الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جورج لابيكا يُقدِّم لكرَّاس لينين: -الدفتر الأزرق-

حسان خالد شاتيلا

2017 / 1 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم
الملحق الثاني عشر

جورج لابيكا يُقدِّم لكرَّاس لينين: "الدفتر الأزرق"

حسان خالد شاتيلا

Lénine, Le cahier bleu, (Le marxisme quant à l’Etat), préface Georges Labica, éd. Complexe, Bruxelles 1976.
لينين ، الدفتر الأزرق (الماركسية في ما يتعلق بالدولة)، مقدِّمة جورج لابيكا لكراس لينين، بروكسيل، منشورات كومبليكس، 1976 .

من وجهة نظر بورجوازية، سوقية، فإن مفهومي
الاستبداد والديمقراطية ينفي أحدهما الآخر (20.10.1920 )
لينين

منذ نهاية شهر أغسطس، في الرابع عشر منه، فإن الأوضاع في روسيا القيصرية تَحكم على لينين بالمنفى السويسري. إن هذه الفترة من حياته، في ما يتعلق بنشاطه الثوري، هي الأكثر خصوبة. فالممارسة من جهة نشاطه، تُملي عليه أن يناضل ضد المحاضرات التي كان يُلقيها زيمرنيروالد وكيينتال Zimmernerwald & Kienthal, أما في ما يتعلق بنشاطه النظري، فإن الأطروحات حول حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ، والاشتراكية و والحرب، وانهيار الأممية الثانية، والإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، هي التي كانت تحتل المقام الأول. ثم يأتي أيضا نشاطه الشعبي ونشاطه في المكتبة. فلينين، صاحب الدعوات، هذا المناضل، كان يقضم ورق الكتب كفئران المكاتب، ويُسَوِّد الدفاتر دفتراً وراء الدفتر بما يُسَجِّله من ملاحظات على هامش قراءاته. من "علم المنطق" إلى "فرضية الوراثة الحيوية"، ومن "أفكار" نابليون إلى "ميتافيزيقا" أرسطو، ومن الجدل إلى رأس المال المالي. "الدفاتر الفلسفية" (الأعمال الكاملة، الجزء 38)، يأتي تحريرها في وقت واحد مع التراكم الضخم للتوثيق التمهيدي من أجل "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية". إن محصلة ملاحظاته التمهيدية التي كان يُدَوِّنُها استعدادا لتحرير هذا العمل تقع في "الدفاتر الإمبريالية"، وهي خلاصة لقراءة 148 عملا، و 232 مقالا، في أربع لغات، مجموعة بحوالي ألف صفحة مطبوعة. هذا هو التحليل الملموس للواقع الملموس الملازم للممارسة السياسية اللينينية التي تَحفر بالأدوات العلمية تحوُّل "العالم" بالمعني الدقيق للكلمة، حيث الالتزام المستمر، والمنغصات العنيفة المسلحة التي تستدعي تعرية العنف الملازم لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، والتي تجتاح الحركة العمالية، غير أنها بالرغم من ذلك تَحكم على أفضل قادتها بالعمى المدقع.

ضمن هذه الضوضاء الجماعية يدرك المرء تفكك النظام القديم. إذ أن حالات كثيرة من التصدع تستحوذ الانتباه. الأمر الذي يشجع على احتلال المزيد من المواقع في ساحة المعركة. منها على سبيل المثال تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية. وذلك، على سبيل المثال، من خلال توفير الشروط اللازمة لاستلام البروليتاريا السلطة. لاسيما وأن كل المسائل متداخلة في ما بينها، مما يُملي التفكير بصورة جماعية مشتركة.

لينين يدعو بياتاكوف Piatakov عندما يَكتب ما بين آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر جوابه على كييفيسكي Kieveski في كراس كان هذا الأخير كتبه تحت عنوان "كاريكاتورية ماركسية" (الأعمال الكاملة، المجلد 23، ص 20 وما يتبعها). فبياتاكوف على مسار بوخارين، وعلى غراره، يعتقد أن الإمبريالية تَحًول دون النضال من أجل الديمقراطية. إنه يَستنتج من ذلك عددا من الأطروحات التي تبدو في الظاهر متماسكة. مما يحمله على رفض حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها. إن السمات الأساس المميِّزة للإمبريالية، سواء منها الاقتصادي أو السياسي، وما تتركه الإمبريالية من تأثير، إنما يضع ما بين قوسين مجموعة من المسائل، منها النزاع المسلح وقد خلا من مميِّزاته الوطنية، ومبادئ الاشتراكية واستراتيجيتها، بما في ذلك على الصعيد الأيديولوجي. مُكوِّنات ضرورية للنضال ضد الكاوتسكية. لذا، فإن لينين انطلاقا من هذه المعاينة يُبيِّن الأخطاء المركزية لمثل هذه الأطروحة، ألا وهي نسيان الأفكار الماركسية ذات العلاقة بالديمقراطية (م,س, ص24). الأمر الذي يقود بلينين إلى تصحيحها وتجديدها. انطلاقا من ذلك، فإن لينين مضطر إلى تذكيرهما، كييفسكي وبياتاكوف، أن الديمقراطية شكل من أشكال السلطة السياسية. الديمقراطية هي "أيضا" الدولة. الأمر الذي لا يخلو من نتائج في ما يتعلق ب/"فناء الدولة ما بعد انتصار الاشتراكية" (ص 82). "إن مسألة ديكتاتورية البروليتاريا من الأهمية بمكان، حتى أن، أياً كان هذا الذي يفنِّدها، أو لا يعترف بها سوى شفهيا، هيهات، هيهات له أن يكون عضوا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي (م,س, ص 75). من البديهي بمكان أن كل الأمم آتية إلى الاشتراكية. غير أن كل هذه الأمم لن تأتي إلى الاشتراكية بتكوين مماثل واحد. إن كلا منها سيضيف هذا الشكل أو ذاك من الديمقراطية. ديكتاتورية البروليتاريا ستكون متنوعة الأشكال. الحياة الاجتماعية، من حيث الإيقاعات التي ترافق التحويل الاشتراكي، ستكون متنوعة. ثم يأتي بعد ذلك أحدهم ليتحدَّث باسم المادية التاريخية، وكي يبني مستقبلا واحد السرعة والمسافة بلون رمادي: ما هو في حقيقة الأمر سوى خربشة لا شكل لها فقط لا غير (م.س. ص. 75- 76). فلنعترف أن الاشتراكية لا تُنال بدون الديمقراطية في الحالتين التاليتين. الحالة الأولى مؤداها أن البروليتاريا غير قادرة على إنجاز الثورة الديمقراطية ما لم تستعد عبر نضالها من أجل الديمقراطية. الحالة الثانية قوامها أن الاشتراكية المنتصرة غير قادرة على الحفاظ على انتصارها، وقيادة الإنسانية باتجاه فناء الدولة دون أن تنجز الديمقراطية إنجازا كاملا" (ص 81).

اعتبارا من هذه المعاينات للواقع الملوس، فإن من الواضح بجلاء أن كتابة "الديمقراطية والثورة" قد بدأت. وعلى غرار كل أعماله الكتابية، فإن لينين لا يستغني عن الاستعداد لإنجاز العمل بعدما ينتهي من دراسة مراجعه، وتسجيل مدوناته على هامش ما هو بصدد الاستعداد لخوض غماره. ففي ما يتعلق بوعي مضمون ثوري وصولا إلى تعبيره البلشفي، لابد من هذا الوعي كي لا يقع رهن المفاجأة. لا بد أيضا، في ما يتعلق بالواقع، من وعي لُحْمة الأزمة الدولية بوعي الواقع، بما في ذلك في روسيا، وذلك من أجل التنبؤ بمستقبلها.

الدليل على الوجود الواقعي للأزمة الدولية، أن بوخارين، خلال الأشهر الأخيرة من العام 1916، تراه يحتل المقام الأول من الساحة الثقافية. بوخارين، على غرار بياتاكوف أعرب عن مخالفته للينين في ما يتعلق ب"أطروحات حق الأمم بتقرير مصيرها بنفسها، خاصة في ما يتعلق بالبند التاسع (م.س ص22، و 167، وما يليها). لينين كان رد على رسالة تحمل توقيعات ج. ل. بياتاكوف، و بوش E.B. Bosch ‏ ‏
وبوخارين N.I. Boukharine موجَّهة إلى رئاسة تحرير الاشتراكية الديمقراطية حول هذه المسألة (الأعمال الكاملة، المجلد 43 ص 540-541). غير أن لينين كان حريصا بحيث لا يهاجم بوخارين بصورة مباشرة، بعدما كان أثنى عليه في ما يتعلق بالإمبريالية (المجلد 22، ص 109-114)، بالرغم من مآخذه في ما يتعلق بأخطاء هذا الأخير. غير أنه ميَّز بوضوح بين وجهة نظر بوخارين، ووجهة نظر بياتاكوف (رسالة 14/10/1916 و المجلد 43، ص 589-593). وكان بوخارين نَشَر تحت اسم مستعار: "ملاحظة استدراكية" مقالا في العدد السادس من /Jugend- Internationale ، تحت عنوان "دولة قطَّاع الطرق الإمبريالية". بوخارين يحاول في هذا المقال أن يبيِّن أن "موقف الفوضويون والاشتراكيون حيال الدولة ليس واحدا". ففي "ملاحظة" مختصرة ظهرت في العدد الثاني من "الديمقراطي الاشتراكي"، تحت عنوان "أممية الشباب" (م,س. 179-183) يُوَجِّه لينين لبوخارين عددا من الانتقادات مصنَّفة في بابين اثنين:

أ)- إن الاختلاف الحقيقي ما بين الاشتراكيين والفوضويين يعود إلى أن الفوضويين مهتمون في المقام الأول بالدولة من حيث هي سلطة أكثر من اهتمامهم بالبنى الاقتصادية لمجتمع المستقبل. فالاشتراكيون يتطلعون إلى "استخدام الدولة المعاصرة" كي ما يضمنوا الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. لينين هنا يشير توخيا منه للدقة، "أن هذا الانتقال يأخذ شكل الدولة. دولة ديكتاتورية البروليتاريا". إن الفوضويين هم وحدهم الذين يعملون على "إلغاء الدولة" وتفجيرها" (« sprengen »). الاشتراكيون، هم على نقيض ما يراه بوخارين الذي يشوِّه ما يراه إنجلز. ذلك أن الاشتراكيين "يسلِّمون بتلف الدولة"، "غفوتها" التدريجية، "بعدما" تٌنزَع ملكية البورجوازية" (م.س. ص82).
ب)- إن تفنيد الدولة ليس مسألة مبدئية. ليس، علاوة على ذلك، تفنيداً ل/"لفكرة الدولة". إن هذا التفنيد مرتبط بالسياسة الانتهازية. مرتبط باستخدام الدولة من أجل انتزاع الملكية والسلطة من البورجوازية (م.س).

لينين يختتم جوابه الموّجَّه لبوخارين بالإعلان عن مقال له يصدر قريبا ويتناول "هذه المسألة ذات الأهمية القصوى" (م.س ص183). غير أن هذا المقال لم يُنشر من جراء عدم توفُّر الوسائل المادية التي تُتيح إصدار عدد جديد من "الاشتراكي الديمقراطي". لكن لينين سطَّر مع ذلك عددا من المُدَوَّنات حول مسألة "دور الدولة" (المجلد 41، ص392-393). ملاحظات تُسجِّل بوجه الاحتمال ما كان يعتزم بلورته، وهي الاهتمامات المذكورة أعلاه، ليس غير: الديمقراطية، استخدام الدولة وفناؤها.

ثمة ملاحظة هنا تَفرض نفسها: يبدو أن لينين لم يأخذ بالاعتبار حينذاك ضرورة هدم briser الدولة البورجوازية، وإن كان في ما بعد يعلِّق على هدم الدولة البورجوازية أهمية كبرى. بل وإنه، على النقيض من ذلك، ما دامت ديكتاتورية البروليتاريا أبعد ما يكون عن "نصف- دولة"، وطالما يُرجِع، من جهة، "تفجير الدولة" إلى الفوضويين faire sauter ، ويَعْتَبِرُ، من جهة ثانية، أن "تفجير الدولة" نقيضٌ لأطروحة تدافع عن "تلف الدولة" « Absterben » dépérissement ، على نحو ما يُسجِّله بقلمه‎ ‎
ضمن مدوناته الشخصية - ... (حيث يضيف): ولم لا يكون Abschaffung ، ولا يكون أيضا Sprengung ؟". إذن، هذا يعني، بالتالي، أن بوخارين هو المُحِقُ. ذلك أن إحساسه الحاد بطبيعة الدولة الإمبريالية يحمله، بوجه خاص، على الإحساس يجذرية "هدم الدولة". بوخارين، بعد مضي تسع سنوات يعود إلى مجادلته مع لينين، فيكتب الاعتراف التالي: "إن مقالنا المنشور في "أممية الشبان"، قد حمل فلاديمير إيليتش على تسجيل مدوَّنة نقدية. القراء سيدركون الآن بيسر أن المقال المذكر خالٍ من الأخطاء التي نُسٍبت إليَّ. ذلك أنني كنت، من جهة، أرى بوضوح أن ديكتاتورية البروليتاريا ضرورة. وكنت، من جهة ثانية، أرى في مدونة إيليتش أن لينين، في حينه، كان يدافع بصورة خاطئة عن أطروحة تقول بضرورة "تفجير الدولة" (الدولة البورجوازية كما هو معلوم). غير أن لينين لا يميّز، على هذا النحو، بين مسألة "تفجير الدولة" وبين مسألة تلف ديكتاتورية البروليتاريا، بل وإنه يخلط بين المسألتين. لعلي، من جهة أخرى، لم أبلور، في حينه، موضوع الديكتاتورية. لكنني أجد نفسي الآن مرغما على تبرئة نفسي. لذا، فإني أقول إن الدولة البورجوازية كانت، في حينه، لدى الاشتراكيين الديمقراطيين موضعا لمديح جماعي منسجم. حتى أن التركيز، كل التركيز، على ضرورة تفجير هذه الآلة أضحى أمرا طبيعيا. أنا بدوري أشير إلى أنني عندما عدت من أمريكا إلى روسيا التقيت ناديجدا كونستانتينوفا Nadejda Konstantinova (ذلك في مؤتمرنا السادس الذي لم يحظى بترخيص من الدولة، وكان لينين خلال تلك الفترة مختبئا) التي بادرتني بالقول "إن فلاديمير إيليتش يرجوني أن أنقل إليك أن مسألة الدولة لم تعد اليوم موضع خلاف بينكما". لينين، من جهته، توصّل إلى نفس النتائج في ما يتعلق ب"تفجير الدولة". إلا أن لينين بلور هذه المسألة، على غرار بلورته لمسألة ديكتاتورية البروليتاريا. حتى أن الفكر النظري يتطور في هذا الاتجاه". (تطور الدولة، مجموعة مقالات، 1925).

في محاكمة بوخارين في شهر نيسان/أبريل من العام 1929 (انظر: "ستالين، في الانحراف اليميني ضمن الحزب الشيوعي البلشفي في جمهوريات الاتحاد السوفياتية الاشتراكية" و"ستالين، مبادئ اللينينية، الجزء الأول، المنشورات الاجتماعية، باريس، 1946، ص 275-264). هذه المحاكمة من النمط الستاليني تُذَكِّر بالمجادلة التي كانت ظهرت ما بين لينين وبوخارين حول الدولة. المحاكمة استندت في ما يتعلق بالأدلة القضائية إلى نص بوخارين المذكور أعلاه، بالإضافة إلى مقالين اثنين أحدهما للينين والآخر لبوخارين، والرسالة الموجَّهة من إنجلز إلى بيبيل Bebel والتي كان لينين سجَّلها ورجع إليها، وهي واردة في متن "الدفتر الأزرق".‏ فالحجج المزعومة التي ساقها ستالين في المرافعة أمام المحكمة لتجريم بوخارين مؤداها أن هذا الأخير، إذ هو يشير إلى تفجير الدولة"، فإنه لم يرتكب فقط خطأ فوضويا، حتى وإن جابهته المحكمة ب"الدفتر الأزرق" الذي يأتي زمانيا ما بعد المجادلة مع لينين، للتسليم بأن بوخارين ليس بمقدوره أن يكون على حق لدى مجابهته للينين. هذا، وإن المدونات التي نُشرت لاحقا في "الأعمال الكاملة" للينين تلح باستمرار على تكرار الحكم القضائي لستالين (المجلد 41، ص 620، والمجلد 43 ص 736).

لينين، من جهته، كان يدرك ذلك على نحو ما يتبين من رسالته إلى أ.م. كولانتاي، بتاريخ 17/2/1917 A. M. Kollantaï ، حيث يكتب ما يلي: "وإني توصلت إلى نتائج قاطعة ضد كاوتسكي، وهي أكثر من تلك التي توصلت إليها ضد بوخارين". كما يعرب لينين ل/كولانتاي عن أسفه لأن الافتقاد إلى المال حال دون ظهور "مجموعة الاشتراكي الديمقراطي"، حيث كان من المقرر أن يصدر "مقال بوخارين عن الدولة إلى جانب مقالي، والذي كان في وقت سابق، من جهتي، موضع الرفض" (المجلد 35، ص289). لينين، بعد مرور يومين اثنين، يشير في هذه المرة بقوة حادة، في رسالة له إلى إينيسا آرمان Inessa Armand ، يشير إلى المسافة الفاصلة ما بين بوخارين وكاوتسكي. بوخارين يرتكب "أخطاءً صغيرة". أما كاوتسكي فإنه يروِّج ل/"أكاذيب جسيمة مذِلَّة للمارسكية (المجلد 35، ص 292).

مقال بوخارين موضع البحث يحمل العنوان التالي: "في نظرية الدولة الإمبريالية". إنه يعود إلى حالات كانت تبلورت عبر مجلة "يوغيند انترناسيونالJugend- International ". لينين، من جهته، كان سجَّل عددا من الملاحظات على هامش هذا المقال، وهي منشورة في الملحق. مجلة "الاشتراكي الديمقراطي" كانت رفضت هذا المقال في عددها الذي كان في حينه قيد الإعداد، والذي لقي من لينين الرفض كما يتبين أعلاه. لينين عَهَدَ إلى زينوفييف أن يَنقل إلى صاحب العلاقة هذا القرار. (رسالة من لينين إلى زينوفييف بتاريخ 4/7/2016، المجلد 43، ص558 وما يليها). لينين في هذه الرسالة يلح للأسباب المذكورة أعلاه على اختلافات "مبدئية" (رسالة من لينين إلى زينوفييف، نهاية شهر آب/أغسطس – وبداية شهر أيلول/سبتمبر 1916، م,س, ص583). ويشير إلى الصعوبات التقنية والمالية التي حالت دون صدور ذاك العدد). (رسالة في الفترة الزمانية عينها، م.س. ص 583). لينين أيضا، من جهته، كان كتب رسالة شخصية إلى بوخارين في شهر آب/أغسطس 1916 (المجلد 35، ص 229-230). هذه الرسالة توضِّح الاختلافات فقط ما بين الاثنين. لذا، فإنها تستعيد ملاحظات لينين على هامش مقال بوخارين (إنظر الملحق). لكن رد الفعل من جهة بوخارين تميَّزت بعنفها، ما حمل لينين على الرد بصورة تفصيلية بتاريخ 14/10916 (المجلد 43، ص589 وما يليها). (في ما يتعلق بالعلاقة ما بين لينين وبوخارين، في ما يتعلق بصورة عامة بالسياق الذي يلازم "الدفتر الأزرق"، انظر فالانتينو جيرَّاتانا Valentino Gerratana ، نقد ستالين، مترجم في العدد السادس من مجلة دياليكتيك (الصادرة في باريس)، في فصل الخريف من العام 1974، بصورة خاصة الصفحة 9 وما يليها).

في هذه الأثناء، فإن لينين يسِّر لمساعدتيه الاثنتين أنه درس "بدقة فائقة مسألة العلاقات ما بين الماركسية والدولة"، وأنه انتهى تقريبا من جمع الوثائق المتعلقة بهذه المسألة.
هذه الوثائق جمعها لينين في دفتر ذي دفَّتين بلون أزرق. انطلاقا من هنا يبدأ تاريخ "الدفتر الأزرق".

فلقد اكتسب "الدفتر الأزرق "ضرورة قصوى". لقد أضحى "الدفتر الأزرق" ضرورة لا يُستغنى عنها. فلماذا: كان من الضرورة بمكان أن يتمكَّن الثوريون بالاعتماد على الأسس النظرية لاستراتيجيتهم، في سياق الأزمة التي كانت الحرب العالمية الأولى الإمبريالية أعلنت عنها، وذلك على النحو التالي:
-) رسم خط فاصل عن الفوضويين وإغراءاتهم المبهمة في ما يتعلق ب/"إلغاء" الدولة.
-) شن صراع الجبهة ضد الجبهة ضد الانتهازية وإغراءاتها المبهمة في ما يتعلق ب/"استخدام" الدولة وتوظيفها لمصالحهم.
-) بمعنى آخر، فإن الهدف من "الدفتر الأزرق" يكمن في تبديد آخر ما يستجد – على حد قول لينين - من "حالات عائمة" لدى قادة الاشتراكية الديمقراطية، والبلاشفة منهم في المقام الأول. غير أن هذا التبديد، عندما يتعلق بديكتاتورية البروليتاريا، فإنه يشمل كل البلاشفة.
هذا هو موضوع "الدفتر الأزرق" المرفق طيا.
هذا هو معنى الأهمية التي كان لينين يوليها ل/"الدفتر الأزرق". اهتمام يبلغ حدَّ الوسواس. الأمر الذي من أجله نمضي قدما في هذه المقدمة، للكراس إياه.

كان لينين يجتهد في مكتبة زيوريخ كي يَجمع الوثائق ويدوِّن على هامشها ملاحظاته، وذك حتى غاية نهاية شهر شباط/فبراير، ومطلع شهر آذار/مارس من العام 1917 ، كآخر توقيت ممكن. غير أنه يتوقف عن الاجتهاد والتوثيق ما أن تتناهى إليه الأنباء التي تتحدث عن الثورة في روسيا. اعتبارا من ذلك، فإن لينين يبحث عن الوسيلة لانتقاله من سويسرا إلى بلاده روسيا. هذه هي قصة القطار المزدحم الذي يُحشر فيه لينين وهو يكتب "أطروحات نيسان/أبريل". هذه الأطروحات وَجَدَت ترجمةٌ أولى لها متن برنامج سياسي: "جمهورية سوفييتات لتمثيل العمال، وأصحاب الأجور من عمال زراعيين وفلاحين في البلاد قاطبة، ومن القاعدة إلى قمة الهرم (المجلد 24، س 13)، مشتقَّة من أفكاره حول الدولة، ومن كومونة باريس بوجه خاص. لينين في هذه الرحلة كان انتهز فرصة التوقف لمدة يوم واحد في ستوكهولم، قبل اجتياز الحدود الروسية، ليعهد بدفتره بين أيدٍ أمينة حتى غاية فصل الصيف من العام 1917. بعد ذلك، فإن الدوّامة السياسية لم تترك للينين أية فرصة للعودة إلى دفتره. في اليوم السابع من شهر تموز/يوليو، فإن الحكومة المؤقتة تُصدر أمرا بإيقافه. لينين، هنا، يطيع رأي قيادته الحزبية التي ترفض مثوله أمام المحاكم، ما أرغمه على التخفي والعودة إلى السرية على ضفاف بحيرة رازليف Razliv، والإقامة في كوخ كان إميليانوف Emélianov أعده له لاستقباله فيه، برفقة زينوفييف. لينين لاَزَم لمدة شهر واحد منفاه الإجباري، حيث كانت الفكرة التي تراوده بصورة مستمرة، تحثه على إنهاء عمله في ما يتعلق بالدولة. كازاكييفيتش E. Kazakiévitdh أعاد بناء قصة لينين في هذا الكوخ، في رواية له تحت عنوان "الدفتر الأزرق"، ترجمة إلى الفرنسية، هيرميت R. l’Hermite ، دار النشر غاليمار Gallimard ، نوفيل روفو فرانسيسي NRF، باريس 1936). هذه الرواية تخبرنا بصورة خاصة كيف تمكَّن لينين بفضل موفدين عنه من الاحتفاظ باتصالاته مع الخارج، وكيف كان له أن يستعيد "الدفتر الأزرق"، وما كان يعتريه من فرح لدى عثوره عليه من جديد. فلنتساءل: أما كان السياق وحده كاف بحد ذاته من حيث التجدُّد اليومي للأحداث السياسية، بحيث يرى رؤية حادة ونافذة هذا السياق ؟ الواقع أن لينين ما أن بدأ بتحرير "الدولة والثورة"، بالاعتماد على هذه الأدوات، حتى اضطر للتوقف عن الكتابة. فلقد اضطرته الأحوال الجوية على مغادرة رازليف والانتقال منها إلى مأوىً جديد له في فلندا. لينين يختبئ في قاطرة القطار لاجتياز الحدود بدون تأشيرة مرور، ويَعهد بدفتره إلى شوتمان Chotman ، ويوصيه أن يسهر عليه كما "لو كان حدقةعينه". شوتمان بدوره يُعْلِمنا: "أننا ما أن بلغنا هدفنا في الجانب الآخر من الحدود، فإنني برفقة راهيا Raheä ، وكنا واقفين على عتبة القاطرة، هنأنا فلاديمير إيليتش على سلامة الوصول، ثم ما كان منه على الفور إلا أن سألني عما إذا كان "الدفتر الأزرق" ما يزال على حاله من الجودة. على إثر ذلك أخذ الدفتر مني وخبأه في صدره (مجموعة ذكريات عن لينين، موسكو 1925). ما تبقى من يوميات لينين يشير إلى أنه ما أن عثر لنفسه على مقر للإقامة في هلسينغفور Helsingfors حتى انكب على "الدفتر الأزرق"، في المكتبة الماركسية للرسام روفيو Rovio . هذا الأخير الذي أصبح، في وقت لاحق، رئيسا للشرطة، هو الذي آوى لينين في منزله، حيث عاد لينين لكتابة "الدولة والثورة"، إلى أن اضطر مجددا، ولآخر مرة، إلى التوقف عن كتابته من جراء قيام ثورة أكتوبر.

غداة شهير تموز/يوليو، عُثِر لدى تفتيش منزل كروبسكايا Kroupskaïa عُثر على بطاقة صغيرة مسطَّرة بخط لينين. هذه البطاقة كانت موجَّهة من لينين إلى كامينييف Kamenev . فيها يكتب لينين: "ليبق أمر هذه الرسالة سرا في ما بيننا". فإذا ما قتلوني، فإنني أطلب منكم أن تنشروا دفتري الذي يحمل عنوان: "الماركسية والدولة". (تجدون هذا الدفتر في ستوكهولم حيث بقي هناك). إنه دفتر مجلد أزرق اللون. تجدون فيه كل ما كتبه ماركس وإنجلز، بالإضافة إلى كتابات كاوتسكي ضد بانِّيكويك في ما يتعلق بالدولة. هنا، ثمة سلسلة من الملاحظات والمدوَّنات والصياغة. أنا اعتقد أن بالإمكان طباعة هذا الكتاب ونشره خلال أسبوع واحد. إن الأمر من الأهمية بمكان. ليس فقط لأن بليخانوف وحده هو الذي يُشَوِّش، وإنما لأن كاوتسكي يشوِّش أيضا. هذا، بشرط أن كل ما جاء في رسالتي إليك يبقى ما بيننا سرا (entre" nous" باللغة الفرنسية متن نص الرسالة) (المجلد 36، ص 467).
بليخانوف لم يُدَلِّل أبدا طوال حياته السياسية عن كفاءة ماركسية في ما يتعلق بالدولة، وإن كان في غير هذا المضمار يبرهن عن كفاءته. لينين، من جهته، لم يتوقف عن توجيه الانتقادات إلى بليخانوف في ما يتعلق بإدراك هذا الأخير لأهمية كومونة باريس (على سبيل المثال، المجلد 12، ص105 وما يليها). بليخانوف أُسندت إليه ابتداء من شهر مارس للعام 1917 رئاسة تحرير صحيفة يومية يُصدرها المناشفة، وتدعم الحكومة المؤقتة. بليخانوف، هنا، يهاجم بعنف أطروحات البلاشفة، وبوجه خاص لينين. لينين، من جهته أيضا، يوجِّه اتهامات حادة لبليخانوف في "أطروحات نيسان" حيث يكتب: "إن بليخانوف نسي الطريقة التي كان كلٌ من ماركس وإنجلز تناولا فيها بالتحليل كومونة باريس خلال الفترة الممتدة ما بين 1871 و1875، حيث يوضحان في ضوء الكومونة "طبيعة" الدولة الضرورية التي تلبي حاجات البروليتاريا (المجلد 24، ص 16). هذا ولا بد لنا أن نشير إلى أن بطاقة لينين إياها لا تحمل أية إشارة إلى بوخارين.

بتاريخ 31 آب/أغسطس (13 أيلول/سبتمبر) 1917 ظَهرت أول حلقة من سلسلة طويلة من التحوُّلات سواء في ما يتعلق بالنظرية أو بالممارسة، والتي لم تأتي هذه المرة عن لينين وحده (بخلاف "أطروحات أبريل" التي كانت شخصية). فقد أضحى "الدفتر الأزرق" "البيان في ما يتعلق بالسلطة"، والذي أصبح متبناً لدى فصيل من البلاشفة الأعضاء في اللجنة التنفيذية المركزية للسوفيات في بطرسبورغ، وذلك في ما كان لينين غائبا. "الهدف من وراء ذلك – حسب ما ورد في البيان – التأسيس لسلطة تمثل البروليتاريا والفلاحين الثوريين، ينحصر عملها في ما يلي من البنود: الإعلان عن الجمهورية الديمقراطية..." (انظر بالفرنسية، "البلاشفة وثورة أكتوبر، ج. بوفَّا G. Boffa ، منشورات ماسبيرو، باريس 1964، ص 84).

لم يَنتظر لينين فصل الصيف من العام 1916 كي يعالج مسألة الدولة. بل، وإنه لم يَعْرُضُ لها من حيث علاقتها بالمستقبل: كيف يجب أن تكون الدولة الانتقالية من حيث هي سلطة سياسية. فجاءت مداخلاته مبنية حول المحاور التالية (انظر الملخص في نهاية "الدفتر الأزرق، ص 105 وما يليها، وإن ما يلي من مراجع ليست سوى أمثلة):
-( ضرورة النضال دون أية تنازلات ضد السلطة القيصرية من أجل "إلغاء" الدولة الإقطاعية" (المجلد 16، ص316، 319)، وتشييد نظام ديمقراطي، هو وحدة المؤهل لفتح الطريق أمام الاشتراكية. إن مطالبة البروليتاريا بالجمهورية ذات أولوية. "تقرير اللجنة المركزية لحزب العمال الاجتماعي الديمقراطي الروسيP.O.S.D.R. أمام مؤتمر بروكسيل" يعود ليذكِّر بهذا المطلب (المجلد 20، ص532). مقال لينين المنشور في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1915، تحت عنوان "في ما يتعلق بالخطين اثنين للثورة"، يعود أيضا ليذكِّر به (المجلد 12، ص 436).
-) تعريف السلطة السياسية للطبقة العاملة: إن ديكتاتورية البروليتاريا "تشكِّل شرطا سياسيا لا بد منه للثورة الاجتماعية" (مشروع برنامج الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي الروسي، كانون الثاني/يناير 1902، المجلد 6، ص 22). هذا التعريف، ما أن يُحدَّد، من حيث هو ديكتاتورية ثورية ديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين (انظر المجلد 8، ص 249، وما يليها)، حتى يضحى موضوعا لا يكف لينين عن العودة إليه لأنه يتعلق بالخصوصية الروسية. هذا الموضوع ذو ثلاثة توضيحات:
آ-) في ما يتعلق بهيمنة البروليتاريا: " من حيث هي الطبقة الثورية الوحيدة التي تمضي حتى نهاية الشوط في المجتمع المعاصر. لذا، فإنها ملزمة بضمان الهيمنة لنفسها في نضال كل الشعب من أجل انقلاب ديمقراطي كامل لصراع كل العمال المُسْتَغَلِّين ضد المُسْتَغِلِّين الذين يمارسون القمع (المجلد 17، ص 234).
ب-) في ما يتعلق بالتحالف بين البروليتاريا وفقراء الفلاحين (انظر، "الهدف من وراء نضال البروليتاريا في ثورتنا"، المجلد 15، ص 385 وما يتبعها).
ج-) في ما يتعلق بالمسار المزدوج للانتقال من حكم الاستبداد الفردي إلى الديمقراطية البورجوازية من حيث هي هدف النضال (نظر، المجلد 16، ص 207 وما يليها).
إن لكومونة باريس دورٌ مرجعي. إنه مرجع متمَيِّز ودائم، في أعمال لينين، من بدايتها حتى غاية نهايتها. تنضم إليها تجرية العام 1905. إنهما زمانان قويَّان يشيران بالتشديد على أهميتهما والفائدة منهما: ففي ما يتعلق بالثورة الروسية الأولى، فإنها تتيح الاستعداد لها من الناحية النظرية، ومن ثم تَعَلُّم ما تقدِّمه مبادرة الجماهير والسوفييتات (المجلد 41، ص9، و13). النزاع العالمي، يَضَع يوميا، أثناء هذه الحروب، على بساط البحث تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية: إن التذكير العنيد طوال سنوات عديدة بالقرار الصادر عن مؤتمر بال يسير بصورة موازية للعودة إلى فرنسا الكومونة في العام 1971، وروسيا 1905 (المجلد 21، ص 28، 33، 18 ،33 ،205، 220، 284، 318،324، الخ). إذن، هي مرجعية تدوم طوال عقود متتالية 1905/1915 (المجلد 21، ص 431، وما يتبعها). عنها ينفلق بصورة مستمرة الخطَّان المذكورين أعلاه. أحدهما يعود إلى الأمس إبَّان إمبراطورية القياصرة بين البلاشفة والمناشفة. ثم إلى الحاضر، على الصعيد الدولي بين الثوريين والانتهازيين.
بمناسبة موجز عن ماركس كان لينين بعث به إلى الإنسكلوبيديا غرانا، فإن لينين يُحَدِّد للمرة الأولى مسألة الدولة بكل ما في هذه الكلمة من معنى (المجلد 21، ص68- 69). لينين، هنا، يعود إلى عملين اثنين من أعمال إنجلز، واللذين يعتمد لينين عليهما بصورة أوسع في "الدفتر الأزرق" و"الدولة والثورة". هذان الكتابان هما: "أصل العائلة، والملكية الخاصة، والدولة"، و"أنتي دوهرينغ". هنا يحدِّد لينين علاقة الدولة، "هذا العنف المنظَّم"، بمجتمع الطبقات، من حيث أن كل دولة هي دولة طبقة. كما يوضِّح أن الاشتراكية ستلغي الدولة مع إلغائها للطبقات. المسألة، هنا، تتعلق بمسار من "الخمود" ينتهي إلى إقصاء "آلة الدولة... والرمي بها إلى متحف الأثار القديمة إلى جانب الفأس البرونزي ودولاب المغزَل"، حسب أقوال إنجلز.
لينين يعود للمرة الثانية إلى هذا الموضوع في مطلع العام 2016، في أطروحاته حول "الثورة الاشتراكية وحق الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها". هنا، يكتب لينين: "بالتوكيد، فإن الديمقراطية شكل من أشكال الدولة آيل إلى الزوال من تلقاء نفسه. غير أن ذلك لن يحدث إلا أثناء الانتقال إلى الاشتراكية المنتصرة بصورة نهائية والراسخة في شيوعيتها" (المجلد 22، ص 156).
فلنسجِّل أن لينين لم يكن بعد تفحص بصورة منظَّمة نصوص ماركس وإنجلز حول الدولة، كما لم يسجِّل بالتشديد، وبوجه خاص، تفكُّك الدولة ما أن تُشيَّد ديكتاتورية البروليتاريا. بل، وإذا ما توخينا الدقة فإن اللُحمة الضرورية ما بين التفكُّك وتلف الدولة تجعل من الدول في حال التفكُّك نصف- الدولة، وما هو سوى المقدمة لتلفها. هذه هي المسألة الإشكالية التي تسيطر على أفكار لينين، سواء أكان مقال بوخارين قد تعرَّض لها أم لا.

إلى ذلك، فإن هذه النقطة تستدعي التوقف ها هنا.
حيث أننا سنكتفي بتسجيل ملاحظتين اثنتين.

الملاحظة الأولى مختصرة. إنها تعود إلى المنطق الداخلي. ذلك أن سياق الحرب الإمبريالية تَفْرُض كما نحن نعلم مسألة السلطة السياسية، وتَرفع إلى مقام الأولوية النضال من أجل الديمقراطية (المجلد 22، ص 162، 350...). هذا النضال من حيث هو مسألة سياسية ينبثق عنه حالة مؤداها أن الثوريين في ما يتعلق بالدولة، هم غير الفوضويين، ولا مجال للخلط بين الاثنين: إن تصفية الدولة الإمبريالية لا يحدث بناءً على رفض الدولة أيا كانت هذه الدولة، أو حتى إنكار "فكرة الدولة". فمن هو المستفيد من هكذا خلط؟ بالتوكيد، ليست الرجعية هي وحدها المستفيدة من هكذا خلط. أضف إلى هؤلاء، أولئك الأمميين الفاشلين الذين يجدون هنا دافعا إضافيا لتطوير شعاراتهم الشوفينية التي تنادي في توجُّهها إلى العمال بالدفاع عن الوطن (المجلد 21 و22). إن هؤلاء الأمميون الفاشلون ما فتئوا على حالهم من حيث هم، في ما يتعلق بقلب النظام الاجتماعي للبورجوازية، العدو الرئيس. "من حيث الممارسة، يكتب كاوتسكي، فإن مسألة واحدة تَفرض نفسها: انتصار أو هزيمة وطني". كاوتسكي هذا خادم الانتهازيين، المعمَّد ب/غيسدي Guesde، بليخانوف، وشركا/. نعم، هذا صحيح إذا ما نسينا الاشتراكية والصراع الطبقي" (المجلد 21، ص 182). من هنا تنبثق لهجة لينين المندفعة والمليئة بالحياة حيال الميول "الفوضوية" لدى بوخارين. غير أن هذه ما هي إلا مقدِّمات تمهيدية. إذ، ما أن تُستعرَض الأسس النظرية، ما أن تُقاس بدقة المسافات التي تَفصل ما بين الماركسية والطوباوية، الماركسية والفوضوية، بالإضافة إلى الماركسية والانتهازية، حتى يظهر أن الطلاق الصريح مع الانتهازية يشغل المقام الأول في سلم الطلاق. "إن الطوباويين اجتهدوا من أجل اكتشاف الأشكال السياسية لإنجاز التنظيم الجديد للمجتمع. الفوضويون يتملَّصون جملة وتفصيلا من مسائل الأشكال السياسية. انتهازيو الاجتماعية الديمقراطية المعاصرين تقبلوا الأشكال السياسية البورجوازية للدولة الديمقراطية البرلمانية كحدٍ غير قابل للتجاوز. إنهم يفلقون جبينهم وهم منبطحون أمام هذا النموذج، متَّهمين كلِ من يحاول تحطيم هذه الأشكال، بالفوضوية". هذا هو ما يستنتجه عمل لينين "الدولة والثورة" من درس " (المجلد 25، ص 467 ). بل، وإن هذا العمل لا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى المآخذ الواردة في "الدفتر الأزرق" بشأن بوخارين (م.س. ص 37-83). فالتمييز بين الماركسية والفوضوية يتأتى للينين من خلال الهجوم المضاد الذي يشنه بانِّكويك Pannekoek ضد كاوتسكي. هذا الهجوم، بالرغم من "الأخطاء بالغة الخطورة" التي تأتي بها أفكار هذا الأخير، فإنه مفيدٌ للتوصل إلى التمييز بين الماركسيين والفوضويين (م.س. ص 523). على هذا النحو، فإن مغادرة بوخارين تتصادف مع دخول بليخانوف. هذا الأخير وإن كان غائباً عن "الدفتر الأزرق"، فإن هذا الغياب بمثابة عقاب يستحقه دوما في ما يتعلق بالماركسية والدولة. المعلم بليخانوف الذي ينفصل عن الفوضويين (م.س. ص 13 وما يليها) يضحى الأنا العليا لكاوتسكي (م.س، المجلد 21، ص 213، 322...،399...، المجلد 22 ص152، إلخ). هذان "الماركسيان الأرثوذكسيان" لم يتوصلا أبدا إلى إدراك الاختلاف ما بين الماركسية والفوضوية. الدليل على ذلك أنهما كانا عاجزان عن تفنيد برنشتاين عندما شبَّه "تدمير" الدولة البورجوازية حسب ماركس، بالفدرالية لدى برودون (المجلد 25، ص 463-464).
على هذا النحو، فإننا ننتهي، هنا، من بناء الجسر الممتد ما بين "الدفتر الأزرق" و"الدولة والثورة". الآن، سنكرِّس سلسلة ثانية من الملاحظات حول "الدفتر الأزرق"، من شأنها، بوجه الممكن، المساهمة في تحليل مقارن للنصين دون أن تحل مكان أيٍ من الاثنين.
قبل كل شيء، فإن عمل لينين الذي يعود تاريخه إلى آب/أغسطس - أيلول/سبتمبر 1917 (الدولة والثورة) يَمْثُلُ من حيث أن "الدفتر الأزرق" يُسًجَّل في قيد التنفيذ. إنه عمل استثنائي لتعليم النظرية، ما دام يتطلع إلى توحيد مجموعة من النصوص المتناثرة حول مسألة جوهرية، مسألة الدولة، المتناثرة على امتداد حوالي خمسين سنة، من "بؤس الفلسفة (1846)، إلى مقدمة إنجلز الجديدة ل/"الحرب الأهلية في فرنسا" لكاتبه ماركس (1891). أو بتعبير آخر، أن يكتب، بوجه الاحتمال والممكن، فصلا من "رأس المال"، تحت عنوان الدولة. إلا أن موت ماركس حال دون أن يكتبه.
إن كل ما يرجع إليه لينين من نصوص في "الدفتر الأزرق"، لا ذكر لها في "الدولة والثورة". على هذا النحو، فإن رسالتي ماركس إلى كوجيلمان Kugelmann بتاريخ 3 آذار/مارس 1869، و18 حزيران/يونيو 1871، ورسالة ماركس إلى كل من فرانكيل Frankelوفارلان Varlin بتاريخ 13 أيار/مايو1871، ورسالة إنجلز إلى برنشتاين بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1890، والخمس رسائل التي كان إنجلز أرسلها إلى لافارغ Lafargue، ومقدمة إنجلز لكراس سي. بورخايم S. Borkheim تحت عنوان "في ذكرى الوطنيين الألمان القتلة"، والصفحة المنسوبة لماركس (وهي في حقيقة الأمر لإنجلز) المُستًخلَصَة من الثورة والثورة المضادة في ألمانيا، إن كل هذه المراجع أُهملت في عمل لينين "الدولة والثورة".

ثمة، بالمقابل، جَمْعَيْن اثنين من الأعمال المتناثرة يستدعيان عددا من التوضيحات.

الَجَمْع الأول للنصوص يتعلق بالرسالة ذائعة الصيت التي كان ماركس بعث بها إلى وِيْدٍيميير Weydemeyer بتاريخ 5 آذار/مارس من العام 1852. هذه الرسالة الواردة بفقرة إضافية في الفصل الثاني، تشكِّل التعديل الوحيد الذي أُدخِلَ على الطبيعة الجديدة لل"دولة والثورة" في العام 1918 (المجلد 25، ص 416).

في هذه الفقرة يأتي ما يلي: إن ما يأتي به ماركس من جديد هو: 1- يبيِّن أن وجود الطبقات لا يرتبط إلا بمراحل تاريخية بعينها. مراحل من تطور الإنتاج. 2- إن صراع الطبقات يقود بالضرورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا. 3- لا تشكل هذه الديكتاتورية سوى انتقال نحو "إلغاء كل الطبقات"، وذلك نحو مجتمع بدون طبقات. 4- ( المجلد 28، ص 508- هذا التشديد من وضع ماركس. "رسائل حول رأس المال"، المنشورات الاجتماعية، باريس 1964، ص 59. لينين، "الدولة والثورة"، الأعمال الكاملة، المجلد 25، ص 455).
فهل كان لينين يجهل هذا النص. نص رئيس في ما يتعلق بشرح لينين لأطروحاته؟ نعم، يبدو أن لينين كان بالفعل يجهله. ف"الدفتر الأزرق" يطرح سؤالا لمعرفة ما إذا كان ماركس وإنجلز تناولا بالبحث "ديكتاتورية البروليتاريا" ما قبل العام 1871 (انظر أعلاه ص32). يجيب لينين بقوله "أنا لا أعتقد ذلك". إن "الدولة والثورة" تستند مجددا إلى أفكار وردت في "البيان الشيوعي". إن لينين يرى في هذه النصوص صياغة ل/"ديكتاتورية البروليتاريا" - حسب ما يضيفه لينين ما بين قوسين – فيكتب إن ماركس وإنجلز يتطرقان إلى "ديكتاتورية البروليتاريا" "ما بعد" كومونة باريس (المجلد 25، ص 435 (التشديد لجورج لابيكا). لذا، فإن من الواضح أن لينين لم يفكر هنا بتصحيح هذه الأسطر في الطبعة الأولى، ثم أضافها في الطبعة الثانية. فلنلاحظ أيضا أن المراجع في العام 1852، في الدفتر الأزرق كما في "الدولة والثورة" (المجلد 25، ص 517) لا تشير أبدا إلى مفهوم "ديكتاتورية البروليتاريا، وإنما تشير إلى "تفكك" الدولة (zerbrechen) حسب ما ورد في "18 برومير" والتي تجد لدى لينين اهتماما خاصا. هذا، ومما لا شك فيه أن لينين كان يعرف حينئذ "العناصر الجديدة" لكتابة فهرست بأعمال ماركس وإنجلز، والتي كان فرانس ميهرينغ Franz Mehring نشرها في "نيوزايت" في العام 1907. لينين في "الدولة والثورة" يشير إلى أنه ينقلها عن رسالة فيديمير (م.س. ص 444). السؤال، هنا، يتوخى معرفة في أي وقت قرأ لينين عمل ميهرينغ؟ الأرجح أنه قرأه قبل أن يكتب "الدولة والثورة"، بل وإنه قرأه منذ مطلع العام 1916: "الدولة والثورة" تتضمن إشارة إلى كتاب ميهرينغ، بالإضافة إلى فقرة من رسالة ماركس إلى فيديميير التي يُشار إليها في "الدولة والثورة". كما يُعثر عليها متن "دفاتر الإمبريالية"، تحت عنوان "الماركسية والإمبريالية"، والتي كانت كروبسكايا نقلته بخط يدها، ثم علَّق عليه لينين (المجلد 39، ص 585-586). ثمة أيضا إشارة في دفتر آخر بعنوان "دفتر أُوميكرون"، حيث ترد الإشارة الصريحة إلى "الدفتر الأزرق" في ما يتعلق برسالة ماركس إلى كوجيلمان Kugelmann ، بتاريخ 12 نيسان/لأبريل 1871 (م.س. ص 630). الأمر الذي يحمل على الاعتقاد أن لينين كان مطَّلعا على رسالة فيديميير ما قبل البدء بتسجيل مدوناته في الدفتر الأزرق. هذا، إن لم تكن، بأقل تقدير، معاصرة له. هذا، أيضا، ما لم يحدث خطأ في توقيت كتابة الدفتر التمهيدي لتحليل الإمبريالية. خطأ، أيا كان هذا الخطأ، فإن هذا التوقيت لن يصل إلى العام 1918. فمن أين يأتي هذا "النسيان"؟ إن المسألة ما تزال معلَّقة. هذا، إن لم يكن لينين الذي كانت تُشْغِلْه في حينه مسألة حُطام الدولة، لم يجد، حينذاك، الحاجة إلى تدقيق جديد لمفهوم ديكتاتورية البروليتاريا الذي كان، في ذلك الوقت، حديث النشأة، وذلك بصورة مستقلة عن رسالة فيديميير. لاسيما وأن ديكتاتورية البروليتاريا مفهومٌ واضحٌ ووظيفته جليَّة. هنا، تجدر الإشارة إلى أن أمرا مشابها يظهر مع لا نوفيل غازيت رينيان: لينين اطَّلع على مقالات ماركس وإنجلز منذ مطلع العام 1909، بأقل تقدير (المجلد 15، ص 404). لينين الذي كان يشير في حينه إلى هذه المقالات (المجلد 16، ص 399)، لم يجد من الضرورة ما قبل العام 1920 أن يربط هذه النصوص بمسألة ديكتاتورية البروليتاريا (المجلد 31، ص 357).

الجَمْعُ الثاني للنصوص (المجلد 25، ص 432) عبارة عن مقتطف طويل من "أنتي دوهرينغ". إنجلز، هنا، يعود إلى ماركس ليشير إلى الدور الثوري للعنف من حيث هو يُوَلِّدُ المجتمعات القديمة في ما هي تتحوَّل (م.س، المنشورات الاجتماعية). إن ضمَّ لينين لهذه الفقرة يؤدِّي إلى الجمع بين النتائج الختامية ل/"بؤس الفلسفة"، و"البيان الشيوعي". مؤدى ذلك أن ماركس وإنجلز يؤكدان الثورة العنيفة لا مفر منها، وذلك على غرار ما يأتي في "برنامج غوتا، حيث يجلد ماركس الانتهازية بشراسة وافتخار (المجلد 25، ص 433). فهل نحن نملك من الشجاعة ما يكفي كي نؤكد أن العنف، من "الدفتر الأزرق" إلى "الدولة والثورة" أضحى سيد الموقف في ما يتعلق بنظرية الدولة. العنف، أيضا، يصادِر، على هذا النحو وبوجه خاص، ما هو جوهري في ديكتاتورية البروليتاريا. بيد أن مثل هذه القراءة تبدو متسرعة. قراءة كأن المقصود منها محاكمة نوايا لينين. فلنترك جانبا فكرة رائجة بصورة اعتيادية مؤداها أن مصدر كل حالة من حالات العنف لا علاقة لها بالقهر الجسدي. أو إن العنف، حسب حجة غير قابلة للنقض، أن الإجراءات المُلْزِمَة لا بد من إقرارها ضد الطبقات المسيطِرَة أثناء الاستيلاء على السلطة، وما بعد ذلك. هذا، فضلا عن واجب قَسري، نظري، ذات صلة بالممارسة، مؤداه التنديد، في خضم الحرب الإمبريالية، بشتى أنماط السياسة السلمية والمساواة. ثم فلنتساءل من هو الماركسي، فضلا عن ذلك، الذي يزعم أن العنف مفهوم شامل. فلنأخذ الحركة التوضيحية، وحدها دون غيرها، التي تُنتِج المرجعية لأنتي دوهرينغ: هنا ثمة فكرة واضحة قوامها أن الإلحاح على العنف، وهو أبعد ما يكون عن حيازة هدفه بنفسه، لا تُفهَم إلا من حيث العلاقة التي تشيِّدها مع أطروحة إنجلز التي تُدافع هي أيضا عن "خمود" الدولة. فلنتساءل، هنا، ما الذي يريد الوصول إليه لينين (م.س. ص 427) ؟. إنه يريد التدليل بأن الانتهازية المسيطرة في الاجتماعية الديمقراطية في ذلك الحين، قد تخلَّت، أياً كان الأمر، ومهما كانت صورته، تخلَّت عن الثورة. لذا، فإن الاكتفاء بالقول إن الماركسيين يعتقدون أن "الدولة تَخمُد"، وأن الفوضويين يريدون "إلغاء" الدولة، إنما يؤدي إلى تمرير التمييز بين مرحلتين اثنتين من المسار، تحت غطاء من الصمت:
-) إبَّان المرحلة الأولى، فإن إبطال الدولة يتعلق بالدولة البورجوازية. لذا، فإنها إنجاز من عمل الثورة البروليتارية.
-) إبان المرحلة الثانية، مرحلة "خمود" الدولة "يتعلق بما يتبقى من الدولة "البروليتارية" ما بعد الثورة الاشتراكية".
فلنميّز أن لينين يعلق على هاتين المرحلتين بالعبارات التالية: "إن الدولة البورجوازية حسب إنجلز لا "تخمد"، وإنما هي تُلغى من قِبَل البروليتاريا أثناء الثورة. إذ إن ما يخمد، ما بعد هذه الثورة، هو الدولة البروليتارية، أو ما يُصطُلِح على تسميته نصف دولة" (م.س. ص429).

هذا هو مركز المفهوم الماركسي للسلطة السياسية الانتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية. هذا ما تُعلن عنه الفكرة الرئيسة التالية: "إن مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا يتسع للتفكير بتفكك" الدولة وإبطالها معا". فالعمليتان تندمجان في سيرورة واحدة. ها هنا، توقف كل من كاوتسكي وبليخانوف و...بوخارين نفسه. هذه هي أيضا محصِّلة ما أتى به لينين. أو بالأحرى ما أتى به في ضوء قراءته الجديدة لماركس وإنجلز. "هذا هو ما جاء به من عمل خالد على صعيد الفكر النظري".

ماذا عن العنف؟ العنف ما هو سوى "سلطة القمع الخاصة التي تُمارَس من قِبَل ملايين العمال ضد قبضة من الأغنياء. أي، وبتعبير آخر، ديكتاتورية البروليتاريا (م.س. ص 430).

فهل الديمقراطية نقيضٌ لديكتاتورية البروليتاريا؟ "الدولة الشعبية الحرة"، التي ينص عليها البرنامج الألماني في السبعينات من القرن التاسع عشر، لا تختلف بتاتا عن الديمقراطية البورجوازية، حيث العبودية بأجر هي من حصة الشعب" (ص 413)؟! أو هي بالأحرى "الدولة بصورة عامة"، أي الديمقراطية الأكثر كمالا، والآيلة إلى "الخمود" مع الدولة وحدها.

إن نصف الدولة، الدولة المشتركة، الدولة التي هي ليست دولة، الدولة "زهيدة الثمن"، أو ديكتاتورية البروليتاريا، من حيث هي كلها حَقْنٌ جديد للدولة في المجتمع المدني باعتبارها غاية الدولة. هذا هو ما يستعصي على القبول في الديمقراطية البورجوزاية. إنها الديمقراطية نفسها، التي "تٌكوِّن هي نفسها الدولة" عشيَّة تلفها. لينين، ما بعد ماركس وإنجلز، لم يأت بأي فكرة تخالفهما الرأي. إنه، على غرار الاثنين يعتقد مثلهما في ما يتعلق بعلم التاريخ، أن سلطة الطبقة العامة وحلفائها لا معنى لها ما لم تذهب الديمقراطية إلى أقصى حد لها، ألا وهو "ديكتاتورية البروليتاريا". الدولة ضمن هذه الديكتاتورية ليست دولة الجميع ما لم يتحقَّق شرط، ألا وهو أن هذه الدولة ليست بالضبط والكمال "دولة".

"الدولة والثورة" عملٌ لم ينته. إنه يتحرك دوما، وحتى غاية اليوم، على محك خطابه في تماسه بالواقع. على محك الوضع الملموس الذي يظهر في "أطروحات أبريل". فما الذي يأتي بعد ذلك؟ "التجربة". الانتقال ب"الدولة والثورة" إلى قيِّد التنفيذ. فلنتذكر أنها كانت أول تجرية من نوعها. فاعتبارا من هذا الشكل من السلطة السياسية، فإننا نقف أمام "البيان الشيوعي" الذي كان أول من ينادى به. إلى أن يأتي رجل الدولة، لينين. رجل الدولة يواجه كل المسائل. منها ما هو جديد لا مثيل له في الماضي. منها، أيضا، ما لم يخطر على البال. كل ذلك على محك ديكتاتورية البروليتاريا ضمن الخصوصيات الروسية. هيَّا إلى العمل. السوفييتات، تاريخها. فضلا عن المادة التي تقاوِم: من الفلاحين الذين يقطعون تحالفهم مع الجيش، إلى البروليتاريا "المفقودة". كل ذلك ضمن التطويق الإمبريالي. في العزلة أيضا... . ثم تَظهر المسائل المستعصية على التحاشي، حسب ما يدركها هذا الذي سيموت في العام 1924. إلى أن يأتي ستالين والستالينيون، وسياق تاريخي لا يمكن التحكُّم به. سياق تحت أنظار لينين مولِّد للتناقضات: فهل تنتقل ديكتاتورية البروليتاريا إلى حيِّز التنفيذ؟ أليس من الأفضل أن يطلق عليها تسمية الديكتاتورية من أجل البروليتاريا (والفلاحين). "من أجل" البروليتاريا، محلَّها والبديل عنها. هذا أفضل من لا شيء. الطبقة الحزب والدولة، هيجل وتخيُّلاته التي أضحت تاريخا، وتاريخا للحركة العمالية الأممية. الدولة في بلاد السوفييت "هي" الثورة. الخصوصيات تنقلب على نفسها. بل، وإن الاستثنائي يغدو نموذجا عندما ينفي عن نفسه الاستثناء. هذا النموذج الذي كان نموذجا مضادا أو نفيا للنموذج.

هل بدأ تاريخ مختلف عن ذاك التاريخ الذي تعلَّمناه وفق مفاهيم لينين، ماركس وإنجلز؟ بالتوكيد نعم، وإن كان المجال هنا لا يتسع له. إن الإشارة إليه لا بد منها لا لشيء سوى من أجل مراعاة خاطر لينين صاحب الأفكار، باعتراف تروتسكي، حول ديكتاتورية البروليتاريا والتي تستحق عملا كاملا (تروتسكي، الثورة الدائمة، منشورات غاليمار، باريس، 1963، ص 111). هذا يشير في نفس الوقت إلى مدى ما يمثِّله فكر "حُطام" الدولة من وزن حتى غاية الحاضر: ألن تظهر ديكتاتورية البروليتاريا من جديد؟ وفي كل الأمكنة؟
ربما ما تزال، حسب ما يتبيّن، أعمال ُ"الدفتر الأزرق" مستمرةَ دون أن تبلغ نهايتها.

جورج لابيكا
كانون الأول/ديسمبر 1976








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز