الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخصوصية الثقافية و دورها في فعالية العلاج النفسي

فوزية بن عبد الله

2017 / 1 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الخصوصية الثقافية و دورها في فعالية العلاج النفسي
أصبح موضوع علاقة الثقافة وخصوصيتها من بين المواضيع الهامة من حيث دوره في العملية العلاجية النفسية، والتي يكون محورها الانسان الذي يعيش وينمي أفكاره ومعتقداته ويتوظف جهازه النفسي عن طريق التفاعل مع ثقافته وبيئته، وتظهر الخصائص الثقافية التي تم تسجيلها عند الحالات المدروسة ( 8 فتيات يعانين من اضطراب القلق العام)، من خلال المقابلات والتي تعكسها المعتقدات اللاتكيفية التي تم الكشف عنها عند الحالات في :
-معظم الحالات لم يخبروا عائلاتهم بأنهم يتلقون علاج نفسي، ما عدى الحالة الثانية التي شجعها والدها لزيارة أخصائي نفسي.
- صعوبة تأكيد الذات واظهار الثقة في النفس في العائلة بسبب العادات والتقاليد المحافظة ونظرتها للمرأة الذي تميز عائلات الحالات المدروسة.
- صعوبة التعبير عن المشاعر السلبية والايجابية وعن الرغبات بسبب عدم تقبل العائلي لذلك.
- عدم تسامح العائلة مع العلاقات العاطفية لبناتهم.
-الخوف من الزواج وعقدة الشرف.
ان العلاقة بين الثقافة والظاهرة النفسية يمكن أن تدرس ضمن ثلاثة وجهات نظر كما يميزها بيري وزملاءه(1992)، Berry & ses collégues، (الاطلاقية، النسبية، والكونية) فاذا أخذنا مثال المرض النفسي وعلاقته بالثقافة، لوجدنا أن المرض النفسي يتواجد تحت نفس الشكل في جميع الثقافات هذا من وجهة نظر اطلاقية، غير أنه لو اعتبرنا ان فهم المرض النفسي يكون انطلاقا من الخصوصيات الثقافية التي يتظاهر ضمنها المرض النفسي فيمكن القول اننا ننظر الى الموضوع انطلاقا من وجهة نظر نسبية، أما من وجهة نظر كونية فيمكن اعتبار المرض النفسي كوني فهو يظهر بشكل او آخر في جميع الثقافات ولكنه يتأثر بخصائص الثقافة والتي تعدل من تظاهراته الخارجية.(Guimond, 2010, p.30)
وانطلاقا من تبنبي وجهة النظر " النسبية" وبالعودة الى نتائج دراستنا الحالية والتي تظهر خصوصيات ثقافية تميز الثقافة الجزائرية بأبعادها الأمازيغية والعربية والاسلامية والشمال افريقية، ونظرتها المحدودة الى المرض النفسي على انه وصمة اجتماعية غير مقبولة، وتنبيء عن ضعف في شخصية الفرد ومن وجهة نظر دينية على أنها ابتلاء من الله أو حصيلة البعد عن الله وذكره، هذا ما جعل حالات الدراسة يخفون تلقيهم علاج نفسي هربا من الوصمة الاجتماعية ومن عدم تقبل عائلاتهم لفكرة أن بناتهم يعانون نفسيا وخوفا من تأثير ذلك على سمعتهم ومن ثم تقليص فرص الزواج، وهذا ما قد يؤدي الى منع عائلتهن لهن من تلقي العلاج النفسي، ان هذا المفهوم الثقافي والاجتماعي للمرض النفسي قد يؤثر بشكل أو آخر على فعالية العلاج النفسي الذي يتطلب سند عائلي واجتماعي من جهة ومن جهة أخرى شعور المريض النفسي بأنه يخفي أمر مهم عن عائلته، وأنه غير قادر على مواجهة عائلته وتأكيد حرية اختياراته مما قد يؤثر على ثقته في نفسه ولعل ذلك قد يظهر تأثيره بشكل كبير عند المرأة والتي تختلف النظرة الثقافية اليها عن الرجل ضمن الثقافة الجزائرية، فرغم الانفتاح الظاهر للمجتمع الجزائري على الثقافات الأخرى، والسعي نحو تكريس الحريات الفردية وتحرير المرأة من النظرة العبودية الى أن الواقع خاصة في بعض الولايات المحافظة يعكس غير ذلك، هذا ما قد يطرح تساؤل جوهري ومفاده: الى أي مدى العلاج النفسي الفردي في الجزائر صالح للممارسة النفسية، فاذا كان الفرد الجزائري هو فرد اجتماعي بطبيعته وتتأثر حياته بشكل جوهري بعائلته واعتقاداتها وتقاليدها، وأي خروج عن هذه التقاليد والاعتقادات يعتبر جريمة اخلاقية وقد يتعرض صاحبها الى الاضطهاد الاجتماعي والرفض الاجتماعي، هذا ما يجعل الاخصائيين النفسيين في حالة تفاوض مع الاهداف الشخصية للعميل ومع تكيفه مع مجتمعه وبيئته مما يصعب العلاج النفسي، اذا كيف يمكن ممارسة العلاج النفسي في ظل غياب السند العائلي و الاجتماعي، فالمريض النفسي يجد نفسه من جهة في مواجهة مرضه ومن جهة أخرى في كيفية تكييف المكاسب العلاجية مع المجتمع، الذي يلغي فردانية الفرد في مقابل الجماعة، فاذا كان العلاج النفسي الذي طور ضمن ثقافة تحترم فردانية وخصوصية الحالة وترتكز على مفهوم أن كل حالة هي حالة بذاتها، فكيف للمعالجين النفسانيين الذين يمارسون العلاج النفسي في مجتمعات تدعو الى ذوبان الفرد في الجماعة، وتكرس مفهوم التضحية من أجل الآخر، أن يطبقوا أساسيات ومباديء العلاج النفسي ضمن هذه الخصوصية الثقافية، يظهر هذا عند حالات الدراسة فرغم أن الحالات عبرت عن فعالية العلاج في فهم أفكارهم وتطبيع القلق لديهن والتعديل من المعتقدات الماوراء معرفية لانزعاج والتسامح مع الوضعيات المولدة للشك، غير أنهن لازلن يخبرن عن مشاكل في ثقتهن بأنفسهن و تأكيدهن لذواتهن وكذلك صعوبة التعبير عن المشاعر السلبية، فابداء الرأي والحق في عيش تجارب الحياة و في تسيير حياتهن كراشدات من حقهن ارتكاب الأخطاء و التعلم منها شيء غير مسموح، و يظهر هذا كذلك في محتوى المعتقدات المسببة للقلق العام لدى حالات الدراسة، فعدم تسامح العائلة مع العلاقات العاطفية لبناتهم، والخوف من الزواج وعقدة الشرف أدى الى تكوين معتقدات لا تكيفية عند حالات الدراسة ويظهر التمييز بين المرأة والرجل في المجتمعات العربية والاسلامية منذ الولادة، فالمرأة لا تضمن استمرار اللقب العائلي وتعتبر خطر يهدد شرف العائلة، فالعذرية والكفاءة الجنسية تعتبر تابوهات بالنسبة للمرأة(Douki,&al,2007) هذه التابوهات التي تتحول الى هاجس عقلي وهذا ما ظهر لدى حالات الدراسة، ان تأثر المعاناة النفسية لدى النساء بالعوامل الثقافية لا يقتصر فقط على مجتمعنا بل يرجع الباحثين ارتفاع نسبة الاصابة بالاضطرابات العصابية الى الضعف عند النساء الى عوامل ثقافية منها التمييز بين النساء والرجال، دخول المرأة في صراع المساوات مع الرجل وضرورة النجاح، و سعي المرأة الى أن تكون على مستوى التطلعات الحديثة لدورها(Suzanne,1979,p.57)، وفي غياب دراسات جادة في حدود علمي عن تأثير الخصوصية الثقافية في العلاج النفسي في الجزائر يبقى السؤال مطروح عن فعالية العلاج النفسي ضمن هذه الثقافة واذا كان العلاج النفسي الحديث يدور حول التقدير الايجابي والمشاركة الوجدانية و تأكيد الذات، و معنى وجودة الحياة والفعالية، و غير ذلك من المعاني التي تكرس فردانية وخصوصية الفرد وحقه في الاختلاف ضمن علاقة اجتماعية تفاعلية و اشتراكية تمنع ذوبان الفرد في المجتمع، واذا كانت منظمة الصحة العالمية تعرف الصحة النفسية على أنها حالة من العافية النفسية والاجتماعية وليست فقط الخلو من الاصابة بمرض أو اعاقة، هذه الحالة من العافية تمكن الفرد من تخطي توترات الحياة اليومية و تسمح للفرد بالقيام بعمل منتج ومساهم في بيئتة (OMS,2015) كيف لنا أن نمارس العلاج النفسي الحديث في ظل الجو الثقافي والاجتماعي السائد، ان الاهتمام المتزايد بدور الثقافة في المرض النفسي والذي حدده Al-Issa، في (هل مفاهيم المرض النفسي وأنظمة التشخيص الطب نفسية السائدة في أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية تقبل التطبيق في الثقافات الأخرى أو تناسبها؟، هل معدلات الاصابة بالمرض النفسي وأعراضه هي نفسها عبر الثقافات المحتلفة؟، هل هناك أعراض أو تناذرات ترتبط بثقافة معينة؟، وان وجدت هل هي نفس أنماط التناذرات في الثقافات الأخرى ولكنها تختلف فقط في التعبير عن نفسها، أم أنها وحدات نفسية مستقلة أو مختلفة؟)(كفافي، 1998، ص. 19) هذه الأسئلة التي يدور حولها مجال الدراسات العبر ثقافية للأمراض النفسية والتي تهتم به منظمة الصحة العالمية وتصنيفات DSM، هذا ما يطرح مدى اهتمام التوجه العلاجي النفسي الحديث بدور الثقافة وتأثيرها في العلاج النفسي، ومن ثم يفسح المجال الى طرح تساؤل كيف يحمل العلاج النفسي الصبغة العالمية في ظل المقاربة العبر ثقافية؟. ( مقتطف من رسالة دكتوراه، فوزية بن عبد الله).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النقص في ون
‌ جمشيد ابراهيم ( 2017 / 1 / 10 - 21:38 )
نعم اختي الكريمة و اريد ان أضيف بأن المجتمعات الشرقية تنقلها


2 - النقص في وجود الأخصائي
‌ جمشيد ابراهيم ( 2017 / 1 / 10 - 21:42 )
نعم اختي الكريمة و اريد ان أضيف بأن المجتمعات الشرقية تنقلها الأخصائيين الجيدين و صعوبة تشخيص الأمراض
تحياتي و تمنياتي و شكري

اخر الافلام

.. ترامب يواجه محاكمة جنائية بقضية شراء الصمت| #أميركا_اليوم


.. القناة 12 الإسرائيلية: القيادة السياسية والأمنية قررت الرد ب




.. رئيس الوزراء العراقي: نحث على الالتزام بالقوانين الدولية الت


.. شركات طيران عالمية تلغي رحلاتها أو تغير مسارها بسبب التوتر ب




.. تحقيق باحتمالية معرفة طاقم سفينة دالي بعطل فيها والتغاضي عنه