الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متاهة السعادة !!

حميد طولست

2017 / 2 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس سعيدا من يأمل أن يكون سعيدا. عبارة فاجأنا بها أحد المشاركين في النقاش الذي دار بيني وبعض الأصدقاء حول السعادة ، بمقهى " السي قاسم" الذي اعتدنا احتساء القهوة المعتقة بها، العبارة التي لم يقصد في الغالب بها صاحبها ، ذلك المعنى الفلسفي الذي أراد به "بسكال"–الذي أنا متيقن أنه لا يعرفه ، وربما أنه لم يسمع به ، مجرد السماع – شرح رأيه في السعادة بمقولته الشهيرة : "إننا لن نغدو سعداء أبدا طالما بقينا نروم بلوغ السعادة" ، وما أخاله يقصد بها نفس المفارقة الكبيرة المستعصية على البسطاء أمثاله ، التي يقصدها "بسكال" بقوله :" إنه ليس سعيدا قط ولا يستطيع أن يكون كذلك ، من يأمل أن يكون سعيدا" بمعنى أن السعادة بالنسبة للبشر، هي كمثل الظل ، كلما ركض المرء وراءه فر منه ، وكلما فر منه تبعه أينما اتجه ، وأنها ، تجعل كل متهافت عليها مستميت على تحقيقها ، يعيش حياة بائسة ، ولا يكون سعيدا إلا بالإعراض عنها ، وفي حالة الرضا الوجداني وطمأنينة القلب ، المرتبة التي لا ينالها إلا بالبعد عن قلق البحث عنها ، وتوتر التعلق بها ، ومتاهة البحث عنها ، المتاهة التي لا تقل تعقيدا عن المتاهة الإغريقية التي بناها "ديدالوس*" للملك "مينوس" لاحتجاز "المينوتور" ، والتي يستحيل عليه الخروج منها إلا بالطيران ، الفعل الذي كان ساعتها مستحيلا هو الآخر . المغزى الذي من المستحيل أن يكون صاحب العبارة أعلاه ، قد استخلصه من المتاهة الأسطورية -التي في الغالب الأعم ، لا يعرف عنها شيء ولم يسمع عن الأساطير الإغريقية،– التي تدل على انغلاق أبواب الأمل وضياع الذوات في بحتها عن مخرج لها من سراديبها، التي تشبه متاهات الحياة المُكتظة بمشاعر الخوف والرجاء والألم ، التي يجد الإنسان نفسه تائها في احباطاتها التي لا مخلص منها إلا بالتحرر مما يستبد به من آمال وأحلام ورغبات والتي يصعب إشباعها، والتي حتى وإن أُشْبٍعَتْ فلن تُشْبٍعَ شبقية الجانب الغرائزي الوجداني والعاطفي ، الذي يتأجج كلما تعذر الوصول إليها ، والذي لا يفتر ولا يأفل إلا باللجوء إلى الدين الذي التزمت نصوصه بإسعاد المتدينين في الدنيا والآخرة ، شريطة التزامهم بذكر الله لقوله سبحانه وتعالى : "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" الرعد 28 ، لما يبثه الذكر من صبر وسكينة في النفوس ، أما إذا هم أعرضوا عن ذكر الله ، فلن يسعدوا في الحياة ، ويعيشون حالات عدم الاطمئنان ، مصداقا لقول الله : "ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" طه 124.
فلنعطر ،إذن، أيامنا وأزماننا بالذكر الصادق الواعي المقرون بحب الخير لبني البشر، في مقابل الذكر الببغاوي الذي يحولنا لكائنات مادية بشكل تام وصرف وبحت ، فنكون كــ "حزاقت العرس ، ماكلات وما تفرحات" بمعنى ، أننا لم نذكر ذكرا حسنا ولم نحصل على ثواب الذكر ، ولن نتمتع بالسعادة الحقيقية الكاملة ، لأننا لم نستطع هزم رغباتنا وتطلعاتنا المادية كما قال أرسطو: من يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه ، لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات ، لأن إثبات الوجود لا يأتي فقط بالتغيير الخارجي دون التغيير الداخلي ، الذي هو ضرورة قصوى لتحقيق السعادة ، مصداقا لقوله تعالى "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..صدق الله العظيم
هوامش: ديدالوس في الأساطير الإغريقية هو مخترع وبناء .. ويعني اسمه باللغة الإغريقية "المخترع الماهر".ديدالوس بنى متاهة تم إحتجاز وحش المينوتور بها وذلك بأمر من الملك مينوس..ولكن بعد زمن غضب الملك مينوس على ديدالوس لسبب ما وأمر بأن يسجن مع إبنه إيكاروس في المتاهة التي بناها . ورغم أن ديدالوس هو الذي صمم المتاهة إلا أنه كان من المستحيل عليه أن يعرف طريق الخروج منها ..وبعد تفكير وجد أن الحل الوحيد للخروج من المتاهة هو الطيران فقام إبنه إيكاروس بجمع الريش الذي يجده وقام ديدالوس بصنع أجنحة والصق الريش بواسطة الشمع .. وحين اصبحا مستعدين للطيران قال ديدالوس لولده إيكاروس : يجب أن تطير على إرتفاع معتدل ..لا تطير على إرتفاع منخفض حتى لا تفسد الرطوبة أجنحتك ولا تطير عاليا حتى لا تذوب الشمس أجنحتك إبقى قريبا مني لتكون بأمان..وأخيرا وبوجه تبلله الدموع ويدان ترتعشان قبل إبنه لأخر مرة ثم طار مع إبنه إيكاروس وخرجا من المتاهة ..وحين شاهدهم أحد الرعاة ذهل وظن أنهم من الآلهة لأنهما يطيران .بداء الحماس يدخل في نفس إيكاروس حين وجد نفسه يطير فعلا فنسي نصيحة والده و طار عاليا فأذابت الشمس أجنحته وهوى نحو البحر وغرق ..
حميد طولست [email protected]
مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية
رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو المكتب التنفيدي لـ "لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت