الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من عقلية الشورى الى عقلية الديموقراطية

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2017 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من عقلية الشورى الى عقلية الديموقراطية.

اكتب هذا المقال و في الخاطر حديث الاستاذ محمود محمد طه حول الشورى و الديموقراطية و بأن الاولى ليست "اصلا في الاسلام" و أنها نسخت مفهوم الديموقراطية "=الايات المكية" الذي يراه اصلا متجليا في قوله تعالى "ف ذكر انما انت مذكر لست عليه بمسيطر" ف محمود يرى في هذه الاية اية الحرية الفردية التي هي الصفة الفردية اللازمة لمجتمع الديموقراطية فكأنما حرية الافراد مجموعها يعني الديموقراطية ك مجتمع،بعكس اية الشورى التي تحلينا الى صورة ذهنية لمجموعة من "الاتباع" خافضي الرؤس حول زعيمهم "=النبي" بلا حيلة عقلية و بلا سلطة شخصية تقودهم لتملك قيمة الحرية،مما يجعل فعل الشورى مختوما ب "فاذا عزمت فتوكل" اي ان صلاحية الرآي و نفاذه محكومة برآي النبي النهائية.

اننا اذا اذاء حالتين اجتماعيتين و بالتالي "عقليتين" و بالتالي "صيرورة هاتين العقليتين" اي مأل و اتجاه تطور هاتين العقليتين.

فاما الصورة الاولى فهي صورة مجتمع سادر في فردانيته مضطرد في استقلاليته مدبرا امره بنفسه سارية عليه "لست عليهم بمسيطر" مجتمع بقدر ما هو خاضع للمزاج القبلي الا أنه في ذلك المزاج موفور الحرية قادرا على مفارقة الجماعة و سبر رحلته الوجودية الخاصة خصوصا اذا فهمنا أن "برلمان مكة" الذي نشاء بمسمى "دار الندوة" اقول ان هذا البرلمان قد شج رأس التعصب للقبيلة و بدأت تظهر فيه الطبقية و هي مرحلة متقدمة من الوعي الاجتماعي فصارت الولاءات لا للقبيلة بل للطبقة الاقتصادية و هذا جلي في محاربة مكة لشعب بني هاشم "القبيلة" و تضييقها عليهم حينما خرج منها نبي تهدد اراؤه الولاءات الطبقية الجديدة و هذه الحالة هي لا شك اقرب الى الحالة اليونانية التي انتجت مفهوم الديموقراطية حيث تسود الفرادنية و بالتالي تذدهر الاروستقراطية و تكون المصالح مصالح اقتصادية في المقام الاول فالاكفاء حينها ليس "الاقرب قبليا" بل "الانبه عقليا" لانماء الثروة و تنويعها.

واقعة عبد العزى ابن عبد المطلب المعروف في السيرة النبوية ب "ابولهب" عم محمد تؤكد واقعة انتقال المجتمع من قبلي الى اروستقراطي و ليس اقطاعي "لا تقع في فخاخ المصطلحات" ف اقطاعي شئ و اروستقراطي شئ اخر تماما و الدمج بينهما جائز و ليس حتمي باعتبار ان الاقطاعي هو صاحب الاراضي الزراعية و هو من يستغل الفقراء و هو بالتالي اروستقراطي لكن ليس شرطا ان يكون كل اروستوقراطي اقطاعي و هو المنطبق على حال الملاء من قريش.

عبد الله بن ابي قحافة "ابوبكر الصديق" كان من وجهاء دار الندوة علما بأن قبيلته كانت ضعيفة غير انه كان رأسماليا مما يدل على ان دار الندوة شهد حالة الانتقال من عالم القبيلة الى عالم الطبقة.
دار الندوة لم تقتلع القبيلة مطلقا لكنها نجحت في تحييد دورها و تقليصه لصالح النمو الارستوقراطي الذي قاد مكة من عالم "داحس و الغبراء" الى عالم "ايلافهم رحلة الشتاء و الصيف" التي ادت الى تحول العرب من السلب و النهب الى التجارة و الكسب و من مصالح القبيلة الى مصالح الطبقة التي يهمها الكسب انتهاء و ابتداء.

و ذات الامر ينطبق على الافق اليوناني الذي تنقسم طبقاته الى ثلاث طبقات هي السادة و الاباطرة و هو ما يقابل "الملاء من قريش" و العبيد و هي ما يقابل طبقة الارقاء لدى قريش و هم يتم استعبادهم عبر الحروب المستمره بين القبائل العربية او عبر الغارات على الممالك القريبة.
اضافة الى طبقة الجند لدى اليونان و هو ما يطابق الاحباش لدى قريش و هم رجال يفرغون انفسهم لحماية من يدفع لهم او يخوضون الحروب مع من يدفع "مرتزقة" و اختلفت الاقوال في امرهم فأناس يقولون انها قبيلة كانت هذه وظيفتها و اخرون يقولون انهم احباش بالمعنى العرقي و اخرون يقولون انهم من تتبراء منهم قبائلهم او يرتكبون جريمة فيهربون خوف العار "للمزيد راجع: قريش من القبيلة الى الدولة المركزية:خليل عبد الكريم".

اذا نحن امام مجتمعين و ان ابتعدت الشقة بينهما الا انهما كانا سائرين في ذات الاتجاه،اتجاه الحرية الفردية و الاستقلالية التي بالضرورة ستنتج واقعا قيميا جديدا،واقع يكون به كل فرد حرا و مالكا لزمام موارده و بالتالي قراراته و هذا الفرد غير قابل للاخضاع او التغييب او التسلط عليه تحت اي شعار دينيا كان ام قبليا،امام هذا الفرد لم يكن بوسع النص الا ان يقول "لست عليهم بمسيطر" اذ أن السيطرة لا تكون الا على المنقادين و "المؤمنين الذين لا يجدوا حرجا في انفسهم مما قضيت".

هذا عن عقلية الديموقراطية فماذا عن عقلية الشورى؟

أن عقلية الشورى تدل على مجتمع "مركزي السلطة" به أمر و ناهي لا يراجع في قراره و كأنه "لا ينطق عن الهوى" و انما يقول ما يراه الله نفسه الذي ارسله و ما اقواله و افعاله الا هي الافعال الالهية متجسدة فيه.
و هذا مفهوم في حال النبي لخصوصية حالته لأنه الوحيد الذي قال بأنه يتلقى الوحي من الله و لم يصدر هذا الشئ ممن جاء بعده لأنه "ص" دفن مفتاح بيت النبوة معه خاتما للانبياء و المرسلين.

امام هذه الكاريزما الالهية التي تتقاصر عندها كل النفوس و لا يكون مبلغها منه الا غاية الطير من البحر،امام هذه المسافة الشاسعة بينه و بين من هم حوله الذين يجمعهم حوله موضوع التسليم ايمانا كان كما هو حال المهاجرين او رغبة في التوحد ضد اليهود و ضد "نرجسية المكيين" كما هو الحال عند الانصار "الاوس و الخزرج" و الذين تجمعهم في ذات الوقت علاقة الخؤؤلة بالنبي عبر خيلانه من بني النجار اهل امه "أمنة بنت وهب" و الذي ظلوا الظهير القوي للهاشميين ضد ابناء عمهم الامويين و لهم مواقف مشهورة في التدخل لصالح الهاشميين ضد الامويين حتى قبل البعثة النبوية،ذلك و أنهم اهل "العقد و الحرب" المجهزين دوما للحرب لوفرة حالهم الاقتصادية لاعتمادهم على الزراعة من جهة و لعلاقتهم باليهود الحاذقين في صناعة الاسلحة و الحدادة و قد انعكس هذا الامر في هزيمتهم لقريش بمعركة بدر ذلك و أنهم كانوا جيدي التدريب جيدوا التسليح في حالة متأهبة للحرب ناهيك عن دمج هذا الامر ب "عقيدة الاستشهاد في سبيل الله" التي جاء بها الرسول الأمي.

امام هذه المعطيات "السهلة" مقارنة بمجتمع الملاء في مكة كان لا بد للقيم من التغير و يصبح الامر "شاورهم في الامر" لا لغير رأيه بل "ليغني تصوره الشخصي" عن القرار "المتخذ سلفا" الذي اذا عزمت عليه ف توكل على الله الذي هو صاحب القرار منذ الابتداء و ما اشراكهم فيه الا اشراك ضمن المضمون و ليس ضدا عليه.

اذا نحن ازاء مجتمع خاضع كله لسلطة مركزية موحدة متصفة باطلاقية احكامها و عصمتها متجسدة فيها ارادة الله و رؤيته.
و عليه كان من المنطقي ان تكون الشورى هي المنهج التشريعي المناسب لادارة هذا المجتمع "الخاضع" ل "نبيه".

هكذا اذا يتضح الفرق بين ضرورة الديموقراطية و ضرورة الشورى و يبقى السوأل كيف نحدث ذلك الانتقال من عقلية الشورى الى عقلية الديموقراطية ؟

بانتقال النبي الخاتم و انقطاع النبوءة سقط الجبر و انتهى زمن المطلق اذ أنه هذا النبي لم "يفرط في هذا الكتاب من شئ" فاتضح كل شئ و ثبتت الحجة و لم يتبقى سوى التأسي و تمثل فضائل الاخلاق التي فيه اذ انه لا احد بعد النبي من حقه ادعاء انه "لسان الله على الارض" و الملجاء الالهي المطلق فالكل بعدها بشر و الكل نسبي مصيب و مخطئ.
و بالتالي تتلاشى حجة "الارغام" و يسقط الجبر و يكون من حق كل شخص تخطئية و تصويب ذلك الشخص بل و معارضته و الاختلاف معه و التمتع بالرؤية الشخصية و الاستقلالية الفكرية مما يلغي بذلك ضرورة الشورى التي يختص بها من هو فوق البشر فعلا و فكرا و هو المتاله المتصل بالله.

فالشورى كما فهمناها "توسيع للتصور المحدد سلفا" و هي غير ملزمة النتيجة لأن العزم فيها من صلاحية النبي اولا و اخيرا.

ازاء هذه النتيجة فأنه لا احد ينوب عن احد او يصادر قوله و فكره تحت اي أخضاع كان.
و بالتالي فالافراد عاقلين و مختارين احرارا في افكارهم قيمين ضد من يصادرها تحت اي دعوى او مسمى يصادر تلك الفردانية و الاستقلالية بدعوى انه "وريث" النبي و بالتالي المطلق و بالتالي التأله و بالتالي تسيير الناس تحت تلك الدعوى كما يسير الله خلقه.

أن النبي نفسه لم يعطي هذه الصلاحية لغيره و لم يوصي بها الى احد و كل من يدعون ذلك انما هم يسعون لاستثمار النص ليزرعوا في ظله طموحاتهم السلطوية في اخضاع الناس و التسيد عليهم فيخترعون الاحاديث المنسوبة الى الرسول كحديث "الخلفاء بعدي اربعه و بعدها تصير ملكا عضوضا" او يمطون الايات تاؤيلا و تقويلا محملينها ما تحتمل مخبئين في نقائها ادناسهم و احلامهم.

و بذا يصبح الانتقال العقلي من الشورى الى الديموقراطية ممكنا بعودة "المسؤؤلية الفردية" و انتفاء الجبر الخارجي المتجاوز للحال البشري.
و يشاع الفكر و القول في جو من التحاور و التعدد بعد شيوع الرفاه الاجتماعي القائم اساسا على حرية المبادرة الفردية و تنمية المشاريع الاقتصادية الخاصة.

هكذا ننتج استقلالية اقتصادية تفضي الى انفتاح المجتمع و انتهاء القبلية و الجهوية و بروز الوضعية الطبقية و مصعدها الاجتماعي فتشيع روح المنافسه و تنمو الطبقات و تزدهر فتصعد الطبقة الثانية عبر المنافسة الحرة الى مصاف الطبقة الاولى و يقل عدد الفقراء و المعوزيين و بالتالي تحدث الاستقلالية الاقتصادية الفردية التي لا شك و انها ستؤدي الى سيادة عقلية الديموقراطية.

ختاما نقول ان الشورى ليست هي الديموقراطية في العهد القديم كما يحاول الاسلاميون التبرير كما يزعم راشد الغنوشي فهو يقول الشورى و هو يعني الديموقراطية حفاظا على "اسلامية" المفردة و ايمانا ب علمانية "المحتوى".
هذا تشويه عجيب من راشد الغنوشي لكلا المفردتين الشورى و قداستها من جهة و الديموقراطية و بشريتها و نسبيتها و اضطرادها من الجهة الأخرى.
انه موقف "تلفيقي" بين يسعى لرفع شعار القديم حرصا على استغلال الدين و الاتجار به و تكريس سلطة "الفرد=النبي=الله" امعانا في الالحاح على مفردة "شورى" حتى اذا التقى الاوروبيين و خطب في مجلس شيوخهم الايطالي قال لهم ان الديموقراطية هي الشورى و هذا تضليل عالمي كبير.

الطيب عبد السلام
يناير 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س