الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصية ترامب - تحليل سيكولوجي (الحلقة الثانية)

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

2017 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية





شخصية ترامب – تحليل سيكولوجي
(القسم الثاني)
أ.د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

توصلنا في الحلقة الأولى الى تحديد مؤشرات سيكولوجية مستخلصة من سيرة حياة ترامب تمثل سبع خصائص او سمات في شخصيته سيكون لها دور في مزاج وتفكير ترامب والتنبؤ بطريقته في اتخاذ القرارات..وانتهينا بأربعة تساؤلات هي:
• ما هي حقيقة ترامب؟
• كيف يفكر وكيف يعمل عقله؟
• اي نوع هو من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية؟
• وكيف سيكون العالم في السنوات الأربع القادمة؟
وهذا ما سنجيب عنه في هذه الحلقة.
ترامب..تحت المجهر السيكولوجي.
كان اشهر من بدأ تحليل شخصيات المشاهيرهو سيجموند فرويد في تحليله شخصية ليوناردو دافينشي (1910) ،فيما استخدم علماء نفس آخرون (عدسات) نفسية أخرى لتحليل المشاهير.وكانت الكثير من تلك الجهود اعتمدت على افكار ليست علمية وغير قابلة للأختبار.وحصل في السنوات الأخيرة ان استخدم سيكولوجيون مرموقون ادوات ومفاهيم علمية نفسية تلقي الضوء على شخصيات قادة دول بينهم (مارك بيترسون) الذي قام في (2011) بتحليل شخصية جورج بوش الأبن.
ولقد توصلت البحوث الحديثة الى ان مزاج (temperament (ودوافع (motivations) واهداف goals) ) الشخص والمفاهيم التي يحملها عن نفسه،تعد متنبئات قوية عن الطريقة التي سيفكر ويشعر ويتصرف بها في المستقبل.ويرى سيكولوجيون امريكيون بان هنالك صفات اساسية في الشخصية الانسانية مثل الانبساطية والنرجسية عملت على تشكيل أنماط القيادة لدى رؤساء امريكيين وتأثيرها في القرارات التي اتخذوها.ومع وجود مدى واسعا من العوامل او المتغيرات،من قبيل ما يقع في العالم من احداث تحدد تصرفات وقرارات القادة السياسيين،فان النزعات(tendencies)الاساسية في الشخصية الانسانية،التي تختلف دراماتيكيا من قائد الى آخر،تكون من بين اهمها.
تحليل اميركي لشخصية ترامب
على وفق مقياس العوامل الخمسة الكبار(FFM )حاول عالم النفس الامريكي ( Mark Peterson) تقديم مؤشرات عن شخصية ترامب توصل من خلاله ان ترامب يمتاز بالانبساطية ( Extraversion )..ما يعني بأنه شخص اجتماعي ،نشط، متحمس، متفائل، وأنه ليس عصابيا يعاني من قلق او نزعات اكتئابية وانفعالاتت سلبية،اوعدم التوافق الانفعالي والاستقرار النفسي،وليست لديه افكار غير واقعية.
ويضيف عالم النفس هذا بأن تطبيق هذا المقياس على الرؤساء الامريكيين اظهر ان روزفلت كان يتصدر قائمة الرؤساء الامريكيين في (الانبساطية) يليه جورج بوش الأبن وبيل كلنتون،الا ان ترامب يعد (داينمو) الانبساط في امتلائه بالحيوية والنشاط،وان يومه كان مزدحما باللقاءات والرد على المكالمات وقلّة النوم..وانه شخص لا يكل ولا يمل.
وعلى العكس من ذلك فأن ترامب سجل على بعد (القدرة على الاتفاق وحسن المعشر Agreeableness) درجة واطئة ما يعني انه شخص انتقادي ،حقود ،بذيء،عنيف ،متعجرف،قاس،غير متعاون ،وشكوك في دوافع الاخرين..بعكس الذين يسجلون درجات عاليه عليه حيث يكونون اصحاب قلوب طيبة، مسامحين، ودودين،ايثاريين ،مساعدين، متعاطفين، ويثقون بالاخرين. وكان الباحثون قد وضعوا الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون في صدارة الرؤساء الامريكيين الذين سجلوا اوطأ الدرجات على بعد ( حسن المعشر) غير ان ترامب يتفوق عليه وفقا لرأي عالم النفس بيترسون،ما يعني ان الصفات السلبية اعلاه تتجسد اكثر في شخصية ترامب،فضلا عن انه يكره الأصغاء الى الآخرين ولا يستمع الى النقد السلبي،غير انه لا يبدو قلقا ولا عصبيا،وأنه رجل متصالح مع نفسه،معتمدا على عقله،لا يهتم بالتفاصيل.وهاديء حين يتعرض الى ضغوط ،ومباشر لا يخجل من قول ما ياتي على لسانه دون تفكير..وفقا لوجهة نظر التحليل النفسي الأميركي لشخصية ترامب.
وحديثا ،وبعد عشرة ايام من دخوله البيت الابيض ،شنّ علماء النفس الأميركان( Gartne وSmith ...)حملة ضد ترامب اتهموه بأنه مريض عقليا وأنه لا يصلح أن يكون رئيسا،وانه يعاني من: عدم الاستقرار العقلي Mental instability ،العداء الاجتماعي antisocial ،اضطرابات الشخصية،السادية،العدوانية،أوهام ذهانية،ونرجسية تفقده قدرته على التفريق بين الواقع والخيال. وللمرة الأولى في تاريخ رابطة الأطباء النفسيين الأميركان( APA )يتم فيها توجيه دعوة عامة تحذر من مخاطر رئيس دولة في اول اسبوع من تسلمه مهمته الرئاسية.وبتأثير ذلك تشكلت جماعة اطلقت على نفسها Citizen Therapists Against Trumpism) انضم لها آلآف علماء النفس،وساندتها كبريات الصحف (واشنطن بوست ونيويورك تايمز) التي وصفت ترامب بأنه (مجنون خطير).وفي راينا ان الأمراض النفسية والعقلية تلك التي شخّصت في شخصية ترامب..فيها مبالغة لأن توافر نصفها تكفي الى ان تدخل صاحبها مستسشفى الأمراض العقلية.
تحليل عراقي لشخصية ترامب.
بعكس الفكرة الشائعة لدى العرب والعراقيين،فان التحليل السيكولوجي العلمي الرصين يكون اصدق من التحليلات السياسية التي تتسم بالتحيز والذاتية وصراع المصالح.والدليل على ذلك اننا كنّا تنبئنا بفوز كل من اوباما وترامب مخالفين بذلك معظم توقعات المحللين السياسيين.
لقد شغل ترامب العالم كله،واجتاحت التظاهرات المعادية له مدنا أمريكية واوربية،وحملات اعلامية مناهضة،لسبب سيكولوجي رئيس هو القلق الناجم عن خوف الناس من ان سياسة ترامب الداعية الى الكراهية ستدفعه الى ان يتخذ قرارات تشكل خطرا على حياتهم وربما وجودهم...فهل هذا سيحصل؟وهل ان الفكرة التي كونها عنه معارضوه..صحيحة تماما؟
نقرر بدءا بان الحكم على ترامب بانه سيء بالمطلق..ليس صحيحا من منظورنا السيكولوجي..والصحيح ان في شخصيته جانب (مظلم) وجانب (مشرق)..وان المشكلة تكمن في أغلبية الجانب الذي يحدد طريقة تفكيره وانفعالاته والقرارات التي سيتخذها بوصفه رئيس اقوى دولة في العالم.ومن متابعتنا لترامب منذ ان بدأ حملته الانتخابية،اكتشفنا ان الرجل يمتاز بصفتين سيكون لهما دور مؤثر في أدائه السياسي،هما:
الطموح(الذي يجسده توقيعه ذو القمم الخمس)،والقدرة الفائقة على تجاوز الأخفاقات.والدليل على ذلك ان الفرق بينه وهيلاري كلنتون كان كبيرا لصالحها،وان 78% من المشاركين في استطلاع شمل (18) بلدا عربيا توقعوا فوز هيلاري مقابل 9% توقعوا فوز ترامب،فضلا عن دور الآعلام الأميركي من قبيل موقف (سي أن أن )منه ،وصحيفة (نيويورك تايمز) التي وصفته بأنه لا يليق ان يكون رئيس الدولة القدوة للعالم،وأنه اذا فاز سيكون رهيباterrible وكريها الى اقصى حد horrible..وكذلك الاعلام الأوربي الذي صور ترامب بأنه رجل مهووس لا يصلح ان يكون رئيسا.ووصف الكثير من القادة السياسيين وكبار الكتّاب ومشاهير الفنانيين بانه سخيف،ملفق اكاذيب،عنصري فاشي،محرّض على العنف وداعية حرب،لا يعرف ما الذي يريده بالضبط،خنزير وزيرنساء...فانه استطاع ببراعة ان يقصي اولا خصومه الجمهوريين من حلبة المنافسة على الانتخابات الرئاسية في السباق الرئاسي،وأن يتقدم ثانيا على هيلاري في الاسابيع الأخيرة..بطريقة كان يجسد فيها دور البطل الأمريكي في افلام هوليود،مكنته من فوز كان يراوده من سنين. فلدى سؤاله من قبل بارباره ولترز عام 1987ما اذا كان يحب ان يكون رئيسا للولايات المتحدة او مواصلة عمله التجاري اجاب:( الرئاسة هي الطريدة التي احب ان اصطادها)..وقد اصطادها في 2016.
ان الشخصية من وجهة نظر علمائها تتالف من ثلاثة مكونات،هي:
1.الفكر،ويقصد به نوعية الأفكار التي يحملها الفرد ما اذا كانت عقلانية ام غير عقلانية،واقعية ام خيالية،واضحة ام غامضة،تفاؤلية أم تشاؤمية.
2.الانفعال.ويقصد به نوعية الانفعالات والأحاسيس والمشاعر لدى الفرد ما اذا كانت ايجابية ام سلبية،منفلته ام منظبطة،وقدرته على التحكّم بها.
3.السلوك. ويعني التصرفات او الأفعال التي يبديها الفرد في المواقف المختلفة ويلاحظها الآخرون.
ففيما يخص الأفكار فان ترامب هو الشخصية الأكثر وضوحا وصراحة في تاريخ الرئاسات الأمريكية،للمواصفات السيكولوجية التي ذكرناها ،لكن مشكلته ان لديه افكارا كثيرة وخيالات واسعة تتطلب حلولا كثيرة يكون من الصعب التنبؤ بقراراته،فضلا عن انه يتصف بالسرعة في اتخاذ القرارات،بدليل انه اتخذ خمسين قرارا تنفيذيا في اول اسبوع لرئاسته في سابقة ما حصلت من قبل في البيت الأبيض.على ان الأخطر من ذلك هو انه مصاب بعقدة (اسلاموفوبيا)وانه يبررها بأنها المطلب الرئيس لتحقيق الامن داخل اميركا،وقد نفذها عمليا باصدار قراره بمنع دخول مواطني سبع دول اسلامية،وانه مهما اشتد السخط والضغط فأنه لن يتراجع مطلقا الى انتهاء مدة التسعين يوما ليعرض على الكونغرس.
ومشكلة اخرى فيه انه يحمل فكرة عن نفسه بأنه (سوبرمان) عززها فيه مناصروه وطاقمه الانتخابي..ما يعني ان فيه احدى اهم خصائص الشخصية النرجسية المتمثلة بشعارها (أنا مميز).غير انه يحمل، من جانب آخر، افكارا (وردية) عن مستقبل اميركا تجعله ينشغل بها،امنيا واقتصاديا وخدميا، اكثر من اي رئيس اميركي سبقه،وانه يريد ان يجعل من اميركا صورة مطابقة لمواصفات شخصيته الاستثنائية في طموحها.والخطر في ذلك ان سيكولوجيا طموحه الأقتصادي تغريه بتطبقها في ميدان السياسة..وفي هذا مجازفات أخطرها ان دافع كراهيته لأيران يدفعه الى الانتقام منها..ولكن على ارض العراق..يكون الضحية الأكبر فيها..نحن العراقيين!.
وفيما يخص المكون الثاني للشخصية (الانفعالات)،فان اخطر انفعالات ترامب على ادائه السياسي هي سرعة الغضب التي قد تدفع به الى اتخاذ قرارات غير مدروسة،ومن دون اكتراثه بأحاسيس ومشاعر الناس الذين تطالهم تلك القرارات.غير ان ترامب سيشعر بفرح غامر لكل قرار يعجب به الآخرون،وانه ممثل بارع في نشر الفرح بين مريديه بطريقة استعراضية يكون فيها هو مركز الانتباه وحديث الناس.
ولأن طبيعة الأفكار ونوعية الأنفعالات تحدد السلوك،فان الذي يعنينا هنا هو القرارات التي سيتخذها.وتفيد قراءتنا لشخصية ترامب بأنه لن يلتزم تماما كما فعل سابقوه بمبدأ الحكم في اميركا القائل بأن الرئيس سواء أكان جمهورياً أم ديمقراطياً لا بد له من الانصياع لمؤسسة الحكم في الولايات المتحدة تحدد له ما يجب أن تكون عليه سياسته وفقا لأطر ثابتة..ليس فقط لأنه يتصف بالعناد والثقة المطلقة بالذات وعدم الأخذ برأي منتقدي سياسته،بل ولأنه يرى ان مؤسسة الحكم هذه كانت هي السبب التي اطاحت بعظمة اميركا.
في ضوء ذلك نخلص الى ان الغالب في شخصية ترامب هو توليفة من ثلاث شخصيات:النرجسية بالمواصفات اعلاه،والتسلطية الاستعلائية التي تتسم بانفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها وتصنيفها الناس بثنائيات في مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء ،والاحتوائية
التي من ابرز خصائصها : الرغبة في التأثير على سلوك الآخرين بحيث يدفعهم للتصرف على وفق افكاره وسلوكه، والسرعة في تشكيل السلوك في المواقف المختلفة، واستباق الآخرين بتقديم الاستجابة الملائمة اجتماعيا، وتحسس احتياجات الآخرين ودعمه لتحقيقها من غير أن يخسر شيئا مهمّا " من جيبه" ، واستخدام الذكاء والنباهة في العلاقة بالآخرين وفقا لمبدأ الربح والخسارة،والسيطرة على الآخرين باحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية..وقد عكسها توقيعه الذي يبدأ بقمة عالية وينتهي بقمة عالية وما بينهما ملفوفة التواءات مضغوطة ومستسلمة!.
ولأن ترامب يريد ان يعيد لأميركا عظمتها بالصورة التي تطابق صفات شخصيته بالكارزما الأمريكية،فانه وطاقمه الذي اختاره من اكبر اثرياء اميركا واشهر جنرالاتها المحالين على التقاعد، سيركز جهوده على بناء اميركا اقتصاديا و سيتخلى ،ولو جزئيا،عن الدور الذي كانت تلعبه اميركا بوصفها (شرطي العالم) ،والقائمة التي كان يضعها البيت الأبيض بأزاحة رؤساء دول،الا في الحالات التي تهدد أمن اميركا تحديدا.وهذا يعني ان حقيقة ترامب ليست بحجم الصورة(البشعة) التي تشكلت عنه بأنه :فاشي،يميني محافظ حد النخاع،ثور هائج ينطح كلّ من يقف أمامه،وان موجة الاحتجاجات ستطيح به قبل ان يكمل مدة رئاسته..لأن الأمريكيين (القوميين) سيكونون معه، ولأنه سوف لن يشكل خطرا على العالم اذا كرّس جهوده على تحقيق شعاره Make America Great Again))،ولان معظم الآمريكيين قد سئموا من تدخل امريكا في شؤون الدول الأخرى التي كلفتهم ضحايا بشرية وتريولنات ،وضجروا من اربعين مليون مهاجر، وكرهوا سيكولوجيا معظم رؤساء دولتهم.
لكن الخطر في هذه التوليفة بشخصية ترامب على مستوى القرارات التي تخص العالم،انها تستقطبها خاصية الاستبداد بالرأي وتحيط نفسها بمستشارين يقولون لترامب ما يحب ان يسمعه،ولأنه رجل زئبقي أدخل الناس في سيكولوجيا المفاجئات،فأنه وضع العالم كله في حالة انذار!..ان لم تكن المخابرات المركزية الأمريكية قد خططت لتنهيه كما فعلت مع جون كيندي!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس