الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شقي بن كسير !. قصة قصيرة

يعقوب زامل الربيعي

2017 / 2 / 14
الادب والفن


تناقلت كثير من الروايات، وجملة الاخبار والشائعات، على الالسنة والورقيات، في قضية " سعيد بن جبير"، العبد الصالح الفقير الذي طاله الحجاج بأبشع المصير. وكيف ان راسه تدلى، عن جسده تخلى، في سجدة تولى. الله اكبر حين قال، سمعه الشاهد والنقال، واحتار اهل العقل بالمحال.
الاخبار عن الذي جرى تناقلت، وعن سعيد الذبيح قد تواترت، القلة صدقت والكثرة قد كذبت، في قول بعض المحدثين والرواة، ان السماء اصطفته حين مات، وايدت روحه بالمعجزات. في حين قال البعض، مثل اليسوع اشتبه العرض، لكنما قد غادرا الارض. لحين ينفخ في الصور، في الناس كي تثور، على الطغاة والفجور. عندئذ يأتي الرعاع، حفاتهم، عراتهم، جياع، كل يريد حقه وكله مضاع.
في تارة يأتي الامام وتارة، يأتي المسيح حامل البشارة. وثالثا يأتي سعيد وراسه قنبلة موقوتة جبارة! أول من صدق الرواية – النميمة، والبدعة – أهل "واسط " الكليمة، لانهم قد شاهدوا وعاصروا الجريمة.
وتستمر فصولها الحكاية، تروي لنا تنامي الرواية. من حيث تنتهي تأتي لنا البداية.
***
في ليلة، حتى آذان الفجر، بقي " تركي هاشم " ساهراً يستقصي حيثيات الرواية المأساة، القدرية في تعاقبها. لم تخل دقائقها عن الشيء غير المألوف، وغير المعقول، حتى باتت عصية على العقل والتصديق. غير انه كان منبهرا بأحداثها الجسام، ومفتونا بصلابة سعيد وقوة ايمانه، اللتين ما عرفتا الذلة والمهادنة يوما.
في تلك الليلة، ظل يضرب اخماسا بأسداس، بحثاً وتنقيباً، لاستشراف مدلول الاشارة والرمز، وغيرها من الممكنات واللا ممكنات، عندما سمع زوجته تطلب آمرة ان يطفئ مصباح الغرفة لتنام، بعد ان ظلت مرات عديدة دون ان يعطِ أذن لرجاءآتها المتكررة.
عندما اطفأ نور المصباح واندس معها تحت الغطاء لامس فخذها وبطنها الباردة، وتكور نهديها فوجدها عارية. حينها ادرك "تركي هاشم" ان زوجته لم تكن ترجو النوم حسب، بل لرغبة نقية ان يفعل معها واجب المؤانسة الشرعية.
على سطح فراشها مبلولة، بماء الرعشة الاولى. كانت ساكنة تماما، بعد ان خارت قواها الا من تصاعد بطيء واهن في صدرها ظل يتدفق بالهواء مثل دخان من بين جمرات ميتة كانت للحظات متوهجة بوصالها السعيد في ختام يوم ملول عانته جسديا في اتمام واجباتها كأم لثلاثة اولاد وبنت بكر، وكربة بيت وزوجة، مع ما تعانيه من التفكير بمستقبل الايام القادمة التي تراها محملة بما يعكر مزاجها، ويقلق راحتها.
على النقيض من زوجته الهامدة، لم تهدأ لـ "تركي" فورة الوجدان والفكر في تهويمات قضية " سعيد بن جبير" وتداعيات مقتله. لم تجد عيناه سبيلا للنوم، او حتى لإغفاءة صغيرة. ظل مُسهّداً يتقلب في فراشه مثل سمكة طعينة حتى انبلاج الفجر، حين رآه وضاحاً مثل لون اللؤلؤ على شباك غرفته.
كان يفكر بالطريقة، وبالكيفية التي مكنت "سعيد" من الافلات والهرب من قبضة "اللصوص السلابة" ذوو اللحى الكثة المغبرة، والعمائم المتسخة. بمخالبهم المدماة بدماء ولحوم اجساد القتلى، عندما اجبروا القطار الذي استقله مع البشر الاخرين على التوقف في منتصف النفق المظلم في تلك الليلة الليلاء. بعد ان سدوا فتحتي النفق بالرجال المدججين بالقواطع البتارة والمدي الحفارة التي تبقر البطون والرؤوس والصدور بلمح البصر. وكيف أن "سعيد" وجد طريقه متسللا، بعد ان اكمل فروض القيامة مع المرأة التي اغتسلت في ذلك اليوم من مخلفات دورتها الخالدة، لتغدو نقية نظيفة مثل خيوط البريسم الناعمة، ليودعها نطفة الصيرورة المنتقاة وديعة في رحم امومتها، لقادم الايام الآتية.
وكيف ان " السلابة " العتاة، حين فتشوا محتويات ركاب القطار، بحثاً عن النقود والذهب والنفائس الاخرى، قد عثروا بالمصادفة على احد المقاعد على دفتر يوميات "سعيد بن جبير" الذي سطر فيه كل شيء رآه أو سمعه. ما فعله او ما كان بالحسبان ان يفعله، وحينما قلبوا صفحاته على عجل، أو على مهل في لحظات اخرى، اصابتهم رعدة من لوثة الكبرياء والكرامة المغدورة، والخيبة في ضياع الجوهرة النفيسة التي كانت بين ايديهم "سعيد بن جبير" الذي لو وجدوه لباعوا احشاءه الثمينة على تجار اوصال البشر من الذين يتعاملون مع ادارات كليـات الطب فـي بعـض البلـدان، للعمـل التعليمي عليهـا. – كعادة متبعة – خدمة للطب والعلم المهني عامة.
قلب "السلابة" اشياء العربات راسا على عقب. ونثروا ما فيها عاليا لسافل، في الداخل والخارج بحثاً عن صاحب اليوميات الذي كانوا يدركون بحس التجار الخبراء قيمة احشائه الثمينة ونفائس خلايا جسده وراسه التي تعادل في قيمتها المادية كل مكونات واحشاء الركاب الباقين.
في طريقهم للتنقيب داخل الصفحات وبين السطور عثروا على ما يدلهم عليه. كانت لمحة من نبوءة ونباهة من باحث فطن، قادته بعض الكلمات التي تصف شكل "سعيد" والفارقة التي تميزه عن بعض الرجال، اذ كانت جلية واضحة بعد ان سطرها عفو خاطره في لحظة من التجلي الاحمق. تلك " الشامة " الكبيرة التي بحجم فردة التمر وبلونها والتي تقع في مؤخرة رقبته عند نهاية وتد الجمجمة، فكانت اشارتهم الوحيدة ليستدلوا على شخصية الرجل الثمين.
بحثوا، ودون ان يسألوا، مخافة الخيبة من جديد.. جعلوا الركاب من الرجال في صفين متوازيين، مثل سكة القطار بعد ان امروهم بالركوع، وطويلا ابقوهم دون قيام او سجود، وفي خلاف رقابهم كانوا يبحثون بصورة دقيقة عن الشامة العلامة لجسد سيكون ضربة العمر.
الركاب المرعوبون، لم يدركوا سر تلك الركعة الطويلة، اما النساء فقد بقين ايضا مشدوهات ومثل الرجال خائفات، على مصير اولادهن وازواجهن غير متيقنات من المصير الذي ينتظر اولئك المصلين من غير وقت للصلاة. وعن مصيرهن كذلك، هل يا ترى سيصبحن راكعات؟ ام على الظهور مستلقيات؟!.
وحدها كانت تعرف حقيقة ما يجري امامها. وامام عينيها وخاطرها، كانت الصورة واضحة على قدر كبير من الاستبانة والدقة، وان غلفتها في لحظة غمامة من الضباب في تقدير نتائج البحث اللا مجدي، بل المستحيل للسلابة، الذين تراهم في بحثهم يحاولون العثور على ابرة متحركة داخل جبل من القش على ارض صحراء مترامية.
ابتسامة لعبثية البحث اللا مجدي عن المستحيل كانت تطفو على ثغرها ووجهها الملتهب بالاعتزاز والفخر بمعرفة المكنون وبسر سعيد المودع في احشائها قبل اختفائه وتواريه عن الانظار. على انها كانت بين حين واخر تحس بالعصرة الموجعة التي تسبق لحظة الغيبوبة ما بين حجابها الحاجز والرئتين في نقرة صدرها تماما، عندما تفكر بالمصير!. لم يكن مصيرها، جسداً ولا روحاً، بل لمصير تلك الوديعة الثمينة التي اودعها الإمام الحي في احشاء بطنها.
ظلال وارفة وكثيفة من اشجار التوت والمشمش والتفاح، مع ظلال من اشجار الصفصاف والرارنج والنخيل، كانت تنزلق مثل فراشات صغيرة وكبيرة على جسمه وكتان قميصه الذي كان بلون الثلج. لم يكن في تلك الغابة المكتظة بزحمة الاوراق الملونة، وبالأغصان المتشابكة وبسيقانها المتنوعة في الطول والقطر التي تعامدت سامقة بين الاعشاب الكثيفة وكوم الاوراق المتساقطة الطرية والجافة النائمة على الارض المبلولة، وفوق اعواد الغرب المتيبسة وعلى اعشاش الشوك البري والعاقول ذي الخضرة القاتمة، وبين شجيرات القنب وانواع من نبات الخبازيات والحناء والفلفل الاحمر والاخضر وغيرها، لم يكن في تلك الغابة من شيء يبدو على نحو مشابه لوحدانيته وتفرده وهو يجوس تلك الكائنات الحية والميتة من عشبيات وخضار الارض الساحرة الغنية بالأصوات والهمسات التي تعصر القلب وتخلب الوجدان في ثرثرتها السرمدية وحتى في سكونها المتحرك بسرية ناعمة، ورصانة قلقة، وانتعاشة مريبة.
كان مأخوذا بسحر اللحظة، وبالدهشة المنفعلة، وبالقدرة الكامنة على انتهال الرؤى والصور والمتع المعتصرة في اناء روحه المزجج بصنعة روعة الشرق القديم، شرابا معتقا يتجرعه على مهل بتلذذ واصرار على المزيد، لبلوغ لحظة الخاطر العليا، حينها يسقط على وجهه بعد ثمالتها الكاملة، مثل رجل اسطوري لا يضاهى.
وقبل ان يلج غشاوة الذروة الطرية احس بزوجته تخضه ليفيق عندما وجدت بان كلماتها الناعمة الحنونة ولا لمساتها الصغيرة الرقيقة بقادرة على ايقاظه من غابة حلمه.
كانت الشمس قد تركت استار شباك غرفته مبتعدة، وان ظل سناها في كبد السماء، معلنة ان الوقت قد اصبح ظهرا، وان عليه ان ينهض ليقضي يوم اجازته بعمل نافع، او بقضاء مشوار ما. الضجة في البيت والشارع كانت على اشدها. تذكر أن النوم قد سرقه من لحظات التأمل السرية. شعر بظهره متخشبا مثل لوح قاس. نظر في وجه زوجته مليا، كانت تقاطيعه واضحة مثل خطوط على ورقة ميتة، مخطوطة باستدلال منطقي على ذلك الوجه المتعب. لما تعانيه في داخل نفسها عفويا من الشر الكامن في الحياة، وعصمة انوثتها الريفية ازاء عبثية ما تراه ماثلا في نصفها الاخر، دون ان يفعل شيئا منصفا ليجعلها تحس بالأمان في معاشرتها له.
جاس وجهها الناضج بتحديقة بكر من عينيه في ذلك النهار الساكن في الغرفة مثل حشرة صغيرة، والمتحرك مثل شقاوة الصغار في فضاء الكون الشاسع، ليرى فيه تاريخا من التعب والاعياء والآمال المحبطة والامنيات الذاوية كفراخ ساغبة لاعية خارج اعشاشها المتيبسة. وكان يتأملها كما يتأمل شجرة وارفة فتية عامرة بالخضرة والتشابك رغم علتها الخفية التي اخذت تأكل جذورها بقدرية قاسية.
حين لامس بطنها بكف عجوز متهالك على الحياة. راقب ذهنها بحساسية جارفة، وناكسة، متأملاً عمق شعورها بالحياء الجاد. وكيف اندفع جسدها غضاً نحو فضاء الحوش.
امام طعام افطاره جلس ساهما، لم يبرح تفكيره منظر الراس المقطوعة المتدحرجة فوق الغبراء عن متنها، بعد ان مسها سيف الحجاج عجلا ليفصلها عن جذرها كما يفصل الفلاح عذق تمر بضربة منجل حاد، دون ان يثير ذلك العذق اي شعور مغاير لشعور انهاء المهمة، والواجب. كما يغسل شخص وجهه بعد صحوة نوم، او كما يشعل لفافة تبغ.
أبت نفسه الطعام، شرب القليل من الشاي، ونهض بعد ان اشعل لنفسه سيجارة، وقبل ان يغادر البيت شعر بشيء من الغثيان يدور بين المعدة والراس، غير انه عندما اخذ طريقه نحو الخارج تبدل شعوره المقيت بأحساس جديد من الالفة الضميرية يحل فيه وبنوع من المسؤولية ازاء جسده، اخذت تمتزج بمؤاخاة متجملة رغم اثرها الخارق عليه.
***
حمل السنين، وثقل احزانها وتعبها، وحدها كانت كافية ان تهد كاهليه، وتسلمه لشيخوخة الجسد قبل ان يبلغها في مسيرة العمر. علاوة على ما كان ينتظره من آتي الايام القادمة التي يراها في صفاء تفكيره ووعيه، ذلك الحمل لو وقع على جبل لدكه ولاحاله الى انقاض.
بعد، او اثناء لحظات العنف والقسوة والاستلاب التي يعيشها، كان يلجأ اما لزيارة امه او الاختلاء بصديق تجمعه به كثير من الاصر الروحية، والمشاركة الوجدانية التي تشعره بنوع من الراحة وتماسك الروح بعد تخلخل صفائها. او مع كاس من ترياق الحياة الذي يشده بقوة لنشوة النفس يغسلها من درن القسوة والحزن المتلبد في اوصالها، ليتركه في اخر الليل جثة هامدة على فراشه حتى بداية نهار جديد من نهارات القسر الخالد.
قرر ان يجمع التعاويذ الثلاث معا في هذا اليوم، زار امه خلسة كالعادة من اعين الرقباء في المدينة التي تطارد ظله حتى في احلامه الكابوسية، بعدها كان مع صديقه يمضغان مرارة الحنظل دون تعب او اعياء ودون ملل في تفصيلات الشيئية والمساجلة المعرفية في نواحي السياسة والفن والفلسفة والادب والتاريخ دون ان يتركا هموم الحب والجنس والموت.
ولطالما انهى بعض تلك الزيارات الممتعة مع صديقه للسبب القاهر عينه، انهى اليوم تلك المتعة المؤلمة بعد وقت قصير ايضا وللسبب ذاته رغم انهما كانا في بداية انسجام ذاتيهما في تفصيلات جديدة من التوافقات الموحدة في التاريخ العربي بغرابة وقساوة مفردات مراحله، حينما رأى تحركات زوجة الصديق المشبوهة فاضحة في تصرفاتها معه، عندئذ قرر انهاء الجلسة والهرب نحو احدى الحانات، لم يمانع من تلك الانفلاتة المتوقعة على غير عادة منه، بل بدا انه ارتضاها بمرارة واضحة، مما زاد من هم تركي هاشم هماً اضافياً جديداً اخر، اشد ايلاماً وخيبة.
بعد ان اختلى في زاوية من الحانة، جلس يتطلع بالوجوه المتعبة، والسادرة في غيها القاسي امام كؤوس تبتلها وخذلانها وتحلل قراراتها.
ظل يبحث في الوجوه الاسفنجية التي امتصت مع مراراتها تجليات اللحظة المقطوعة، عن وجه يعرفه وحين اخفق عاد للتوحد مع كاس تجسدت امامه مثل امرأة عبثية متغنجة في بحثها بين الموائد عن دعوة للإنس والمتعة، لتنزع عن كاهل ونفس مضيفها هموم يومه والام ما يعانيه بمرحها المخدر وبعبث فعالياتها الحماسية، دون ان تتفوه بكلمة واحدة، الخمرة مثل امرأة مصابة بخرس العبقرية والنشوة. فكما تأخذ تعطي المزيد. ومقابل قيراط من المداعبة والملامسة لمجسات لذاتها، تعطي لمعاقريها من المتمرسين وشيوخ الموائد مثاقيل من النشوة والارتقاء حتى في اشد حالات الانحطاط والاحباط المدمرين.
في غفلة من احاسيسه الملهمة، تنبه لرجل استضاف مائدته من غير دعوة، ودون ان يتفوه بكلمة قبل ان يجلس، كان وجهه نضاءً بالظرافة والود، وبطلعة جميلة مصرة على الجلوس معه، مثل صديق قديم جاء متأخرا عن موعده فجلس دون ان يضيع ثانية من الوقت المتبقي، حتى للسلام، او انتظار الدعوة للجلوس.
"تركي هاشم" لم يستغرب الاستضافة غير المتوقعة، وغير المنتظرة، كما لم يستغرب ذلك الضيف الذي حمل نفسه على غير اذن او دعوة على اخر اختلى بأنوثة كاسه الجميلة في لحظة من صمت القطيعة، بل ان ملامحه كلها قد تبدلت سريعا الى ملامح من الراحة والصفاء لتستشرف محيا صديق عزيز غاب زمنا طويلا، وجاء على غفلة من القلق ليبدده كليا.
قدم تركي كاسه المترعة بجسد خليلته اللؤلؤية احتفاءً بينما قدم الضيف خليلته التي احتضنها معه ليحررها من خدر اضمامته للمضيف رداً على كرم الضيافة. ودون مقدمات لضرورة مجالسة الغرباء اخذا يتحدثان بود.
مرت ساعات سريعة، لم يسال احدهما الاخر عن الهوية او التاريخ. كما لم يقدم اي منهما وثائق اعتماده سنداً لعلاقتهما السريعة. اخذا الحديث من وسطه، ولأنهما كانا يعرفان البدء، تحاورا في البقية المؤجلة، وحاولا التوصل لحلول ظلت مطروحة للقاء قادم من ماضي سحيق. واكملا ما بقي ناقصا في زمن تولى، مثل حميمين لم يتفرقا لحظة واحدة ولم يصعب عليهما التفكير فيه وان بدا في حالة من التضخم والاضطراب.
قال الضيف وقد ران على وجهه ملمح جاد: "كنت قلقا عليك!"
رد "تركي هاشم" بقوة وحزم: "لكنني كنت مطمئنا عليك!" لم ينس الضيف ان يؤكد: " توقعت وجودهم في النفق.. وعندما ادرت اليك وجهي. رايتك واثقا. على وجهك نفس الاستشراقة النورانية اللماحة، فحمدت الله على نعمة السماء".
تذكر "تركي" انه في تلك اللحظة حاول معرفة ما كان يجول بخاطر "سعيد" فمن الجائز انه فكر بشيء هائل ومغاير لتفكيره، ومن الجائز انه لم يكن يفكر بشيء من هذا القبيل، ومن الجائز كذلك انه اخطأ في هذا وذاك، غير انه على ثقة تامة ان راس " سعيد " عندما تدحرجت، كانت ناشفة ومليئة بالقرارات والخيارات غير المتوقعة.
ــ "حين رأيتك تدخل خيمة عباءتها، تيقنت انك مختار ليوم اخر، اذ ذاك اطمأنت روحي! فكنت اضحك في سري، واراها تضحك بشموخ وبثقة لا يضاهيان عندما كانوا يبحثون في خلاف رقابنا ".
عدل الضيف عباءته حول جسده، وعلى كوفيته التي وشحت راسه ساوى عقاله الذي بان مثل تاج على رأس ملك جليل، ماسحا شاربه بزهو وتأنق. هادئين، وقبل ان يقول شيئا ضم اصابع يده على صفحة وجهه المتعرقة متوضئا من الجبهة حتى الذقن، لكأنه يزيل عن ذلك الوجه الوضاح مخلفات قسوة الماضي، ليحل محلها لونا من السرور. عندها اكتست نظراته مديات واسعة حتى خيل لـ " تركي " انه يراها مثل تحويمات طيور النورس على صفحة ماء غرينية هادرة ومثل سحابة بيضاء نقية ظللت نظراته تلك عمق سماء روحه.
حين لفته بعباءتها سمع هسيس انفاسها اللاهبة تمزق اغشية رحمها بأناقة متنسكة، بعد ان تجذر في جسدها الطري مثل عطر بشري فواح ليكسب وديعة سر اشراقته.
اخذ الضيف طريقه، عندما افترقا، واخذ " تركي هاشم " طريقه الاخر، بعد ان خلفا على سرير لذتهما المشترك بقايا من ليلة خالدة، مضمخة بعطر الاقدار الاتية.
............
3/6/2001
بغداد – العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق




.. شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا