الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث الغربة

شادية الأتاسي

2017 / 2 / 2
سيرة ذاتية


هو صباح خريفي الهوى ..

كنا بضعة صديقات على سطح قهوة صغيرة مؤطر بالزجاج ، نرتشف قهوة الصباح ، ونرقب بوجوم انسكاب قطرات المطر على البحيرة الغارقة في الضباب، والممتدة أمامنا على مد النظر
في الأيام الخوالي اعتدنا ان نلتقي .. حديثنا كان مرحا وعاديا ، وأحيانا كنا نسرق الزمن ، للحديث عن أشواق عشنا يوما عذوبتها .. فتلمع عيوننا حنينا وتتورد خدودنا لهفة وترق أصواتنا شوقا

واليوم نجتمع ، ازددنا قربا ، لكن تغيرنا ، غير هذا الزمن الرديء حديثنا ، لا شيء اليوم أكثر أهمية وأشد لهفة
من الأخبار القادمة من /هناك / ، وهناك تعني دائما البيت ، البلد ، الذي غادرناه يوما بعتمة الليل بحقيبة صغيرة وآمال كبيرة لعودة قريبة ،تركنا ستائرنا معلقة ، وصورنا مركونة ، أشياؤنا في أماكنها ، وزريعتنا مستلقية على الجدران ، تركنا أنفاسنا واصواتنا وضحكاتنا وشجاراتتنا، وحدها من يدفئ وحشة البيت البارد.

نعيش هنا مرارة وقهر سؤال يتيم الى متى الى متى ..الأخبار تأتي إلينا مرعبة و مشوشة ومتناقضة ، لا حقيقة واضحة /الشغلة مطولة ومعقدة والقصة كبيرة.. / خرج الحل من يدنا انهم يتلاعبون بنا يتآمرون علينا ، الجميع يتآمر ، من هم ومن نحن !!

نتهامس اخبار البلد الغارق في الدمار و الفوضى والدماء ، في لهفة العاشق المحروم ، فقد طال بنا الشوق والغربة موحشة ، نشتاق الى اهلنا واصدقائنا وأصدقاء اصدقائنا ، يبدو لنا كل شيء جميلا متوهجا في ذاكرتنا ، نحن إلى بيوتنا ، الى مدننا ، رائحة مدننا ، أماسيها وصباحاتها ، نحن حتى الى اشياء واشخاص لم ترق لنا يوما .. ونبحث عن اي ثغرة صغيرة قد تفتح لنا نافذة أمل ، وتسكب في أرواحنا التي طال بها الشوق شيئا من الطمأنينة ، ونحن نعلم تماما في اعماقنا انها غير حقيقية ، وأن الحريق يزداد اشتعالا والنار تزداد شراسة ، تلتهم بشراهة بلدا طالما اعتقدنا ونحن غارقون في لعبة الحياة ، أنه سندياتنا القوية الممتدة في جذور الزمن .

قالت نادية بمرارة ، أولادي هنا ،الجمال والأمان والراحة هنا ، ولكني أشتاق إلى هناك ، بيتي تتأرجح فيه خيوط الشمس ،قهوة الصباح في ركني وبجانبي كتبي و ياسمينتي ، صوت هاتفي الذي لا يكف عن الرنين وصوت أمي المشتاق ، ، شرفتي وقد مر عليها الخريف ، قرع الباب ، صوت الباعة ، رائحة النهار ، ضجيجه، من أحب

حنين قالت بتمهل تحاول أن تشرح ما يجول بفكرها ،لكن ما يحدث شيء عجيب ، الناس هناك تعيش معادلة الحياة والموت ، معجزة البقاء ، يتعايشون مع جنون الموت والدمار لكنهم يستمرون ، تسقط القذائف في الصباح وفي المساء يرتدون ثوب الفرح المزعوم ويعيشون ، أكذوبة ما بدنا نموت بدنا نعيش

سعاد المرحة قالت ،وكأنني لست أنا ، حياتي تغيرت منذ قيام الثورة ، اركض من اجتماع الى اعتصام الى غداء خيري ، زوجي الكندي يتفهمني بصدق لا ادري الى متى ، وابني المراهق أسرق الوقت والزمن لأكون إلى جانبه

همست مريم التي فقدت ولدها يوما وابتسامة حيية تضيء وجهها ، أنا أنتظر طفلا يتيما سيأتي من هناك ، ليضيء حياتي ، انتظره بشوق ، أعددت كل شيء لحضوره ، سآخذه الى المدرسة وانتظر عودته ، وسيكبر بحبي ويحتوي بشبابه شيخوختي

تهدج صوت ميسى و سبقتها دموعها وهي تقول ، مشتاقة لبلدي ، مشتاقة لناس بلدي ، مشتاقة لرائحة الليل والياسمين ، اخاف ان تسرق الغربة اعمارنا ، أن نعتاد الحياة ونبقى هنا ..ونموت هنا ،

كل شيء حولنا كان يشير إلى جمال الحياة وغناها ، البحيرة المغموسة بالضباب في حضن الجبال الأبدية الثلوج ، وبجعاتها البيضاء المشرئبة الأعناق ، تمخر عباب المياه في عرسها الشتوي الطويل ، مطر الحياة المنهمر . .وجوه الناس النضرة المسرعة إلى أعمالها ..واجهات المحلات الأنيقة المتخمة ، الآمان ، الذي نسيناه نحن الذين فقدنا متعة أن نكون في أوطاننا
لم يفلح كل هذا في تهدئة احزاننا ، فنحن غرباء لا ننتمي الى هذا المكان الجميل ، قلوبنا هناك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت