الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطب منمقة وثورات قادمة

صليبا جبرا طويل

2017 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المحاباة نقيصة، والصراحة البناءة راحة، وكثرة
الكلام كقلته يفقد نظارته عندما يفتقر للمصداقية.
هذا حالنا منذ عقود، قبل الاستماع لكل خطيب،
نعرف العنوان والمضمون والمقصود، يجدد بعثها
للحياة، يوقظها من حكم الموؤد. عجبي من وعلى
هذا الزمان الذي كثر فيه لغو الكلام والوعود.


لكل خطاب هدف يتناسب مع أهمية الحدث الذي يدور حوله، تنوع الأهداف يعني تنوع المضامين. تحقيق الأهداف يعتمد على محتواه الذي بدوره يعكس أفكار وثقافة ملقيه والمؤسسة التي جاء منها، وعلى نوعية مستمعيه. فان كانت أفكاره، وثقافته تنبعان من منطق فكري وعقل متحرر منفتح، تمكن من احراز نقله نوعية تعالج الغرض المراد تحقيقه بما يتناسب مع مفاهيم الزمن المعاصر وحداثته. خطبنا مفرداتها مركبة، شاملة، تتضمن اقتباسات، وعبر، واقوال لمشاهير وعظماء وادباء، ولا تستثني من آيات دينية تعمل على اسنادها. لذلك يلبس الخطاب صفة، وصبغة دينية تستثمر في وضع العراقيل امام كل من يحاول الاعتراض. فكل خطاب يغلف بالدين غير معرض للنقاش لذلك يصبح نقده من المحرمات، جنحة يحاكم عليها القانون.

في الشرق، كثيرة هي خطبنا التي لم تعالج قضايانا بالحجم الذي عالجت فيه مصلحة المؤسسة والجهة التي تتوجه للشعب بالخطاب. خطبنا، بالباطن تظهر صدق النوايا، وفي حقيقتها مغلفة بالكذب والنفاق والرياء، ويغلب عليها الحقد والكراهية، نادرا ما نجد فيها البعد عن الانتهازية. بات المواطن اسير خطب النخب السياسية، والدينية الخ... ليجد نفسه لا شعوريا يحمل عبء خسائرها، في معظم معاركنا العسكرية، وإسهاماتنا في الثقافة العالمية، وسمعتنا في الساحة الدولية، ومكانتنا الحضارية، لينتهي كعبد لها وضحية. ما يزيد الأمور تعقيدا وسوء اصرار الخطباء، ومكابراتهم، على اننا أفضل الشعوب البشرية، طالما هم يقودوننا ويوجهوننا في أمور حياتنا الدينية والدنيوية الخ...، ويستمرون بإطلالاتهم البهية علينا، بصورهم بتماثيلهم في كل زاوية، في كل شارع، وعبر وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، والكتب المدرسية، كتقاة ورعين مجسدين خلاصنا، يحملون بين ايديهم الحلول الوضعية والالهية. أسطوانة مشروخة عفا عليها الزمن، متي سنتخلص من هذه المهزلة الكوميدية.

معظم زعمائنا بعد انتخابهم، وتنصيبهم يظهرون تواضعا مصطنعا. يخرج كل منهم في حفل تنصيبه بخطاب طنان رنان مقسما " بعد التوكل على الله ان انتخابكم لي أعده تكليفا لا تشريفا... ثم يعطي الوعود الخ ...". بمعنى أننى تحت امرتكم، يا من صوتتم لي، سأعمل بإخلاص في خدمة الوطن والانسان، والدفاع عن قضيانا المصيرية، ومعركتنا مع الأعداء امام المحافل الدولية والإقليمية، ومن اجلكم جميعا وللمصلحة العامة يهون الموت، ولا تنازل ولا استسلام. قبل ان تحمل الرياح كلماته، وقبل ان يجف حبر توقيعه، يصبح انسانا اخر، يصبح مسؤولا، والمسؤول في عرف دولنا العربية يعني ان يصبح فوق القانون والدستور والشعب. يعزز قوته من خلال تعيين المقربين منه في اعلى الرتب وادناها دون الرجوع الى قدراتهم، وطاقاتهم، وكفاءاتهم العلمية. النتيجة تكريس العصبية القبلية، ليصبح الوطن مزرعة له، يستثمره كما يشاء، ويحرثه متي شاء، ويقتلع الشجر المثمر فيه متي شاء، وينهب ثرواته متى شاء، الخ... ويصبح الامر الناهي الى متي الله شاء، من بعدها الانتهازيون يقسمون الولاء لحفيده.

اعترف اننا في الماضي تمكنا من ان نصبح في طليعة الشعوب التقدمية، وأصحاب حضارة عريقة. ما كنا لنكون لولا الاحتلالات التي قمنا بها، وانصهارنا في بوتقة الحضارات التي استوليت على بلادها من آرامية، وفارسية، وهندية، وفرعونية، وازيغيه الخ... هذا في زمن كنا نؤمن به بالتعددية، فان كنا هكذا في الماضي، فلماذا الان نحن عاجزون؟ وأين تكمن القضية؟ أسئلة ليست محيرة ولا تحتاج لخطب نارية، مجمل القضية اننا في خطبنا نهدر وقتنا في مضغ الكلام، ونخاف من الدخول في جوهر القضية، الا وهو تحقيق الحرية والعدالة الانسانية.

في معظم الأحيان نسمع ما لا نريد، وليس ما يجب ان يكون. الخطب الحماسية، النارية تلهب مشاعر المستمعين وتوقظ عواطفهم. شوق المواطن لتحقيق تطلعاته ومصيره قد تأخر. وعلى حظه العاثر توقف الزمن. الخطب التي ألقيت منذ عقود علينا تحتاج لإعادة تقيم. في حرب 1967 فشلنا وهزمنا. نتائج حرب 6 أكتوبر 1973 لم يحصد نجاح يذكر. حرب العراقية الامريكية 19/اذار- 3/أيار 2003 نتائجها سقوط حكومة صدام حسين، احتلال العراق، تشكيل حكومة عراقية جديدة، في عام 2006 أعاد لنا حزب الله كرامة بتواضع لا مثيل له، وتستمر المأساة حتى وصولنا للربيع العربي. للأسف هزيمة تتبعها هزيمة.

زعماؤنا في خطبهم يقولون:" ننتظر من الشعب ان يعبر عن نفسه ومطالبه بأسلوب حضاري. ان كانوا يعترفون بان هناك أساليب حضارية فلماذا يتجاهلون مطالبهم من الأساس؟ اليس من واجب المتحضر ان يعرف بمطالب واحتياجات الغير متحضر والعمل على تحقيقها. النسيان نعمة مؤقته ولعنة دائمة، فلابد ان يستيقظ الشعب من كبوته يوما ما.

ما يظهر من الحديث شيء وما يكون مكتوبا بين السطور شيء اخر. الخطب حول الحريات والديمقراطية قد تكون طعما لاصطياد المثقفين والأدباء والكتاب، والاعلامين الاحرار الذين ينشرون أفكارهم لرفع وعي الانسان والمجتمع. مناصرتهم للزعيم شيء، ومناصرتهم للحرية والتغير شيء اخر. بذلك لا يمكن تقدير جحم الحريات التي يوصي بها الزعيم للشعب. حجم سماء الحرية واسع وحجم سماء الفكر واسع أيضا. قد يكون أكبر حجم يوصون به صغيرا كحجم زنزانة يغرق اصحاب الفكر فيها في سجون الضياع والنسيان. تنطلق حكوماتنا لمعالجة قضاياها الثقافية، والفكرية الحساسة بتثبيت القوانين القمعية من منطلق "شعب بخاف ما يستحي". كوننا شعوب النكبات، والمصائب، والدسائس فقد تولد لدينا شعور بان هناك يوما ما، سيتحقق شيئا ما، على يد انسان ما، في زمن ما. هذا نحن ننتظر المجهول كأن مصائبنا جاءت من حيث لا ندري من لا مكان او لا زمان.

نحن لا نخجل من الخطب المنمقة، والمخادعة، والكاذبة مع انها واضحة ساطعة كشمس الصيف الحارقة. التصفيق صنعة نقوم بها لاإراديا، والسكوت خلل زرعه الخوف فينا منذ عقود. بشكل ممنهج منذ زمن بعيد نعيش الضدين البقاء والفناء كل من نحتاجه إشارة إصبع او كلمة، لننطلق الى هدف رسم دون معرفتنا، وفهمنا لمقاصده ونوياه. أصبح الخط الفاصل بين وجودنا وعدمه هو وعينا المدمر. نحن نعيش مكانك قف في زمن تسير فيه معظم شعوب الأرض نحو المستقبل.

هل زعماؤنا ومؤسساتنا الوطنية وأجهزتها على تواصل واطلاع بكل مجريات الوطن، هل يدركون عمق الشرخ الذي بدء يشق وحدة رعاياه، الأمور لا تحتاج الى لململة او طبطبة او خبيبة – كما نقول بالعامية- الأمور يجب ان تفضح، ان تواجه قبل ان يصبح كل محضور مسموح، وكل ممنوع مرغوب، كل تطرف وإرهاب مباح. وقد يجنح بعض من زعمائنا من اجل المحافظة وتثبيت حكمهم الى إيجاد عدوا يهددهم اما من الداخل، او من الخارج. لتتحول القضية من هّم يحمله المجتمع، الى هّم تحمله المؤسسة الحاكمة، ويصبح موضوع شخصي ضد الزعيم يحمله معه في حله وترحاله. تناقض سياسي ام افلاس سياسي. ام من اجل ديمومة الحكم لست أدري.

معظم خطبنا لا تلائم روح العصر. موضوعاتها لا تتقابل مع الحداثة، ولا تعتني بالتقدم، ولا بحاجات الانسان وتطلعاته، تهتم بالمحافظة على ما هو موجود، ما زال الكثير من خطبنا تقليديا، منها العنصرية، ومنها ما هو كاذب يعمل لتخدر عقول المواطنون، وتطويعهم، واسكاتهم. خطبنا تدير حوارات جرت قبل قرون، فهل يأنس البعض بالعودة للماضي ويشتد حنينهم للقتل والتدمير، والسبي وفرض الجزية الخ...اقلها ليلطف هكذا خطاب بوضع مقاييس تلائم عالم اليوم، بخطاب يتمكن من مجّرات الشعوب الأخرى في عالم يوجد فيه شرعية دولية وقوانين وضعية وعلوم فلسفية الخ.. كي نواجه الحاضر بحاضر مثله وليس بماضي لا يتوافق ولا يتكيف معه. أدرك مقدار علاقنا بين ماضي نريد بعثه، وحاضر نرغب في ان نعيشه. ان لم تكن خطبنا علمانية تحمي المجتمع بكل مكوناته، ستكون خطب وجهود الدولة وطاقاتها قد تبددت وأهدرت في سبيل ما يدعى احياء القديم والإبقاء على الموروث الحضاري. ان لم يكن الاحياء عصرنة التراث فذلك كله لا يكون سوى مضيعة للوقت والجهود.



لعلة في نفوس أصحاب النفوذ، خطبنا عاطفية لان تربتنا قاسية، لذلك يسهل التأثير علينا لنندفع نحو الانتقام، وذرف الدموع. خطبنا الدينية أصولية في معظمها، والسياسية تمجد الحكام واعوانهم، والاجتماعية تحرص على تبديد الرعية وتفرقها وتشتتها، والثورية حزبية مندفعة تفتقر لرؤيا، والجامعية والمدرسية خاوية أيضا الا من صف الكلام والتملق، وخطبنا الثقافية لا يناصرها سوى المثقفون. والنسوية تخاطب المقهورات، قد أكون متشائما ولكنها الحقيقة لان الواقع لا يظهر غير ذألك.

علينا إعادة قراءه معظم خطب زعمائنا التي ألقيت منذ عقود، واخضاعها لدراسة وتحليل علميين، ومقارنتها بكل ما تم إنجازه من عصرهم لغاية الان وبمسؤولية. منذ قرون ولغاية الان الفشل كان من نصيبنا.... لماذا؟ لابد ان لذلك علاقة بالبناء العقلي للإنسان العربي، الذي بدأت حصته الحضارية بالأفول مع انتهاء العصر الذهبي عام 1258 فخرج عنه، وكان لكل استعمار اخضعه منذ ذلك الزمن دور في تراجعه. غياب المعرفة العلمية والفلسفية وعدم القدرة على مجاراتها واخفاء صوت الحق واسكاته، ومنع النقد وتجريمه من المستحيل ان يغير خطابنا، وان ينقلنا الى عصر ذهبي جديد.

العقل العربي يتأرجح بين عجز عن تحقيق الذات وبين ضعف في الاندفاع نحو المستقبل. بذلك يخسر مصداقيته لأنه لا يخاطب من موقف قوي بل من موقف ضعيف، وهذا ما يظهر نتائجه في المؤتمرات العالمية والدولة. حيث نتسول حقوق مشروعة. اذن ماذا نريد؟؟؟؟؟؟ نريد خطبا جريئة تتحدى وضعنا وتنير درب حريتنا، وتعيد كرامتنا. خطب تحمل بداخلها بذور الحياة لا الموت. خطب تراعى مشاعرنا، لا تهزأ بها. خطب صادقة صريحة واضحة، تعيد لنا الثقة بذاتنا. خطب تدفعنا للارتقاء العلمي العالمي. خطب تسد جوعنا وتروي عطشانا للحرية.

لا تظنوني متشائما، لان الواقع الذي نعيشه لم يترك للتفاؤل مكانا، ما لم نجدد خطبنا ونوجهها بعيدا عن الانتهازية، والتجهيل، والخداع، والتبرير، والتجميل، والمصالح، والكراهية، والتظليل، والاقتتال، والفتن الخ ... وندعو فيها للتخلص من سلبيات معظم القادة، والمعارف، والمفاهيم، والاساطير التي لا تخضع لقانون علمي او منطقي. سنبقى عالقين في الازمان والامكان. ستتحطم شعوبنا، وتدمر، وتهبط في سلم الحضارة الإنسانية، مستقبلنا ومصيرنا قاتمتان. بتنا أقرب للعبودية، طائعين لشعوب نستجدي تدخلها في معظم شؤننا الداخلية والخارجية.

كلنا دون استثناء شهود عيان على عجزنا في هذا الزمن. منذ انطلاق الربيع العربي وانتكاسته، بسبب تعرضه للاستغلال والاحتيال والاغتيال، تم تفريغه من محتواه الإنساني للتحرر من سطوة السلطة السياسية، والدينة وعلماء الاجتماع الخ... كما لم يتم معالجة القضايا المركزية الملحة في كل مؤسسات الدولة لغاية الان، لذلك بذور احيائه لم تفن، والبحث عن الذات في مجتمع يضعف، ويتحلل على مستوى العالم لن يدوم طويلا، فصرخة المطالبين بالتغير ستعود مدوية بقوة اكبر، وبعناد وتصميم على التغير نحو العلمانية والحداثة أكثر من الماضي.. فالخطاب القادم سياتي من رحم الجيل الصاعد بقوة وعنفوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح


.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي


.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل




.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل