الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلمة التي ألقيت في المركز الثقافي العربي بحمص بمناسبة توقيع كتابي الجديد -أوزبر جبرائيل أو تفسير رواية عزازيل-

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2017 / 1 / 29
الادب والفن


الكلمة التي ألقيت في المركز الثقافي العربي بحمص بمناسبة توقيع كتابي الجديد "أوزبر جبرائيل أو تفسير رواية عزازيل"
نايف سلّوم
سنحت لي رواية "عزازيل" ليوسف زيدان بأغراضها ولغتها فرصة مواتية للتعبير عن مجموعة أفكار كنت "اشتهيت" صياغتها دائماً ، خاصة رغبتي بالتعليق النقدي على أعمال أساسية ككتاب تزفيتان تودوروف "المبدأ الحواري" والذي يعرض فيه أعمال ميخائيل باختين النقدية ويعلق عليها. كما سنحت لي الفرصة هنا لإتمام فكرة كنت قد لامستها في كتابي "ما بعد الحداثة" الصادرعن دار التوحيدي بحمص سنة 1998 ، الفكرة تتعلق بعمل الحلاج الأساسي ومن سار على درب آلامه من المتصوفة المسلمين، خاصة السهروردي المقتول. فقد اعتمد هؤلاء طريقة سميت ب"علم القلب" في مقابل "علم العقل" ابتغاء ممارسة "العلم"(الاجتماعي/السياسي) في شروط تاريخية غير مواتية، أو ما يسمى في الماركسية بالممارسة العملية في ظروف ابتعاد حالية الثورة الاجتماعية وهو ما دعاه جاك ديريد "بالزمن خارج الوصل، أو الزمن خارج محاوره"(الزمن المعْوج).
سوف يلاحظ القارئ أن رواية"عزازيل" تعرج على واحدة من أكثر فترات التاريخ الديني والعالمي جدلاً وصخباً ومأساوية في سبيل البحث عن حقيقة الوجود الإنساني، وهي الفترة ما بين رسالة عيسى ورسالة محمد ، فترة ظهرت فيها تيارات هائلة في النصرانية الآسيوية والمسيحية الإمبراطورية الغربية والشرقية، وهي ذات الفترة التي يظهر فيها تنظير أفلوطين الأساسي في كتابه الوحيد "التاسوعات" والذي لا يمكن أبداً غض النظر عنه. لقد شكلت هذه الفترة فراشاً ومهاداً حاسماً لفهم اسهام الإسلام النظراني.
أثارت الرواية ، وقت صدور طبعتها الأولى 2008 ، ردود أفعال متنوعة، فقد أبهجت بعض العلمانيين، وأثارت حنق بعض المسيحيين من أنصار الكنيسة الغربية الكاثوليكية، بينما أشار البعض إلى محاباتها لليهود .
تكشف الرواية سرّ الكنيسة الكاثوليكية، وتظهر الحيف والظلم الذي وقع على مفكري النصرانية العظام ذوي الأصول الآسيوية السورية والمصرية؛ أمثال آريوس الليبي-المصري ونسطوريوس السوري من بلدة مرعش شمال حلب. وهنا أستخدم تعبير "آىسيوي" لأشير إلى "نمط الإنتاج الآسيوي" في سوريا والعراق وشمال أفريقيا ، تمييزاً له عن "نمط الإنتاج الجرماني" الذي قطع كل صلة لأوربا بأصلها الآسيوي؛ فإنياس بن برياموس ملك طروادة وبطل إنيادة فرجيل (فروجيا التي هزمتها أثينا في حرب طروادة) هو مؤسس روما (طروادة الجديدة) عاصمة اللاتين.(راجع الباب الثالث من الكتاب: أوامر نمط الإنتاج الاسيوي)
إن شعرية الرواية العالية ذات الملمح الديني، وجرأتها في السرد أعطتها ذلك الصيت الكبير. فقد ظهرت منها خمس طبعات في سنة واحدة 2008-2009 . وقد اعتمدتُ على طبعة 2009 في هذا التفسير.
أما بخصوص عنوان الكتاب: "أوزبر جبرائيل"، فهو مستعار من عنوان رسالة كتبها الشيخ الشهيد أو السهروردي المقتول في 29 تموز 1191 م (أواخر القرن السادس الهجري) ولقبه "المقتول" تمييزاً له عن أسماء مشابهة وهو شهاب الدين بن حبش بن أميرك السهروردي. صاحب كتاب "حكمة الإشراق". و أوزبر كلمة فارسية تعني : صوت الجناحين ، او ما يسمى بالطنين، الحفيف أو الأزيز . تُرجم نص الرسالة من الفارسية إلى العربية . فقد وجدها الأستاذ ماسينيون في الأوراق التي خلفها باول كراوس بعد انتحاره . والرسالة قصّ لرؤيا سماوية وقعت للسهروردي ذات ليلة تلقى خلالها من شيخ حكيم أتى من مكان وراء المكان (ناكُجا أباد) علم أسرار نشأة الكون ومبادئ الحياة الصوفية . وكلمة وراء هنا تعني (meta-) وتستخدم عند الناقد الروسي باختين ب (met-linguistics : ماوراء اللسان). وما وراء المكان هو باطن الأمور التي لايمكن أن تُعرف على حقيقتها إلاّ بالعبور من الحسي إلى المعنوي، أي العبور إلى ماوراء الجسدية . فحقيقة القيمة ليست في جسد البضاعة ، إنما تكمن في ماوراء جسد البضاعة أي في قوة عمل العامل الذي ينتجها ضمن شروط نمط الإنتاج البضاعي .والأزّ: أز الشيطان (ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تأزّهم أزّا) أي تزعجهم. والأزّ: هو حمل الإنسان الإنسان على الأمر برفق واحتيال. والأز: استحضار الكتابة عن الذات(تدوين سيرة ذاتية). وهذا يستدعي (من باب التداعي الحر) أساطير مصرية كأسطورة الزيزان وأسطورة طائر تحوت أو طائر أبو منجل الذي يرمز إلى الإله توت أو تحوت ، وتوت أول أشهر السنة القبطية والتي تقسم إلى إثني عشر شهرا في كل شهر ثلاثون يوما وتبقى فضلة من خمسة أيام تسمى "النسيء" او الشهر الصغير.
يشير السهروردي في الرسالة السالفة الذكر إلى جناحي جبريل الجناح الأبيض والجناح الأسود (أو كلف القمر) . وهنا يعطي إبليس صفة جبريلية أو يحصل تلبيس لجبريل. وهذه الإشارة كانت سبباً في تكفيره ومن ثمّ إعدامه . قال البلاذري: إن خديجة ركبت إلى بحيرى بالشام فسألته عن جبريل فقال لها: يا سيدة قريش أنّى لك بهذا الاسم ، فقالت: بعلي وابن عمي أخبرني أنه يأتيه . وقال: ما علم به إلا نبي فإنه السفير بين أنبيائه وأن الشيطان لايجترئ أن يتمثل به ولا أن يتسمى باسمه . وجاء السهروردي ومثل الشيطان به متهكماً؛ السهروردي الذي سار على درب الحلاج يمارس ما يسمي بـ "علم القلب" مقابل "علم العقل" فالمجتمع البورجوازي الذي بلغ نهايته وبدأ انحطاطه واحتضاره يمكن مقاربته بعلم العقل، ولكن لا يمكن تبريره عقلياً ، فقد بلغ نهايته وبدأ انحطاطه واحتضاره. وهنا تحضر عبارة هربرت ماركوز : الكل هو الحقيقة والكل باطل" . وواضح التهكم والمنهج السلبي في "علم القلب" ، هذا التهكم الذي بدأ مع سقراط مؤسس الروح العلمي؛ التهكم كعلامة انحطاط في الحالة الأكثر شهرة حالة سقراط . وهو ما فعله السهروردي حين ادّعى متهكماً وبأسلوب القلب أن أنيته هي الحق، وبدل أن يكرر الآيات ، التي جاء بها الفعل المحمدي المؤسّس، ويرتلها و التي تشير إلى الحق من حيث (هو)؛ وفق قول القران الكريم: (هو الله لا إله إلاّ هو) أشار إلى الحق ولبّسه بأنيته فقال هو أنا ؛ أنا الحق والحق أنا ، هكذا سائراً على درب الحلاج، فأظهر الحق كفراً بالإضطرار لأن الزمن خارج محاوره أو معوجّ. يقول تحوت: أنا تحوت مبتكر الحروف وشراب المحبة. ويقول الحلاج:
فأنا الحقُ حقٌ للحقِّ حقّ لابسٌ ذاته فما ثَمَّ فرق
ويقول، أيضاً:
كفرتُ بدين الله والكفرُ واجبٌ عليّ وعند المسلمين قبيحُ
ثم كلمهم يسوع قائلاً : أنا هو نور العالم . من يتبعني فلا يمضي في الظلمة بل يكون له نور الحياة" لم يقل: أنا نور العالم بل قال: أنا هو نور العالم . وما أنا عيسى إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل.
وبدل أن يدوّن هيبا الراهب المصري بطل رواية عزازيل ، بدل أن يدوّن في الرقوق المزامير والتراتيل والأناشيد الدينية والأشعار استحضر الكتابة عن ذاته بدعوة من عزازيل اللعين فدون سيرته الذاتية في أربعين يوماً . الرقم أربعون يقابل في حساب الجُمَّل حرف الميم العربي . وعيسى يدخل الصحراء لمصارعة الشيطان أربعين يوماً فيخضعه ويتغلب عليه ، وقد أظهرمحمد دعوته عندما بلغ الأربعين وتتكرر الميم في اسم محمد مرتين كاسم الميم نفسها (ميم) تجمعهما ياء اليمين، وأيضا فقد بدأ فرجيل كتابة الإنيادة عندما بلغ الأربعين . وجاء في القران الكريم: "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر"الأعراف/ 142. أي (هذا لي= 30+10). أربعون علامة كمال العلم كما الضمة (الواو) علامة الرفع حيث يُرْفع الهواء في تصويت (هو) من باطن الصدر حتى الخروج من الفم، وهو خروج موسى من التيه في الليلة الأربعين وخروج محمد بدعوته في الأربعين وخروج عيسى من الصحراء وقد أخضع الشيطان في اليوم الأربعين. ألا ترى أن الميم هي حرف نهاية الشفتين(إم) و نهاية الحروف المقطعة في بداية سورة البقرة (ألم) ، وهي نهاية كلمة عِلْمٌ و وسط كلمة عمل! منتهى العلم وعشية العمل!
تعتمد رواية عزازيل أسلوب التداعي الحر الفرويدي مستخدمة تقنيات الحلم في النقل والتكثيف، ما دعانا للعودة من جديد لدراسة فريد وانصافه في كتابه التأسيسي "تفسير الأحلام" فإذا كان الحلم لايكتمل إلا وقت تفسيره، فإن رواية عزازيل لا تكتمل إلا بنقدها وتفسيرها ، خاصة وهي تجمع بين المتخيل والواقعي . ومن تفسير الحلم استعير العنوان الفرعي للكتاب"تفسير رواية عزازيل". إن أسلوب التداعي الحر وتقنيات التكثيف والنقل الحلمية تجعل من زيدان قادراً على الكلام ، وبجرأة عالية- كما لو كان في حلم (حرية النفس في الحلم)- عن وثنية الكنيسة الكاثوليكية وعن مصر القبطية وسوريا السريانية في نفس الوقت . فهيبا الراهب المصري هو هيبا الأسقف السوري السرياني في وقت واحد. يكفي أن يذكر كلمة "القوقيون" أي الفخارين لتجرّ وراءها كل هذا الحشد من التداعيات حول الكنيسة السريانية والتراث السرياني العظيم في الفكر والشعر والموسيقى والألحان. تُعرج الرواية على الصراع بين المسيحية الإمبراطورية (غربية وشرقية) المتحالفة مع بطاركة الإسكندرية "المقدَسين" (ثيوفيلوس محب الرب و ابن أخيه كيرلُّس عمود الدين) من جهة وبين التيارات النصرانية المتمردة على "قانون الإيمان المسيحي" الكاثوليكي ممثلة بآريوس ونسطوريوس من جهة أخرى. آريوس المصري الذي قتل غيلة ونسطوريوس السوري الذي سار على درب آلامه في إنطاكيا والقسطنطينية، نسطوريوس الملعون بقرارات مجمع أفسوس(431 م) ، انتهى في صعيد مصر محروماً مطروداً ومنفياً. ويقال أنه قضى في أخميم بصعيد مصر منتصف القرن الخامس الميلادي.
لقد تم إنصاف فرويد في هذا الكتاب عبر شرح فكرة الأوديب . حيث يشكل هذا الأوديب فترة عبور الولد من طفل الرجل أو الولد البيولوجي إلى الرجولة موسطاً باللغة والبيئة الثقافية وهو ما تابعه وطوره جاك لاكان الفرنسي. انتقال الطفل من عبادة صورة أمه المقابلة له إلى تمثل أبيه بشكل رمزي معبراً عنه بالضمير الثالث أو ضمير المفرد المذكر الغائب(هو) . يقابله في تاريخ الأديان الانتقال من الصورة الفيزيائية البهيمية (عبادة الاصنام والاوثان والتماثيل) إلى عبادة الصورة النفسية أو الصنم النفسي (الصورة العذراء البتول vera icon )، ولاحقاً تنزيه الحق عن كل صورة غير لازمة له.
اعتبر قانون الإيمان المسيحي الذي وضعته الإمبراطورية الرومانية/البيزنطية في مؤتمر نيقيا (325 م)، اعتبر عيسى إلها وأمه إلهة (ثيوتوكوس) وهذا ما اعترض عليه آريوس و لاحقاً نسطور، حيث اعتبرا عيسى وأمه بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. جاء في سورة الفرقان: "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ إنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" /20
يعالج الكتاب مسألة العنف التي تظهر في الرواية ونعزوها لأمرين : الأول انحطاط الإمبراطورية الرومانية (وهو ما دفع القديس أوغسطين لتأليف كتابه الشهير "مدينه الله") ، والثاني تداخل المصالح الدنيوية مع المصالح الدينية أو تبني الإمبراطورية للمسيحية وتحويلها إلى دين دولة في مؤتمر نيقية. ومن أول نتائج هذا التبني تحويل النصرانية (الديانة التوحيدية الآسيوية) إلى ديانة تثليث وَثنيّة تشبه ديانات اليونان المختلطة بديانات وادي النيل .
والعنف نوعان: عنف مؤسس بالمعنى التاريخي وآخر غير مؤسس، ماسخ ومنفلت من كل ضبط سياسي/ اجتماعي . وغالبا ما يكون النوع الثاني موجِّهاً مقاصده نحو الماضي؛ أي ناكساً على عقبيه ، بعكس العنف المؤسس فهو موجَه نحو المستقبل. وما "الدوعشة" سوى علامة على انحطاط الغرب الإمبريالي/ الرأسمالي!
أشار الكتاب على أهمية استعارة البحر في التراث الآسيوي و المنطقة العربية؛ البحر هذا "المقدس في حده الأدنى" ، سلف الكون والتكوين أو ما قبله (كان عرشه على الماء) ، البحر الذي تظهر من خلاله المدينة المقدسة "أور شليم" منتصرة عليه وقائمة بالتمايز عنه، نجد في قصيدة بقيت لنا من نتاج الحضارة البابلية (قصيدة الخلق) قول صاحبها: "إنه قبل أن يكون للسماء اسم ، وقبل أن يكون للأرض اسم ، كانت الأشياء كلها مختلطة بالماء" . يهوه ملك لأنه انتصر على المياه (اليَمّ). بر وبحر ؛ البِرّ في البَر والضُّر في البحر! البحر مغرقة والبر مفرقة.
مرت الدراما الدينية للبشرية بمرحلتين كبيرين: الأولى: عبادة الصورة الفيزيائية البهيمية (المرحلة الوثنية) وهو ماسمي بالديانات الطبيعية، والثانية: الديانات التاريخية أو ديانة الأنبياء وقد بدأت على وجه التقريب في القرن السادس قبل الميلاد عبر نبي إيران زرادشت ومن ثم عزرا النبي الذي عاد من السبي البابلي وأعاد كتابة ما نسب لموسى من التوراة (الكتب الخمسة). بالمقابل قال أرسطو: "إن الفلسفة لا تبدأ إلا من القرن السادس قبل الميلاد على يد طاليس الملطيّ". وديانة الأنبياء تسمى أيضاً ديانات الآباء؛ جاء في سورة يوسف: (واتبعتُ ملّة آبائي إبراهيم واسحق ويعقوب)/38. وقد تم الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية عبر عبادة الصنم النفسي أو الصورة النفسية؛ أي عبادة العذراء مريم أو ريا أو ميترا الأم الكبرى. وميثرا هذا إله فارسي( هو إله النور في مواجهة إله الظلام في المثنوية الفارسية)، ويدعوها الإليوسيون بأم القمح العتيقة ، ميثرا العذراء حاملة السنبلة، واسمها الحقيقي الملكة إيزيس ورمزها العددي سبعة. وحرف: إز سبعة في العدد.
في الديانات الطبيعية يأخذ إبليس اسم عزازيل (أزاز- إلّ) ، وفي الديانات التاريخية يأخذ اسم إبليس. (إبْ) أنه أبى واستكبر وقال أنا خير من (هو)، و( ليس) تعني نفي الحال ونفي الاخر بالقرينة (قال إبليس أنا؛ لاغير أي ليس هناك آخر/ هو ؛ أنا موجود لاغير! وإبليس: المشتغل بأمر نفسه لا بأمر ربّه).
لا مشكل مع الجسد والجسدية في الديانة الوثنية ، هكذا عزازيل في أرضه وملعبه حيث كان يشير إلى الحسن، في حين اختلف الأمر في الديانة التاريخية، فقد باتت الجسدية تحجب المعنى، وبات إبليس ملعوناً يشير إلى القبيح. لم يستطع إبليس(المصاب بالإبلاس والأبلسة) رؤية أعيان الأشياء فيما وراء الجسدية ؛ جاء في سورة ص: ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب."/34 أي رجع.
ما أراد أن يوحي به يوسف زيدان في استعماله لكلمة عزازيل بدل إبليس ، هو أن لإبليس أفعال حسنة خاصة في الزمن المعوج أو الزمن خارج محاوره؛ حيث أفرغت عبارات التاريخ من المعنى وجرى النكوس نحو الماضي الوثني . فغدا ذو آيادٍ بيضاء أو ذو باع طويل في مهنته أو صنعته. وكل بارز في الكفر شيطان والشيطان مأخوذ لذلك من الطول والنهاية في شيء. والشيطان في العربية من الشطن وهي البئر بعيدة الغور او القعر ، بئر شطون ، ومنها أشطان البئر وهي الحبال التي تربط بها الدلو ، والأشطان تشير إلى الانقسام في النفس والازدواج، وما يجرّه ذلك من تحير ويأس. كل إبليس شيطان وليس كل شيطان إبليس. ولأن إبليس تمرد على الأمر الإلهي ، على أمر الحق، فقد تشيطن. (التقني والمثقف العضوي)
الكتاب ثلاثة أقسام؛ الأول متن الكتاب ويمينه ينفتح على ستة أبواب هي أيام الخلق الستة التي تسبق الاستواء والراحة (السبت)، والقسم الثاني؛ سردٌ مقتطف من الرواية وتفسيرُ في سبعة رقوق ، ولكون الإله خلق الكون في ستة أيام واستوى على العرش في السابع ، ولكون هيبا لم يستو على عرشه لفرط تحيره فقد جاء الرق السابع ناقصاً صغيراً كالشهر القبطي الصغير او النسيء. "إنما النسيء زيادة في الكفر" والقسم الثالث تحقيقات وتعليقات وحواشي. وهي تتمة للتفسير. وكلمة رق بحساب الجُمَّل (300) أو ثلاثة وهي في ثلاثين رقاً عدد رقوق الرواية ، وثلاثة أقسام في التفسير .
فلما قضى الأجل وأتم سيرته خرج في الصباح الباكر من الدير واضعاً الرقوق في صندوق ، حيث وارى سوءته تحت التراب والحجارة الكبيرة عند بوابة الدير وقد دفن معها خوفه الموروث وأوهامه القديمة كلها ، ثم رحل مع الفجر حراً.
وهذه الرقوق في الصندوق هي التي اكتشفها الأب وليم كازاري في دير شمال غرب حلب سنة 1997 وقد ترجمها يوسف زيدان من السريانية إلى العربية (في سبع سنين) ترجمة جميلة سنة 2004 ، وكل ذلك متخيلاً. أي ليس حقيقة تاريخية كمجمع نيقية وأفسوس.
ثم تحدث حبقوق النبي عن ظلم الإمبراطورية الكلدانية بأسلوب قياميّ وبشعرية عالية: ها أنذا مقيّم الأمة المرّة الغاصبة السالكة في رحاب الأرض لتملك مساكن ليست لها . على مرصدي أقف ، وعلى الحصن أنتصب ، وأراقب لأرى ماذا يقول لي وماذا أجيب عن شكواي. فأجابني الرب وقال: أكتب الرؤيا وانقشها على الألواح لكي يركض قارئها لأن الرؤيا تعبر إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب. إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتياناً ولا تتأخر.
وليس من المفارقة في شيء أن يقول عزازيل لهيبا في وحيه (وهو إعلام بالوسوسة) : أكتب يا هيبا ، أكتب باسم الحق المختزن فيك ، أكتب ولا تجبن فالذي رأيته بعينك لن يكتبه أحد غيرك ، ولن يعرفه أحد لو أخفيته.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-