الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشمس قد تشرق .. من تونس!! .... (4).... الجغرافية الحاكمة للشعوب والحضارات!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2017 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كان للتاريخ قوانينه الصارمة، التي أنتجت لنا عوقاً فكرياً وشللاً حضارياً وجموداً اجتماعياً، قد أدت أيضاً إلى احتجازنا كعرب عموماً و "المشرق العربي" خصوصاً، داخل (حدود منطقة تاريخية ماضوية) تنتمي إلى شروط الماضي القرسطوية ومحدداتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ومواصفاتها التاريخية، وليس إلى العصور الحديثة وأنوارها التقدمية!!
وكلما حاول العرب بقيادة المشرق العربي ـ وعلى مدى عدو أجيال ـ الخروج من هذه المنطقة التاريخية الماضوية القرسطوية، أُرْجِعْوا إليها بقوة قاهرة: مرة بقوى رجعية داخلية.. ومرات ومرات بقوى استعمارية خارجية !!
وإذا كان هذا هو الذي أنتجته قوانين التاريخ الصارمة، فإن للجغرافية وتضاريسها الحاكمة، قوة قاهرة أخرى لا تقل عنها حسماً وتأثيراً،.. وقد تعاونت القوتان ـ قوة التاريخ وقوة الجغرافية ـ معاً، وَوَضْعّتنا العرب جميعهم اليوم في موضع بائس لا يحسدون علية.. فللجغرافيا تأثير حاسم على كل موجودات الأرض، وليس على الإنسان!!

فلو أننا تتبعنا النشرات الجوية التي تذيعها الأرصاد الجوية والإذاعات والمحطات الفضائية وغيرها يومياً مثلاً سنجد:
أن أغلب الدول المتطورة والمتقدمة علمياً وتكنولوجياً وحضارياً، معظمها يقع في مناطق باردة أو معتدلة الحرارة، وذات مناخ طيب من جغرافية الأرض..وكذلك سنجد أن من المستحيل أو النادر جداً، أن نجد دولاً متقدمة علمياً وحضارياً وتكنولوجياً تقع في المناطق الحارة أو الشديدة الحرارة.. ويكاد العالم أن يكون مقسماً جغرافياً وحضارياً، بين شمال بارد ومتقدم وجنوب حار ومتخلف!!

وذلك لأن الجغرافية الأرضية تلعب دوراً حاسماً، في تكيف حياة جميع المخلوقات والأحياء الأرضية ومنها الإنسان نفسه، وتساهم في بناء كيانه الإنساني وكينونته البشرية شكلاً ومضموناً .
والجغرافية الأرضية بدورها تخضع لقوانين كونية وانقلابات دورية أكبر منها، فتنتج بيئات متنوعة كونياً وأرضياً، تترتب وتصاغ على أساس من تأثيراتها المختلفة نتائج متناقضة ـ ليس الإنسان مسؤولاً عنها ـ على البيئات الأرضية والحياة الإنسانية، ومن ثم على جميع موجوداتها ومخلوقاتها، وخصوصاً المخلوقات الإنسانية وجميع أنشطتها الحياتية المتنوعة!!
ولهذا تعتبر الجغرافية واحدة من أهم عوامل التاريخ الثابتة، وواحدة من أهم عوامل قيام الحضارات أو اندثارها، وأكثرها تأثيراً في ديمومتها واستمرارها أو فشلها وانحطاطها!. وكذلك تدخل الجغرافية وتدخل في تكوين الإنسان ذاته، وفي مجمل أنشطته الحياتية والحضارية:
فالجغرافيا هي التي تعطي للبشر صفاتهم البدنية وأشكالهم الجسمانية وألوان بشرتهم وألوان عيونهم وشعورهم، وحتى طبيعة مشاعرهم الإنسانية!.
وهي التي تحدد طباعهم وأمزجتهم وطرق معيشتهم وطبيعة إنتاجهم!.
وهي التي تفرض عليهم أنواع أغذيتهم وأشكال أزيائهم وأنواع ألبستهم!.
وهي التي تحدد طبائعهم وأنواع أنشطتهم وشكل علاقاتهم الاجتماعية!.
وهي التي تشكل تضاريس أرضهم وطبيعة مناخهم وأنواع محاصيلهم الزراعية وثرواتهم الحيوانية والمعدنية!.
وهي التي تصوغ وتتدخل أحياناً، في بلورة معظم عقائدهم الدينية والدنيوية ومفاهيمهم عن الكون والوجود والحياة، والتي تتشكل منها معظم تقاليدهم وطقوسهم وسلوكياتهم وثقافتهم وحضاراتهم......إلخ
باختصار.. ليس هناك شيء يخص الإنسان ووجوده المادي والمعنوي، إلا وكان للجغرافية دخل جوهري في تكوينه!!
***
وعلى مدى التاريخ الكوني والإنساني المعروف، كانت التغيرات الجغرافية والمناخية ـ الكونية والأرضية ـ قد تسببت بانقلابات حياتية، وأدت إلى انقراض أنواع من المخلوقات الأرضية كالديناصورات مثلاً، وإحلال مخلوقات أخرى عوضاً عنها مناسبة لمناخ الأرض الجديد، الذي أنتجنه التغيرات الجغرافية .
وكذلك أدت مثل هذه التغيرات الجغرافية إلى حلول عصور مناخية مختلفة ومتناوبة على سطح الأرض، كالعصور الجليدية والعصور الدفيئة مثلاً، والتي تسببت في انقراض أنواع من المخلوقات والمزروعات، وبروز أنواع أخرى من المحصولات الزراعية والمخلوقات الحيوانية وحتى الإنسانية..وتسببت أيضاً في هجرات بشرية وحيوانية كبرى من مكان إلى مكان آخر من جغرافية الأرض وقاراتها المختلفة!

فالهجرات الكبيرة لسكان الجزيرة العربية [الجزريين أو الساميين] إلى العراق وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا، وإقامتهم لحضارات كبيرة وكثيرة في ربوعها مثلاً: كانت بسبب التغيرات المناخية العاصفة الني عصفت بالجزيرة العربية، والتي تسبب بها انحسار العصر الجليدي الأخير عن الأرض، وإحلال العصر الدفيء الحالي محله قبل عشرين ألف سنة!
فتحولت نتيجة لهذا التغير المناخي وبسببه الجزيرة العربية والصحراء الكبرى، من مروج خضراء وغابات غناء وأنهار جارية إلى صحارى قاحلة.. فكانت هي السبب المباشر لهجرات واسعة وكبيرة لتلك الأقوام إلى مواطن جديدة!!

وبسبب هذا التصحر، أخذت الغابات والأنهار والمخلوقات الأرضية والنهرية والبحرية في الجزيرة العربية، وعلى مدى آلاف السنين والحقب والأجيال تنطمر في باطن الأرض، وتتحول بفعلها وبفعل تفاعلات كيميائية معقدة، إلى نفوط غزيرة وثروات هائلة وكثيرة، وغنى فاحش لبعض العرب، مكنهم من أن يلعبوا أدواراً سياسية خطيرة أكبر من حجموهم الحقيقية بكثير، بواسطة قوة أموال البترودولار التي يمتلكونها، والتي مكنتهم من فرض هيمنتهم سياسياً واقتصادياً على البعض الآخر من العرب!!
ولقد أدت هذه الثروات الطارئة ـ حتى قبل وبعد اكتشافها ـ إلى تحولات سياسية هائلة في المنطقة العربية، بدأت بتمزيقها باتفاقيات سايكس/بيكو الاستعمارية، وبتفتيت للكيانات العربية التاريخية كالعراق وبلاد الشام والجزيرة العربية، وجعلت من هذه المنطقة مركزاً لمصالح دولية، وبؤرة لصراعات القوى الاستعمارية والإقليمية، مما أوجب على تلك القوى الاستعمارية زرع الكيان الصهيوني في قلبها، لإدامة سيطرتها وحماية مصالحها الاستعمارية فيها..وكذلك بافتعال حروب عربية عربية وخلق اضطرابات داخلية واصطناع ـ بطرق استخبارية ـ لمنظمات إرهابية كالقاعدة وداعش والنصرة والمئات غيرها، في سبيل ضمان وإدامة هذه المصالح الاستعمارية!!
ولو تتبعنا كل هذه الانقلابات السياسية والاجتماعية والحضارية العاصفة في المنطقة العربية، سنجد أنها لا تقل عصفاً في الحياة العربية عن تلك التغيرات العاصفة التي تسببت بها تلك الانقلابات المناخية الكونية قبل آلاف السنين!!

لقد كان للانقلابات الكونية والتغيرات الجغرافية والمناخية، تأثيرات دائمية وجوهرية على حياة الإنسان ونشاطه وإنتاجه وحضارته بكاملها..وكا ن لها دائماً دور فاعل في خلق منظومات معرفية وفكرية وسياسية وحضارية جديدة، وموت أو إلغاء منظومات معرفية وفكرية قديمة..فرفعت بسببها أمم وشعوب ومجتمعات وإمبراطوريات كقوى جديدة، وفي الوقت نفسه انقرضت أو ألغيت أو حجمت أمم وشعوب ومجتمعات وإمبراطوريات أخرى كانت قائمة وفاعلة!!
وقد حدث لهذه الأمم والشعوب والمجتمعات ـ الصاعدة والهابطة ـ وبنفس الدرجة، ما حدث ـ أو شبه ما حدث ـ لأنواع المخلوقات وأنواع الأشجار والمحاصيل الزراعية ـ الجديدة أو المنقرضة ـ بتأثير من تلك التغيرات المناخية والانقلابات الجغرافية..وقد انخفض بتأثيرها الشرق بعمومه ـ والعرب في طليعته ـ حضارياً وعلمياً وسياسياً واجتماعياً، بينما أخذ الغرب بعمومه أيضاً يرتفع تدريجياً، حتى أصبح سيد العالم في كل تلك المجالات!.
***
ولو أننا ـ مرة ثانية ـ تتبعنا جميع هذه الانقلابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإرهابية في الحياة العربية الحالية، سنجد أيضاً: أن جذرها البعيد يمتد بنسب ما إلى تغيرات جغرافية وبيئية لاحقة، لتلك الانقلابات والتغيرات الجغرافية والمناخية الكبرى البعيدة في بيئتنا العربية، والتي أدت إلى انحسار العصر بالجليدي وحلول العصر الدفيء الحالي على الأرض.. فأدت بدورها إلى تغيرات إيجابية على أجزاء من الأرض، وتأثيرات شديدة السلبية على أجزاء أخرى منها، ومنها أرضنا العربية!.
لكن ما هي هذه الانقلابات المناخية التي عصفت بالمنطقة العربية؟؟..ومن ثم ما هي تأثيراتها الفكرية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية، التي عصفت بــ "المشرق العربي" وجعلته يفقد دوره وقيادته للمنطقة العربية؟؟.. وبالنتيجة جعلته يفقد حتى سيادته وهويته واستقلاله؟؟

[ يــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــع ]
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح