الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسياد وعبيد

عايدة الجوهري

2017 / 2 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تغصّ اللغة العربية بالمفردات الأخلاقية المضادة لمفهوم الحرية، وتمظهراته السياسية والاجتماعية، والشخصية، وتبعًا يُنعت المتمرّد على السائد بأشنع النعوت، فهو مهرطق كافر، عاصٍ، مشاغب، مفتن، مخرّب، أو فاسد، فاسق، فاجر، منحرف، متهتّك أو منحلّ. وتندر في المقابل الألفاظ التي تشيد بالإنسان الحرّ، ولو اقترنت حريّته بإحساس عالٍ بالمسؤولية، لا بل نادرًا ما نسمع بوصف أحدهم أو أحدهنّ، بالحرّ أو الحرّة، وإن استُعملا يلجأ المستعمل إلى التفسير والشرح، فيقول قصدت كذا وكذا.
تُحاصرنا الأحكام السلبية من هذا النطاق، بحيث نكاد نُسلّم بأنّ الحرية حالة بشرية، عقلية نفسية، غريبة عن الثقافة العربية، لا بل عن تكوين الإنسان العربي الجيني.
فماذا لو بحثنا في تاريخ استعمالات المصطلح في المعاجم العربية القديمة، علّنا نجد فيها ما ترسّب في الذاكرة الراهنة، ويستحقّ الاستثمار فيه والبناء عليه.
يقوم معنى الحرية في الثقافة العربية القديمة، على ثنائية حر/عبد، ويستتبع هذا التقسيم الطبقي العبودي، تقسيمات أخلاقية وقيمية معبّرة.
طبقيًّا، استُعملت ثنائية حر/عبد، للتمييز بين الحرّ والعبد، بين المالك والمملوك، وبين من كان عبدًا ثمّ أعتق، وبين المرأة الحرّة، والجارية المملوكة، التي تُباع في سوق النخاسة، والمرأة الحرّة كانت تُلقّب بالحرّة قياسًا للجارية، أيًّا كانت القيود والإكراهات الذكورية التي تكبّلها. وهذه إشكالية أخرى تستحقّ النقاش على حدة.
أخلاقيًّا، يأخذ مفهوم «الرجل الحرّ» دلالات إضافية، إيجابية، فهو الإنسان الفاضل، والشريف، والكريم، غير اللئيم، والخيّر، والحسن، وصاحب الإرادة الحرّة، وهذه الإرادة الحرّة هي لا شكّ نسبية وتخضع لتراتب النفوذ القائم آنذاك، ولكنّها بأية حال تشكّل حالةً نقيضةً لحالة العبد الاستلابية التامّة. ونحن نجد رواسب الاستعمالات القديمة لكلمة «حر» في أقوال مأثورة، من مثل «حرّ الضمير» و«وعد الحرّ دَين».
إنّ مفهوم «الحرية» بدلالاته التنويرية، يقع على تضاد مع مفهوم «الحرية» العربي القديم، الطبقي العبودي، فالمفهوم الحديث للمصطلح نهض مبدئيًّا ضدّ كل أشكال العبودية، الدينية، والسياسية، والاجتماعية، على عكس الاستعمالات العربية الطبقية التي قسّمت البشر بين عبيد وأسياد.
بيد أنّنا نستطيع الاستثمار في الخصال الإيجابية المأمولة والمتوقّعة من الإنسان المالك لذاته ولجسده، وغير المملوك لأحد، بصفتها منتجًا ثقافيًّا قيميًّا غير مستورد. فكلمة «حر» تعني «السيد» الذي يملك إرادته من دون إكراه، على نقيض العبد الذي يمارس إرادته وأفعاله طبقًا لإرادة سيّده وعقله، وهذه الثنائية الدلالية يمكن أن تؤسّس لنظرة عربية تجعل ممّن لا يعمل بوحي إرادته وعقله وحسّه السليم عبدًا، عبدًا لغيره، أو لأيديولوجية غيبية أو زمنية.
ومن جهة أخرى، ترتّب على الإنسان الحرّ تاريخيًّا أن يكونَ فاضلاً، شريفًا، كريمًا، خيّرًا، وهذه النّعوت يستخدمها الإنسان المعاصر لتقييم منسوب حرية الآخرين، فالفضيلة والشرف، والكرم، والخيّر، هي صنيع الإنسان الحرّ، الذي يتحكّم بإرادته ومشاعره وأهوائه، وينصت لصوت ضميره، ويُقيم وزنًا لحقوق الآخرين، ولصورته الإيجابية لديهم.
وعلى النقيض من ذلك، يكون العبد رهنَ إشارة سيّده، وطوعَ بنانه، وتابعًا لإرادته وأهوائه، دون أن يملكَ أيّةَ سيادة على نفسه.
نحن، إذن، أمام إرادة حرّة ورغبة حرّة، تُقابلهما إرادة مقيّدة ورغبة مقيّدة.
وإذا عدنا إلى ثنائية حر/عبد، وأردنا بعث الاستعمالات القديمة الإيجابية، لَوجدنا أنّ العربيّ المعاصر يكره تشبيهه، ومماثلته بالعبد، دون أن يُدرك، في الآن ذاته، مترتبات مفهوم الحرية، فلا بأس من البناء على الأبعاد الرمزية لهذه الثنائية التراثية، والتوكيد على الأشكال العبودية المتوالدة والمتكاثرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توسعة
رفيق البلمساني ( 2017 / 2 / 10 - 23:35 )
تحليل شيق. بودي أن أضيف أيضا أن الحر يتحول دينيا إلى عبد. فهوعبد لله في علاقة مخيفة بين الترهيب والترغيب. لكن هذه العبودية لله إنما تتحول مع الإيمان بالأديان إلى تبعية عمياء، بالضرورة، لأولي الأمر: طاعة الحاكم ورجل الدين والأب، ثم تحول وضع المرأة الحرة المؤمنة في مجتمع ديني إلى حالة أقرب إلى العبودية بخضوعها للذكر (أب، أخ، زوج، ابن)، في كل ما يتعلق بحياتها: الحبس في البيوت، التزويج، التطليق، الوصاية...
تحياتي

اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي