الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الظلم ثقافة تكتسب أم سلوك طبيعي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 2 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



في موضوعية الظلم هناك رأيان فلسفيان يفسران ظاهرة الظلم في المجتمع الإنساني ويدرسان القضية من منظور نفسي، الأول يميل إلى أن ظاهرة الظلم تتبع مجموعة مفاهيم طبيعية تنظوي تحت مفهوم الشر الذاتي بأعتبار الإنسان كائن شرير طبيعيا، وما يجري من تخفيف غلواء الشر من خلال أكتساب ثقافة الخير وسلوكياته، فهو يبني على الجانب المظلم من كينونة الإنسان ودليله أن أول إنسان أمكن تسجيل أثار وجوده في الأرض كان كائنا شريرا ولم يكن قد تعلم الجانب الأخر في حياته، ويضرب مثلا أن المجتمعات البدائية في علاقتها مع الأخر الغريب تمارس العنصر الحاد من نظرة الشهر فتستبيح وجوده الكلي وتعتبر ذلك طبيعيا لأن محددات الخير بالنسبة لها لم تتبلور بعد حتى تتعلم التعامل الخارجي وتنصاع له.
أما المدرسة الأخرى والتي تشير إلى أن مفاهيم مثل الخير والشر ليست مفاهيم تكوينية فطرية عند الإنسان بل هي مظاهر لوجوده وحسب قدرته على تفسير العالم من حوله، فالنفس البشرية عند هذه المدرسة الطبيعية تشير إلى نوع من اللا وصفية في السلوك الفطري معتمدة على أن البشر ككائنات تتفاعل مع العالم الخارجي والبيئة وما تنتجه التجربة لديها من معارف أجتماعية سوف تعكسها كسلوك أجتماعي يتأصل من خلال عامل الثبات والقبول به، من هنا فهي تفرق بين الشر المصطنع نفسيا حينما يتصرف البعض بصورة سلبيه تجاه أقرانه على أن هذا التصرف قد يكون لحظي أو طارئ وقد لا يتكرر في مناسبة أخرى، وبين ما يعرف بالشر الجمعي الذي تتبناه فكرة المجتمع العمومية وتعتبره جزء من شخصيتها، وهي بذلك تفرق بين الفاعل وليس الفعل.
الحقيقة أن الدراسة الأجتماعية للمدرسة الأولى والذي شكل نقدا رئيسيا وجوهريا لها هو أنها تعاملت مع نتائج الشعور الجمعي تجاه الغريب أو المنافس الأخر وأصبغت على المجتمع هذا التصرف كقاعدة عامة وأيضا تجاهلت العلاقات البينية بين أفراد المجتمع فيما بينهم وتجاهلت القواعد التشكيلية المؤسسة للأفكار، فمثلا ما سجل على دموية وشرور (المجتمعات الإنسانية القديمة) مع تحفظي على الإسم إنما كانت لكون هذه المجتمعات لو كانت حقيقية تنتمي إلى ما يعرف اليوم بالإنسان الآدمي فهي كانت تمارس وحشيتها هذه ليس لأنها شريرة بالطبع، ولكن ولغياب معرفة متراكمة مؤسسة لكونية المجتمع وقادرة على فرز قوانين أجتماعية لما شهدنا هذه الوحشية والدموية التي هي أقرب للحيوانية منها للإنسانية، عندما نقول أن الإنسان (كائن أجتماعي بالطبع) إنما نحيل تمام الوصف لكونه أجتماعي فقط، فمن لا يمكن أن يعيش المجتمع كأطار ووجود حتمي لا يمكن توصيفه ببشر أو إنسان أو بني آدم، لذا فهذه الكائنات البدائية لا تنتمي من حيث جوهرة فكرة المجتمع للمجموعة البشرية، وهي بالتأكيد سلالة حيوانية قريبة الشبه بالإنسان وأنقرضت لأنها لا تملك الحس المعرفي ولا تعيش مجتمعيا.
المدرسة الفلسفية الثانية وإن كانت أكثر واقعية في طرحها من المدرسة الأولى لكنها بالغت في تأثير البيئة والعلاقات الخارجية الحلوية التي تصنع سلوك الإنسان وتفعله، نست أيضا أن التكوين الفطري الإنساني قد لوحظ عليه ومن خلال الكثير من الأشارات السيكلوجية الطبيعية أن العامل المميز في طريقة تعاط الإنسان مع البيئة ومع الحول الخارجي، والدليل أن المجمموعات البشرية التي تعيش ظروفا متشابه وتحت ضغوط واقع حولي واحد لا تنتج سلوكيات متشابهة ومتطابقة وأحينا حتى متناقضة تماما، هذا يؤكد أن هناك نظاما داخليا فطريا تكوينيا مسئولا بالدرجة الأولى على صياغة السلوك الشخصي تبعا لتجارب وتأثيرات مختلفة ومتباينة وإن كانت عامة مثلا أو شمولية.
هنا علينا أن ننظر للإنسان وفعله السلوكي نظره كلية حقيقية ومن خلال التجربة التأريخية والنفسية العلمية نجد أن مسألة الشر والخير ليست صفات ولا أفعال يمكن أن تنتج من خلال عنصر واحد ولا هي نتاج طاري ولا أصيل، بالحقيقة كلا الوصفين هما نتاج تشخيص ذاتي للمجتمع بناء على محددات هو أبتكرها وصنفها وجعلها آيات أو علامات للتحديد، المجتمع والإنسان وما تفرضه البيئة والتراكم المعرفي كلها تساهم بتحديد ما هو شر وما هو خير وطبعا في أطار نسبي ذاتي وقتي ومكاني، فالقيم عموما نتاج مصنع ومكتسب ومتراكم ولكن في العموم هناك معادل عام وموضوعي قد تشترك فيه الكثير من المجتمعات قد يصلح كدلالة على ما هو خير أو شر، وهذا ناتج من التلاق والعلاقات والتواصل الإنساني بين الناس الذي ولد معرفة مشتركة أنتجت فهما مشتركا لمعاني متفق عليها ولو بالعموم
نعود إلى موضوع الظلم وتعريفه على ضوء هذه المقدمة والتي يعني في مجملها، أن هناك خلل في التركيبة النفسية للفرد والتركيبة المعرفية في المجتمع تتيح لأحد أفراده أنتهاك ما هو واج التقيد به، وهناك تعارض حقيقي بين أن نكون متساوين على مبدأ أننا في مسافة محفوظة بين الواجب والألتزام وبين الحق والواجب، عندما تنتهك هذه الثلاثية ويخضع المجتمع إلى شروط الفرد المتسلح أما بالقوة أو بالقدرة هنا نصبح أمام مشهد مختل ومنتهك لمبدأ العدل والمساواة وحفظ قواعد الوجود الأساسية للمجتمع كفرد وللمجتمع كمجموعة، هذا الظلم له جانب يتعلق بتقاعس المجتمع عن المواجهة وبالتالي تقصير عام وأيضا له وجه ذاتي أن المقدمات التصنيعية للسلوك قد هيأت لهذا الفرد أن يظهرها عندما يكون المجتمع متسامح أو لا مبالي للأنتهاك الفردي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية