الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التضحية و إشكالية المصطلح

مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)

2017 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التضحية و إشكالية المصطلح


عندما نطالع بجدية تراث الرواد من الفلاسفة و المفكرين الغربيين , سينكشف لنا دون عناء حجم التفوق الذي إحتفلت به اوروبا من سنين طويلة , مدعاة ذلك التفوق أن فلاسفتها و مثقفيها رسموا الخطوط العريضة لمشروع الحياة , او كيفية العيش في هذه الحياة . فتراهم دائماً ما ينظرون الى المستقبل على انه الامل دون الاخذ بالماضي الذي ينتابهم منه قلق النكوص و الرجوع . مشروع الحياة يعني ان يعيش الانسان, لا ان يضحي فيموت لكي يعيش إنسان اخر .
التضحية ,هذه المفردة التي تتجاذبها المجتمعات العربية بوعي و بدونه عادةً ما تكون مدخلاً حسناً للحديث عن الوفاء و الشهامة و دلالة على أصالة المُتحدث عنه . لم ينجز استيعابها في مجتمعاتنا العربية بقدر توظيفها لأغراض ثانوية منتحلة صفة الدفاع عن : الدين , الحزب , الطائفة , القبيلة ..
لا أنكر اني أحد الذين تجاذب كلمة التضحية يوماً ما, على أنها نافذة الانعتاق من ظلم بشري الى بوابة إشراق و مفهوم بشري اخر ! الى ان قدحت في ذهني فكرة التأمل و المراجعة , خاصة بعدما قرأت في سيرة المضحين و معاناتهم و كيفية استغلالهم و استخدامهم. قرأت عن التضحية بالنفس و بذلها في سبيل قضية او فكرة او من اجل الاخرين دون مقابل كما تكون التضحية بالمال و المصلحة , لكني لم أعثر على ترشيد او تقنين لهذه الكلمة التي يسهل إغواء الشباب بها و سوقهم كالقطيع الى الموت .
اذن نحن بحاجة الى بث وعي مغاير لمعنى التضحية لكي لا يساق العدد الاكبر من شبابنا الى مقاصل الموت او محارق السياسة .

يجب إعادة هيكلة و بناء مفهوم دقيق لمعنى التضحية و تعزيز وعي الشباب بالتحديد و ترسيخه في أذهانهم , لا شيء يستحق الفناء في هذه الحياة . و كإنموذج للتضحية غير المقننة , تكون الاحزاب العراقية بشكل خاص و الشعارات الاسلامية بشكل عام مثالاً حياً
للإستخفاف بأرواح الناس وعدم الاكتراث بما يعقب موت الافراد او الجماعات .
و كما يقول الفيلسوف الالماني ألبرت شفايتزر, الانسانية هي ألا يتم التضحية بإنسان في سبيل غاية .
قدمت الاحزاب الاسلامية و اليسارية في العراق جحافل من الشباب , قدمتهم قرباناً لكي يرفع شعار او لكي تنتصر فكرة على فكرة مغايرة ! صراع سياسي غلف أحياناً باسم الدين فزهقت به ارواح و انتهكت به انفس و كرامات, الخاسر الوحيد هو الانسان ( المقتول ومن يلوذ به ) الرابح, هو المتخفي خلف الجحافل ثم يظهر لكي يتسلق على جثث الموتى فيرتقي و يصعد على اجسادهم لكي يقدم خطابه المجحف و كلما كثرت الجثث كلما صار للخطاب دوي و اتساع و شياع اكثر .
لا اريد الخوض في التجربة العربية او العراقية و كيفية استغلال الشباب و جعلهم مشاريع موت تارة ًباسم الله و تارة ًباسم ماركس او عفلق , بقدر ما أريد ان أكتب تجربتي لعل هنا من يستفيد منها او من يرد علينا و يصحح لنا ما اعتقدناه .
فأقول بخطوة الواثق , ان التضحية معنىً نسبيا فهي تحتمل المرونة أكثر مما تحتمل التصلب, و ليس هناك من فكرة او عقيدة او مشروع او طائفة يستحق التضحية بالنفس . لا شيء اغلى من النفس البشرية او اثمن منها , مفردة التضحية التي سيق بظلالها الشباب يجب ان تكون حدودها النفس الروح وان لا تتعدى ذلك أبداً .
كل شيء خلق من أجل الانسان فلماذا يموت الانسان من اجل غيره . دققوا في أعمار المنتحرين الذين يفخخون اجسادهم لكي يقتلوا الناس , لاحظوا ان معدل أعمارهم الخامسة و العشرين فما دون , تم إغرائهم و تحويلهم الى مشاريع موت , بكذبة اسمها التضحية من اجل الدين !
كذلك الحال عندما كان يُعتقل الشباب في سجون الحكومات العربية , يُمارس بحقهم التعذيب و الجلد و الاهانة و غالباً ما يكون الموت هو النهاية الحتمية , لكنهم عندما يخرجون من المعقل يفتخرون بما نالوه من تعذيب و يمتدحون رفيقهم الذي ضحى بنفسه لكي لا يبوح بسر ! ولا أعرف مدى خطورة هذا السر الذي اودى بحياة انسان و يتم أطفال و رمل نساء . ذكر احد الاشخاص الذي كان ينتمي الى احد الاحزاب الاسلامية العراقية , انه كان يعرف أحد المسؤولين الحاليين و انه كان يعمل معه إبان حقبة المعارضة , كان يخطب بهم و يحرضهم على الجهاد و الاستشهاد و التضحية وان النفس يجب ان تكون تواقة للعروج الى السماء أكثر من مكوثها في الارض, يدعوهم لكي يستقطبوا الشباب من جيلهم , مرت السنين و إلتقى صاحبنا بصاحبه , واذا به مسؤول و ثري جداً , لكنه يرغب المكوث في الارض مفضلاً دفع الشباب الى السماء ! مهزلة استخدام الناس كقرابين للتضحية مهزلة قديمة حديثة لا يمكن الخلاص منها الا عندما نوجد معنىً حقيقياً لقيمة الانسان و النفس البشرية عموماً. ذكرت ان التضحية مرنة , لكن هذه المرونة تتوقف عند حاجز الموت او القتل . مهما كانت الفكرة التي في ذهنك لا يجوز قتلك بسببها ولا يجوز إعتدائك على الاخر المختلف معك مهما كان حكم الاختلاف .اذن الفكرة الرئيسية ان النفس البشرية هي أقدس وجود في هذا الكون و لا تستحق اي ايدلوجيا التغلب على دماء الناس او استباحتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حثالات بشريه
احمد الخفاجي ( 2017 / 1 / 13 - 18:27 )
كل سياسيينا من احزاب اليمين واليسار والمتأسلمين والوطنيين جعلوا من ظهورنا قناطر ليعبروا لقد هربوا بأول مواجهة ليتركوا الناس الذين استماتوا في توريطهم ... تركوهم يواجهون قدرهم المحتوم ولاذوا هم بالفرار ..... هذا ينطبق قولا وفعلا على كل الطبقة السياسيه الحاكمه الان في العراق ... وللحقيقه اقول انهم ليسوا اكثر من حثاله


2 - إضافة
مصطفى العمري ( 2017 / 1 / 13 - 18:42 )
مرحباً بك احمد ايها المتوجع على تاريخ ذهب بارواح الابرياء و المعدمين و الشباب لكي يعيش في ظلاله الكذابون و المنافقون و المحتالون . يستدرجون الناس الى الفخ و يزجون بهم دون مبالاة او إهتمام . لا شيئ فوق الحياة يجب ان ننتبه ان الحياة هي القدر الاعلى و الاسمى و الاقدس , لايمكن التضحية بقطرة دم من أجل فكرة برأس معتوه .

اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة