الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موانع الميراث وفقا لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية

محمد ابداح

2017 / 1 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


موانع الميراث
وفقا لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية
بحث قانوني – المحامي محمد ابداح
مانع القتل
يعتبر فقه القضاء مادة حيوية وضرورية لفهم القانون، فدراسة القانون لا تقتصر فقط على نصوصه وتحليلها وتأويلها بل تشمل دراسة فقه القضاء، ذلك أن المشرع مهما كان حريصا على أن يكون واضحا فإن النص لا يفي بالحاجة التي أرادها منه ، كما أنه سيكون محلا لتأويلات وتفسيرات قد تذهب به أحيانا بخلاف المعنى المراد منه، فما بال النص حين يصاغ بأسلوب يفتح باب التأويل على مصراعيه،
يتنافس فقه القضاء في تشريع مواد الأحوال الشخصية في الدول العربية عموما، تيارات مختلفة ومتدرجة بين محافظ ومستقل، فالتيار المحافظ يعتمد آراء واجتهادات مذاهب الفقه الإسلامي ، بل إن كافة قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية تنص صراحة على أنه:" تقتضي القاعدة بأنه عند غموض النص أو إجماله يتعين الرجوع إلى أهم المصادر التشريعية التي قام عليها ذلك النص وهو الفقه الإسلامي ليستنار به في استجلاء ما غمض و توضيح ما أشكل، وعلى تدوين الراجح من أَقوال الفقهاءِ في المعاملات ، وإِلزام القضاة بالحكم به، أما التيار المستقل (المتحرر) فيمثله نخبة من الفقهاء والقضاة ممن اعتمدوا طريقة مغايرة في فهم وتأويل النصوص، تنسجم وروح النصوص القانونية التي اعتمدها المشرّع عند تقنينه مادة الأحوال الشخصية، وذلك بالسعي إلى إيجاد حلول للنقائص وإصلاح عدم التطابق اعتمادا على أحكام القانون الوضعي دون سواها، وقد أدل كل من الاتجاهين بدلوه في موضوع اختلاف الدين في الميراث، ومع توسع هوة الخلاف بينهما بمرور الوقت فإنه لا يمكن الحديث عن اتجاه حقيقي ومغاير في موضوع موانع الميراث في قوانين الأحوال الشخصية، بما يسمح بالقول بأنه قد تم تحقيق إنجاز قانوني ومعاصر، فالأمر لا يزال يدور في رحى الجدل الفقهي، و إن كان بصفة غير مباشرة، وهو جدل لم يعد محصورا في تباين الاجتهادات بين قضاة الأصل ومحكمة القانون، بل تجاوز ذلك ليصبح في السنوات الأخيرة جدلا بين دوائر محاكم النقض نفسها، التي دخلت - كما هو حال بقية المحاكم بدرجتيها- متاهة الانقسام حول موانع الميراث في قوانين الأحوال الشخصية.
تناولنا في القسم الأول من هذا البحث الأبعاد التاريخية لنشأة قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي، والتأثير السلبي الذي لعبته السياسة الغربية في إفساد المنظومة التشريعية والقضائية في الولايات العربية إبان الحكم العثماني، واستمراره بشكل أوسع خلال فترة الإستعمار الغربي، وفي هذا القسم من البحث سنتناول بعض أهم موانع الميراث المثيرة للجدل في نصوص قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية.
أولا: مانع القتل:
ورغم أنه المانع الأقدم والأسبق تاريخيا، حيث ترسخ عرفا وشرعا وقانونا، منذ زمن قابيل وهابيل، إلا أن الفقه القضائي لايزال يعاني من إشكالية الغموض في تأويل النص القانوني الخاص بجريمة القتل كمانع للميراث، فلا يمكن تجاوز الخطأ التشريعي في غالبية النصوص العربية، والتي تنص على أن القتل العمد من موانع الإرث فلا يرث القاتل سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا أو كان شاهد زور أدت شهادته الى الحكم بالإعدام وتنفيذه، حيث أن كلمة (من) التبعيضية - كما أوضحنا في القسم الأول في هذا البحث - تفتح باب التأويل النصي على مصراعيه، فالقتل أو التسبب فيه عمدا مانع للميراث، وليس من موانع الميراث، والفرق بين النصين شاسع وعظيم الأثر، فحرف "من" الوارد في النص يتضمن إشارة إلى احتمالية وجود استنثاءات لا تجعل من جريمة القتل العمد أو التسبب فيه عمدا مانعا للميراث، ففي قضية تمييز رقم 6474 جدة- المملكة العربية السعودية عام 2013م، حيث تتلخص وقائعها في قيام الزوجة (سعودية الجنسية) بقتل زوجها من خلال استخدام آلة حادة، وذلك قبل سفره خارج البلاد في زيارة خاصة، حكمت المحكمة الشرعية بإدانتها في جريمة القتل العمد، دفعت الزوجة بتقرير الطب الشرعي (الجنون المطبق والناتج عن حالة الغضب الشديد)، قبلت المحكمة الشرعية الطعن وحكمت بعدم مسؤولية القاتلة، فأخلت سبيلها مقابل الدية والصيام!!، طعن الورثة دفعا بالقانون السعودي الساري وفق مذهب الشافعية والحنابلة بأن القاتل لايرث مطلقا، تم رفض الطعن المقدم، وتم التوصل لتسوية مالية (الدية) بين الزوجة القاتلة والورثة حول تركة المغدور، وعلى مبدأ الجزاء من جنس العمل، طالب الورثة بحق حضانة أخوتهم من أبيهم المغدور، دفعت الزوجة القاتلة بحقها في الحضانة لصغر سن أطفالها ( دون سن الرشد)، قبلت المحكمة الدفع وحكمت بضم الصغار للأم القاتلة، دفع الورثة من أبناء المغدور بعدم أهلية الزوجة للحضانة بسبب الجنون المطبق، قبلت المحكمة الدفع وحكمت بحق الحضانة لأهل الزوج المقتول.
وفي قضية أخرى (استئناف رقم 3689 الرياض عام 1997) وتتلخص وقائعها بأن الإبن(المتهم) كان يقود مركبته في أحد شوارع العاصمة السعودية برفقة والده، وعلى أثر مشادة كلامية بينهما طلب الأب من ابنه أن يقوم بإيقاف المركبة، فوافق الإبن وأبطيء سرعة المركبة بنية الوقوف، فقام الأب بفتح باب المركبة وترجل منها قبل توقفها التام، مما أدى لسقوطه أسفل عجلات المركبة، ونتج عن الحادث تعرضه لإصابات بالغة في الرأس أدت لوفاته فورا، قضت المحكمة الشرعية بعدم مسؤوليته الجزائية عن قتل أبيه وأخلي سبيله، وعند تقسيم الميراث أصدرت ذات المحكمة الشرعية فتوى رقم 7211 بحرمانه من الميراث استنادا للقول الراجح من أئمة وفقهاء الشافعية والحنيفية والحنابلة والقاضي بحرمان القاتل من الميراث مطلقا.
إن العجيب حول القضية الأولى- إذا ما تجاوزنا دراما أحكام الفقه الشرعي في المحاكم الشرعية- هو أنه كيف غاب عن خلد فقهاء القضاء الشرعي السعودي بأن المجنون يسقط عنه التكليف الشرعي والواجبات الدينية، فكيف يُحكم على من ثبت عليه (الجنون المطبق) بالصيام ؟ وهذا أمر مستغرب من القضاء السعودي، فهل نحن أمام خطأ قضائي، أم نحن أمام غموض في تأويل النص القانوني؟ رغم القاعدة القانونية الشهيرة والقائلة: ( لا تأويل في معرض النص)، والتي قد أخذت بذات المعنى غالبية التشريعات الوطنية الغير مسلمة حول العالم، دون أن تلزم نفسها في الأخذ بالقول الراجح من آراء أئمة فقهاء الشريعة الإسلامية أو من عدمه، وسأبدأ من أي دولة شئتم، فعلى سبيل المثال المادة رقم 919 /1 من قانون الميراث الفلبيني رقم 386 لعام 1996م، تنص على ( أن من يثبت بحقه جريمة قتل أو الشروع في قتل مورثه أو موصيه، أو أي من الورثة الشرعيين، يحرم من الميراث)، ولا ريب في أن المشرع الفلبيني لم يكن لديه مجلدات الشافعي والحنبلي أوالحنفي والمالكي وغيرهم من فقهاء القول الراجح، حين وسع دائرة المنع من الميراث لتشمل جريمة الشروع في قتل المورث أوالموصي أو حتى أي من الورثة.
لنذهب إلى أوروبا ونأخذ مثالا آخر وهو قانون الميراث البريطاني رقم 814 لعام 1984م، الفصل السابع ( الحرمان من الميراث)، المادة رقم 23/1 والتي كانت الأكثر نضوجا - تشريعيا- على الإطلاق حيث نصت على ( كل وريث يثبت إدانته بارتكاب عمل يعاقب عليه القانون العام من شأنه أن يؤدي لقتل المورث يصادر حقه في الميراث)، وفي الفقرة الثانية من ذات المادة: (كل وريث تثبت أدانته بارتكاب جريمة العنف الجسدي ضد والديه أو مورثه يصادر حقه في الميراث)، ونصت الفقرة الثالثة من ذات المادة: (كل وريث تثبت أدانته بارتكاب جريمة العنف النفسي أو الإكراه أوالتهديد بقصد التأثير على والديه أو مورثه لكتابة وصية تمنحه أي امتيازات في الميراث، يصادر حقه في الميراث)، والمشرع البريطاني حين أقر تلك المادة لم يقرأ الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أٌفٍ ولا تنهرهما..)، ونصت الفقرة الرابعة: ( ولا يحق للوارث الذي تثبت إدانته بالفقرة الأولى والثانية من المادة السابقة الحصول على حصته من الميراث إلا بوصية من المورث).
السؤال الذي قد يثار هنا هل يتعلق الأمر بغياب أم بغموض نص؟ وهل يجوز البحث عن تأويل للنص بالرجوع للفقه الإسلامي باعتباره من المصادر المادية لقوانين الأحوال الشخصية ؟ أم أن التشريع الوضعي العربي يمتلك كفاية ذاتية تسمح بتأويل نصوص مواد قانون الأحوال الشخصية دون الرجوع إلى مصادره المادية ؟ وما هو دور الأحكام الدستورية في تحديد موقف المشرع من إمكانية تأويل "من" التبعيضية بالرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي اعتبار جريمة قتل الوارث لمورثه عمدا، يعد من موانع الارث أو مانع للإرث مطلقا.
لم يترك المشرع السماوي أو الوضعي فاعل جريمة القتل من دون عقاب ، فقد تصل عقوبة القاتل للإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، عدا عن النتائج الكثيرة التي قد تنجم عن جريمة القتل، ومنها الحرمان من الميراث، فالقتل المانع من الميراث يقع حين يقوم الوارث بقتل مورثه استنادا للحديث النبوي (ليس للقاتل ميراث)، وفي رواية (لا يرث القاتل شيئاً)، فقد أجمع لأئمة الفقع الإسلامي على هذا المنع ، وذلك تطبيقاً للقاعدة القانونية الشرعية التي تقول : (من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه)، لأن الوارث قد يقصد بقتل مورثه استعجال إرثه فيرد عليه قصده السيئ ويعاقب بحرمانه من الميراث، فالذي يعجل حصول الشيء لفائدته بطريق غير طريقه المعتاد ، مشروعة كانت أو غير مشروعة ، يحرم الفائدة التي كانت تحصل له لو حصل ذلك الشيء على عادته عقاباً له، والسؤال الذي يرد هنا هل كل أنواع القتل تحرم من الميراث؟ للجواب على هذا السؤال لا بد من بيان ما ذهب إليه الأئمة الأربعة ، ومن ثم بيان ما أخذ به القانون، فقد اختلف الأئمة الأربعة في نوع القتل المانع من الميراث إلى مذاهب عدة.
ذهب الإمام الشافعي إلى أن القتل كله بجميع أنواعه يمنع من الإرث، وهو القتل العمد وشبه العمد والخطأ وحتى القتل عن طريق الشهادة دون تمييز بينهم، وصورة القتل عن طريق الشهادة هوأن يكون شخص متهماً بجريمة قتل، فيشهد الوارث زوراً بأنه هو القاتل وتفضي هذه الشهادة إلى إعدام المورث.
وأفتى الإمام أبو حنيفة النعمان إلى أن كل قتل أوجب القصاص أو الكفارة والدية، يمنع من الإرث، وما لا يوجبها لا يمنع، فالقتل الذي يوجب القصاص هو القتل العمد، أما القتل الذي يوجب الكفارة فهو على ثلاثة أقسام :
- القتل شبه العمد (قصداً) : هو أن يقتل الوارث مورثه بما لا يقتل غالباً كالضرب بعصا خفيفة.
- القتل الخطأ : كما لو رمى الوارث صيداً فأصاب مورثه .
- القتل ما جرى مجرى الخطأ : كما لو وطئ الوارث بدابته وهو راكبها مورثه ، أو انقلب الوارث في النوم على مورثه .
وعليه فالقتل العمد وشبه العمد والخطأ وما جرى مجرى الخطأ والتسبب يمنع من الميراث عند الأحناف، فالعمد والخطأ في الحرمان سيان لأن القاتل قصد استعجال الميراث ، حقيقة كما في القتل العمد أو توهماً كما في القتل شبه العمد أو الخطأ، ومن استعجل ما أخره الشرع يُجازى بردّه، وإن التوهم هنا كالمحقق يوجب حرمان الميراث، لأن تهمة القصد قائمة، ويجوز أن يكون الوارث قاصداً وأظهر الخطأ من نفسه، والقصد أو النية أمر خفي فيقام السبب وهو مباشرة القتل مقام قصده، والسبب الظاهر متى أقيم مقام المعنى الخفي سقط اعتبار الخفاء، والأحكام إنما تبنى على الظاهر المعروف ، فيحكم بالظاهر في ما يتعذر الاطلاع على حقيقته.
وبعبارة أدق فإن القتل الذي يتعلق به حكم القصاص أو الكفارة أوالدية، وهو إما عمد وفيه القصاص أوشبه عمد وفيه الكفارة والدية، أو الخطأ كأن أراد صيداً فأصاب إنساناً وفيه الكفارة والدية، ففي هذه الأحوال لا يرث القاتل المقتول إذا لم يكن القتل بحق، أما إذا قتل مورثه قصاصاً أو حداً أو دفاعاً عن نفسه فلا يحرم من الإرث، والإستثناء الوحيد إن كان القاتل ناقص الأهلية كالمجنون أو القاصر، لعدم تعلق فعله بحكم القصاص أو الكفارة بذلك.
ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى أن القتل المانع من الميراث هو ما كان مضموناً بالقصاص أو الكفارة أو الدية، فتشمل العمد وشبه العمد والخطأ والتسبب والقتل من غير المكلف، أما غير المضمون فليس بمانع، وبالتالي لا يعتبر مانعاً من الإرث القتل بالحد أو دفاعاً عن النفس لأنه محق.
وذهب الإمام مالك إلى أن القتل الذي يمنع من الإرث هو القتل العمد المقصود ومن غير حق أو عذر سواء أكان مباشرة أو عن طريق التسبب، أما إذا كان القتل خطأ أو بحق أو بعذر أو وقع من صبي قاصر، أو من مجنون فلا يمنع من الإرث . وأفضل تعريف للقتل المانع من الميراث ما ذكره السرخسي بأنه (قصد القتل بغير حق)، فإن تم القتل بغير عذر شرعي وقانوني كما في القاصر والمجنون أو دفاعا عن النفس فإنه يوجب حرمان الميراث، ومن كل ما تقدم نجد أن رأي الإمام أنس بن مالك يعتبر من أيسر الآراء، واستوت كل آراء من الإمام الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل حيث اعتبروا بأن جميع أنواع القتل مانعة من الميراث دون تمييز بينها.
المحامي محمد ابداح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت