الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى الاولى لوفاة شهيدة السوسيولوجيا حسناء العمراني

محمد الدحاني

2017 / 1 / 24
المجتمع المدني


الذكرى الأولى لوفاة شهيدة السوسيولوجيا حسناء العمراني
تعرفت الفقيدة على الموقع الاجتماعي/الفيسبوك، بعدما أرسلت لي طلب الصداقة، قبلت طلبها في حين لأني كنت نشيط حينها على حسابي، شكرتني على انضمامها للائحة أصدقائي وبدوري شكرتها على مبادرتها في ارسال الطلب، وافتخرت بوجودها وفعلا لقد نورت لائحة أصدقائي بملاحظاتها وتفاعلها.
فقالت: وكأنها خجلة من إرسال هذا الطلب أو تريد أن تبرر هذا الفعل، لقد شهدت تعليقا لك على إحدى منشورات الأستاذ "قيس مرزوق" وأعجبني التعليق وأرسلت لك طلب الصداقة، جددت الترحيب بها وأفصحت لها عن فرحتي بهذه الصداقة الجديدة.
قالت لي: هل تدرس أو سبق لك أن درست عند الأستاذ قيس.
أجبتها:لا، أنا طالب بجامعة "ابن طفيل بالقنيطرة"، لكني تعرفت الدكتور قيس مرزوق من خلال أستاذي "عبدالله هرهار"، الذي اعتمد كتابه "التراتبات المجالية والتراتبات الاجتماعية".في تدرس وحدة "التنمية المحلية والتدبير المجالي" في الفصل السادس.
سرنا نتحدث عن هذا الكتاب وكيف عالج علاقة المحيط بالمركز، وكذا عن مؤلفه، ولم نترك الفرصة لتعرف على بعضنا، ربما حين تحظر أسماء كبيرة في مجلسنا تجعلنا أن نتنكر بل وننسى أسمائنا في تأثرنا بهذه الأسماء الشامخة في ميدان العلم والعطاء والإنتاج وكيف لا نتأثر ونحن نتكلم عن نموذج المثقف العضوي بما تحمله الكلمة من معنى، طلبت منها أن تحدثني عن أستاذها، ركزت حديثها فقط على ما تعلمت منه من الالتزام والانضباط بالوقت، والجدية في العمل، وتقديم يد المساعدة للجميع، وغيرته على السوسيولوجيا النابع عن حبه الشديد لها...سألتها كيف تعرف كل هذه التفاصيل عنه؟
أخبرتني أنها درست عنده في جميع المستويات الجامعية، ابتداء من الإجازة الأساسية مرورا بالماستر وانتهاء بالدكتورة وهو الذي كان مشرف على بحثها الذي يحمل عنوان " الديمقراطية المحلية والمجتمع المدني".
فجأتني بأنها حامل لشهادة الدكتورة، إذن أنا الآن لا أتكلم مع صديقة عادية بل أتكلم مع "عالمة الاجتماع". لم نكن نتواصل لا بالعربية الفصحة ولا بالفرنسية ولا بأي لغة رسمية، بل كنا نتواصل بما يصطلح عليه "بالعرنسية" وهي لغة منتشرة بيننا نحن معشر الفيسبوكيين والفيسبوكيات، ونعني بالعرنسية هي الحديث بالدرجة المغربية مكتوبة بالحروف اللاتينية.
كانت مشاغبة وفضولية/ الفضول الأخلاقي طبعا، تحاول أن تعرف كل صغيرة وكبيرة عن الذي تتحدث معه دون أن تسأله، عادت في صمت لأرشيف حسابي وقرأت بعض مقالاتي المنشورة على بعض المواقع الالكترونية، ودون أن تضغط على "جيم أو تعليق"، جاءت على الخاص وشجعتني على الكتابة وأعطتني بعض ملاحظاتها القيمة والتي استفدت منها الكثير، أعطتني هذه التوجيهات بتواضع كبير ثم اعتذرت عن هذا الفعل، فكلمة الاعتذار لا تفارق شفتيها حتى وهي تقدم دروس إنسانية وتعليمية وتربوية...ثم ودعتني بهذه الجملة الطفولية "الوسادة تنادي"، فرغم أنها في عقدها الثالث لكنها لازالت تحمل في داخلها طفولتها.
مرت ثلاث أيام على حديثنا تلك الليلة، فإذا بي أتفاجأ لقد حذفتني من لائحة الأصدقاء، قلت لماذا؟ همست مع نفسي ربما خرجت من فمي كلمة على شكل زلة لسان لم أنتبه لها وغير مقصودة جعلتها تحذفني.
عدت بسرعة للرسائل التي كانت بيننا أفتش عن كلمة تجعلها تقوم بحذفي، قرأت الرسائل مرات ومرات، فكلامنا تلك الليلة لم يكون سوى حول الدكتور قيس وكتابه، راودتني فكرة بإبعاث طلب الصداقة، لكن لا أدري هل هي عزة النفس كما أدعي هي التي منعتني عن إرساله أم شيء من الكبرياء، إلى حدود كتابات هذه الشهادة لا أدري؟
في نهاية ذاك الأسبوع أرسلت لي طلب الصداقة من جديد، تهلل وجهي فرحا وأنا أوافق من جديد على صداقتها الافتراضية، فرحي ربما كان يعادل فرح أسرة عاد لها أحد أفرادها بعدما كانوا فقدوا أملهم في عودته. بعدما تبادلنا التحية.
قالت لي: لماذا حذفتني من لائحة أصدقائك؟
صفعتني بهذا السؤال، فثرت في وجهها، قائلا أنت من فعلت ذلك وليس أنا، وها أنت يا دكتورة تلعب معي لعبة "ضربني وبكا، وسبقني وشكا".
اعتذرت مني على الفور، وقالت اعذرني ربما أخطأت في ذلك إن كنت فعلا أنا هي التي فعلت.
أجبتها: إذن لا تحملني مسؤولية خطئك؟
ردت علي بجملة امتصت غضبي على الفور، إنها حكمة أعتبرها ولازلت أحفظها قالت "وحده الميت الذي لا يخطأ، فالخطأ ليس عيبا، والاعتراف بالخطأ فضيلة، بل إنه قانون الحياة للسير قدما نحو الأفضل".
سألتها عن أطروحتها باعتبارها من الدراسات التي يمكن الاعتماد عليها في بحثي، أخبرتني أنها لازالت في طور النشر، وأنها تنتظر إصدارها بأحر من الجمر، لكن هذا لم يمنعها من أن تدرك الموقف وتعطني رقم زوجها وقالت لي أطلب منه النسخ الورقية، ولا تنتظر إصدارها، فهي تجري في الخير كما يجري الدم في الشرايين، وخاصة إذا كان هذا في العلم والمعرفة، لم أكن أعلم أنها مريضة، ولم تخبرني هي أيضا بمرضها، امرأة من هذا المعدن نادرة جدا، فالكثير من الأصدقاء والصديقات يعلنون مرضهم عبر حسابهم وربما مرضهم يكون طفيف جدا. أما عالمة الاجتماع قاومت وأبت أن تستسلم للمرض وأعطتنا درسا كبيرا في المقاومة والتضحية في سبيل المعرفة.وكيف لا وهي التي كتبت مرة على حائطها الفيسبوكي "تكيف..هاجر أو مت هذا هو الثالوث الذي سيحكم الأرض في السنوات القادمة التي ستكون الحياة فيها صعبة لا مناص".
"أصرت ألا تودعنا إلا بعد أن تركت وراءها ثمرة عنادها الشهرزادي في ولوج المعرفة، فتركت لنا أطروحتها المتميزة "المذكورة آنفا، الكلام هنا يعود لأستاذها المشرف على بحثها قيس مرزوق الورياشي.
في صمت سلمت الدكتورة والعالمة والأستاذة والصديقة حسناء روحها بعد مدة طويلة مع المرض الذي نخر جسدها النحيف.
فعزائي لرفيق حياتها، ولعائلتها، ولأستاذها ولأسرة السوسيولوجيا في المغرب عامة وبفاس خاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا