الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين المثقف ؟

العربي عقون

2017 / 1 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


مع ما يشهده العالم من تطور تزداد حياتنا تعقيدا إلى الحد الذي جعل التفاهم بيننا في غاية الصعوبة لأننا من بيئات مختلفة ومن مستويات تكوين وتعلم متباينة فسياسة الإسكان تدفع بالعشرات للإقامة في عمارة واحدة والدخول إلى شققهم من باب واحد ، وسياسة التشغيل والتوظيف كذلك تصنع خليطا من الذهنيات والسلوكيات والعادات لذلك لا غرابة في أن تجد هذا الخليط يملا الجامعات ويصنع يومياتها المليئة بالتناقض والتشنج .
الجامعة هي مصنع الأفكار والمفكرين ومحضن إبداع المبدعين بقدر احتفاظها بالجدية والصرامة وتجنبها للشعبوية والابتذال لكنها اليوم بكل أسف تخرّج متعلمين ونادرا ما ينفلت من جموع أولئك المتعلمين فرد أو اثنان ليكون كمشروع مثقف واعد .
لماذا انتشر التشنج والتشدد والتعصب ومعاداة الجديد والحديث في أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية على الخصوص حيث يتمترس جيش من قضاة محاكم التفتيش الذين يمارسون كل أشكال القمع نيابة عن الدوائر الكهنوتية ؟ والغريب هو أن تسمعهم يتهكمون على محاكم التفتيش في الأندلس وهم يمارسون اليوم أبشع أشكال التفتيش وهو التكفير واستباحة الأنفس والأعراض بكل عنجهية واثقون كل الوثوق بما يقولون ويفعلون والأدهى من كل هذا هو أن يكون من هؤلاء مدرّسو الفلسفة وخاصة المنطق وأيّ منطق ؟ .
كانت الكارثة قد حلّت علينا منذ أن سُلّمت المدرسة إلى أولئك الذين اختصروا التعليم والتعلم في الشيخ والمريد ... شيخ يملي ومريد يكتب ثمّ يحفظ عن ظهر قلب ، أليس الحفظ عنوان التمسك الحرفي اللفظي بالنص والتسليم له والحجر على الفكر والعقل وبذلك تساوت أقوال الفقهاء مع نصوص الوحي في القدسية ومن هذه الأجواء تشكلت هيئات التدريس في مختلف المراحل وسُلم لها المنهاج والخطاب العلمي والبيداغوجي لتشكله كما تريد ويريد تزمتها وتحجرها ومحدوديتها وانكفاءها على الأراجيز والأحكام التيمية (ابن تيمية) وباقي الأوراق الصفراء التي أخرجت من دهاليز التلقين الحرفي انتحاريين أشنع من مريدي حمدان قرمط والحسن الصبّاح .
الجامعة اليوم تخرّج متعلمين لا مثقفين والمتعلم كما هو معروف هو شخص دغمائي اطلع على بعض الأشياء فاتخذ منها ثوابت لا تقبل النقاش وأصبح ينظر إلى كل شيء من خلال تلك الثوابت التي صنع لها مقياسا يقيِّم به كل الآراء والأفكار والنظريات العلمية وهو على استعداد للتهجم بشراسة على كل رأي مختلف وتسفيهه بل وتكفيره مستعينا بطبقة الدهماء . وعندما يكون هذا النموذج هو الذي يسيطر على التعليم منهجا ومقررات وتدريسا ، فماذا ننتظر غير ما نراه اليوم من أجيال لا تفكر ولا تعرف شيئا اسمه النقد ولا تتقبل تعدد الآراء بل لا تمتلك الآليات والقدرات الفكرية لأنها لا تقرأ فالقراءة تخرجها عن الخط الذي رسمته دغمائية مشايخ بدرجة دكتوراه .
المثقف هو قارئ ممتاز متفتح على المعارف الإنسانية غير منكفئ على تخصصه ومواكب لحركية الأفكار ، يطور قناعاته ويجددها بقدر اتساع مداركه وثراء تجاربه ولا يصطنع التناقض بين الدين والعلم ولا تستهويه هرطقة أسلمة المعرفة ، يعرف أهمية الدين ومكانته وقدسيته ولكن لا يوظفه لأغراضه الشخصية ولا يجعله في خدمة السياسة لاعتلاء المناصب الحكومية ... فأين هو هذا المثقف اليوم على امتداد العالم العربي ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لولا انك كتبت ...
محمد البدري ( 2020 / 7 / 25 - 10:28 )
لماذا تفسد كل كتبته في طيات الفقرة الاخيرة بقولك -المثقف لا يصطنع التناقض بين الدين والعلم-
الدين كقاعدة لفساد الحكم ونظم السيطرة في مجتمع الاسلام هي نفسها التي جعلت من الجامعة والاعلام والتعليم كل ما جاء صحيحا في مقالك.
يا عزيزي هناك تناقض اساسي بين الدين والعلم.
تحياتي

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام