الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعدو متسولا ..!

ميشيل زهرة

2017 / 1 / 15
الادب والفن


أرسل لي عبودي قصته الجديدة ..و اكتفي أن يأمرني قائلا : انشرها بعنوان : سعدو تاجرا ، و ناقدا ، و دكتور في النقد المقارن .
لكني فضلت أن أضع لها عنوانا أخر : سعدو متسولا .! فقال عبودي :
أذكر أني ودّعت سعد الدين الحمصي ، ابن خالتي في المطار ، منذ زمن ..و أذكر أنه ذهب تاجرا إلى إحدى الدول الاشتراكية ، ليقايض ببضائع ، ابتاعها من الوطن ، مع بضاعة سيجلبها من هناك . و أذكر : إن الأحذية ، كانت عماد تجارته مع تلك الدول في مرحلة انهيارها . يوم عاد أطلقت خالتي ، أمه ، خبرا ، أظنه ، من ترتيب سعدو ، أن ابنها عاد حاملا شهادة الدكتوراه ، في الأدب المقارن . و قد علقت ما يشبه الشهادة بلغة أجنبية ، على جدار الصالون في بيتهم ..و لم تبخل في دعوة الجارات على فناجين القهوة ، لا لكرم في طبعها ، إنما ، لتُريهن الشهادة المعلقة في الصالون .و بما أن الساحة الأدبية عندنا ، خالية من النقاد فقد أعلن سعد الدين الملقب ( بسعدو ) ، نفسه ناقدا . و لكي يؤكد لكل من يهمّه الأمر من الوسط الأدبي في المحافظة ، أنه الدكتور الناقد : سعد الدين الحمصي . قام بعد عودته بسبعة أيام ، بدعوة كل من له قصاصة ورق منشورة في المحافظة ، في مزرعته ، على طاولات عامرات بما لذّ وطاب ، من اللّحوم ، و السلَطات ، و المتبّل ، و المشروبات الروحية . أذكر أنه ، يومذاك ، أعطاني هويته الشخصية ، قبل أن يلتقي العدد الكبير من أنصاف الشعراء ، و الشاعرات ، و القصاصين ، و الروائيين ، و أشباههم ، بساعة من الزمن ، و طلب مني أن أذهب إلى مركز البريد كي استلم له رسالة مضمونة ، من بلاد ( برا ) كما تقول خالتي أم سعدو عن البلاد الأجنبية . ففعلت ، لأني لا أستطيع مخالفته ، إذ أني صانع القهوة في مكتبه الذي يزوره فيه ، أعيان الثقافة ، و السياسة ، و التجارة في المحافظة . و لأني ممسوك من لساني ، و حاجة أهلي ، المرضى ، لي ، فلا مناص من أن أقول لسعدو : حاضر يا دكتور .! و لو أني لست واثقا من مقدرة سعدو الأدبية ، و لا حتى الثقافية . نسيت أن أقول لكم : إن سعدو قال لي : عندما تأتي بالرسالة ، اذهب بها حالا إلى المزرعة يا عبودي ..أنا هناك مع الشلّة . و لست أدري لماذا خاطبني : يا عبودي .؟ رغم أنه عادة ما يوبخني مازحا : يا عبدو الأجدب .! هذه المرّة عاملني بشيء من الاحترام ، و اللطافة . و لكثرة ما عاشرت الرجل ، صرت أعرف ماذا يعني أن يبدي احترامي .لا بد أن شيئا ما يريده مني لصالحه . عدت بالرسالة ، و أنا أدقق من هو المرسل من تلك البلاد البعيدة ..و الموجهة إلى سعدو ابن خالتي ، و لأني مغفل قليلا ، فقد سيطرت علي عاطفة انتشاء ، بأهمية ابن خالتي ، رغم اضطهاده لي . و رغم الشكوك التي راودتني ، بأن سعدو من أرسل الرسالة ( لشخصة الكريم ) قبل مجيئه من هناك ، من بلاد كان فيها . حين دخلت بوابة المزرعة ، كان صوت عزف العود قد اشتغل في أذني طربا ..و أنفي قد وصلته رائحة الشواء فاعتصرت معدتي جوعا..و أصوات الحضور المشاركين في الغناء ، حرك بنفسي الرغبة لو أني أجلس معهم و أكون لهم ندا. و نقلت الريح رائحة مشروب العرق اللذيذ ..و الويسكي ، إلى أنفي فزادت من عزلتي ، و إهانتي ، و اغترابي عن هؤلاء المفعمين بالفرح ، و النشوة . كانت الطاولات عامرات بما لذ وطاب ..و الفرح غامر في المكان ..الجميع كانوا يتملقون سعدو بمدائح ليست من خصاله . حتى أن أحدهم قال فيه بعض أبيات من الشعر ..و أقسم أن هذه الأبيات لم تقل لأحد قبل الدكتور العبقري سعد الدين الحمصي ، كما وصفه الشاعر المداح . و علاوة على ذلك ، فقد قال عنه : نعقد عليك الأمل في إعادة بناء صرح النقد في البلاد يا دكتور .!
بغير اهتمام ، و دون أن ينظر في وجهي ، مدّ سعدو ، لي يده ليأخذ الرسالة القادمة من بعيد . نظر إلى غلافها .. وغمغم بلا مبالاة مفتعلة ، بعد ن شمر شفته العليا اشمئزازا :
( مازالوا لاحقين طيزي ، أولاد العاهرات ..قلنا لهم وطني أهم من الذي خلقكم ..خذ اقرأ الرسالة يا عبودي ..أنا أحتاج لنظارة مكبّر للقراءة ..) و عندما قدم له أحدهم نظارته المكبرة ، تذرع بأنه لا يريد أن ينشغل عنهم بقراءة رسالة غير مهمة لديه ..فلندع عبودي يقرؤها ، قال.! و الغريب أنها كانت من الخارج بلغة أجنبية ، و من الداخل بالعربية ..و هذا ما أثار شكي أكثر أنا عبدو ، الذي صدق أنه أجدب لكثرة ما ناداني سعدو : يا أجدب ..!
حضرة الدكتور سعدو الموقر ، و المحترم جدا ..
عندئذ كان سعدو ينظر في وجوه الحاضرين الذين كانوا كالبلهاء اندهاشا . حتى من لم يصدق ذلك ، فقد أبدى إعجابه تملقا ، و تزلفا . لأن الناقد سعدو سيضعه تحت ( مقصّه النقدي ) عاجلا ، فهو الذي أعلن منذ أسبوع : إنه يعمل على نشر كتاب نقدي ضخم ، سيتناول فيه كل الأدباء ، و الأديبات في البلد . و عندما قال لي : أكمل يا عبودي . بعد أن ، مضغ ، هضم تعابير وجوه الحضور ، على عبارة : الدكتور الموقر ، و المحترم جدا . فأكملت : يُشرّفنا يا حضرة الدكتور المتمكن من مادتك في النقد المقارن ، أن تتكرم علينا ، و توافق مشكورا على طلبنا إليك في العودة إلى المعهد الذي كنت تعلم فيه ، لأن طلابك في حزن شديد لغيابك ..و هم بأمس الحاجة لعقلك الكبير ، و تمكنك .....
قاطعني سعدو ، وكأنه اكتفى بما قرأت ، و ليزيد الموقف زخما . وكأن الغرض من الرسالة قد اكتمل فيما ذكر . فقال لي : يكفي يا عبودي ..يكفي ..هؤلاء الأوغاد ، يبدو أنهم لا يفهمون ..لقد أفهمتهم مرارا ، أني لن أعود ..لن أعود ..اللعنة عليهم ..و هل نترك ساحتنا الأدبية فارغة من النقد ، لنغني بلاد الناس .. بلادنا ، و شعبنا بحاجة لنا..؟؟ و توجه إلى الحضور المخمورين : أجيبوني يا سادة ..بربكم هل يجوز من رجل وطني ، مثلي ، أن يتخلى عن شعبه في هذه الأزمة الثقافية ..؟؟ و انهال عليه المديح . و ارتفعت الكؤوس تحية لسعد الدين الحمصي ..و السيدات ابتسمن بإعجاب فيه اشتهاء . فرفع سعدو كأسه و شربه كله . و دقه على الطاولة ، و أمرني : املأ الكؤوس يا عبدو يا أجدب ..!
و راح سعدو يلقي محاضرته على الجميع ، أن يخبروا كل من كتب حرفا في الرواية ، أو الشعر ، أو القصة ، أو المقالة . أو في أي صنف من صنوف الأدب ، و الثقافة ، أن يرسلوا إليه المواد المنشورة ليتم وضعها في كتابه النقدي الضخم الذي سيصدر خلال مدة قصيرة جدا ، لأن لديه أغلب المواد النقدية جاهزة في جهازه المحمول ، كما قال . و سيقام حفل توقيع في صالة ( المركز ) للكتاب . وقد طبع بطاقات دعوة للجميع بدون استثناء .
و أذكر ، و ليتني لم أتذكر ، أن حفل التوقيع كان مهرجانا حقيقيا ، بيعت فيه كل النسخ المطبوعة بسعر خيالي ، قياسا لأسعار تلك الفترة . و لكن خيبتي ، و خيبة من اشترى الكتاب ، أنه منقول عن الأنترنيت . و ما كتب عن تلك الكتب من نقد ، سواء أكان قدحا ، أو مدحا . لم يكن من إنتاج سعدو .. كانت مهمة الناقد الدكتور : سعد الدين الحمصي ، ابن خالتي ، أن يُعرّف على الكاتب بعبارات قليلة ، و يضع تحت اسمه ما أخذه من النت . فتذكرت على الفور : إن سعدو ابن خالتي كان تاجرا للأحذية ، و عاد دكتوراه في النقد المقارن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال


.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة




.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة