الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطوة الأولى نحو المدرسة

علي أحماد

2017 / 2 / 9
سيرة ذاتية


أخذه أبوه من يده وسارا نحو قرية تاشويت في أحد أيام أكتوبر من سنة 1970 وهو لايزال يفرك عينيه ويغالب النوم الذي يداعب جفونه . عبرا الطريق الإسفلتي بحذر شديد ، فرغم قلة السيارات والشاحنات إلا أن دماء كثيرة سالت فوق هذا الحصير الأسود الممتد الى مالا يحده بصر الطفل وخياله . فكم من أرواح زهقت ، وكم من جروح و نذوب وشمت أجساد أطفال أبرياء من ميملال تضطرهم ظروف تمدرسهم من عبوره أربع مرات في اليوم . تمر الطريق ملتوية عبر الحقول التي تمتد بجنباتها السواقي . انتهيا الى ساحة وسط القصر تكسوها طبقة صخرية سميكة اتخذها الأهالي بيادر وأماكن لربط المواشي والدواب ولتكديس الحشائش لتجف تحت الشمس كعلف وبقايا الروث كسماد للأرض . يبدو الطفل خجولا ، نحيل الجسم ، يرتدي ملابس بالية وينتعل جزمة من البلاستيك الأبيض الشفاف من تلك الجزم التي يظهر منها عبر الثقوب الجزء الأكبر من القدم وهي رخيصة الثمن صالحة للعب والعوم . تغسل وتنظف بيسر ولا تنشر الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف. وهي أغلى ما توفره الأسر الكادحة لأبنائها صيفا. وقفا أمام مدير المدرسة وقد كان رجلا ربع القامة، أسمر البشرة ويضع نظارات طبية سميكة. مكثا بين يديه دقائق معدودات بدت وكأنها الدهر. أحس برهبة المكان وسرى في جسده عرق ينساب باردا كالصقيع. أبوه لايتقن الحديث باللغة العربية الدارجة ويخلط الكلمات خلطا عجيبا مما يثير سخرية الآخرين ويحرج الطفل . أفلته أبوه وسط ساحة المدرسة التي تعج بحشد هائل من الأطفال الذين يعلو صراخهم ولغطهم يكاد يصم الآذان وغادر المكان دون أن يلتفت الى الطفل سعيا وراء لقمة العيش. جال ببصره في المكان وأدهشه ما حوله . سور الطين الذي يحيط بالمدرسة . حجرات الدرس المفتوحة على الساحة . تساءل وهو الطفل الأمازيغي كيف يتسنى له أن ينسجم مع أترابه ويقبل على التمدرس ؟ تأكد أن اللعب على الأقل ، لا يحتاج لغة ، فالصراخ والركض لغة يتقنها جميع الأطفال. اصطف التلاميذ في طاعة عمياء كالقضبان أمام حجرات الدرس بعد رنين الجرس إيذانا بنهاية حصة الفسحة، وعم الصمت أرجاء المدرسة كلها وانخرط الجميع في نظام عجيب في تنفيذ تعليمات يصدرها المعلم المكلف بالحراسة..يد على الكتف...استراحة... استبد به الخوف لحظة ولكنه رضخ لقوانين المدرسة الصارمة فالعصا فوق الرؤوس والكرباج يصلح ويقوم أي اعوجاج ويزرع الرهبة في نفس أي مزعج . دلف الأطفال الى جوف الحجرة الدراسية يتدافعون وقد زينت جدرانها صور بألوان زاهية..صور للحداد .. القصاب .. الحصان .. الجمل والدجاجة وصغارها.. علق اللوح الأسود على الحائط وإلى جنبه مكتب من خشب وكرسي من حديد. تمتد الطاولات صفوفا متراصة. سقف الحجرة من أشجار الصفصاف وأعواد القصب. أرضيتها متربة يتطاير الغبار فيها مع أدنى حركة للأرجل . على الطاولات محابر بيضاء... صور وشمت ذاكرة جيل من تلامذة أحمد بوكماخ المغربي… وترانشار الفرنسي..
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخارجية الأمريكية: حماس غيرت نهجها في مفاوضات الرهائن مع إس


.. الجزيرة ترصد معاناة سكان شمال قطاع غزة من غياب غاز الطهي وند




.. صباح العربية | الشيف العالمي ماسيمو بوتورا: أحب الطعام في ال


.. مراسلة العربية: إسرائيل تستهدف مهندسا بوحدات الدفاع الجوي لح




.. صباح العربية | الثلاثاء 23 أبريل 2024