الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجاة الصغيرة من الطفولة الى الكهولة ثم العودة مجددا الى الغناء

جواد كاظم غلوم

2017 / 1 / 21
الادب والفن


نجاة الصغيرة من الطفولة الى الكهولة ثم العودة الى الغناء مجددا

حين يتحلق مجموعة من الأخوة ليشكلوا تختا موسيقيا باهرا وهم صغار دون السابعة من العمر ؛ باستثناء كبيرهم الاخ الاكبر عزّ الدين حسني عازف الكمان وخريج معهد الموسيقى العربية وتلعب سميرة حسني على العود وفاروق على القانون ونجاة حسني المؤدية الصغيرة غناءً بقيادة عز الدين لاعب الكمان الباهر عندها سنعرف ان العصر الذهبي للغناء يبدأ بفرق صغيرة لكنها متمرسة لتولد نجاة الصغيرة بهيئتها الطفولية والكبيرة بفنها وصوتها الدافئ الرخيم .
هكذا نشأت أختهم نجاة من هذا التخت والتي كسبت صفتها بالصغيرة في اول عهدها بالمغنى وهي في الخامسة من عمرها وسبب تسميتها بالصغيرة ان الصحفي اللامع انذاك فكري اباظة قد قال فيها حينما حدس قوة موهبتها : " انها الطفلة الصغيرة التي تحتاج الى رعاية حتى يشتد عودها وفي حاجة الى عناية حتى تكبر وهي محافظة على موهبتها ومبقية على نضارة روحها وصوتها " . واعتبرت مغنية التخت بعد ان أيقن أخوها قدرتها على الاداء الجميل للاغاني يوم حضرت مع عائلتها الى حديقة الازبكية وتعلقت بأذيال كوكب الشرق ام كلثوم وألحّت على غناء قصيدة " سلوا قلبي " التي كتبها احمد شوقي خصيصا لذلك الحفل فبرعت في اداء مقاطع منها وهي دون السادسة من عمرها ونالت استحسان سيدة الغناء العربي والجمهور الحاضر وكلهم من ذوي الذائقة الفنية المحببة .
وحينما بلغت سن الحلم آلى شقيقها عز الدين ان تتعلم من مدرسة ام كلثوم وتتقن أصول الغناء اتقانا تاما وهكذا خطتْ " ام وليد " كما ترغب ان يكنّي الاهل والاصدقاء للاشارة اليها بدلا من نجاة ، وفعلا رسخت اقدامها في بستان الغناء حتى أينعت اجمل واحلى ثمار الاغاني الخالدة ومنها من القصائد المغناة التي لايمكن ان تنسى ابدا وقد استطاعت شق طريقها بكل نجاح مع ان الساحة الفنية كانت مليئة بالعمالقة من امثال كوكب الشرق ووردة الجزائرية وفائزة احمد في مصر وفيروز وصباح في لبنان ويكفيها فخرا ان كبار الملحنين كانوا يتوقون الى وضع ألحانهم بين ايديها لتختار وتنتقي وتصحح حتى انها كانت تقترح تبديل وتغيير كلمات الأغاني والقصائد المغناة وفق هواها ومزاجها الفني العالي .
وليس غريبا ان يقوم كمال الطويل بإهداء لحن اغنية " ليه خليتني احبك " لها اعجابا بتألقها وتودّدا لها مع ان هذه الاغنية ذات اللحن الجميل كان قد لُحّن وصيغ خصيصا الى ليلى مراد مما ولّد خصومة ومناكفة بين الاثنتين لم تنتهِ الاّ بان جعل هذا اللحن مناصفةً واشتركتا معا في غنائه .
ومن الملحنين الكبار الذين كانوا يتهافتون على إرضائها وتقديم نتاجهم بين ايديها رياض السنباطي وزكريا احمد ومحمود الشريف ومن بعدهم سيد مكاوي ومحمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي اضافة الى شقيقها عز الدين حسني الذي رعى موهبتها اول الامر رعاية فنية رائقة واستمر معها في مشوار غنائها الطويل .
قد لايعرف البعض ان نجاة ولدت من أب كردي سوري رحل الى مصر وسكن حي عابدين وكان يعمل خطاطا هناك وتزوج امرأة مصرية وأنجب دزينة من الاولاد والبنات وكان يمتلك ذائقة فنية عالية حتى انه علّـم أولاده اصول الغناء الشرقي بحيث اتقنوا العزف على الالات الموسيقية الشرقية وهذا ما جعل اخاهم الاكبر عز الدين ان يلملم شتات مواهب أشقائه وشقيقاته لتشكيل فرقة فنية اخذت تعزف وتغني في الموالد والمناسبات وحفلات الاعراس لتتكفل بمسؤولية عيش عائلة والدها محمد حسني البابا ، هذا الأب الذي أعجزته المصاريف الباهظة لعائلة كبيرة تتكون من ثمانية اولاد وبنات كانوا يسمونهم " بيت الفنانين " .
وبالرغم من ان نجاة قد مثلت مايربو على اثني عشر فيلما لكنها أدركت وهي في سن السابعة والثلاثين ان السينما ستأخذ منها الكثير من سحر صوتها وعرفت انها خلقت للغناء على عكس شقيقتها سعاد حسني المولعة بالتمثيل فعزمت على ترك التمثيل نهائيا وهي في اوج تألقها وتفرّغت لصقل صوتها بالاغاني الطويلة واقامة الحفلات خاصة بعد ان اشتركت مع محمد عبد الوهاب في تقديم أغانٍ ذات صدى مسرحي تم انتقاؤها مما كان يكتب نزار قباني .
والطريف ان اذكر ان عبد الوهاب لم يلتقِ بها في مصر الاّ مرة واحدة وهي جدّ صغيرة لايتجاوز عمرها الخمس سنوات وهي التي قال فيها انها " بنت كويسة " اما اللقاء المثمر والحاسم الذي شكّل منعطفا هاما في مسيرتها الفنية يوم كان محمد عبد الوهاب في زيارة الى لبنان عام / 1947 وسمع صوتها في احد منتجعات بحمدون وبالذات في كازينو " ميرامار " بدعوة من عدد من ملحّني لبنان البارزين من أمثال جان بيضا وفريد غصن وشدّهُ ماقدمت من أغان ملفتة للأسماع وحالما أنهت وصلاتها الغنائية دعاها لتجلس قربه ؛ ومن هناك بدأت مشوارها الاكثر شهرة وإكراما له غنّت مقاطع من اغنيته الشهيرة " الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها " استرضاء له وطمعا في التقرّب اليه .
وقد أثمر هذا اللقاء عن ظهور ثلاث اغنيات منها " اما غريبة " و" آه بحبه " اما الاغنية الاشهر " كل ده كان ليه " فقد وهبها لنجاة وفعلا غـنّــتها في حفل لمرة واحدة ولما ذاع صيتها واشتهرت في كل انحاء الوطن العربي قرر ملحّنها على ان يغنيها وحده مانعا نجاة من مواصلة غنائها مما سبّب جفوة بينهما أواسط الخمسينات لكن سرعان ماخفتت تلك الجفوة وعاد الاثنان لترطيب العلاقة الفنية بينهما في الستينات وقد أثمرت تلك العلاقة الفنية ظهور اجمل أغانيها ببصمة عبد الوهاب حيث بدأت بأغنية " أيظن " عام /1960 وانتهت بأغنية " أسألك الرحيلا " في عام / 1991 وكانت مسك الختام بين هذين الخالدين .
أقسم وأتوسل بكل مقدس ان يُيقي غصن نجاة الطريب عالقا في أيكة الفن الزاهي رغم هذا الخريف العاري من ثمار الغناء الأصيل الذي نعيشه الان كي ننذوق مابقي من حلاوته متمثلا بملكة الصمت الصاخب نجاة كما كان يسميها الشاعر نزار قباني ويغدق عليها من العافية والصحة ، وليتك ايها العمر تبطئ خطاك نحوها فلم يبق من فنّنا الرائق وفنانينا الكبار الاّ النزر اليسير وها نحن الان نترقب طلعتها المقبلة قريبا كما وعدتنا وهي ستسمعنا جديدها من الاغاني لعل نسمات الفن الجميل تلفح وجوهنا وتطرب مسامعنا مثلما كان ذلك العهد الغنائيّ الجميل الذي لاينسى .

جواد غلوم
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-