الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الشباب .. وعقد الشيوخ! (3 والأخيرة)من الاحتلال..إلى الاغتيال!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2017 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


هذا هو المقال الثالث والأخير، الذي نشرناه عن الانتفاضات والثورات العربية عند اندلاعها في مطلع عام 2011 ميلادية . وقد نشرته لنا في حينه جريدة المشرق البغدادية: في العدد: 2067..: بتاريخ 27 نيسان/أبريل 2011 .
وعنوان المقال ـ كما هو واضح ـ يغني عن شرح مضمونه.. فهو يقول بصراحة أن الولايات المتحدة وحلفائها، وبعد تجربتي
غزو العراق ونتائجه الكارثية عسكرياً وبشرياً واقتصادياً وسياسياً، وبما سبقه من تجربة محاولة إنقاذ شاه إيران ومعاداتهم للثورة الإيرانية، مما أدى بالنتيجة إلى خسارتهم إيران والشاه معاً .
وهذا النتائج الكارثية هي التي أجبرتهم على أن لا يغامروا باحتلال بلد مرة ثانية ، لإنقاذ عملائهم ومصالحهم فيه.. ولهذا لجاؤا في النهاية إلى التظاهر بتأيد الانتفاضات والثورات العربية ـ بحجج ديمقراطية ـ لاحتواء هذه الثورات أولاً، ثم لاغتيلها من الداخل بــ " ثورات مضادة " .. وتحويلها من ثورة باتجاه الحرية والنهضة والمستقبل ، إلى ردة جاهلية ظلامية باتجاه أكثر العصور دموية وتخلفاً ، وحالة من الدمار الشامل للعرب والعروبة ومستقبلهم!!
وهذا ما حدث فعلاً .. ونجح نجاحاً باهراً!!

*****
نص المقال:

الانتفاضات العربية ـ كما هو معروف للجميع ـ ابتدأت في تونس، ثم انتقلت إلى مصر، وبعدها عمت جميع الأقطار العربية،
ملكيات وسلطنات وأمارات وجمهوريات وجماهيريات!!
في تونس ومصر، تحولت الانتفاضتان إلى ثورتين أطاحتا بأنظمة حكم مبارك وبن علي .. وبع هذا النجاح غير المتوقع، عمت الانتفاضات والثورات جميع الأقطار العربية، وتحولت إلى حالة عربية فريدة ونادرة، أعادت للأمة اعتبارها ووحدتها، ووجودها الذي أصبح على المحك كأمة واحدة، بعد أن تنكر لحقيقة وجود الأمة الأعداء والأصدقاء، وحتى بعض الأبناء!
لقد فاجأت الانتفاضات العربية الجميع بدون استثناء.. فاجأت الأنظمة العربية، التي كانت تبدو قوية وراسخة، ومؤمنة ضد أي تحرك جماهيري .. كما فاجأت الجماهير نفسها، لأنها لم تكن تتصور أنها تمتلك كل هذا الإصرار والتحدي والصمود والاستمرار إلى آخر الشوط .
لكن هذه الجماهير لا تعلم بأنها، وبعد كسرها لــ (حاجز الخوف) قد تحركت لديها عوامل التاريخ وحكمته وحركته، وقوانينه السرية المفضية إلى مسارات لا تتوضح إلا في اللحظات الأخيرة، والمؤدية بالنتيجة إلى مرحلة تاريخية جديدة بكل مواصفاتها

والأهم، أن الانتفاضات والثورات العربية فاجأت الغربيين عموماً، والأمريكيين خصوصاً مفاجأة تامة، لعدة أسباب أهمها:
ما كانت تقوله مراكز بحوثهم عن العرب كأمة وثقافة وحضارة، وما ترسمه لهم من صور نمطية..
وثانيهما: ما كانت تبثه آلة الإعلام الصهيوني عن العرب وصفاتهم وخضوعهم وخنوعهم لحكامهم الطغاة، وعن سلبيتهم وعاطفيتهم وقصر النفس لديهم.. مما يجعل انتفاضاتهم وثوراتهم، عبارة عن (حالة هيجان) تخمد بعد الفورة الأولى .
وثالثهما: ما كان ينقله الحكام العرب للغربيين عن شعوبهم من صفات (الرضا بالمقسوم) وعن استقرار حكمهم وبقاء أبدي لأنظمتهم!
كل هذه الأسباب تجمعت وجعلت من الغربيين، والأمريكيين منهم على وجه الخصوص لا يعيرون أهمية للتظاهرات والاحتجاجات العربية في بداية أمرها، معتبرينها (حالة هيجان) عابرة، ستخمد بعد أيام، مستندين في هذا إلى الصورة النمطية التي ترسخت عن العرب في أذهانهم..فكانت مواقفهم مع الأنظمة العربية على طول الخط في البداية .
لكن استمرار التظاهرات والاحتجاجات، وتصاعدها عددياً، وتطورها نوعياً، وتحول يوم الجمعة من كل أسبوع إلى (تقليد عربي) تعاد فيه التظاهرات والاحتجاجات، أوقعهم في حيص بيص، وجعلهم يتخذون مواقف متذبذبة، مرة وكأنهم يقفون على الحياد بين الطرفين، ومرة وكأنهم مع مطالب المتظاهرين المشروعة، ومرات ـ وهو موقفهم الحقيقي ـ يقفون مع أنظمة الحكم العربية!
هكذا كان موقفهم مع نظام زين(الهاربين) بن علي في تونس، وهكذا كان موقفهم مع نظام حسني مبارك في مصر .. وهو الموقف نفسه الذي يتخذونه الآن مع نظامي لقذافي وعلي عبد الله صالح وآل خليفة، ومع أي نظام عربي آخر يصبح في ظروف مشابهة!
لكن عندما ترجح كفة المتظاهرين، ويبدو العجز والانهيار على النظام، يقفون مع الثوار المنتصرين ويتبنون مطالبهم المشروعة، كأنهم أصحابها الحقيقيون!
وقبل هذه المواقف الغربية، التي أملتها الأسباب المذكورة أعلاه، تقف في خلفية الصورة أسباب موضوعية أخرى، غير مرئية لمواقفهم هذه . في العمق، لم تعد الدول الغربية، وأمريكا على وجه الخصوص حرة في اتخاذ مواقفها وقراراتها، والمتفقة مع مصالحها فقط، دون وضع عدة اعتبارات في الحساب..
اعتبارات فرضتها عليهم تجاربهم المريرة، التي شكلت لهم عقداً مركبة، وكلفتهم كلفاً مادية وسياسية واقتصادية ونفسية وبشرية فادحة..وأهم عقدتين هما: عقدتا الثورة الإيرانية وغزو العراق!

أولاً: الموقف من الثورة الإيرانية!
لقد اتخذت أميركا والدول الغربية موقفاً شديد الصرامة في معاداته للثورة الإيرانية عند انطلاقها عام 1979، وتأيداً مطلقاً لشاه إيران .. وكانت نتيجة هذا الموقف خسارة إيران والشاه معاً!
فأدى هذا الموقف إلى تشدد إيران وتطرفها في معاداة الغرب، وتشكيلها لمركز إيديولوجي معاد للغرب والصهيونية..وقد ساعدت جاذبية هذا المركز الإيديولوجي، على تفجر (إسلام سياسي راديكالي) أخذ يزحف بقوة على الساحات الإسلامية جميعها، دافعاً إلى الخلف كل القوى والتيارات السياسية الأخرى!
و (قد) تزامن احتلال السوفيت لأفغانستان مع تفجر الثورة الإيرانية، فتظافر الحدثان وأديا إلى بروز الظاهرة الجهادية، التي عمت العالم الإسلامي كله، ثم وصلت إلى أوربا والولايات المتحدة، بما عرف بأحداث 11 سبتمبر، وظهور مصطلح " الإرهاب " و " الحرب على الإرهاب " الذي سيطر على الساحة الدولية والسياسة الدولية، بكلف سياسية ومادية ونفسية وبشرية عالية جداً، لا زالت مفاعيلها المركبة تخيم على العلاقات الدولية .
وتجربة الغرب وأمريكا مع الثورة الإيرانية ونتائجها المتشعبة الأضرار، أحد عاملين أوقعهم في فخ التذبذب والتردد والارتباك، في مواقفهم من الانتفاضات والثورات العربية الحالية .
فهم من ناحية، لا يستطيعون تكرار تجربة الوقوف مع الشاه وكلفته العالية، ومن ناحية ثانية، لا تستطيع الدول الغربية (بحكم طبيعتها الإمبريالية) أن تقف مع الشعوب وانتفاضاتها وثوراتها وقفة صادقة ..
وهذا أحد العاملين، أما العامل الموضوعي الثاني فهو:

ثانياً: احتلال العراق ونتائجه الكارثية:
لقد كان احتلال العراق من قبل الأمريكيين، بمعاونة دول غربية عديدة كارثة مكتملة الأركان ومتشعبة الاتجاهات، عراقياً وعربياً وإقليمياً وأمريكياً وأوربياً ودولياً . وذات كلف سياسية واقتصادية وبشرية، تجاوزت الحد الأقصى لكل ما قدر لها، من زمن ومال وبشر وسلاح ونتائج!
ودون الدخول في متاهة التفاصيل، يمكن القول:
إن المقاومة الوطنية العراقية قبل أن (تتمذهب طائفياً، وتكفر عقائدياً، وتتقاتل مليشياوياً) استطاعت عسكرياً أن تحد من الاندفاعية العسكرية الأمريكية، وتحاصرها داخل حدود العراق، وتمنع امتدادها إلى باقي الأقطار العربية والإسلامية .
وكانت النتيجة المباشرة لهذه المعركة العسكرية هي، إفشال المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الموسع، وتحويل " الحلم الأمريكي " بأمركة العالم، إلى كابوس أمريكي خيمت ظلاله السوداء على العالم كله .
وكانت النتيجة الثانية لهذه المعركة، اشتداد عود المقاومة والممانعة العربية وإمساكها بزمام المبادرة من جديد . وبالإضافة إلى هذا كانت لهذه المعركة نتائج عالمية عديدة..منها:
بعث الحياة في أوصال مقاومة طالبان، بعد أن خمدت لسنوات، في أعقاب احتلال أفغانستان عام 2001 .
ومنها: انتعاش قوى اليسار العالمي، خصوصاً في أمريكا اللاتينية (الحديقة الخلفية للولايات المتحدة) واستلام هذه القوى ـ ذات التوجهات المعادية للولايات المتحدة ـ السلطة في العديد من دول القارة الجنوبية، كالبرازيل وفنزويلا والبيرو وغيرها من بلدان القارة .
وعلى الجانب السياسي والاقتصادي، دفعت الولايات المتحدة أثماناً باهضة لغزو العراق . أهمها (قصف عمر) التفرد الأمريكي بشؤون العالم، وتقليصه إلى سنوات قليلة، بعد أن كان مقدراً له أن يستمر لخمسين عاماً على أٌقل تقدير . مما ساعد على ظهور منافسين أقوياء لأميركا، كالصين وروسيا والاتحاد الأوربي . وتهاوي هيبة أميركا وتحدي دول صغيرة لها، كدول أميركا الجنوبية لها مثلاً .
أما النتائج الأكثر تأثيراً ووضوحاً لغزو العراق بالنسبة للولايات المتحدة، فقد كانت على الجانب المالي والاقتصادي . فغزو العراق الذي قدرت كلفته بعدة مليارات من الدولارات، تستعاد بعد سنوات من استعمار العراق، تحول إلى استنزاف مالي واقتصادي للولايات المتحدة . وتقدره بعض المصادر بــ (3 تريليون) دولار أمريكي حتى الآن (والحبل على الجرار) .
وهذا الاستنزاف المالي أنهك الاقتصاد الأمريكي، وأدخله وأدخل العالم معه في أزمة بنيوية حادة، غير معروفة النتائج النهائية حيى الآن .
وربما تكون الجهة الوحيدة في العالم، التي لم تر هذا التغير العاصف، الذي غير موازين القوى العالمية، وأنزل الولايات المتحدة عن عرش القطب الواحد، هي أنظمة الحكم العربية .
أما الشعب العربي، بحسه التاريخي، قد يكون هو الجهة العربية الوحيدة التي فهمت مغزى هذا التغير العالمي العاصف . فقام انتفاضاته وبثوراته في اللحظة التاريخية المناسبة، لتكون آخر نتائج غزو العراق، لكنها بالتأكيد ليست الأخيرة .

وإذا جمعنا كل هذه الخيوط والعناصر، لنتائج غزو العراق، ولنتائج الموقف من الثورة الإيرانية..نستطيع أن نكتشف الظروف الموضوعية، بالإضافة إلى الظروف الآنية، التي تضع الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً في موقف حرج، يجعلهم في حالة تذبذب وارتباك وحيرة شديدة في اتخاذ الموقف المناسب من الانتفاضات والثورات العربية .
فعقدة الثورة الإيرانية، تمنعهم من تكرار موقفهم من الشاه ـ أي مع الحكام العرب ـ فيخسرون الحاكم والبلد معاً..وعقدة احتلال العراق، تمنعهم من إعادة تجربة الاحتلال الكارثية المروعة، بالنسبة لهم .
فاختاروا طريقاً ثالثة هي (وبعد استنفاذ كل الممكنات السياسية والاستخبارية) الوقوف مع الثورة لاغتيالها من الداخل .
وهذا ما يحصل في ليبيا حالياً، وهو ما قد يحصل في اليمن مستقبلاً ـ أي أنهم ـ ينتقلون من الاحتلال المباشر..إلى الاغتيال غير المباشر للثورة .
فهل ينجحون؟ ... ومن هو المسؤول عن إيصال الأمور إلى هذه الزاوية الحرجة؟
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي