الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقع الإخوان والسلفيين على الخريطة المصرية

طارق سعيد أحمد

2017 / 1 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كيف ينشغل المراقبون والدارسون بالصخب الذي تصنعه الجماعات والتنظيمات التي تستعمل الإسلام في تحصيل السلطة السياسية والثروة الاقتصادية؟ لماذا ترهان على الزمن وتبدل الأحوال والظروف والمواقف "الجماعات المتأسله" وهي تضع دوما في حسبانها ضرورة السيطرة على المجتمع؟

يلتقط التفاصيل العابرة التي نكتشف أنها ليست عابرة وهشه كما نتصور بينما هي حقيقة مراوغة!، و يفك الشفرات المفكر والأديب عمار علي حسن لـ"مشروع الإسلام السياسي" لذلك جاء كتابه "المجتمع العميق" مقسم إلى فصول أولهم تحت عنوان "المعنى والمبني .. مفهوم المجتمع العميق وصلة "الإسلام السياسي" به، ثم "الخط الموازي ..موقع الإخوان والسلفيين على الخريطة الدينية المصرية"، ثم "عامل مساعد .. الدولة المصرية وحيازة الإخوان لـ "رأسمال اجتماعي"، ثم "التمسكن والتمكن .. وسائل التمدد الاجتماعي لدى الإخوان"، ثم "اللحى الطويلة .. العمق الاجتماعي والتاريخي للتيار السلفي"، ثم "العودة إلى السطح .. انكشاف العمق الاجتماعي للإخوان والسلفيين"، إلى الفصل السابع والأخير "طريق الخلاص .. التنوير والإصلاح الاجتماعي".
جاء في مقدمة الكتاب "ينشغل المتابعون والمراقبون والدارسون بالصخب الذي تصنعه الجماعات والتنظيمات التي تستعمل الإسلام في تحصيل السلطة السياسية والثروة الاقتصادية، فينخرطون في وصف وتحليل خطابها، وتعقب ممارساتها، بغية مواجهتها، أو على الأقل تحجيم نفوذها، وتسرى في أوصالهم عدوى هذا الصخب، فتأتي أقوالهم ضاجة، وأفعالهم متعجلة، وأحكامهم قاصرة، في أغلب الأحيان، فيفيدون قيادات وأتباع هذه الجماعات من حيث لا يدرون، خاصة أن هذه القيادات تلعب دوما على الزمن، وتراهن على تغير الظروف لصالحهم، وتؤمن بحتمية الانتصار في النهاية، بينما يصاب منافسوهم بالملل أو فتور العزيمة.
هذا الرهان على الزمن وتبدل الأحوال والظروف والمواقف التي تندفع بلا هوادة يجعل تلك الجماعات تضع دوما في حسبانها ضرورة السيطرة على المجتمع، فهو المخزن البشري الذي يمدها بالأتباع والأنصار، في علاقة تتراوح بين التعاطف معها والانضمام إليها، وبينهما درجات من الشعور والمدارك، تسعى الجماعات الدينية السياسية إلى تعميقها، ودفعها إلى الميل لهم، والانفضاض عن التيار المدني الذي ينافسهم على المدى الطويل، وعن السلطة الحاكمة، التي تعمل على عدم بلوغهم مقصدهم في الوصول إلى الحكم، على المدى القصير".
مما يجعل هذا التفكير والتدبير تلك الجماعات تصنع بمرور الزمن عمقا اجتماعيا، ظاهرا وخفيا في آن، موظفة كل الوسائل، المشروع منها وغير المشروع في سبيل تحقيق هذا الهدف، ومستغلة غفلة المنافسين عن الناس، أو انسحاب أجهزة الدولة من مهمة تقديم الخدمات وتطبيق السياسات التي من شأنها توفير الاحتياجات الضرورية من غذاء وإيواء ودواء وكساء وتعليم للطبقة العريضة من الشعب.
كاشفا بذلك الكاتب الغطاء عن ممارسات واقعية تضع الدولة في أزمة مستمرة مع "الإسلام السياسي"، تورط المجتمع وتستهلكه فالمدارس والمستوصفات والمتاجر كانت دوما أدوات حاضرة أمام هذه الجماعات للوصول إلى أعماق المجتمع، وخلق قطاع كبير من الناس يعتمد عليها، ويؤمن بدورها، ويطلبه في إلحاح. وقد صنعت رصيدا كبيرا في هذا الاتجاه، متكئة على البعد الاجتماعي الطبيعي للدين، الذي يدفع الناس إلى البذل والعطاء، في صورة زكوات وصدقات ومساعدات وتبرعات وهبات!.
ورغم أن الناس يؤدون واجبهم حيال الآخرين في ركاب "التراحم" و"التكافل" الذي يفرضه الدين فإن هؤلاء يختلفون عن الجماعات الدينية السياسية في أمرين، الأول هو أن جهدهم يبذل بطريقة فردية، تغلب عليها العشوائية، على العكس من هذه الجماعات التي تفعل هذا في إطار جهد منظم، تطلق بدايته، وتعرف نهايته. والثاني هو أن الخيِّرين يفعلون هذا عن طيب خاطر، ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وينتظرون الثواب في الآخرة، بينما لا تنشغل هذه الجماعات بالمردود الأخروي فحسب، بل تعمل على تحصيل الثمن في الدنيا، من خلال حشد وتعبئة من ترعاهم ماديا أو تساعدهم في مواجهة صروف الحياة ليسندوها في صراعها مع السلطة ومع التيار المدني، بثقافته، وتوجهاته، ورهاناته التي تبتعد عن "الدولة الدينية" لصالح مدنية الحكم والثقافة.
لكل هذا واستمرارا لهذه الحرب الفكرية المعلنة بين التنويريون والمتأسلمين يوجه الكاتب عمار على حسن الباحثين المهتمين بدراسة هذه الجماعات بألا ينشغلون فقط بتصرفاتها اليومية العنيفة، ولا بخطابها الشاذ أحيانا والذي يثير جدلا واسعا، ولا بطريقتها في إدارة معاركها السياسية سواء المنتظمة والدورية مثل استغلال الانتخابات في حصد مزيد من النفوذ السياسي، أو الطارئة مثل المظاهرات والاحتجاجات والانتفاضات والثورات في دفع نفسها بقوة في المعادلات السياسية المطروحة، إنما يجب عليهم أن يتابعوا عن كثب التمدد الصامت لهذه الجماعات في أوصال المجتمعات وأعطافها.
خصوا أن هذا التمدد الهادئ يستعمل كل الأدوات ممكنة للتحايل والمداهنة وجمع الثروة وحيازة المكانة الاجتماعية التي يضفيها الدين على كل من يقول للناس، بصدق أو كاذبا، إنه يدافع عنه ويحمي وجوده ويعمل على تعززه في وجه من يعاديه أو ينصرف عنه أو يقدم غيره ليشغل به المجال العام. ولهذا تجد هذه الجماعات نفسها وقد كونت بمرور الوقت "المجتمع العميق" في وجه "الدولة العميقة" أو في مقابل "التيار المدني" الذي يدعو للتمييز بين الدين والسلطة السياسية.
لكل هذا لا تصلح دراسة الأعماق الاجتماعية للجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامي، دون رؤية تلك الجماعات من شتى جوانبها، والإجابة على السؤال الذي لم يُعتن به قدر الاعتناء بأسئلة أحرى تثار حولها، وهو: كيف تخدم هذه الجماعات بعضها البعض، رغم التصنيفات التقليدية لها بين "محافظة" و"راديكالية" و"معتدلة" و"متطرفة" و"عنيفة" و"سلمية؟
وربما وقع كثيرون في غواية ما تصدره هذه الجماعات عن نفسها، وما ترسمه من ملامح زائفة لها، بغية تسويق تصوراتها ومراميها إلى أعرض قاعدة جماهيرية ممكنة، خاصة أن كلا منها تحرص على أن تبدو متباينة عن الأخرى، بل أفضل منها، وأنها وحدها "جامعة مانعة" في تمثيل "المشروع الإسلامي"، وأن غيرها ليس على هذا النحو، أو لا يمثل "صحيح الإسلام" أو "الطريق المستقيم".

من أجل هذا لا يتناول الكتاب العمق الاجتماعي "للإخوان والسلفيين" في مصر منبت الصلة عن التفاعل الدائم بينهما وكذلك علاقتهما بالتنظيمات والجماعات الجهادية.
كما عمد الكاتب إلى عدم الوقوف عند تشخيص ظاهرة تغلغل التيار الديني المسيس في المجتمع المصري، إنما نظر في وسائل التصدي لهذا من خلال التنوير والإصلاح الاجتماعي، مثلما سبق أن كتب كثيرا في الاتجاه الآخر، وهو مواجهة الحمولات السلبية للدولة العميقة في مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س