الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف من العالم.. [4]

وديع العبيدي

2017 / 2 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


وديع العبيدي
موقف من العالم.. [4]
لا بافلوفين ولا ملتقطين..
(1)
حتى الان.. كنا مجرد ملتقطين لمنتجات الغرب، وما يضعه أمام عيوننا. نحن الاحفاد الشرعيين والمخلصين لثقافة البداوة والالتقاط.
مذ دخول الحداثة في بلادنا، لم يكن لنا أي اسهام فعلي او عقلي في مسيرة الحضارة والابداع والانتاج.
انتشرت المدارس والمشفيات ودوائر الخدمة المدنية وتغيرت طرز الثياب والعمل والطعام والعلاقات، وذلك في تقليد مباشر لعناصر الاحتلال وادارته المدنية، ومع خروج المستعمر، كانت اجيال وطواقم مدنية وعسكرية، تتبع طرزه ومناهجه وتدرب عليها الناس.
الحداثة في مجتمعاتنا، هي تعبير ملطف لمنهاج بافلوف في نقل غير المتحضر لعتبة التحضر. هذا ما جرى في الهند،وفي افريقيا، وفي العرابيا.
ولا تختلف علاقتنا بمنتجات الثورة الالكترونية الاخيرة عن طراز الالتقاط وبرنامج بافلوف. في اساليب التعليم الحديثة لا يتعلم الطفل التهجي في القراءة، ولا العدّ في الحساب. وانما يتم تعليمه صورة الكلمة او الجملة او صورة المعادلة الحسابية.
الصوت- الصورة- الحركة- الاشارة، تعني الكلمة الفلانية او العملية الحسابية كذا.
والسؤال هو: متى نتحرر من طراز بافلوف ونتجاوز عقلية الانتقال، ونكف عن القول ان الله اكرمنا، فجعلنا نستلقي، والاوربيون يفكرون ويصنعون ليخدمونا ويضعوا كل ما نحتاجه في ايدينا!.
يقول ديفيد بن غوريون [1880- 1973م] في مذكراته: حتى الان، كان الاخرون يصنعون تاريخنا. وقد حان الوقت لنتولى صنع تاريخنا بأنفسنا، ولا نجعل أنفسنا ضحايا لاخرين.
والعرب الذين ظهروا وعاشوا على هامش التاريخ الذي يصنعه الاخرون. ولم يستطيعوا، رغم جوارهم الجيوتاريخي لقلب الحضارة وداينمو التاريخ القديم والوسيط والمعاصر، في الاندماج والتلاقح والاسهام الجاد والموجب في صناعة الحياة والتاريخ. وبالتدرج، دفعهم الشعور بالعجز والتخلف المتراكم، لاتخاذ موقف العداء من الحضارة، وأدلجة فكرة الرفض والاعتزاز بالبداوة والتخلف، واتخاذها غطاء لـ(ستر) عجزهم عن التقدم وصناعة الحضارة والتاريخ.
وهم عندما يحملون الغرب، تبعات تخلفهم ومأزوميتهم – كما درسناه في مناهج التعليم ويروجه الاعلام الرسمي بلا كلل-، فأنهم لما يزالوا، ينتظرون من هذا -الغرب ان يقودهم، ليس في دروب الحضارة والثقافة، وانما في السياسة والاقتصاد والدين ايضا.
فمتى نتأهل للخروج من دار الحضانة وبيت الطاعة، لنصنع حياتنا ونكتب تاريخنا بأنفسنا، حياة وتاريخا نتشرف به ونثبت بهما جدارتنا امام العالم، ولا نستمر في مرحلة الالتقاط والتظاهر الخاوي.
ان ما يجري على حلبة الواقع، منذ باكورة الالفية.. هو مزيد من التحلل والتفسخ والتناحر والاغتراب عن انفسنا وعن بعضنا.. وهو ما يقتضي التوقف والتامل، والبدء بالتغيير، حتى لو استدعى الامر شد الاحزمة على البطون.
يعاني مشروع عبد الفتاح السيسي في مصر، من تحدي خانق، جراء عدم استعداد قطاع من المجتمع للتضحية والتقشف والتنازل عن الهبات والمساعدات – الاميركية-و – السعودية-.
فالحل الوحيد لتحرير مصر من الديون وفوائد الديون الخارجية، هو اعتماد مصر على نفسها في انتاج غذائها، وتحقيق نسبة مرموقة من اكتفاء ذاتي. وهذا يعني امرين:
أولهما: خفض معدلات الاستهلاك الترفي وقصره على الضروريات.
ثانيهما: احتمال التقشف وشد الاحزمة على البطون لمرحلة من الزمن.
بذلك يتاح تعديل الميزان التجاري المصري، ورفع هامة مصر الاقتصادية دوليا. وليس بعسير على مصر، اذا انجزت هاته الخطوة، ان تتحول الى بلد مصدر ذي ميزان تجاري موجب.
اما ان يتم توريث الديون من جيل لجيل ومن حكومة لحكومة، فسينتهي البلد واهله الى رهينة في البنك الدولي، ويفقد سيادته وادارته لذاته.
قد تبدو ازمة مصر اقتصادية بالدرجة الاولى. رغم ان حقيقتها هي سوسيوثقافية مشوهة، جراء تغييرين راديكاليين خلال القرن الماضي: وهما: تاميمات عبد الناصر وانفتاح السادات.
ولحقبة الاخر، تنتسب كل ازمات المجتمع المصري العويصة، والسائدة اليوم في كل صعيد. بدء من شيوع عقلية (الفهلوه) واهتزاز القيم الاجتماعية والاخلاقية ومظاهر الفساد الاداري والتجاري والفوضى الدينية. وكل ما يحدث في مصر يجري استنساخه عربيا وببغائيا.
من غير تضحية، لا تنزل الحرية من السماء. ومن غير عمل انتاجي جاد، لا تتحصل الكرامة بقرعة اليانصيب.
تغيير العادات الاجتماعية ضرورة ماسة، للتخلص من العاهات الاجتماعية التي تحني هامات البلدان.
سياسة انفتاح السادات وبرامجه الاقتصادية والسياسية في سبعينيات القرن الماضي، عقب صفقة كامب ديفيد، هي التي تم تطبيقها في عراق الاحتلال الانكلوامريكي المزدوج. وهو ما سيتم تطبيقه في سوريا وليبيا عند استقرار اوضاعهما.
فالبلاد العربية ليست غير سوق لتصريف البضائع وتحقيق الوفرة المالية لتنفيس ازمات الراسمالية الامبريالية.
وهذا ما يمكن استشفافه من قراءة ارضية الواقع. امتلاء الاسوق بالبضائع والاطعمة، وارتفاع معدلات النزعة الاستهلاكية، بحيث صار التجوال في مجمعات الاسواق والمولز، بمثابة تسلية وتسرية لربات البيوت.
وياتي اضطراب الاوضاع الامنية والسياسية، لرفع معدل القلق والاكتئاب العام، مما يجعل التبضع المستمر واستهلاك الطعام فوق المعدل، مجال تسرية وتنفيس وتعويض نفسي.
وقد مضى على برامج التشويه والمسخ السوسيوثقافي والسياقتصادي في العراق ما يقارب الخمسية الثالثة، بمعدل مضطرد ومتعسف. والسؤال الاكاديمي: كيف يمكن تصحيح خريطة التشوه والتشويه، عندما يصل النظام الحالي الى طريق مسدود، ولا تجد البلد مخرجا من مستنقع الديون الخارجية؟!.
في طرح نادر، صرح احمد الجلبي في مقابلة صحفية في اوائل التسعينيات، انه ليس مستعدا لاستلام الحكم في بلد غارق في الديون والازمات. واليوم تضاعفت الديون عشرات المرات، واستغرقت العراق ازمات غير قابلة للحل (!)، بغير عمليات جراحية راديكالية.
ليس غرضي هنا طرح تنبؤات، يفترضها منطق الاحداث السائد، قدر ما يقتضي الاسراع بوضع حد لبرامج الانهيار الاقتصادي، ورفع وعي الافراد عن التمادي البافلوفي في سياسات الاستهلاك والفساد والفوضى غير المسؤولة.
وما لم يرعوٍ الجيل الحالي عن تحمل مسؤوليته الذاتية والوطنية، فان ابناءه هم الذين يدفعون الثمن ويخسرون نعمة الوطن!.
فانا لا اعوّل هنا على الهيئات والتيارات والاحزاب السياسية والدينية والاجتماعية – كلهم شركاء في العملية السياسية وبرامج التخريب الوطني-، وانما أعوّل على الانسان الفرد ووعيه الحضاري، واقتران الانسان بالوعي الانساني ينتج الضمير.
(2)
على شفا الغياب..
قبل عقد من السنوات اصدرت دوائر الامم المتحدة لائحة تشمل عشر لغات مرشحة للانقراض خلال القرن الواحد والعشرين. وقد انبرى بعض اللغويين لتفنيد القرار واعتباره -غلطة- طباعية. وكان مما تعكز عليه عدد (المسلمين) في العالم، وهو الوهم الذي سبق تداوله القومويون في النصف الاول من القرن العشرين.
ويدرك اللغويون قبل غيرهم، بدرجة الانحطاط التي تشيع في لغة الاعلام والمنشورات والتصاريح الحكومية الرسمية. ومع فشل مشاريع تبسيط اللغة العربية وتسهيل قواعدها، فالفوضى والعشوائية صارت سمة لقواعد اللغة العربية، وغياب الاعراب كليا، بحيث لا يتميز فاعل من مفعول ولا متعدي من لازم، الى عشوائية استخدامات اخوات [ان، كان] والاسماء الخمسة.
ان غياب لغة من التداول ليس قرارا سياسيا او فتوى دينية. ولكن ازدهار لغة وانحطاطها، هو سلوك اجتماعي اولا واخرا. ورغم كون اللغة دالة القومية عند العرب، فان تفكك مجتمعات الشرق الاوسط، لا يحتاج الى دليل او تلسكوب فضائي. فاللغة العربية اليوم، بكل عجمتها واغترابها، ما زالت الخيط الوحيد الجامع والممثل لسكان جنوبي وشرق المتوسط. وبين ذلك، تتعدد الجماعات/ المجموعات اللغوية: العراقية والخليجية، الشامية، المصرية، اليمنية والسودانية، المغاربية. وتعود جذور هاته اللهجات لما قبل ظهور الاسلام.
ولم تنجح اربعة عشر قرنا في تذويب الفوارق اللغوية وتقريب عرى مجموعاتها السكانية من بعضهم، وتوحيدهم في بودقة مدنية حضارية قومية.
فـ(اللغة العربية) جاءت من خلال الغزو، وتسلط حكم متعسف، اودى بلغات محلية وهويات سوسيوثقافية عريقة كانت لمجتمعات شرق المتوسط وشمال افريقيا. وفضلا عن عدم قدرة بعض الحناجر على تلفظ اصوات حروف معينة، فأن اللغات القومية كيانات اجتماعية متوارثة، لا يمكن ان تختفي –بقرار سياسي- عندما تكون اصيلة. ونحن نعرف جيدا من برامج التعليم والتثقيف العام، ان العرب –امة- بائدة قبل ظهور الاسلام. وان متحدثي عربية اليوم هم عرب مستعربة، أي خضعت لبرامج التعريب والتطهير اللغوي.
وإذا ما ادركنا ان اصل العربية هو لهجة ارامية، تم تشذيبها وتقويمها على يد الفراهيدي وجماعته من معتزلة البصرة، وتقديمها لتكون لغة رسمية للعهد الاسلامي، وتمييزه-(ها)- عن الثقافة/ العقيدة العبرية والسريانية السائدة في حوض المتوسط الجنوبي، وكلتا اللغتين: العبرية والسريانية (جذر ارامي) ما زالتا ساريتين صامدتين لليوم.
مصطلح (قومية) لا وجود له في القاموس السياسي والاجتماعي العربي القديم، ولم يرد في اسفار القرآن، وقد روجت لها حركات القومية العربية العلمانية المتأثرة بالاتحاد والترقي الطورانية، وجمعية العروة الوثقى في الجامعة اللبنانية التي افرزت حركة القوميين العرب.
والدول القوموية العربية انقرضت الواحدة تلو الاخرى، بدء بدولة عبد الناصر ودولة البعث العراقي وليبيا، وإذا تهيأ للنظام السوري الاستمرار للمرحلة التالية، فلن يستمر بنفس خطابه البعثي وشعاراته القوموية، ويكون له خطاب جديد ينسجم مع لغة مستقبل المنطقة وحدوده الجغرافية.
والعامل الحاسم وراء التغيرات السياسية في هيكلية الشرق الاوسط، هو العنصر العربي نفسه [عرب نجد والخليج] المتوجسين من افكار القومية والعلمانية، والابعاد الامبراطورية للقومية الناصرية والبعثية.
الغرب يستفيد من الخلافات والنزعات السياسية للدول العربية ضد بعضها البعض، ويوظفها لصالحه. ولكنها –أي- الاصطراعات والتناحرات قديمة العهد وسابقة لظهور الانكلو اميركان.
وبالنتيجة، سوف يصفي العرب بعضهم البعض، حتى ينقرض -العربي- الاخير منتحرا. ومع عدم مراعاة مبلغ الاستياء الشعبي جراء مظاهر الانحطاط والتردي السياسي والديني، فأن انعكاسات الاصطراعات تسهم باضطراد، في تنفير السكان من مظاهر العروبة وتبعاتها، ومن ذلك اللغة والدين العربيان.
اليوم.. بلدان افريقية عدة تتحدث لغات اوربية كلغة اساسية، ومثلها الهند ومجتمعات شرق اسيوية اخرى، وعلى نفس الطريق ينهج سكان الشرق الاوسط، سبيلا لتوخي هوية ثقافية اجتماعية وخطاب سياسي مستقبلي، يقرب من العصر والمجتمع العالمي.
!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح