته شراء المخطوط ورفض الكنيسة لذلك. يذكر الكاتب أيضاً سوء أوضاع كنائس ماردين ونصيبين وقره سراي أيضاً بعد أن كانت مزدهرة.

يذكر الكاتب أن الموصل "تبدو للمرء من خارجها فخمة المنظر. أسوارها حجرية، بينما هي في داخلها تكاد تكون برمتها خربة". ولهذا السبب يسرد المترجمان أوصاف لعظمة المدينة في العصور السابقة في الملحق. يخطئ الكاتب في ذكر الموارنة من ضمن مسيحيي الموصل، فيما يغفل عن ذكر اليعاقبة. ويبحث الرحالة عن أطلال نينوى ويحاول توقع موقعها في كل أطلال يمر بها بالقرب من الموصل، وهو يطلق على الضفة اليسرى "الضفة الآشورية". يصف الرحالة في هذه الرحلات المنازل الجذابة لشهرزور، أربيل، القيارة، حمام العليل، والسد على نهر دجلة في الموصل وكيفية مرور "الكلك" وإعاقة ذلك السد الذي ينسب بناءه للاسكندر للملاحة في نهر دجلة. ويذكر تواجد الأسود بالقرب من الحويجة.

عن تكريت، يذكر الرحالة بأنها كانت من أقوى المواضع في بلاد ما بين النهرين، ويذكر أن المسيحيين يقيمون على مسافة نصف فرسخ من المدينة، وهذه المعلومة مهمة لأنها تشير إلى إستمرار التواجد المسيحي في تكريت بعد غزو تيمورلنك. يذكر الرحالة ايضاً وصفاً لقلعتها – وهي القلعة التي دمرتها داعش عام 2014.

عن بغداد، نقرأ وصفاً عن أسوارها المهيبة، وموجزاً عن تاريخها، وتفسيراً لإسمها، فضلاً عن قصة تشير إلى العثور على جثمان أسقف قبل أربعين عاماً من زيارة تافرنييه للمدينة. يذكر الرحالة أيضاً دور السنيور ميخائيل في مساعدة الأتراك على إحتلال بغداد، وقصة مؤثرة عن الحاكم السابق للمدينة الأرمني الأصل صفي قولي خان، وإنتحاره وأسرته بعد أن تم إستبداله بحاكم آخر، وكيف ساهم ولاء الجند الفرس للحاكم السابق في عدم الدفاع عن المدينة وتسليمها للأتراك. ويصف كيف غدر الأتراك بأولئك الجنود وإحداثهم لمذبحة راح ضحيتها 20,000 من الجند. يذكر الرحالة تفاصيل مضحكة عن الندب واللطم في المآتم العراقية البغدادية وكيف أن تلك الحركات – وعدها رقصات – أثارت الضحك أكثر من التعاطف وكيف أن ذوي الميت لا بد ان يشاركوا في ذلك وإلا إعتبرهم الناس غير آبهين بموت ذويهم. يذكر أيضا الكثير عن أحوال النساء وحبسهن في البيوت والسماح لهن بمغادرتها بإذن الزوج. ويذكر مغالاة نساء بغداد في إستخدام الحلي ووضع البدويات لخزامات في أنوفهن. وعن مسيحيي بغداد، يتكلم تافرنييه عن الأرمن والنساطرة واليعاقبة، ولم يكن لليعاقبة كنيسة في المدينة بعد. ويذكر مراسم الجنازة وكيف يشارك أكثر من 150 في تشييع كل شخص يتوفى، وتكاليف إقامة الجناز الباهظة التي قد تضطرهم لبيع أولادهم – بسبب تقليد الفقراء للأغنياء مما يغرقهم في الديون – للإيفاء بالديون. ذكر بأنهم يقيمون العزاء في ثلاثة أيام ومن ثم في اليوم السابع والخامس عشر والثلاثين والأربعين. يذكر الرحالة أن سكان بغداد كانوا يعدون بحدود 15,000 نسمة.

عن جنوب العراق، كلدية، يتكلم الرحالة عن سيطرة الأعراب على البصرة حتى وقت قريب، وكيف أن الحكام الأتراك عقدوا إتفاقية لحمايتها من سلب البدو المتكرر، ويذكر إرهاق الحكام بسبب ذلك حتى باع الباشا حكومته لأفراسياب. ومن جملة ما يذكره من آثار الصراع الفارسي-التركي على البصرة تدمير سد يحجز مياه الخليج عن البصرة مما أدى لإغراق مساحات شاسعة من البساتين، الأمر الذي أثر على الإنتاج الزراعي وزاد من ملوحة الأرض. مع ذلك، يذكر الرحالة كثرة التجار من هولندا، وإنكلترا، والقسطنطينية وأزمير، وحلب ودمشق والقاهرة، وديار بكر، والموصل وبغداد في البصرة. يتكلم الرحالة عن اليعاقبة والنساطرة في البصرة، فضلاً عن الآباء الكرمليين والرهبان الأغسطينيين البرتغاليين، لكن الوصف الأكبر والأكثر دقة من نصيب الصابئة، وهو يسميهم "نصارى القديس يوحنا". يذكر الرحالة نبذة عن تاريخ الصابئة، وطقوس الزواج والعماذ، فضلاً عن طقوس ذبح الدجاج، وقصص الخليقة وفكرتهم عن حياة ما بعد الموت، وقصة تراجع أعدادهم بسبب الإضطهاد وهروبهم من فلسطين للعراق. كما إنه ذكر قصص كثيرة يرفضها الدكتور المندائي عبد الجبار عبد الله. ومن بين القصص الكثيرة قصص عن جبرائيل والملائكة والشياطين وكراهية اللون النيلي وغيرها. لكن تافرنييه يقدر عددهم بـ 25,000 عائلة، وبهذا قد يتجاوز العدد 100,000 نسمة. في ملاحق الكتاب كلام عن أسباب تراجع أعداد الصابئة في العراق وبعض الإحصائيات المهمة من مصادر عدة. يذكر الرحالة أوضاع الرهبان الكرمليين والأوغسطينيين في البصرة وخوفهم من إستيلاء الأتراك عليها. ويذكر بأن قدوم الرهبان الكرمليين إلى جنوب العراق بدءً من عام 1623 كان بهدف التبشير في أوساط الصابئة المندائيين.

يذكر الكاتب الكثير عن عانة وتاريخها وشهرتها بالخمر، ورؤيته لأسد ولبوة بالقرب من المدينة، فضلاً عن التحصين المنيع للمدينة. وفي الملاحق نقرأ عن وجود طرق باطنية بين سكان عانة وكثرة العلويين – قبل تهجيرهم من المدينة. وتذكر الملاحق التاريخ القديم للمدينة في العصر الآشوري، وما تعرض له المسيحيون فيها عند مجئ خالد بن الوليد، وطلبهم منه تأمين كنائسهم والسماح بقرع الأجراس متى ما شاءوا. كما نقرأ أن أسقف بدو الثعلبية أقام في عانة في القرن السابع للميلاد. لكن الأب فيليب الكرملي يذكر أن عانة كانت نصف خربة ويسكنها العرب واليهود فقط عام 1629.

ختاماً، الكتاب والملاحق التي أضافها المترجمان مهم للغاية ولا بد من الإطلاع عليه لأنه يؤرخ لحقبة قلما تتوافر المصادر التي تتحدث عنها من تاريخ العراق الحديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا