الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة عن التوحيد في جزيرة العرب قبل الإسلام

محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)

2017 / 1 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لم يكن التوحيد بالغريب على جزيرة العرب .. بل كانت الجزيرة بحكم موقعها القريب من بلاد الشام وفلسطين - مهبط الديانتين المسيحية واليهودية – مليئة بأصحاب الديانتين الإبراهيميتين الكبيرتين ، ولم يكن الموحدون هم أصحاب الملتين العظيمتين فقط .. بل كان هناك الصابئة المندائيون الذين كانوا موحدين على عكس ما اشتهر عنهم ... فلو نظرنا لخلفية ومعاني الأسماء التي أطلقت عليهم لتبين لنا بعض من تلك الشذرات عن حقيقة أمرهم .

الصابئة المندائيون : -

أطلقت عدة تسميات على المندائيين في التاريخ، سواء هم أطلقوا على أنفسهم أو الأقوام المجاورة عرفتهم بها. ومن هذه التسميات ومعانيها كالآتي :
1 - المندائيون .. من (مندا) أي العارفون بوجود الحي العظيم ، أي الموحدون .

2 - الناصورائيون .. وهي تسمية قديمة جدا، وتعني المتبحرين او العارفين بأسرار الحياة. أو (المراقبين ، الحراس).

3 - الصابئة .. من (صبا) أي المصطبغون (المتعمدون) باسم الرب العظيم.

4 - المغتسلة .. من (غسل) أي تطهر ونظف. وأطلقها المؤرخون العرب، وذلك لكثرة اغتسالهم بالماء (تعميدهم وغطسهم بالماء).

5 - شلماني .. من (شلم – سلم) وهي تسمية آرامية مندائية تعني المسالم.

6 - ابني نهورا .. أبناء النور، وهي تسمية أطلقت عليهم في كتبهم الدينية.

7 - اخشيطي .. من (كشطا) أي أصحاب الحق او أبناء العهد، وهي تسمية أيضا أطلقت عليهم في الكتب الدينية.

8 - المصبتيين .. من (مصبتا) أي المتعمدين او المصطبغين وهي اصل كلمة (الصابئة) في اللغة العربية .. وقد أوردها الكاتب المسيحي هيغوسيبوس.

نصوص من كتب المندائيين تدل على التوحيد :-
(باسم الحي العظيم .. مسبّحٌ ربي بقلبٍ نقي .. هو الحي العظيم.. البصير القدير العليم العزيز الحكيم.. الأزلي القديم.. هو العظيم الذي لا يرى ولا يحد لأشريك له في سلطانه ولا صاحب له في صولجانه.. هو الملك منذ الأزل لا أب له ولا ولد ولا يشاركه ملكه احد.. موجود منذ الأزل .. باق ٍ إلى الأبد . ( المصدر كنزا ربا/ اليمين/ الكتاب الأول التسبيح الأول/ التوحيد )

( قل يا عبادي لا تزنوا ولا تسرقوا ولا تنتهكوا حرمات الناس.. لا تكنزوا الذهب والفضة فالدنيا باطلة ومقتنياتها زائلة.. لا تسجدوا للشيطان ولا تعبدوا الأصنام والاوثان.. صوموا الصوم الكبير صوم القلب والعقل والضمير.. يا أصفيائي لا تقربوا الملوك والسلاطين والمردة في هذا العالم ولا تثقوا بهم .لا بأسلحتهم ولا بحشودهم ول تلووا أعناقكم للذهب والفضة التي يكنزون أنها سبب كل فتنة سيتركونها وراءهم يوم إلى النار يذهبون .. لا تأكلوا الدم ،ولا الميت، ولا المشوه، ولا الحامل ولا المرضعة ولا التي أجهضت ولا الجارح ولا الكاسر ولا الذي هاجمه حيوان مفترس وإذا ذبحتم فاذبحوا بسكين من حديد.. إذا اتخذتم لأنفسكم أزواجا فاختاروا من بينكم وأحبوهن وليحفظ أحدكم الأخر. هبوا الخبز والماء والمأوى لبني البشر المتعبين المضطهدين .. إياكم والهُزءَ بمعوق أو السخرية من ذي عاهة . أن الأجساد قد تبتلى بالأوجاع ولكن نشماثا
( الأنفس) لا تهان ولا تزدرى ألا بإعمالها .إن عكازتكم يوم الحساب أعمالكم التي عليها تتوكأون فانظروا إلى ماذا تستندون . ( المصدر كنزا ربا / اليمين / الوصايا ) .
***********
اليهودية والتوحيد : -
- كانت يثرب حاضرة ومركزا ً ليهود الجزيرة الذين نزحوا من فلسطين إبان السبي البابلي وهدم الهيكل السليماني ، وارتضى كثير منهم بأرض العرب بديلا ً ، فاستقروا بها كوطن ثان لهم ، ونقلوا إليها كتبهم المقدسة وأسفارهم .
- وكانت العبادة اليهودية تنص على التوحيد من أولها لآخرها ... فقد كانت الليتورجية في المجمع اليهودي " الكنيس " تبدأ بصلاة الشماع : " شماع يسرائيل أدوناي آحاد " ( اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ) ، وكان عزرا النبي هو من رتب تلك الصلاة المستقاة حرفيا ً من سفر الخروج بجعلها جزءا ً من العبادة السبتية ولازمة من لوازمها .
- وكانت أول الوصايا العشر من الرب لموسى النبي وشعب إسرائيل في لوحي الشريعة هي النص على التوحيد والبعد عن اتخاذ الآلهة الأخرى معه تبارك اسمه " أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر ، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ، لا تصنع لك تمثالا ً منحوتا ً ولا صورة ً ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من أسفل ، لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الجيل والثالث والرابع من مبغضي " ( سفر الخروج الاصحاح العشرون الآيات من 2 – 5 ) .
- وكان تعليم تلك الوصايا يبدأ للطفل اليهودي منذ حداثته ونعومة أظفاره ، وتوضع كقلادة في عنقه ، وتعلق الوصايا العشر على حائط بيت اليهودي كتذكار أمام عينيه دائما ً ليعرف العهد الذي قطعه الرب مع آبائه عن طريق موسى النبي والشعب في البرية لما اجتازوا في برية سيناء خارجين من مصر ( انظر السنن القويم في تفسير العهد القديم – بقلم مجموعة من اللاهوتيين – طبعة مكتبة المنارة – القاهرة ) .
- وملأ اليهود جزيرة العرب بصرخاتهم التوحيدية – رغم نظرتهم المحصورة على أنفسهم كشعب مختار وأمة مقدسة غير قابلة لدخول غير الإسرائيليين فيها .. إلا أن نتائج السبي واختلاطهم بالأمم وتعليم الله لهم أن يعلنوا اسمه للأمم جعل هذا الحاجز ينزاح نوعا ً ما ، فتهود كثير من العرب .

- ولما حلوا بجزيرة العرب وتكلموا بالعربية كان لزاما ً عليهم أن يترجموا لأبنائهم الأسفار المقدسة باللغة الجديدة التي اكتسبوها ، وهذه الحقيقة كان لها صدى في كتابات كل المؤرخين حتى المسلمين أنفسهم .. فإن " ابن هشام " يذكر أن " ورقة بن نوفل " الراهب النسطوري وأسقف نجران كان يقرأ التوراة والإنجيل بالعربية والعبرانية " انظر السيرة لابن هشام – باب بدء الوحي " .
- وكان الخارج عن شريعة توحيد " يهوه " ( معنى يهوه الكائن الذي يكون ) " انظر قاموس الكتاب المقدس " والزائغ وراء آلهة أخرى يُقتَل قتلا ً بلا رحمة ولا هوادة حسبما نصت عليه شريعة موسى في سفر التثنية " إن أغراك أخوك ابن أبيك وأمك بأن تزيغ وراء آلهة ٍ أخرى فلا تشفق عينك عليه ولا ترحمه إياه تقطع من وسطك " .

**********************
المسيحية في جزيرة العرب : -


- كان تأثير المسيحية في جزيرة العرب أعم وأشمل من التأثير اليهودي .. فقد كانت المسيحية ديانة أكثر شمولا ً واتساعا ً وقبولا ً لدخول أقمشة من أمم مختلفة في ثوبها الواسع الفضفاض الرحب غير المتحيز لجنس بعينه .. فمن بدء تأسيس الكنيسة وانتشارها في يوم الخمسين " يوم حلول الروح القدس " ( انظر سفر أعمال الرسل الأصحاح الثاني ) كانت الكرازة والبشارة لليهود وغير اليهود من كافة الأمم الذين كانوا يجتمعون في أورشليم في الأعياد الكبيرة في الهيكل .. ونجد في الاصحاح الثاني تلك الحقيقة : " وكان يهود رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء ساكنين في أورشليم ، فلما صار هذا الصوت اجتمع اليهود وتحيروا لأن كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته ، فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس هؤلاء جميع هؤلاء المتكلمين جليليين ( يعني من الجليل ) فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي وُلِد فيها . فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين وكبدوكية وبنتس وآسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله " . ( أعمال الرسل 2 : 5 – 12 ) .
- لذا فقد كانت المسيحية في الجزيرة العربية أكثر انتشارا ً في جزيرة العرب كما قرأنا أنه كان من بين من سمعوا عظة بطرس الرسول الأولى عربا ً كذلك ، وقد حملوا هم بشارة الإنجيل للعرب لما رجعوا من أورشليم إلى أراضيهم .
- ثم إن سفر أعمال الرسل يذكر لنا في وقت لاحق ارتحال بولس الرسول إلى العربية بنفسه في وقت لاحق ، ولا جرم أنه قد بشر هناك كعادته في كل مكان يرتاده .

المسيحية والتوحيد
لم تزغ المسيحية قيد أنملة عن شرعة الوحدانية الموسوية .. فإن السيد المسيح له المجد قد أعلن تلك الحقيقة بنفسه في التجربة مع إبليس " مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " ( انجيل لوقا الاصحاح الرابع الآية الثامنة ) ، وعندما سأله أحد اليهود عن أي الوصايا أعظم فقال " إن أول الوصايا وأعظمها هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك " .
- وقد كرر رسل المسيح نفس الأمر .. فإن بولس الرسول يعلن نفس الحقيقة قائلا ً " لنا رب واحد " ، وكذلك يعقوب الرسول في رسالته " أنت تؤمن أن الله واحد حسنا ً تفعل " . . فصار الأمر لا يقبل الجدل .
- ولما انعقد مجمع نيقية الذي صيغ فيه قانون الإيمان الإنجيلي كان مفتتحه " بالحقيقة نؤمن بإله واحد " فكان التوحيد هو عصب الحياة المسيحية وجوهرها ، وإن اختلفت المسيحية مع اليهودية في فهم طبيعة الله الواحد أهي وحدانية جامعة كانت أم وحدانية مطلقة .

الهرطقات المسيحية في جزيرة العرب : -
بعد دخول اليهود والأمم في المسيحية ظهرت مشكلة جديدة .. إذ أن اليهود الذين تنصروا كانوا قد احتفظوا بجزء كبير من معتقداتهم اليهودية ، وأبوا أن يقبلوا الإيمان المسيحي كاملا ً ، بل وحاولوا أن " يهودوا " المسيحية لتتناسب مع خلفياتهم التي جاءوا منها ونشأوا فيها .
فكان منهم من يقول بوجوب الختان كلازم من لوازم الدخول في جماعة الرب ، واشتط منهم في وجوب حفظ الناموس حفظا ً كاملا ً فحاربهم بولس الرسول بإعلان الفكر الكتابي الصحيح " لا يحكم عليكم أحد من جهة أكل أو شرب أو هلال أو عيد "
وخرجت طائفة منهم في أواخر القرن الأول الميلادي لتنكر الولادة المعجزية للسيد المسيح وتقول بولادته ولادة طبيعية من زواج طبيعي من مريم العذراء القديسة ويوسف النجار ، وبالتالي تنكر طبيعة المسيح الإلهية السابقة لتجسده ، وهؤلاء هم من سموا " بالأبيونيين " ( انظر تاريخ الكنيسة القبطية للأب منسى يوحنا – باب هرطقات القرن الأول – طبعة مكتبة المحبة – القاهرة – مصر ) .
وهؤلاء الأبيونيون انتبهت لهم الكنيسة مبكرا ً .. فكتب عنهم يوحنا الرسول في رسائله وحذر منهم ، وكان فكر الكنيسة وحماس المؤمنين قادرا ً في تلك الفترة أن يحجم نشاطهم .. فلم يجدوا في حاضرة الكنيسة الأولى مجالا ً متسعا ً لاحتضان أفكارهم فخرجوا إلى مكان يقبل شططهم فكانت بيئة الجزيرة العربية الأمية مرتعا ً خصبا ً لهم للاستقرار .
وتبعهم الآريوسيون والنساطرة في هذا المكان ، والآريسيون والنساطرة قللوا من شأن لاهوت الابن ( على خلاف في الهرطقتين الا أن هذا هو مضمونهما ) ، ورأوا أن أقنوم الابن أقل من أقنوم الآب ، وقد انتقلوا إلى أماكن مختلفة لما فضحت كنيسة الإسكندرية ضلال مذهبهم فارتحل قوم منهم إلى جزيرة العرب – وبالذات النساطرة – فكانت لهم أسقفيات – ومنها أسقفية نجران والتي كان أسقفها في وقت النبي محمد " ورقة بن نوفل " .
وكانت القبائل العربية عند ظهور النصرانية تقطن منذ أمد بعيد في منطقتي حوران وشرق الاردن، وهي منتشرة بين الشعوب الآرامية واليونانية.
وانتشرت المسيحية بين عرب الشام منذ العصور الأولى. واشترك في مجمع نيقية
( سنة 325 ) خمسة أساقفة من المقاطعة الرومانية العربية.

عرب نجد والحجازوالتأثر المسيحي :-
تسربت المسيحية وأفكار التوحيد إلى عرب شمال الجزيرة العربية، لاتصالهم بالعرب المسيحيين في الشام والعراق. وأشهر القبائل المتنصرة في نجد هي كندة وبكر وائل وتغلب وطيء.
وتأصلت المسيحية في البحرين وعمان، وكانا تابعين للنفوذ الفارسي وفيهما عدة أبرشيات، أهمها هجر قاعدة البحرين، وكلها خاضعة لبطريرك ساليق النسطوري.
ونشأت في مجن شمال الحجاز بعض الأسقفيات ذُكر لنا منها العقبة وتيماء ( بلد السموأل ) ودومة الجندل ( الجوف ) وانتشرت النصرانية في وادي القرى.
أمّا في قلب الحجاز فقد كان عدد المسيحيين ضئيلاً. ففي يثرب ( المدينة ) كان النصارى أيام الهجرة بضع مئات فقط، وكانوا في مكة والطائف أفراداً، من النخبة الروحية، يعرفهم الناس بأنهم أهل الكتاب وقد نشروا فكرة التوحيد. على أنه رغم قلة عددهم في قلب الحجاز فقد عرف العرب عنهم الكثير من التعاليم المسيحية المحيطة بالجزيرة العربية من جميع أطرافها.
ويتضح لنا من كل ما سبق أنَّ المسيحية قد تسربت إلى أغلب القبائل العربية، ومن لم يقبل المسيحية منها، فقد سمع بالإله الواحد. غير أنّه لم يكن العرب في الجملة أصحاب شعور ديني عميق، ولم تكن ثقافتهم الدينية متأصلة فيهم، وخصوصاً لدى الرحَّل منهم. فلم تنشأ قبل الإسلام كنيسة مسيحية عربية ذات طابع قومي، لها كتبتها ولغتها وطقوسها وعاداتها، كما نشأت مثل هذه الكنيسة القومية عند السريان والأرمن. وكان غسان ولخم وحمير وهي من أنصار الروم أو الفرس أو الأحباش، أقوى الكتل المسيحية وقد تضاءل نفوذها في سائر القبائل العربية في أواخر القرن السادس حتى انهارت هذه الدول فانتقلت الزعامة إلى قريش.

القصص التوراتية والإنجيلية في شعر المتنصرين : -
كان شعر العرب مليئا ً بالقصص التوراتية والإنجيلية ومنه ما جاء في شعر أمية بن الصلت ( على خلاف إن كان من شعراء النصرانية أم الأحناف أو إن كان نصرانيا ً ثم تحنف ولهذا نذكره نحن في شعراء النصرانية لكثرة ما اشتمل عليه شعره من قصص كتابية توراتية وإنجيلية ) .. فهو يروي قصة الخلق وقصص الأنبياء
يقول سيد القمني عن أمية بن الصلت فى ( الحزب الهاشمى ) - فصل جذور الأيديولوجيا الحنفية :-
تصله أمه رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف ببيت عبد مناف بن قصي (ابن كثير : البداية والنهاية ، ج2 ، ص 206 .) وهو صاحب القول المأثور :
تصله أمه رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف ببيت عبد مناف بن قصي (ابن كثير : البداية والنهاية ، ج2 ، ص 206 .) وهو صاحب القول المأثور :
كل دين القيامة – إلا دين الحنيفية - زور !!
وكان يحاور أبا سفيان ويقول له : " .. والله يا أبا سفيان ، لنبعثن ثم لنحاسبن ، وليدخل فريق الجنة ، وفريق النار "
(ابن كثير : البداية والنهاية ، ج2 ، ص 209 .)

وحول عقيدته في البعث والحساب يقول :

باتت همومي تسري طوارقها ** أكف عيني و الدمع سابقها
مما أتاني من اليقين ولم ** أوت برأة يقصي ناطقها
أم من تلظي عليه واقدة النار ** محيط بهم سرادقها
أم أسكن الجنة التي وعد الأبرار ** مصفوفة نمارقها
لا يستوي المنزلان ولا الأعمال ** لا تستوي طرائقها
هما فريقان فرقة تدخل الجنة ** حفت بهم حدائقها
وفرقة منهم أدخلت النار ** فساءتهم مرافقها
(جواد علي : المفصل ، ج5 ، ص 280 و281 . وانظر ابن هشام : السيرة ج1 ، ص 208 و209 . وانظر أيضا ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج2 ، ص 206 : 208 .)
وقد روي الإخباريون قصصا عن التقاء أمية بالرهبان ، وتوسمهم فيه أمارات النبوة ، وعن هبوط كائنات مجنحة شقت قلبه ثم نظفته وطهرته لمنحه النبوة (جواد علي : المفصل ، ج5 ، ص 280 و281 . وانظر ابن هشام : السيرة ج1 ، ص 208 و209 . وانظر أيضا ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج2 ، ص 206 : 208 .)

يقول أمية بن الصلت : -
إله العالمين وكل أرض ** ورب الراسيات من الجبال
بناها وابتني سبعا شدادا ** بلا عمد يرين ولا حبال
وســـــواها وزينهـا بنور** من الشمس المضيئة الهلال
ومن شهب تلألأت في دجاها ** مـــــراميها أشـد من النصال
وشـق الأرض فأنجبت عيونا ** وأنهارا من العذب الزلال
وبارك في نواحيها وزكي بها ** ما كان من حرث ومال

وقد مات أمية بن الصلت سنة تسع للهجرة بالطائف كافرا بالأوثان وبالإسلام (لويس شيخو : شعراء النصرانية ، ج2 ، ص 223.) !!
وقد كان تأثر أمية بن الصلت بقصص الأنبياء ظاهرا ً في شعره فيقول عن إبراهيم وابنه إسماعيل ؛ يحكي قصة الذبح والفداء

ابني إني نذرتك لله شحيصا ** فاصبر فدا لك خالي
فأجاب الغلام أن قال فيه ** كل شئ لله غير انتحال
فاقض ما قد نذرته لله واكفف ** عن دمي أن يمسسه سربالي
وبينما يخلع السراويل عنه ** فكه ربه بكبش حلال
وعن يونس يقول :-
وأنت بفضل منك أنجيت يونسا ** وقد بات في أضعاف حوت لياليا
وعن موسى وهارون ولقائهما بفرعون مصر يقول :
وأنت الذي من فضل ورحمة ** بعثت إلى موسى رسولا مناديا
فقلت له أذهب وهارون فادعوا ** إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له :
أأنت سويت هذه ** بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له :
أأنت رفعت هذه ** بلا عمد ، أرفق ، إذا بك بانيا

وعن عيسي وأمه يقول :
وفي دينكم من رب مريم أية ** منبئة بالعبد عيسي بأن مريم
تدلي عليها بعدما نام أهلها ** رسولا فلم يحصر ولم يترمرم
فقال :
ألا تجزعي وتكذبي ** ملائكة من رب عاد وجرهم
أنيبي وأعطي ما سئلت فإنني ** رسول من الرحمن يأتيك بانبم
فقالت : أني يكون ولم أكن ** بغيا ولا حبلى ولا ذات قيم
فسبح ثم اغترها فالتقت به ** غلاما سوى الخلقة ليس بتوأم
فقال لها : إني من الله أية ** وعلمني ، والله خير معلم
وأرسلك ولم أرسل غويا ولم أكن ** شقيا ، ولم أبعث بفحش ومأثم
ويقول جواد علي ما نصه :
" وفي أكثر ما نسب إلى هذا الشاعر من أراء ومعتقدات ووصف ليوم القيامة والجنة والنار ؛ تشابه كبير وتطابق في الرأي جملة وتفصيلاً ، لما ورد عنها في القرآن الكريم ، بل نجد في شعر أمية استخداما لألفاظ وتراكيب واردة في كتاب الله والحديث النبوي قبل المبعث ، فلا يمكن – بالطبع – أن يكون أمية قد اقتبس من القرآن ؛ لم يكن منزلاً يومئذ ، وأما بعد السنة التاسعة الهجرية ؛ فلا يمكن أن يكون قد اقتبس منه أيضاً ؛ لأنه لم يكن حياً ؛ فلم يشهد بقية الوحي ، ولن يكون هذا الفرض مقبولاً في هذه الحال .. ثم إن أحداً من الرواة لم يذكر أن أمية ينتحل معاني القرآن وينسبها لنفسه ، ولو كان قد فعل لما سكت المسلمون عن ذلك ، ولكان الرسول أول الفاضحين له .
(جواد علي : المفصل ، ج5 ، ص 384 و385 . )
وفى وصف الملائكة : -
ملائكة لا يفترون عبادة -- كروبية منهم ركوع وسجد
فساجدهم لا يرفع الدهر -- رأسه يعظم رباً فوق ويمدَّد
وراكعهم يحنو له الدهر خاش -- عاً يردد آلاء الإله ويحمد
ومنهم مُلفٍّ في الجناحين رأسه -- يكاد لذكرى ربه يتفصّد

(شعراء النصرانية - ص 227)

ولكنه لا يروي من نبع كتابي صاف .. بل تشوبه التأثيرات الأبوكريفية كما رأينا سابقا ً ، وتشوبه المعلومات الخاطئة فمثلا ً ذكر أن الذبيح إسماعيل وليس إسحاق ، وغيرها من الأمور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي