الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطباعات اجتماعية عن التيار الصدري

محمد لفته محل

2017 / 1 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لمع اسم (جيش المهدي) بعد الاحتلال الأمريكي لبغداد مباشرة عندما بدأ بالسيطرة على مقرات الفرق الحزبية؛ وخطف اسم (مقتدى الصدر) الأضواء عندما أُتهم بالتواطئ بقتل (عبد المجيد الخوئي)؛ وسرعان ما بدأ الانتساب لهذا التيار من الشباب ينتشر بسرعة فائقة وبدأ بحملات حماية مدارس البنات من الخطف والتحرشات وبناء مستوصفات صحية وتوزيع النفط والغاز على الناس، حتى أصبحوا قوة كالشرطة المحلية لها مكاتب يراجع فيها الناس الذين وجدوا فيه قوة ايجابية تسد الفراغ الأمني الذي غاب بعد الاحتلال، بالتالي كان الرأي العام الشيعي مؤيداً لهذا (الجيش)، وسرعان ما بدأت هذه الميليشيا بفرض أيديولوجيتها على مناطق نفوذها بفرض الحجاب على النساء بما في ذلك الصور التجارية للنساء السافرة أو رش صبغ على شعر الصورة! وتوبيخ أو ضرب الشباب على تسريحات شعرهم ومحتويات هواتفهم، وإغلاق محلات الفرق الموسيقية للأعراس وتفجير محلات بيع الخمر وبيع وتأجير أقراص ال(CD) ومحلات التسجيلات الصوتية ومنع العاب القمار بالمقاهي فرضاً ثم شكلوا محاكم شرعية لإقامة الحدود تعتمد على الشاكي الذي يقسم بالقرآن فقط ليتم خطف المتهم بصندوق السيارة الخلفي ويؤخذ لبيت أو في مكاتبهم الخاصة يتعرض للضرب والشتم والتعذيب أو القتل بالرصاص. وكانت الحرب الأهلية الطائفية بين المسلمين محطة فاصلة في تاريخ هذا الميليشيا حيث انخرطت في دوامة الثأر والقتل المتبادل بينها وبين الميليشيات السنية (تنظيم القاعدة) فارتكبت مجازر قتل وجرائم خطف وتهجير ومصادرة ممتلكات وابتزاز واخذ اتاوات من التجار والمقاولين والأطباء الخ اتهم فيها عناصر جيش المهدي (الذي أضيف لأسمه "جيش الإمام المهدي") بارتكابها؛ وكان قادته أشبه بأمراء الحرب يتملق لهم البعض للأستقواء بهم بسبب مكانتهم المخيفة وقدرتهم المسلحة، يشتهرون بالقاب مثل (ابو درع*، حسن كوبرا، ابو سجاد الخ) ويسمى الواحد منهم (قيادي) المقابل ل(أمير) عند تنظيم القاعدة، ويقودون فيالق، ودخلوا في صدام مسلح حتى مع الأحزاب الشيعية الأخرى مثل (بدر) وعناصر الشرطة المحلية إذا لم تتعاون معهم! ثم دخل في حربين مسلحة مع الأمريكان والحكومة الرسمية انتهت بهزيمة عسكرية له وتجميد لهذه الميليشيات عام 2007. بعدها بدأت مرحلة مهمة تحول فيها (مقتدى الصدر) إلى العمل السياسي ولمع اسم (تيار الأحرار) سياسياً ثم (التيار الصدري) شعبياً الذي تحول جذريا من الطائفية إلى الوطنية، فخرج من الوصاية الإيرانية بعد التجميد وكلفه هذا انشقاق قيادات منه لمصلحة إيران. وفتح مدارس مذهبية وفروع عقائدية (بقية الله، المناصرون) ثم اختفت فجأة! واظهر الحزب قدرة تنظيمه عالية في إدارة المظاهرات وضبط سلوك أفراد ميليشياته الجديدة (سرايا السلام) تفوق جميع الأحزاب الأخرى. تحول (مقتدى الصدر) عن الطائفية أربك بعض جمهوره المتأثر بالدعاية الطائفية لإعلامه، وكلفه ذلك بعض شعبيته، فإنصافه للسنة بتأييد مظاهراتهم في الفلوجة والظلم الذي تعرضوا له من المادة (4 إرهاب) جعلهم يستغربون دون الجهر بهذا الاستغراب، ولو قال أي سني أو علماني كلام (مقتدى الصدر) لتعرض لأشنع الاتهامات الإرهابية، لان الصدر يسير عكس التيار بوطنيته في الجمهور الشيعي المغشوش بالإعلام الطائفي اغلبه، ولم يستعد شعبيته إلا في المظاهرات الأخيرة (2016) ومعرفة قطاع واسع من الشيعة الخديعة الطائفية السياسية.
وكل أخطاء التيار وارتكاب عناصره الإجرام فسره الجمهور على أنهم لا يمثلون هذا التيار الأصلي (جيش المهدي الاولي) الذي ساعد أهل الفلوجة في قتال الأمريكان كما يقولون، منزهين (مقتدى) من العلم بهذه التصرفات والجرائم، خصوصاً عندما قام بحملات إعدام ضد عناصره المارقين، وتوضح هذا الظن أكثر عندما انشقت تيارات إجرامية عن خطه رمز لها مقتدى (مليليشيات وقحة) تابعة لإيران. وقد سمعت إن هذه الميليشات الوقحة تقتل كل عضوا ينفصل عنها. ويعتقد جمهور الصدريين إن جيش المهدي على سيئاته هو من حمى المدن الشيعية من الإبادة على يد تنظيم القاعدة الطائفية، وهذا يقره حتى بعض خصوم التيار من الشيعة. (إن مأساة وآفاق الحركة الصدرية هما بقدر واحد مأساة وآفاق العراق. بمعنى كلاهما نتاج ظروف الانحطاط، تماما بالقدر الذي يمثلان محاولة الخروج من مأزقه التاريخي الفعلي.)(وهو السبب الذي جعل منها حركة تحمل كل متناقضات الوجود التاريخي للعراق المعاصر)(1)
التيار الصدري الحركة الاجتماعية الوحيدة المؤثرة بالشارع التي لها جمهور حقيقي يتأثر بدعواتها والجمهور لا ينظر إليها كحزب إنما لكاريزما رجل الدين (مقتدى الصدر) التي تمثل الكرامة والإباء، وهذا مفهوم في مجتمع أهلي آلي تسود قيم الجماعة وتقاليدها على الفرد المقيد بها، وظهور الكاريزما يكون أشبه بالنبي تحاط حوله الأساطير والكرامات إذا اقنع الجمهور برسالته، ومفهوم في مجتمع تقليدي ومغلق عن العالم لعقدين من الزمن بفعل الاستبداد السياسي والحصار الاقتصادي لم يترسخ فيه المجتمع المدني أو أي شكل من أشكال التجمع طوعي خارج العصبية القبلية، وظهور الكاريزما هو المنفذ الوحيد في هذا المجتمع التقليدي، علما إن (مقتدى الصدر) ليس جذرياً (راديكالي) إنما وسطي، (لقد كانت الحركة الصدرية، حركة الأغلبية المهمشة، وقوى الداخل العراقي. وهي الحالة التي بدت غريبة ومفاجئة ومشوهة بالنسبة لأعين القوى السياسية التي تعودت على التعامل مع العراق وواقعه في "جلساتها" و "مؤتمراتها" في القصور والفنادق المدفوعة الأجر من جانب الدول الأجنبية وأجهزتها الأمنية واستخبارتها العسكرية. إذ لم يكن بإمكانها توقع "منافسة" اجتماعية سياسية، لان السياسة بالنسبة لها هو تحزب لا علاقة له بالمجتمع، وسياسة هي عين المؤامرة والمغامرة.)(2) فالتيار الصدري نتاج طبيعي لمجتمع أهلي آلي يُقسم نفسه إلى جماعات مذهبية وعشائرية وقومية (فلان سني أو شيعي أو كردي أو من بني فلان الخ)، وطبيعة المجتمع الآلي إن التماسك الجماعي فيه قوي ومتين والأولوية للجماعة على حساب الفرد، والعلاقات ذات طبيعة دينية لأنها شبه مقدسة ومصانة من الخرق أو التجاوز، فالأعراف والتقاليد والعادات لها احترام وتقدير من الرأي العام والمروق عليها يُتهم مارقها بقلة الأدب والأصول وقد يُطرد ويُهان ويُلام من الجماعة، وكلما اشتد التماسك الجماعي تخللت هذه العلاقات مشاعر دينية؛ فالأصل القبلي والقومية والمذهب لها مضمون ديني لان الفرد مستعد أن يضحي بحياته من اجلها، ويسيجها بأسلاك شائكة من المُحرّم، والتيار الصدري استطاع أن يجمع جمهور بمشاعر دينية على قضايا دنيوية سياسية، فيمتزج البعد الديني بالدنيوي. وعليه يغدوا متوقعا ظهور رجل دين في مجتمع آلي تماسكه الاجتماعي ذو طبيعة دينية، يأخذ تصور المنقذ لدى العامة، وليس مصادفة أن تظهر إشاعات في فترة ما بأن (مقتدى الصدر) هو المهدي أو نائبه، وهذا الرجل/المنقذ في تصور الجمهور رجل شبه معصوم ونزيه في أهدافه وقياداته، كنسخة من صورة الإمام في ذاكرة الشيعة.
الجمهور ينظر للتيار ليس كحزب إنما كحركة جهادية دينية تقاتل المحتل الذي يقترن مع الذل والأجنبي والغريب المستذئب والكافر المتشيطن الذي يكيد بذكاء وخلسه ويدس السم بالعسل، مع نخبة سياسية خارجية باسم المعارضة كانت "هاربة" مرفهة بالخارج من صدام ولا تعرف أوجاع هذا الشعب ولم تعش ويلات حصاره، ثم جائت على الدبابة الأمريكية مع المحتل وتحالفت معه تحالف ذل وتبعية في مقابل (مقتدى الصدر) الذي ضحى بأهله وبقي مع هذا الشعب تحت ظلم (صدام)، وزاد هذا التصور فساد هذه النخبة العميله وعدم اكتراثها بمستقبل البلد وانشغالهم بمصالحهم وثرواتهم الخاصة، أي الصراع بين التيار الصدري والنخبة الحاكمة هو صراع بين الوطنية والعزة والكرامة وبين الخيانة والذل والمهانة. (كانت القوة الصدرية القوة السياسية الكبرى، وقد تكون الوحيدة، التي نشأت من تلقائية التراكم الذاتي السياسي والاجتماعي والاقتصادي العراقي. مما أعطى لها زخما راديكاليا كبيرا أيضا من حيث تمثلها وتمثيلها لآمال وأماني وأحاسيس الشرائح الاجتماعية العريضة والمهمشة)(3)(المرة الأولى التي تأخذ الحركة الاجتماعية الشيعية زمام المبادرة خارج تقاليد "الحوزة العلمية" وأحزابها التقليدية ومرجعيتها الروحية.)(4)
من مفارقات التيار الصدري انه تيار أيديولوجي إسلامي يرفع شعار الدولة المدنية! وهذه الأخيرة تعرف كنقيض للدولة الدينية والعسكرية، والمفارقة الأكثر إن أتباع هذا التيار أي القاعدة الجماهيرية لا تعتنق هذه الايدولوجيا إنما هي جماهير مدنية غير نخبوية، بمعنى إنها تطالب بحقوقها الأساسية كأفراد مستقلين حزبياً بغض النظر عن توجه الحكومة الإيديولوجي، فمعظم أتباع التيار لا ينتمون له حزبياً إنما قلبياً، وإتباعهم لهذا التيار ليس بسبب أيديولوجيته لأنها متشابه مع بقية الأحزاب الإسلام السياسي الأخرى (الدعوة، بدر، المجلس الأعلى، الفضيلة، الصادقون) ويتظاهرون ضدها، إنما لرمزية رجل الدين في مقارعة السلطة الفاسدة. وكما يعبر (ميثم الجنابي) (من الممكن القول، بأن الحركة الصدرية لا تقلّ "علمانية" وديمقراطية وشرعية في ظروف العراق الحالية عن أية حركة أخرى تدعي هذه المبادئ والقيم. لاسيما وأنها استمدت وعيها لهذه القيم والمبادئ من مقومات العراقية الفعلية والتصاقها بالمجتمع وتمثيل قواه المسحوقه والصاعدة. فالعراق ليس بحاجة إلى علمانية لصوص وديمقراطية عبيد بأيدي الاحتلال)(5) بالتالي ان جمهور التيار يتوفر له بعض شروط المجتمع المدني كونه مفتوح على كل شرائح المجتمع والانتماء حر وطوعي، ولا يتقيد الفرد بعقيدة او ايديولوجيا، ويمتلك مؤسساتية عقلانية غير عرفية عالية التنظيم تفوق تنظيمات المجتمعات المدنية الأخرى (اللجنة المركزية، المكاتب).
كل هذا ويأتيك بعض العلمانيون ليصفوا هذا التيار بالاغبياء الذي يخرجون كالقطيع على نداء راعيهم الذي لايعدوا ان يكون (كلشي ما يفتهم) ويعودون ادراجهم اذا ناداهم بالرجوع، من منطلق ثنائية (النخبة_العامة)! لتكرس نوعا من العنصرية التي يستفيد منها السياسي ورجل الدين المتحالف معه. وهذا الموقف ذاته هو من يجعل اتهامهم ان التيار مذهبي الجمهور صحيح كونهم المساهمين في سببه.
أمام التيار الصدري مستقبل سياسي واعد، أما الفوز بالأغلبية وتشكيل كتلة عابرة للطائفية مع السنة، أو التحول لصف المعارضة الحقيقة وعدم الاشتراك في الحكومة إذا كانت تنتهج ذات السياسة الطائفية بالحكم، عندها يستطيع تحريك الجماهير دون أن يتهم بالفساد والمشاركة بالسلطة التي يتهمها بالطائفية وهو جزء منها! والمسكوت عنه إن عناصر قيادية وأفراد متورطين في الحرب الأهلية بجرائم قتل وخطف وتهجير واغتصاب بيوت، وان هذا التيار انشقت عنه ميليشات ظلت تمارس القتل الطائفي إلى الآن، تبرئ منها التيار، والمنتظر منه محاكمة هؤلاء المتهمين مثلما قام بإحالة أعضائه السياسيين المتهمين للنزاهة، وأنا أرى بمقتدى الصدر زعيماً وطنياً تخلى عن الطائفية وخرج من الوصاية الإيرانية وأصلح تياره ومنتظر منه الكثير. وعلى هذا الأساس كنت مؤيداً لتحالف المدنيين مع الصدريين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ادعى أكثر من شخص أنه (ابو درع) مع ذلك ظلت الناس تعتقد أنه شخص واحد! وهذا كان واضحاً في اختلاف توصيفه ومكان منزله. اما الامريكان فلم يرفعوا صورته مع المطلوبين في الشوارع عندما قامو بحملة اعتقالات!، وسمعت ان المتحدث باسم التيار انكر وجوده.
1_ميثم الجنابي، الحركة الصدرية ولغز المستقبل، إشكالية اللاهوت الشيعي والناسوت العراقي، الطبعة الأولى2012، دار ميزوبوتاميا، ص83.
2_نفس المصدر، ص22.
3_نفس المصدر، ص43.
4_نفس المصدر، ص73.
5_نفس المصدر، ص90.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث