الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية و الاسلام

مولود مدي
(Mouloud Meddi)

2017 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


اصبحت قضية الدولة المدنية هاجسا في العالم الاسلامي, فهناك من يؤيد فكرة الدولة المدنية و يرى انها شرط اساسي لبناء مجتمع ديمقراطي و حر يتميز بالعدالة و الحرية و المساواة و هناك الطرف الاخر المتمثل في انصار الدولة الدينية و دولة الشريعة الذين يرون ان فكرة الدولة المدنية فكرة غريبة عن المجتمع الاسلامي و هي لا تليق الا بالغرب الاوروبي.
ان تعريف الدولة المدنية صعب و يحتاج الى الكثير من الشرح لأنه ليس هناك تعريف واحد لها و لكن باختصار الدولة المدنية هي دولة تقوم على اساس التعاقد اي باللغة الكلاسيكية لدى المسلمين ’’ البيعة ’’ , هي دولة القانون الذي يكون فيها سائدا على الجميع دون استثناء, دولة المساواة, و دولة المواطنة حيث الدولة المدنية تبنى على اساس المواطنة و الانتماء, يعني انها لا تقف ازاء الناس موقفا على اساس العرق او الدين او المذهب او اللغة, و الدولة المدنية التي يقتصر عملها على الشأن العام فقط اي لا تتدخل في قضايا الثقافة و الدين و التربية و غيرها فتصبح هنا الدولة المدنية تسمى دولة الحد الادنى و هذا النوع من الدولة هي احدى شعارات النيوليبرالية.
اما الدولة الدينية فهي تقوم على اساس الدين و يحكم فيها شخص او اكثر باسم الله و بتفويض من الله, و حاكم هذه الدولة له الحق في التشريع فما يراه صوابا يجب ان يكون صوابا لدى الاخرين, و ان اتخذ قرارا يجب ان لا تكون هناك اية معارضة لأنه لا يمكن معارضة الدين, كما ان الحاكم له الحق في التشريع و له حق الطاعة المطلقة و هذه الدولة الثيوقراطية لم يعرفها المسلمون قط كيف ذلك ؟ لان الدول الاسلامية بدءا من دولة المدينة, رسول الاسلام نفسه لم يكن يشرع و يأتي بأحكام من خارج الوحي و تلك الاحكام لم تكن لها اي علاقة بالسلطة, و بالتالي سياسة تلك الدولة كانت تسير حسب الاجتهاد و تفكير محمد و صحابته. كما ذهب بعض العلماء المسلمون للقول بأن ما فعله الرسول خارج نطاق الوحي ليس على المسلمين اتباعه, لان الوحي لا يتعلق الا بأمور الدين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل في الاسلام دعوة الى دولة مهما كانت نوعها ؟ هل هناك معالم واضحة لتلك الدولة ؟
في الواقع كل من يزعم بأن الاسلام أتى بنظام سياسي واضح القسمات كنوع نظام الحكم و كيفية ادارة الدولة و شروط اختيار قائد هذه الدولة كما زعم الجويني و الامام الغزالي يكون قد غالط الحقيقة, لأن الاسلام اتى بمبادئ عامة و ترك التفاصيل للاجتهاد البشري, فالمتتبع لتاريخ دولة الخلفاء الراشدين و يقارن حكم ابي بكر مع حكم علي و حكم عثمان مع حكم علي يجد ان تجارب هؤلاء في الحكم ليست نموذجية مطلقا, فدولة الخلافة الراشدين تركت ما نسميه الفراغ الدستوري و ثغرات دستورية واضحة الى اليوم فالثغرة الاولى تتمثل في مسألة مدة حكم الحاكم فلم يتفق عليها الصحابة ولا الخلفاء الذين اتوا بعدهم فكان في الكثير من الاحيان التداول على السلطة يتم عن طريق امتشاق الحسام لإبعاد الخليفة عن الحكم.
و الثغرة الثانية هي طريقة تولي الحاكم و تعيينه, فلن ينكر احد ان بيعة ابي بكر اختلفت عن بيعة عمر و غيرها من البيعات فلم تكن هناك اي طريقة واضحة لمبايعة الخليفة و لم يكن للمسلمين الحق في المعارضة والا تم قتالهم ان اعترضوا, اما الثغرة الثالثة انه طوال حكم هذه الخلافة لم يكن هناك ما يسمى صلاحيات الحاكم و اختصاصه فكل السلطات بيد الخليفة فاليه تعود القرارات حتى ان كانت ضد رغبة الاغلبية.
في الحقيقة هذا الاختلاف و عدم وضوح معنى الدولة و الحكم لا يعبر عن ضعف في الدين الاسلامي – الذي لا ضلع له بالسياسة –
و انما المشكلة كانت في ضعف وقلة اجتهادات المسلمين في العلوم السياسية فانتظر المسلمون من دولة المدينة الى ظهور كتاب الماوردي ’’ الاحكام السلطانية ’’ في العهد العباسي ليشهدوا اول المؤلفات في العلوم السياسية, و لعل تضييق الدول الاسلامية من انتشار فقه السياسة خشية المعارضة كما اكد القاضي و الامام المصري علي عبد الرازق في كتابه ’’ الاسلام و اصول الحكم ’’ هو سبب تخلف المسلمين و تأخرهم في هذا العلم.
لكن هل الدولة المدنية التي يدعوا اليها الكثير من المفكرين هي دولة علمانية ؟ او بجب ان تكون علمانية ؟
ان الدولة المدنية في اوروبا و التي تعرف بالدولة الحديثة هي دولة علمانية لا شك فيها, لكن لا يجب ان نفهم ان هناك صيغة واحدة لمفهوم العلمانية و العلمنة, بل حتى للديمقراطية و مفهوم الدولة المدنية لكن من الممكن التوفيق بين تلك المفاهيم حسب الحاجة و المصلحة.
عندما نتحدث عن الدولة الدينية في اوساط المسلمين, اول فكرة تتبادر الى الذهن هي تطبيق الشريعة و الكثير ان تطبيق الشريعة هي اقامة الحدود و فقط و هذه فكرة خاطئة تماما, لأن الدين الاسلامي لا يمكن حصره في القانون الجنائي, و لكن من الغريب على الحركات و الاحزاب الاسلاموية ان تتجاهل شروط تطبيقها لأنه لا يمكن ان نتحدث عن تطبيق الشريعة التي ينادون بها الا عند توفير كل الضرورات للمجتمع فالإمام ابن حزم الظاهري قال ’’ اذا جاع الناس فليس لاحد في مال ’’ فمثلا معدل سن الزواج في العالم الاسلامي هو 40 سنة و الاسباب واضحة من تدني القدرة الشرائية للمسلمين و الرواتب التي لا تتحمل نفقات الزواج فكيف نتحدث عن تطبيق الشريعة في هذا المجتمع الذي يعاني ماديا ؟ كما لا يجب ان تغافل عن امر مهم في شروط تطبيق الشريعة الاسلامية و هو شرط توفر الشهود للحكم على الجاني و هو شرط جوهري فكل الحدود في الاسلام تتطلب توفر الشهود و الا لم الحد لن يطبق و بهذه الطريقة سيجد الكثير من المجرمين الفرصة للتنصل من العقاب.
في الدولة المدنية التشريع يكون من حق الشعب فهو الذي يختار عن طريق ممثليه في البرلمان نظام التشريع الذي يريده و ليس لاحد ان يعترض على ارادة الشعب فجان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي اكد ان للشعب الحق في اختيار القوانين التي يريد ان تحكمه و له الحق في تغييرها و قتما شاء و حتى ان اختار القوانين التي تستعبده و ليس لاحد ان يغيرها الا بإذنه و هذا حقه الشرعي, و هذا المبدأ الذي اقره روسو هو من اسس الديمقراطية, لكن مفهوم الديمقراطية في العالم الاسلامي تم فهمه على انه صندوق انتخابات و عملية اقتراع لذا تجد الكثير من الاحزاب الاسلامية تجدها تنقلب على الديمقراطية فور صعودها للحكم و هذا سهو كبير, لان الديمقراطية لا يمكن اختزالها في عملية اقتراع الذي هو من اليات الديمقراطية, و العجيب ان من كانوا يكفّرون الديمقراطية و البرلمان و ينعتون كل من يشارك في العملية الديمقراطية بالملاحدة و الزنادقة اصبحوا يحبّذون الديمقراطية و يشاركون فيها ليس تعلقا بمبادئها بل وسيلة للوصول الى الحكم , فالسلفيين في مصر هم خير دليل و قبل ذلك في 1991 في الجزائر التيار الاسلامي الذي كان يمثله ’’ حزب جبهة الانقاذ الاسلامية ’’ الذي قال رئيسها يومها ’’ هذا اخر عهدكم بالصناديق الزجاجية ’’, وهناك من يقول لا يجب اساءة فهم هؤلاء الاسلامويين فيمكن اعتبار قبول التيار الاسلاموي بالديمقراطية هو توجه ذلك التيار نحو الاعتدال و مراجعة المفاهيم المتشددة و لكن في رأينا التطور و اعادة مراجعة المفاهيم و تصحيحها لا يمكن ابدا ان تتم في ظرف قصير كشهر او عام او عامين بل تتطلب وقتا كبيرا فالمرجعية السياسية التي بنيت عيها جماعة الاخوان المسلمين مثلا على افكار حسن البنا و سيد قطب و المودودي و تعتبر الشيخ القرضاوي مرجعية لها لا يمكن ان تتنازل عن مبادئها بهذه السرعة.
و كما اسيئ فهم مفهوم الديمقراطية في العالم الاسلامي, تم اساءة فهم معنى ’’ الشورى ’’ ايضا و الكثير من يحاول ان يقيم مساواة بين الديمقراطية و الشورى , فالشورى في التاريخ الاسلامي لم تعبر يوما عن رغبة و اختيار المسلمين لانّ الشورى لم تعطي الفرصة لجميع المسلمين في اختيار حكامهم بل الشورى كانت تتم بين فريق معين من المسلمين من اصحاب المكانة بين المجتمع المسلم عكس الديمقراطية التي تعطي الفرصة للشعب لكي يختار.
و في الاخير حتى يتم اصلاح مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية في العالم الاسلامي يجب على المثقفين اعادة صياغة هذا المفهوم وفق التصور الاسلامي لأننا قلنا سابقا بان مفهوم الدولة المدنية لا يمكن ان يكون له تصور واحد و ثابت كمفهوم العلمانية ايضا و بالتالي يجب انتاج علمانية و ديمقراطية على النمط العربي و الاسلامي و ليس الاكتفاء بنسخ و لصق النماذج الاوروبية لان لكل مجتمع خصوصياته و فالثورة العلمانية التي ابعد الدين عن الحياة في اوروبا نجد ان الثورة العلمانية ان قامت في العالم العربي لن تنجح في ازاحة الدين عن الحياة و في التجربة التركية خير دليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة