الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصنيع الكذب ثقافيا في (كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه ؟)

مقداد مسعود

2017 / 2 / 9
الادب والفن



تصنيع الكذب ثقافيا ..
في.. (كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه ؟)

أستوقفني العنوان الهزلي ، فأبتسمت ُ مزهوا بقلبي الأخضر ، ينسى كل لوثة الدنيا وصدأ الآخرين ، ما أن يرى كتاباً... في غرفة المكتبة وضعتُ الكتب المشتراة في هذا الضحى الجميل 20/ 1/ 2017 من حدائق الفراهيدي ..ونسيت ُ قيلولتي .. وأنغمرتُ مع بيير بايار مؤلف كتاب (كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه ؟).. أستوقفني هذا الكلام :(الكتب تؤثر عميقاً على علاقتنا العاطفية 155) فأكتشفتُ مؤلفاً يكتب خارج وعي عنكبوت أفترست هذا الكلام وتواصل أفتراسه ..بواسطة دردشة فيسبوكية فردية أو..بالمراهطة ،حتى مطلع الفجر فتلغي مكتبة ً عمرها مئات السنوات الضوئية ، العاطفة لاتحتاج كتباً بل موبايل و فيسبوك !! والمؤلف بيير بايار ، يتقوس حتى تمس جبهته الأرض من أجل الكذب على نفسه وبالتالي تضليل الشباب . وما لم يذكره ... كان المؤلف ذكيا في إخفائه أعني أفتراضيات النت المتنوعة ..أتأمل هذا التشويه للمعرفة ..(إن قدرة القارىء المثقف على ايجاد طريقة داخل المكتبة هي نفسها التي تحتاج إليها داخل الكتاب الواحد / 51)؟! أراني أمام شفرة ملتبسة ، فيسارع المؤلف ويساعدني ..(فأن تكون قارئا مثقفا يعني أن تكون قادرا على أن تجد طريقك بسرعة في كتاب ولا يفترض هذا بالضرورة أن تقرأه كاملا ، بل العكس هو الصحيح 51) !! وهنا تذكرتُ بعض المشاركين في الجلسات الثقافية وكيف يتعثر بين الأسماء والمدارس فينسب ديريدا إلى مدرسة فرانكفورت !! فالمسكين لايعرف ولايدري أن يعرف ، الهجوم الذي شنه الفيلسوف هابرماس على ،،البهلون،، وهذا توصيف هابرماس لديريدا ،وهناك من يتكلم (شيش بيش ) حسب مفردات لعبة الدومنة ، ويخلط بين إساءة القراءة لدى هارولد بلوم وإساءة التأويل لدى سوزان سونتاج !! ويناظرك بكل جهالة الحمقى !! وهذا النموذج للأسف مرغوب في الأنشطة الثقافية ، فهو سليط اللسان ، فضولي ، في خدمة مراكز القوى ..وللأسف من يمتلكون المعرفة ، يمارسون ،، التقية ،، أو يستنكفون من الرد على هذا النموذج الطفيلي على الحراك الثقافي ..وهنا أقترض من النقد تيري أيغلتون وأقول ..(مالم يقدم القارىء ما ، افتراضاته ،فأن العمل الأدبي لن يعمل عمله / ص188- كيف نقرأ الأدب – ترجمة محمد درويش- الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت – ط 1- 2013)... والسؤال الآن : ما الذي يدفع المؤلف إلى إقحام أميته ِ في قراءتي للكتاب ؟! ولمن يبث المؤلف خطابهُ ؟ للجيل التقني ..؟! وهو جيل يجمع كلمة مكتبة : مكاتب !! للكبار ..؟! هؤلاء لايحتاجونك .. يابيير بايار ؟
(*)
شخصيا أستمتعتُ قبل سنوات برواية موزيل (رجل بلا صفات )،واستوقفتني هذه الشخصية الثانوية، أعني أمين المكتبة الذي يعرف الكتب من خلال عدم قراءتها ، وهي معرفة أرشيفية صحيحة ، تختزن عنوانات الكتب و تعرف رفوفها ..وهكذا يكون أمين المكتبة قد نال قوة (الشمولية )..وبشهادة هذا الأمين (إن من يسترسل في الاطلاع على المضمون يعد ضائعا من حيث كونه مكتبيا !وذلك أنه لن يحظي أبدا بالنظرة الشمولية / 42) ربما هذا من شروط المهنة ، لكن بيير بايار مؤلف (كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه ) لماذا يريد ان يستعملنا كقراء / قارئات بالوظيفة المكتبية نفسها ؟! وهذه ليست فرية مني بل جاءت من خلال قوله التالي ..(وإن بدا مكتبيّ موزيل حكيماً، فالفضل يعود لفكرة ،، النظرة الشمولية ،، وأكاد أسحب على الثقافة برمتها مايقوله هو عن المكتبات : إن من يحشر أنفه في الكتب فلقد خسرته الثقافة بل والقراءة نفسها .فبسبب عدد الكتب ، لابد للمرء من أن يختار بين هذه النظرة الشمولية وكل كتاب ، وتكون بذلك كل قراءة مضيعة ً للجهد على الطريق الوعرة المستهلكة للوقت 43)..أرى أن المؤلف بيير بايار ، يبذل جهدا عاطلا في هذه النصائح ، التي لاتختلف عن دردشات أبطال / بطلات الفيسبوك بشهادة المدمنين / المدمنات ، وهؤلاء في غنى عن النصائح المعدنية .. ، فالكل تجاوزوها واكتفوا / أكتفين ..من الكتاب بغلافه ..
(*)
يقدم المؤلف قراءة مجروحة لرواية اسم الوردة ويلوي عنقها ويحشرها في زجاجة كتابه !! ويبدو أن قد أصغى لمن أطلع عليها بقفزات الكنغر ، أو أصغى لما تناقلته الألسن .. وهذا الموضوع بحد ذاته يحتاج مقالة خاصة ، فالمؤلف لا يقرأ الكتب كاملة ويتجاسر بإطلاق صلافته ضد جهود المبدعين !! فهو يستهين بكدح المبدعين ويستقوي بتضليل ذلك القارىء اللاقارىء ، حامل الشهادة وربما الشهادة العليا جدا ،الذي تحصن خلف (د) ثم أصبح لامرئيا بعد (أ. د) واصبحت الكتب ذكرى كئيبة تذكره بالكتب الذي صيرّها سلما لينوش العلو الأكاديمي..
(*)
...أحترمُ نابوكوف حين يقول : أنني لم أقرأ الحرب والسلام رواية تولستوي ..وكذلك بول فاليري حين يعلن أنه لم يقرأ سوى الجزء الأول من (البحث عن الزمن المفقود) رائعة مارسيل بروست ، لكني لا أتفق مع فاليري في قوله (لا أزال قليل القراءة لأنني لا أبحث في الكتب إلا عمّا يسمح لكتابتي بأن تفعل شيئا ما أويمنعها عنه 53) ..
(*)
في الكلام التالي يفضح تخلفه بيير بايار: (أن الكتابة والنقد يتقاطعان / 136) ..أي كتابة يعنيها بايار ..؟ ان مفردة كتابة ..هنا سائبة !! لايلجمها جنس أدبي ؟ ثانيا ً هذا التقاطع كان عند النقاد الكلاسيك ، الآن تمرد النقد على سياقه الراسخ وأمتلك قوسا أوسع للقراءة المتصارعة ..بشهادة الناقد بول. ب. آرمسترونغ ..ولدينا الكتابة والأختلاف لدى ديريدا وهناك القارىء في النص / سوزان روبين سليمان و آنجي كروسمان وسوزان سونتاج في إساءة التأويل وكذلك رينيه جيرار في الكذبة الرومنسية والحقيقة الروائية وفيليب دوفور في رائعته :فكر اللغة الروائي .ومؤلفات تيري ايغلتون ..هذه الاسماء وغيرها أثلت علاقة جديدة بين النقد وحقول الابداع الأخرى..
(*)
أتوقف عند الفقرة التالية ..(صرت ُ أتحدث عن الكتب باستفاضة أكبر ومعرفة أعمق منذ كففت ُ عن قراءتها، لأن امتناعي عن قراءة الكتب منحني المسافة الكافية ، لأتحدث عنها بدقة / 169- 170)..؟!! أتساءل عن كيفية هذا الحديث ؟ ومن أين أكتسب عمقاً؟..هذا الكلام اللامسؤول يجعلني أعود للمفكر جلال صادق العظم وأقترض منه الكلام التالي وهو يتحدث عن رواية آيات شيطانية لسلمان رشدي ..(تكمن المشكلة الأولى في تورط كثرة من أبرز مثقفينا وصحافينا ونقادنا وجامعيينا في الهجوم على كتاب لم يقرؤوه .على سبيل المثال هاهو الصديق والزميل الدكتور أحمد برقاوي لايجد حرجا في أن يطلق أحكامه السلبية على الرواية وعلى مؤلفها ،على الرغم من إعلانه الصريح أنه لم يقرأ الرواية ولم يسمع عنها إلا ،،من هذه الاذاعة أوتلك 166- ذهنية التحريم – دار المدى – ط2- 2004)..شخصيا كقارىء منتج : لم تشدني رواية (آيات شيطانية)
(*)
طريقة مؤلف (كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه ) لاتختلف عن الدكتور أحمد برقاوي ، ومباهلته في الحديث العميق عن الكتب فيها الكثير من القصور والإدعاء وهناك حادثة طريفة جدا حدثت في مدينتي البصرة..ذات يوم جرى الحديث في المقهى عن كتاب معيّن وراح أحدهم يسفّه ذلك الكتاب ، فجأة سقط الكتاب نفسه من يد الأستاذ محمود عبد الوهاب ، فإذا بالشخص المسفّه يطلب من الأستاذ أن يعيره الكتاب ذاته ....!! هذا الشخص أراه أفضل من بيير بايار (كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه ) ..فهو لم يكتف ِ بما سمعه ُ عن الكتاب و............ يريد قراءة الكتاب نفسه ..
(*)
بيير بايار يرى (إن لم تكن القراءات نفسها فلا أقل من قراءات مشتركة – وهو مايعني في نهاية المطاف اللاقراءات نفسها وهو شرط من شروط الوفاق في العلاقات العاطفية .ولأجل ذلك ، من الضروري في بداية كل علاقة أن نظهر إننا في مستوى مايتوقعه منا الشخص الذي نحبه ، وذلك بأن نشعره بمدى التقارب بين مكتبتينا الداخليتين / 156)..والتساؤل هنا أرى أن المؤلف يصوغ عاطفة ثقافية جميلة لكننا في زمن الرضا التقني الذي تسيدت فيه الشفاهية ، عبرحقول النت ..وأصبحت القراءة مثل قفزات الكنغر مع صفحات الكتاب الواحد ..بل أصبح بعضهم يصغي لكلامك ثم ينشره مقالة في الصحف اليومية أو الفيسبوك بلا إستئذان منك ..لكن المؤلف بيير بايار سيرفض كلامي صائحا بوجهي ..ويتهمني بعدم القدرة (على التفريق بين مستويات الجد والسخرية في نصه ، فكاتب النص ، أي نص ليس ذاتاً واحدة متجانسة ، وضمير الأنا في متن الكتاب ، أي السارد ،ليس هو بيير بايار بل جزء منه فقط 12)..!! وهذه ذريعة لاوجود لها في منطق أرسطو ولافي ألاعيب الساحر الحاذق جاك ديريدا ولاتصح إلاّ في كتابة الرواية التي تؤكد الفرق بين السارد والمؤلف ..وبيير في كتابه هو مؤلف الكتاب فقط وكل الكلام كلام هو..
(*)
كنت أتمنى لو أنه أشتغل كتابه حسب (الكتاب الداخلي) ذلك المفهوم الذي يعلن أنه أقترضه من مارسيل بروست وثبت ذلك في حاشية ص132..وموضوعة (الكتاب الداخلي) من الموضوعات الراقية جدا ، أشتغلها بطريقة خاصة : بورخس ، وألبرتو مانغويل في مؤلفاته عن الكتب والمكتبات وكذلك هنري ميلر في كتابه الرائع (الكتب حياتي) ومقالتي القادمة ستشتغل على (الكتاب الداخلي )..
*بيير بايار / كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه / ترجمة غسان لطفي/ دار كلمات/ ط1/ 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن