الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب .. والداخل الامريكي

رياض محمد سعيد
(Riyadh M. S.)

2017 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ترامب .. والداخل الامريكي
تصرفات الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب تشوبها الغرابة والدهشة وسيكون لها مترتبات كثيرة وعميقة التأثير و التأويل والتحليل ، ومن الطبيعي ان يكون لسياسة ترامب الجديدة تأثير واضح خصوصا ان حملته الانتخابية كانت وعلى غير العادة تنبيء وتتوعد بأجراءات غير معتادة ، وكثير منها يهدف الى مغازلة مشاكل الاثرياء في الداخل الأمريكي مع اهمال الطبقات الوسطى وتجاهل الطبقات الفقيرة ، لذا فهناك الكثير من التوقعات لما ستؤول اليه الاجراءات الجديدة التي سبق وان وعد بها خلال حملته الانتخابية واولها كان قراره بمنع مواطني 7 دول اسلامية من الدخول الى اميركا .. ويمكننا ان نفرز هذه الاجراءات والقرارات وتأثيراتها بان نضعها في محورين اساسيين (محور التأثيرات الداخلية) و (محور التأثيرات الخارجية) . ولنتكلم عن المحور الاول ونترك المحور الثاني (الخارجي) لمقال اخر.
محور التأثيرات الداخلية لأجراءات ترامب الحكومية
اغلب الاوساط الدولية تتوقع في هذا المحور ان تجري العديد من الاحداث والقرارات التي سيكون لها تأثير داخلي وردود افعال متوقعة من الشارع الامريكي وقد تتباين ردود افعال المواطنين فيها على التصريحات الحكومية الجديدة حول فرض واقع جديد ملوث بافكار تقود الى الطائفية الاميركية والعنصرية التي خبرتها اميركا في تاريخها اوائل القرن الماضي وما سبقه ، وجوهر هذه الاحداث المتوقعة هو الدين ثم العرق واللون والجنس ، اذ اننا نعلم جميعا ان اميركا تشكلت على ارض حديثة العهد بالبشرية وتجتمع فيها من كل الاجناس والاعراق والاديان ، واي بذرات تتعامل مع الطائفية والعنصرية قد تسنح لها الفرصة في النمو لتكون كارثة داخلية كبرى قد تحرق الاخضر واليابس ، وهو امر محتمل وليس ببعيد خصوصا اذا ما عرفنا ان الامية والامية الحضارية متفاقمة في اميركا بنسب خطيرة ، واحتمال ان تكون الطائفية قد تم تصديرها الى اميركا مع الماهاجرين اليها من دول اخرى مثل العراق او ايران لتكون بذرة جاهزة للنمو والظهور.
ولو رجعنا الى مصدر مهم للمعلومات وهو (تقرير واشنطن) ودققنا في ما بين السطور خصوصل للعدد 81 سنستنتج منه معلومات خطيرة عن الامية والامية الحضارية بين الاميركيين وتوزيعاتها جغرافيا على احصاءات معتمدة على الجنس واللون والعرق و الدين . ومجرد الانتباه الى اسلوب فرز البيانات ومجاميعها والاحصاءات المتعلقة بها التي تعرض بموجبها التقارير (الجنس و اللون و الدين) فانها تعني ان هناك استعداد مسبق لنمو هكذا بذرات في اي وقت ، فهي اذن تقع في دائرة الاهتمام الامريكي الشعبي ومشخصة بشكل مهم.
توم جونسون شاب أمريكي من مواليد 1945 مثقف تخرج من قسم الدرسات الدولية من أحدى الجامعات الأمريكية الشهيرة مهتم بالدراسات والتحليلات الاحصائية التي تصدر سنويا والمعروفة بأسم (تقرير واشنطن) ، وهو سياسي تولى منصب سيناتور ولاية إلينوي ، قال في حديث مستقل ان كثير من الاميركيين لا يعرفون إلا القدر اليسير من القراءة والكتابة بما لا يتعدى التوقيع على الأوراق الرسمية أو قراءة أسماء الشوارع وأرقام البيوت. وقد لا يصدق معظم العرب هذا الكلام لأنهم يعتقدون ان لا يوجد أمريكي لا يعرف القراءة والكتابة ، كما لا يتصور الكثيرون أن هناك فلاحين أو بسطاء لا يتجاوز عالمهم القرية أو المدينة التي يقطنوها.
لقد حددت الأمم المتحدة تعريف الأمية بأنها عدم القدرة على قراءة أو كتابة جملة بسيطة بأي لغة. وبناء على هذا التعريف وطبقا لإحصاء أممي صدر عام 1998، فإن 16% من سكان العالم أميون أي لايعرفون قراءة او كتابة جملة بسيطة. وبناء على دراسة أعدها المركز القومي للإحصاءات التعليمية في عام 2003 فإن 14% من الأمريكيين البالغين لا يجيدون القراءة والكتابة. وأن ما يزيد عن نصف تلك النسبة لم تحصل على شهادة الثانوية العامة. علما ان أعلى نسبة أمية تقع بين أبناء الجالية اللاتينية (Hispanic) 39% من أجمالي عدد الأميين في الولايات المتحدة، بينما نسبة الأمية بين البيض لم تشهد زيادة أو نقصان طوال العقدين الأخريين وهي 37% من إلاجمالي لعدد الأميين ، وهذا الرقم صغير نسبيا كون ان نسبة البيض في اميركا اعلى من المكونات الاخرى ، إذ تبلغ ما يقرب من 75% من إجمالي سكان الولايات المتحدة. بينما يقل نسبة الأمية بين السود خلال العقد الأخير إلى 20% من أجمالي عدد الأميين بسبب حجمهم الاقل .
لاحظ ايضا اننا عندما نقول ان 40 مليون أمريكي لا يجيدون القراءة والكتابة وأن نصفهم لا يعرفون إلا القدر اليسيرمن القراءة والكتابة ، فإن ذلك لا يشمل الامية الحضارية (المعرفية) والتي تتعلق بالمجتمع الأمريكي (الامية الثقافية والسياسية والجغرافية و ..) حيث ان واحدا فقط من كل عشرة أمريكيين يستطيع تحديد موقع الولايات المتحدة عل خريطة العالم.
ونقلا عن هذا الكاتب باول ريفز اذ قال في محاضر الدراسات الحضرية في جامعة وسكونسن اعتمادا على دراسات وإحصاءات الرابطة القومية للتعليم ، إن الأمية لاتمثل مشكلة فئة أو شريحة واحدة في المجتمع الأمريكي ، حيث تنتشر بين البيض والسود واللاتينيين بنسب متقاربة، كما أن نسبة الأمية في المدن الكبرى قد تقترب من النسب في القرى والبلدات الصغيرة التي قد تصل الى (51%). كما أن الأمية لا ترتبط بجيل كبار السن فقط، حيث إن 40% ممن لا يعرفون الكتابة والقراءة هم من الشباب الذين تتراوح اعمارهم مابين 20 و39 عاما.
وتتجاوز أضرار الأمية في الولايات المتحدة حياة الفرد لتؤثر سلبا على حياة المجتمع ، فـ 60 % من المساجين الأمريكيين أميون. وطبقا لإحصاء مجلة نيشنز بيزنس فإن المجتمع الأمريكي يعاني من وجود نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل ونسبة كبيرة منهم أميون مما دفع الكونغرس عام 1991 إلى تشريع قانون لمحو الأمية أطلق عليه قانون القدرة على القراءة والكتابة القومي . وهذه النتيجة تعتبر طبيعية اذا ما استذكرنا عدم السماح لشرائح كبيرة في المجتمع الامريكي بالتعليم والدراسة ايام عهد العبودية والتفرقة العنصرية ، مع استمرار الهجرة الخارجية الى اميركا بأعداد كبير من أمريكا اللاتينية من غير المتعلمين ، والاتساع الجغرافي للولايات الامريكية وانتشار مهن يدوية وحرفية في الريف والمناطق الصناعية ، كل ذلك كان من أسباب زيادة نسبة الأمية في أمريكا عن بقية الدول الغربية.
اما عن الجانب السياسي فأن من السائد والشائع في المجتمع الأمريكي أن يعبر الناس عن أنفسهم بوصف أنفسهم جمهوريون أو أنهم ديمقراطيون، وقد يبدو هذا متوافقا مع طبيعة الحياة السياسية في اميركا باعتبار ان هذين الحزبين هما القطبين السياسيين الرئيسيين في اميركا ، لكن هذا الانتماء لدى قطاع كبير من المجتمع ممن لم يحصلوا على فرص التعليم هو انتماء تاريخي يتوارثه افراد الأسرة مثلما يتوارثون الاديان ، اذ ليس للفرد حرية الاختيار للاعتناق و الايمان بالاختيار عن قناعة وفكر ، ولا علاقة لهم بالتغيرات التي يشهدها الحزب أو حتى برنامج الحزب. وبغض النظر عن الأمية في أبسط صورها من عدم معرفة القراءة والكتابة، فأن الأمية السياسة كما يقول السيناتورلامر الكسندر باتت تهدد الديموقراطية في الولايات المتحدة. فنسبة قليلة من الأمريكين هي من تعي كيفية صناعة القرار وعمل الحكومة والكونغرس. ويشير السيناتور الكسندر إلى نتائج دراسة أعدتها الرابطة القومية لتطور التعليم في اميركا عام 2001 ، والتي أظهرت أن نسبة كبيرة (75%) من طلاب السنة الرابعة في المدارس الحكومية لم يستطيعوا تعريف السلطات الثلاثة الفيدرالية للدولة وذلك من خلال أربعة اختيارات طبقا لنظام الاختيارات المتعددة. كما أن نسبة 73% منهم لم تستطع تعريف معنى الدستور من خلال اختيار إجابة من أربع إجابات.
كل هذه المعطيات تعتبر بيئة مناسبة و وسط خصب لنمو العصيان وتجاوز القوانين و الاعراف الاجتماعية التي تقيد الفرد مع مجتمعه ، لذا فأن اي اجراءات جديدة مرتبكة من الحكومة او حتى مفاجئة ، قد تؤدي او تولد عدم فهم او استيعاب او قناعة الشعب لها ، وقد تفاجيء الحكومة و الدولة بسلوك عدواني كرد فعل من المواطنين الاميركيين ، واذا ما تم استغلال تلك الحالة سياسيا من معارضين او توانت لها فرص للنمو والتفاقم ، عندئذ ستقع الكارثة لا محالة ، اذ اننا لاحظنا وفي وقت ليس ببعيد ان المجتمع الامريكي فيه من الهشاشة والرخو ما يجعله متقبلا للعنصرية والتفرقة الطائفية ، والشواهد عديدة على ذلك ، اقلها احداث القتل للسود قبل فترة قليلة من قبل رجال الشرطة نتيجة استخدامهم للقوة المفرطة في التعامل مع المواطنين السود وما تبع ذلك من حوادث و اعمال شغب وردود افعال عفوية غير منظبطة للشارع الامريكي من اجل الرد على رجال الشرطة والحكومة . ولنا ان نتخيل مسار الاحداث واشتعال الازمات والمصير المنتظر اذا ما استمرت تلك الازمات.

المصدر/ موقع دراسات/واقع الأمية في الولايات المتحدة الامريكية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم