الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقارب

سعادة أبو عراق

2017 / 1 / 9
الادب والفن


قصــــة للمســـــاء
تقــــــارب
هي الصدفة المحضة التي جعلت( السنجلاوي )كامل حسن وجها لوجه مع المستوطن ناثان، فناثان كان قادما بسيارته مسرعا من شيلّو، وكامل حسن كان خارجا من قطعة أرض لعائلته، التي يحاول المستوطنون ضمها إلى شيللو، كاد أن يتصادما في حادث مروع عند دخولهما على الطريق السلطاني، لولا تداركٌ يقظٌ، أنقذ المركبتين والسائقين من إصابات بليغة، توقف كل منهما في الشِبر الأخير، ونزلا من السيارة، يهنئ كل منهما الآخر على السلامة، أو يعتذر عن خطأ أفلت منه.
لم تكن المقابلة حارة من قبل الصحفي كامل حسن، وما كانت أيضا من قبل ناثان، بل كما تقتضي اللياقة المألوفة، لولا إمعانٌ من ناثان في النظر لقسمات وجه كامل، وهو يتذكر هذا الوجه المألوف، إذ سأله بلغة عربية هزيلة مخلوطة بالانكليزية، هل سبق وأن تقابلنا؟ لكن كاملاَ الذي اعتاد على هذه المواقف وهذا التساؤل ، قال له :
- أنا إعلامي ،أظهر كثيراً على شاشة التلفزيون.
هذا التعريف الذي دأب على تقديم نفسه به، حينما تختلط الذاكرة في مثل هذه المقابلات، لكنّ ناثان راح يتذكر تلك الندوة التي رآه فيها يتكلم بإنكليزية متقنة، في موضوع السلام، لا يتذكر ما قاله من كلمات وعبارات، إنما استمع منه إلى فكرة السلام الممكنة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، أعجبته وراقت له هذه الرؤية ، راح يقلبها، وينسج منها مشروعه الذي امعن في نفصيلاته، يداعب مخيلته كما لم تداعبه فكرة أخرى ، ويتمنى لو يناقش معه بما سمعه منه.
قال له بودّ وإعجاب .
- ألم تكن قبل أسبوع على شاشة التلفزيون؟
- نعم ، استضافتني قناة أجنبية.
- لقد كانت أفكارك رائعة ؟
- أشكرك على هذا الاهتمام.
- جعلتني أفكر بمفهوم السلام بين الشعبين اليهودي والفلسطيني
- شئ جميل أني أوصلت لك فكرتي، واستقرت بوجدانك، وجعلتك تفكر بها.
لم يكن الوقت والمكان مناسبين لإقامة حوار فكري أطول، فكلاهما على عجلة من أمره، تواعدا على لقاء يكون كلاهما مستعدا للمناقشة، ومضى كل إلى وجهته.
كان اللقاء مفاجئا كما هو الحادث الذي لم يقع مفاجئا، فناثان ما انفك يفكر بهذه المصادفة التي ينبغي استغلالها، فمنذ أن وطئت قدماه هذه الأرض قادما من جنوب إفريقيا، وهو يحمل في رأسه معضلة التمييز العنصري، التي أثقلت ضميره وجعلته يهرب من ذاك المجتمع الذي يكبل بعضه بعضا، جاء قبل أن يخرج مانديلا من سجنه، وقبل أن تصبح ضاحية سويتو مطلعا لشمس الحرية، ومغيبا لظلام العبودية والتفرقة العنصرية.
ناثان الذي يرى نفسه ليبرالياً تقدميا، يرفض مبدأ العنصرية من حيث أنه لا إنساني، لكنه كان عاجزا عن فك التشابكات الفكرية والعقائدية التي أفرزتها مفاهيم الاستعمار وقيم الاستعلاء التي يتيه بها الرجل الأبيض، التي تزدري فطرية المفاهيم وبدائية التفكير، وبراءة الإنسان البدائي، مما لا تجعل التفاهم ممكنا في هذا المجتمع المكون من لونين لا ثالث بينهما، لكنه لم يشهد التحول الذي قوض هذا النظام واجبره على قبول التعدد.
الفكرة ذاتها لم تبرح مخيلة كامل حسن، فهو مسرور إذ وجد من يتفهم فكرة السلام في هذا المجتمع الإسرائيلي المغلق النابذ للغير، وهذا في حد ذاته اختراق في جدار الفصل العنصري الذي يتمترس خلفه اليهود، لا بد أولا أن نستل منهم فكرة الشعب المختار، والتطابق غير المنطقي بين بني إسرائيل كقبيلة من القبائل العربية والدين اليهودي الذي يعتنقه سود وبيض وحمر صفر، فما كل يهودي هو من بني سرائيل، ولا هناك ما يشير أو يميز بني إسرائيل عن غيرهم من البشر، إنهم يغيّبون الوعي، ويشهرون المقدس من القول كي يعرقلون الوصول للحقيقة.
في مقهى فاخر في مدينة القدس، اجتمع الاثنان، كما يجتمع النخبة من المفكرين، وقد تركوا خلفهم ضغائنهم ومعتقداتهم وعواطفهم ، واتخذوا الحيادية منطلقا كما تقتضي المناقشة الحضارية.
قال ناثان وهو يحتسي قهوته :
- لقد شكلت في ذهني مفهوما قائما على رؤية واقعية، فعلينا أن نبني جسر التواصل على ما هو مشترك بين الشعبين، وحينما نعدد ما هو مشترك، نراه أكثر مما هو بين شعبين متخاصمين، والخصام دائما ينشأ عندما ينعدم التفاهم وطريق الحوار.
كانت مقدمة منطقية رآها كامل حسن مدخلا معقولا للنقاش، فقال له أكمل،فقال:
- أولا أن عقائدنا الدينية قريبة أو متطابقة أو متكاملة، فكلانا يحرم أكل لحم الخنزير وشرب الكحول، وما هو حلال عندنا هو حلال عندكم، وأصول الذبح هي ذاتها، نقدس نفس الأنبياء إبراهيم وإسحق وإسرائيل ويوسف وزكريا ، ومبدأ العقوبات والحدود المفروضة على الآثام، كالرجم والجلد وقطع اليد ،نحترم الزواج ولا نمس المرأة، ونفرض عليها الاحتشام والعفة، بل أن لغتينا لهما نفس الأصول المشتركة للألفاظ والأسماء وبناء الجملة والأعداد.
يستطيع كامل أن يعدد المزيد من الإسرائيليات التي يعج بها فقهنا الإسلامي، فقاطعه قائلا :
- إن اختلافنا ليس دينيا .
- ولكننا بناء على هذا المشترك نستطيع أن نبني فقها دينيا جديدا، ينصهر فيه الشعبان .
قال كامل ساخرا :
- لعلك قرأت تومس مور جيدا وأصبحت أسيراً لليوتوبيا .
لست خياليا كما تظن، ذلك ان كل فكرة جديدة تكون مجهولة، وبالتالي غير مقبولة، ولكن واقعيا يمكننا أن نبني معبدا مشتركا لهذه الديانة الجديدة، ندعو لها المؤمنين من شيلوا ومن جاورها من البلدان، ثم نكرر التجربة في مكان آخر، لكي نصل في النهاية إلى شعب متجانس ومنسجم في عقائده.
- وأين ستبني هذا المعبد ؟
- في الموقع الذي كدنا نتصادم به.
- لكن الموقع هو قطعة أرض لعائلتي أنا، وليست منذورة لمشاريع وهمية .
أراد ناثان أن يرد، ويقنعه بان مشروع السلام أثمن كثيرا من قطعة أرض
لكن كامل قاطعه :-
- حينما تتخلص من ذهنية المصادرة والاغتصاب، وأن غيرك هو الذي سيدفع الثمن، ستكون مقنعا لغيرك ومتفهما له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحت


.. كلمة أخيرة - ندمت على القرارات دي.. غادة عبد الرازق: لو رجع




.. تفاعلكم | 200 فنان يتضامنون لإنقاذ العالم من موسيقى الذكاء ا


.. أبرزهم شقو وعالماشي واحدهم وصل 38 مليون .. 4 أفلام تتنافس ف




.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر