الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر الإسلام السياسي في الثقافة المجتمعية

سعادة أبو عراق

2017 / 1 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ان أكثر الحوافز التي دفعتني إلى اقتحام هذه اللجة من الأفكار والمعتقدات التي أصبحت طامة كبرى، يعتنقها كل العامة لدرجة انك لا تستطيع أن تبدي رأيا، وإلا سترمى بسباب العلمانية والزندقة، فكيف لك أن تقوى على احتواء هذا الفيض المتدفق الخانق؟
الثقافة السائدة هي مجموع الخبرات المكتسبة والعادات والأعراف والمعارف وأنماط السلوك والمصطلحات وأساليب التعبير والعقائد والرؤية العامة للغالبية العظمى من الناس ، وهذه الأشياء وغيرها التي يمارسها شعب ما، ليست وليدة ساعة ولا صنيعة شخص أو مؤثر واحد، ذلك أن هناك تفاعلا دائما بين المستجدات وبين ما هو موروث وما يخرج ويفقد تأثيره ، وبناء عليه فلا نستطيع أن نتكلم عن ثبات ثقافة معينة ، فهي دوما في تحول مستمر، ولكن يمكننا أن نشير إلى اثر بعض العوامل
وفي مجتمعنا العربي هناك عاملان طارئان، أثّرا على الثقافة هما الدولة متمثلة بوسائل إعلامها، والتيار الديني النشط من تحت الطاولة.
الدولة ينحصر معظم جهدها في توجيه الناس لتقديس الحاكم ونظام الحكم، وترسيخ قيم اللهو وقشور الحضارة الغربية، وبالطبع فإن مدى تقديس الشعوب العربية للحاكم ونظام الحكم، ظهر جليا في الربيع العربي، الذي لم يكتف بإبداء كره الحكام وأنظمتهم الفاسدة، بل ابتدرهم بالسلاح والتمرد، ولم يلق من أحد منهم نصيرا شعبيا يذكر.
أما الجانب الأكبر من التكوين الثقافي، فقد وجدناه قادما من التيارات الإسلامية، أكانت سلفية أو دعوية أو إسلام سياسي، وأظن هذا راجع إلى التمويل الذي يدفع لتلك الجماعات، تحت أسماء مشاريع دعوية مثل تحفيظ القرآن أو المحافظة على القرآن، ومجموعات الدعاة الذين يجوبون الحارات ويدقون الأبواب ليعلموا الناس الإسلام من جديد، ولقد أفرز هذا النشاط التأثيرات التالية:
1- لا يقومون بإثراء ذاكرة المسلمين إنما إعادة مذاكرة لما يعرفه المستمع، بل يوردون كل رواية غريبة وملفقة في الترغيب والترهيب كأنهم يوسعون بها دائرة فهم الإسلام، ونرى استحسان الناس واضحا في قولهم ( والله بيحكي صحيح) ما يدل على أن له معرفة بما قال، بما يشبه طلب الأطفال من جداتهم أن يقصوا عليهم حكاية بعينها ، إنهم يعرفون القصة ويريد سماعها من جديد، ولا جديد.

2- تقسيم البشر إلى مسلمين وكفار ، بمعنى أن باب العداء أصبح مفتوحا على كل شعوب الأرض، ومفتوحا على تكفير المسلمين ومفتوحا على الاقتتال لأي خلاف أو اختلاف ديني، وقتل الكفار أقل جهدا من محاورتهم.
3 - التركيز على المظهريات المجتمعية السعودية التي تبنت دعم الدعوة، وهذا ما نراه في لباس المرأة القائم على الاعتقاد أن كل شيء في المرأة هو عورة، ولباس الدشداشة القصيرة وإطلاق اللحية بلا تشذيب، ولبس الشماغ الأحمر بدون عقال كما أهل نجد، اعتقادا أن كل تصرفات المجتمع السعودي نابعة من الإسلام، من مبدأ الإيمان أن الرسول ( ص ) كان منهم وبينهم، ولعل أعظم إنجاز حققته هذه الظاهرة هو إعادة ارتداء النساء للحجاب والخمار.
4- ترسيخ مبدأ أن كل الرجال من المنحطين أخلاقيا وكذلك النساء، وان دوافع أفعالهم نابعة من الجنس كما تقول نظريات فرويد، لذلك يجب الفصل بينهما، فوجدنا أن الأخ لا يجب أن يرى زوجة أخيه و أن لا يعرف الرجل شقيقة زوجته.
5- انتشار ثقافة اسأل الشيخ، وكأن الناس قد فقدت القدرة على التفكير وعلى القراءة وتدبير أمورها، بدون الاعتماد على عبقرية الشيوخ الذين حازوا العلوم جميعها، ولكم أن تروا سخف القضايا في الفضائيات والإذاعات والدروس الدينية التي تبث كبرامج ثابتة ابتداء من فضائية الجزيرة وحتى اصغر قناة، أو القنوات الدينية المتخصصة.
6- انحسار الفئة المثقفة والمبدعة، وكساد الإنتاج الأدبي والفني والفكري مقابل انتشار الأشرطة والأقراص المدمجة التي يتكلم بها من شاء بما شاء ، في أمور الدين والدعوة، وتوزع بسعر زهيد، بدون أية مراقبة أو تدقيق في المعلومات أو مدى تأثيراتها السيئة على عقول الناس وتوجهاتهم.
7- إن هذه الهجمة الدعوية المنطلقة على سنة الأولين وأدواتهم، جاؤوا وفي أذهانهم مجتمع بدوي جاهل، لأنهم انطلقوا من قرى صغيرة نائية ومتباعدة، تنعدم فيها الحضارة، لذلك يظنون أن العالم ما زال يقف مثلهم عند بداوته، إنها تراجيديا مضحكة, أن يعلم التلميذ أستاذه والطفل أباه، والجاهلُ المتعلمَ، أليست هذه مفارقة كوميدية كقصة الملك الذي خرج للناس عاريا، وهو يتيه ظنا منه انه يلبس ثوبا فخما، والناس معجبة به.
8-اغرب ما في الأمر أن الوعي الحضاري الذي كان في الستينات السبعينات، قد انكفأ تماما، حتى أولئك الذين كنت اعرفهم وهم من أترابي وكأنهم أصيبوا بحمى الدعاة، فقد نكصوا على أعقابهم كأنهم كانوا في سكرة وأفاقوا منها، واستدركوا خطأهم وقاموا بتربية اللحى ولبس الطواقي والدشاديش القصيرة، وترنموا على قرع مسابح الدعاة كأنهم لم يسمعوا بالإسلام من قبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا