الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا في التطرّف

سعيد تيسير الخنيزي

2017 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يشهد العالم هذه الفترة موجة من القضايا العالمية، آثرها تجلّى شرقاً وغرباً على مدار الساعة والوقت والحدث. آسبابها تَتَلَخّص في العنصرية والأحقاد، وجُذورها نابتة من الأنَانِية والإسْتِكْبَار. إسْتَفادَ من تجاربها شعوباً وتأخر عنها الأخر، آصلها خبيث ونهايتها عَدَمْ، تجيّر على الكُل ولاترحم أحداً؛ (التطرّف) كلمةً ومعنى، بكل اشكاله وأنواعه وبذوره وأمراضه، في نواصيه وخطاياه وأكاذيبه، أكان عقائدياً آم ثقافياً آو اجتماعياً وسلوكياً.

ما إن تَنَصَب الرئيس الحالي دونالد ترامب وتَوَلى مَعَالِمْ القوة التنفيذية وبدأ في إسْتِحقَاقْ الوعود الواحدة تلي إختها وصولاً إلى وعده الجَلَلْ بشأن حظر المسلمين، ما إن بدأ الشعب الأمريكي يُرَفْرِفْ، والإعلام يُغَرِدْ، والقانون يَصْرَخ، بالإدانة والاستنكار والمقت والإنهيار تجاه الإعتداء الأعظم والتهجم الأكبر لميراث دستور الولايات المتحدة الأمريكي العريق وعرفه القانوني القديم في مسائل التطرّف والعنصرية.

بِتِلْكَ المظاهرات الشعبية والتكاتُفْ الإنساني العظيم أثْبَتَ الشعب الأمريكي لكل مُتَطَرِفْ ومُتٓحَجِرْ بليداً كان أم أطرش أن الحُبْ هو السلاح الأقوى والقنبلة الأكبر في وجه رواد التطرّف وشياطينه وأحفاده، أكان ترامب أم داعش أو آخويهم من الرضاعة، وإن العدالة الإجتماعية ما إن إنعدمت بُنْيتها التَحْتِية وآرضها الخَصِبَة إنعدم معها الإستقرار المدني تلقائياً وَذَهَبَ بها إلى وادي الدماء والبلاء المُسْتَمِر، وأصبح الجميع هدفاً وضحية لقوى الإقصاء الفكري المتخلف.

فسنيور ترامب ليس أقل تطرفاً من داعش، وداعش ليست أكثر تطرفاً من سنيور ترامب؛ الإثنين فقط خلقوا لظروف ومقاييس مختلفة في العمل تجاه أهداف فئوية مُحَدَدَة المَعَالِمْ والبُنَى، ضمن نَمط بيئي متفاوت ظاهرياً ومتطابق أصله في الباطِنْ والمَعْدَنْ والمعنى. ولكن، شؤم النظرة وبشاعتها هِيَ هِيَ؛ والقُبح والجهالة روحاً وعقيدة هِيَ هِيَ؛ والكره والاحقاد الضغينة هدفاً هِيَ هِيَ.

*عنوانهم الجامع الواحد وهدفهم السامي الأوحد هو التطرّف سلوك؛ التطرّف عقيدة؛ والتطرّف حياة*

وهنا لايسعني إلا أن أستوقف تحيةً طيبة ووقفة إجْلال لهذا الشعب الوفير إنسانياً بالروح المعنوية الحيوية، متخذاً السِلْم والسلام والحُبْ والود سبيلاً له ضد مكَائِدْ الظلم والعدوان والجور والطغيان. فهو فَهَمْ وعَرَّف وقَدَرْ قوة الكلمة وجمال التضحية ومروءة الموقف، عاملاً بها قلباً وقالباً سامياً رافعاً آية الحق بين قلب المدن ومطاراتها وجامعاتها وضواحيها، صغيراً كان ام كبير، فقيراً كان ام غني، عامياً كان ام وجيه.

هنا تكْمُن قوة الشعوب في تجلياتها للحق والحقيقة إرادةً، وهنا يَكْمُن الرفض عزيمةً واحتجاحاً لأساليب الإقصاء الطائش، فَيَرتَفِعْ صوت الكلمة حاسماً فاعلاً مُتَفاعِلاً لِيَنْقَلِبْ السِحْرَ على الساحر والمفعول على الفاعل بين مطارات أمريكا ومدنها وجامعاتها وضواحيها في ندائها للصلاة جماعةً مسلماً مسيحياً يهودياً ملحداً (إنساناً) بعد أن كان لَمَحَات هذا الدين تَرْبُكْ المسافرين وتُرْعِبْ القادمين وتَجْلِبْ الشكوك بين المفتشين.

ذَلِكَ هو سِلاح السّلام، ذَلِكَ هو السِلاح الأعْظَم في أن أكون مظلوماً فأنتصر الذي سيحققه سنيور ترامب ويُمَهِدْ له بأفعاله الصبيانية الطائشة، والذي نَصَرَ الأمام الحُسَيْن ووفَقَ مارتن لوثر وأفْلَحَ نيلسون مانديلا وظَفَرَ بروزا باركر وغاندي أيضاً، في معاركهم، معارك الإنسان الأولى والأخيرة، ضد الظلم والجور والعدوان، تمييزاً وإقصاءً وطغيانا.

فالأقطاب المتضادة قلما تتجاذب لبعضها وتتعايش في سُكُون، وسنيور ترامب الفَطِين مَهَدَ لِنُشوء قطبين متضادين بين المؤسسات الحكومية والتعليمية والقطاع الربحي الخاص، خصوصاً بين الجيل الامريكي الصاعد الناهض، لم يحمل التاريخ الأمريكي على عاتقيه مثليهما؛ قوة مع الإنسان قلباً وقالباً وقوة ضدّ الإنسان- الآخر- قمعاً وبهتاناً؛ قوى خير مَحْض وقوى شرّ مَحْض (نسبياً)؛ قوى مُتَنَبِهَة لعواقب التمييز العنصري الفاحش وقوى غافلة تركن المظلوم بعيداً.

ولأن سياسات أمريكا ومؤسساتها ترسم خُطُوط العالم وتؤثر وتتأثر به وفيه، إنعكست تِلْكَ القوى المُتَضَادة في تجلياتها على العالم إبتداءً بشوارع فرنسا ولندن وإنتهاءً بمواقع التواصل الاجتماعي إلى ما لانهاية. ذَلِكَ لأن الأقطاب المتضادة- بطبيعتها- كلما آزداد تأثيرها في الواقع الحَيّ كلما آرْبَكَتْ توازن اللعبة وحَدَتْ من شدتها وأعَادَتْ رسم مُعَادلاتها من جديد.

كُلْ تِلْكَ الأحداث وتأثيراتها وتفاعلاتها الكيميائية الغير مسبوقة الحضور ولا متوقعة النشوء تُنْذِرْ وتُبَشِرْ بأن زمن إحتكار الكلمة أسلوباً ومعنى وتسليطها على الشعب إجباراً وقمعاً بَاتَ في عده التنازلي شيئاً فشيئاً هدوءاً قبل عَصْفِه، وإن القوى الأجتماعية الشعبية اليوم أصبحت لاعباً مُؤثراً رشيقاً وسط الملعب السياسي والإجتماعي الحيّ، مستمدةً في طاقاتها الإمكانيّة من فضاء التواصل الأجتماعي الحُرّ، تاركةً في رصيفها منارات الإعلام المُحْتَكَرْ توهجاً بأناشيد السياسة المتكلفة ومكرها الفَئَوي المُسْتَمر، الذي بات يُضْحِكْ العارف ويَهْزَأ منه المراقب ويَسْتَعجِبْ منه المشاهد.

فأحلام السلطة المُطْلَقَة وجَنَاحَها الكافر ستصبح قريباً أضغاث أحلام، والديقراطية الإنسانية الحقيقية سوف تتجلى على أرض الواقع، خاضِعة في ذَلِكْ لآحكام التواصل الاجتماعي الرضيعة وأُسُسُها الأبتدائية النامية والصغيرة. فَتِلْكَ التغيّرات المشهودة عالمياً في نُظُمًْ العلاقة بين مُخْتَلِفْ قوى المجتمع تأثراً بشبكات المعلومات ماهِيَ إلا جرس إنذار لثورة إدراكية فكرية وسلوكية جديدة من نوعها وشكلها ولونها، بعيدة في طياتها من تحريفات السياسة والإعلام المُتَصَنِعْ، وفرصة لإنتعاش الشعوب وإيّقاظ العروش وإعادة التفكير والتأمُلْ بما هو كائِنٌ حيّ ومَعْروف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة