الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو حياة افتراضية حارة

شادية الأتاسي

2017 / 1 / 31
سيرة ذاتية


نحو حياة افتراضية حارة

عندما يبدأ المساء هنا ، يلبس الليل صوت السكون العميق ، إلا من صوت المطر الرتيب /مطر الغربة / ، ينهمر حبة حبة ،على المدينة ،و على شباك غربتي ، وفي قلبي أنا .
وفي هكذا لحظات ، يصبح طقس روحي غائما يميل إلى الغياب ،و أشعر بضجيج الحياة ينسل بعيدا عن ضفتي.
لا شيء هناك أكثر متعة في / هكذا لحظات / من نافذة خضراء صغيرة على سطح بارد ، أفتحها ، وأطل منها على الطرف الآخر ، على /هناك / ، على من أحب ،عالم مليء بضجيج الحياة الحارة ، عالم تتمازج وتتجاذب فيه مفردات الحب والفرح والحرب والفقر والخراب والوجود والعبث والحياة والموت ، حيث تتحول عوالم تلك المواضيع الثرية إلى تفاصيل يومية ،قد تعطي جرعات من قوة الاستمرار إلى حياة عادية الفرح ،عادية الأحداث .

و في هذا الزمن الرديء ، أقبل على الحياة الافتراضية هذه بشغف .. ناسية أو متناسية حلاوة النظر الى اختلاج الروح في مقلة العيون .. ومتعة دفء اللمسة في لقاء حقيقي .. وجمال حركة الشفاه حين تبوح ، ودفء الأنفاس في نجوى الحوار ، وأتنفس الصعداء حين ارى نوافذ الأصدقاء الفيسبوكيين خضراء لامعة هم اذا هنا / !

وكلما ازداد عدد النوافذ الخضراء الصغيرة ، أفترض أن دفئا من نوع خاص ينساب عبر هذه النوافذ لينسكب في قلبي أنا ، فهذا يعني المزيد من زخم الحياة الافتراضية ومن ضجيجها ومن قوتها . . .في حين ينتابني الاسى حين تكون هذه النوافذ الصغيرة بلا لون موصدة ، فهذا يعني مزيد من عوالم العزلة ، المتلازمة ربما مع مفردة الموت والنهاية ، والتي تعني إن نوافذ الآخرين تصفق في وجهك ،وانك وحيد تماما ، فتغلق الصفحات ،وتعلو لغة الخصام ، و يصل الحوار إلى طريق مسدود ، ربما أعزي نفسي وقتها إن في الإختلاف غنى ، ولكن أي غنى وأي اختلاف أوصلنا إلى مستنقع الجنون هذ !

أغرق في زحمة الحياة الفيسبوكية ، وأعيش تناقض هذا العالم العبثي ، أقبله كما هو ، غير عابئة بتحليل عشوائية الصورة/ السريالية/ التي يرسمها هذا العالم المصغر ، لعالم حقيقي يدور خارج إطار هذه الصورة الافتراضية . .فأنتقي الياسمين هدية لمن أحب ،أرسلها طازجة بلهفة الإشتياق ، أترنم بحنان بأغنية حب قديمة ، وأتذوق بشهية أكلة لذيذة ، وأراقب بشغف اشتعال الصفحات الفيسبوكية وانهمار الاخبار والمشاعر والقصص و الخلافات والتناقضات ، واستعد للدخول في حياة ليلية متناقضة عجيبة لا تشبهها أي حياة أخرى..

طالما تساءلت كيف يمكن لمشهدين صارخين في الاختلاف أن يجتمعا معا أمام الذائقة البصرية /الحيادية / تماما ، / مثلا/ مشهد الحقول الغارقة في نشوة الربيع وقد زهت بندى الصباح ، وثمة سنونوة هنا تشدو لفرح اللقاء وقُبرّة هناك تغني الوداع المساء ، ،في حين تترى أمامك مشاهد تجعلك تقف عاجزا ومحترقا ومكتويا ، ليس بالألم وحده ، ولكن بالدهشة ، لبشاعة ما يمكن أن يفعله الإنسان عندما تتألم روحه و يجوع الوحش بداخله ،وجوه تكتوي بلظى النيران ، رجفة النداء لرعب اللحظة الأخيرة من بيت ينهار ، احتراق دمعة حرى في عين يتيم في برد المساء ، تجعد ابتسامة النزع الأخير في بحر مجنون ، وفي هذه اللحظات،لا أدري إن كان هناك ما يمكن له أن يضيء ولو قليلا هذه المساحة المعتمة من داخلك ، غير أن تختار ،اختر نبض الحياة الحار دائما ، اختر كيمياء الحب والإلتصاق بالآخر ، فلا شيء سواه يمكن أن يقودك إلى عذوبة الشعور إن هناك ما يزال شيء ما يستحق الحياة .
ما حدث حقيقي ودمارنا حقيقي ..وحده الفرح هو افتراضي في زمن الغربة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم