الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقود الخدمة - ليست بخير

سلام موسى جعفر

2017 / 2 / 12
السياسة والعلاقات الدولية


كنت قد انتظرت الجزء الثاني من مقالة الاستاذ صائب خليل حول " عقود التراخيص . بعد ان أعجبت جدا بالجزء الاول ، وخصوصا الطريقة المنهجية المبسطة في شرح المصطلحات الاقتصادية ، والتي تذكرني بطريقة احد أساتذتي في كلية الادارة والاقتصاد ، الذي كنت احترمه وأقدر حماسه ، ومع ذلك كنت اشاكسه ، كما افعل اليوم .
لا اخفي اعجابي بجهود الكاتب ومثابرته حتى في المرات التي اختلف معه فيها، وأحييه عليها.
بنفس الوقت لا أستطيع ان اخفي عليه ولا على الصديقات و الاصدقاء ،اني كنت أتوقع ان يرسم لنا الاستاذ في مقالته التي عنونها " عقود التراخيص - العقود بخير، ولكن " صورتين ، واحدة إيجابية ، والثانية سلبية، على اعتبار ان عنوان الجزء الاول من مقاله يوحي بذلك الاستنتاج ، رغم التلميحات التي اخترقت الجزء الاول من المقال ، من السطر الاول حتى الخاتمة ، والتي كانت تؤشر الى موقف داعم لها .
عنوان الجزء الثاني وتفاصيل المقال نسفت كل توقعاتي ووجدت نفسي اقرأ ما يشبه مذكرة دفاع عن متهمين . المتهمان هما الحكومة والشركات النفطية العالمية.
ولا اخفي ايضا استغرابي من طريقة تناول الاراء المعارضة او المشككة بعقود الخدمة في المقال . فالاراء المعارضة ينحصر أصحابها مابين جاهل بريء و مغرض يستقتل في تشويه سمعتها بهدف تحويلها الى عقود مشاركة. اُسلوب مواجهة الاّراء المعارضة التي أفصح عنها المقال لايعكس المرونة التي عودنا عليها الكاتب .

السؤال الذي يلح علي كثيرا ، وأتمنى من استاذي العزيز صائب خليل ان يساعدني للتوصل الى اجابة تشفي فضولي " ترى هل قاموا باحتلال العراق وسفكوا دماء الملايين من العراقيين ، وبضعة آلاف من جنود دولهم ، وكل هذه ( الهلومة ) من اجل مجرد الفوز بعقود خدمة قليلة الربح ؟
الظاهر ان شركات النفط الاحتكارية التي كانت وراء العديد من الانقلابات الدموية في البلدان المنتجة للنفط ، صارت (حبابة) ، دون ان ننتبه ، وتحولت بقدرة قادر الى جمعيات خيرية إنسانية لتقبل بأرباح قليلة ، ويستغفلها المفاوض العراقي الفلتة من تلامذة المالكي والشهرستاني ، خريجا مدرسة بريمر عليه أفضل الصلوات ، فيوقعها بمصيدة عقود خدمة ،بعضها غير مجدية ربحيا ، للدرجة ان بعض الشركات المتورطة باعت بعض عقودها ( إكسون موبايل ) دون إعلام الحكومة العراقية ! من يدري لربما اشترتها او ستشتريها شركة إسرائيلية مقرها خارج اسرائيل !

العقود صممت بطريقة التوريط . الشركة البريطانية التي صاغت الاتفاقات والشركات النفطية التي وقعت عليها شجعت المفاوض العراقي و من المحتمل رشته ان يطالب بسقوف إنتاجية عالية ، تعرف الشركات مسبقا ان من المستحيل على الحكومة العراقية تصريف الزيادة الخيالية للنفط المستخرج.
الاتفاق يلزم الحكومة على دفع أرباح الشركات على كمية النفط المتفق علي استخراجه في العقود وليس على كمية النفط المستخرج فعلا ! كما ان ان أرباح الشركات لا تتاثر بانخفاض أسعار النفط . ان انخفاض أسعار النفط صارت عملية سياسية مصطنعة تشارك بها الحكومات وشركات النفط على حد سواء لأجل الوصول الى أهداف سياسية واقتصادية. لا اعتقد ان الشركات النفطية لا تعلم بموعد انخفاض أسعار النفط !

يقول السيد عصري صالح موسى وهو عضو وزارة النفط في جولات التراخيص لعام 2009 " دفعت دراسات أسواق النفط ، العراق عام 2013 الى قراره تخفيض أهداف ( الانتاج )التي قدمتها الشركات المتعاقدة " من فحوى قوله نستنتج ان الشركات هي التي وضعت أهداف خيالية , وليس الحكومة العراقية. فهل يعتقد احد ما ان الشركات لا تعرف انه لا يمكن تصريف 12 مليون برميل مستخرج ؟!
لم تتطرق المصادر التي اعتمد عليها المقال الى تكاليف حماية (من بلاك ووتر ، حتما ) خبراء الشركات وموظفيها ! ولم تتوقف امام رواتب خبراء الشركات وموظفيها ، بعضها يبلغ 60000 دولار شهريا لصغار المدراء التي دفعت وتدفع لهم رغم عدم تواجد العديد منهم في مرات كثيرة في مواقع عملهم لأسباب أمنية . كما لم تتم الإشارة الى مصاريف المقرات الجديدة المخصصة لإدارة عقود الخدمة ، التي أنشأتها هذه الشركات في الخارج ( في لندن) من ايجارات ورواتب ونثرية لا يحق لاحد الاستفهام من الشركة المتعاقدة عن أرقامها الخيالية.
ولاحظت ان مصادر المقال اعتمدت احصائيات وزارة النفط التي استبعدت تكاليف النقل والتخزين واجور العاملين فيها من حساب الكلفة التشغيلية ! واستبعدت كذلك كلفة اندثار متعلقة بعملية الانتاج!
الدكتور نبيل جعفر عبد الرضا وهو أستاذ في كلية الادارةً والاقتصاد في جامعة البصرة ومن اشد المعارضين لعقود المشاركة يحسب كلفة الانتاج في عقود الخدمة للبرميل الواحد 20,50 دولار ، وهو لايحمل تكاليف الاستثمار التي دفعها العراق على البراميل المنتجة في السنوات السابقة ، بل على عدد السنوات المتوقع استمرار الاستفادة من هذه الاستثمارات ، والتي ربطها بمدة العقد الأصلي البالغة 20 عاما ،
بينما في حسابات وزارة النفط لم تضمن تكاليف استهلاك وسائل النقل المخصصة لتسويق النفط المستخرج ضمن عقود الخدمة ، ولا اندثار المخازن والمستودعات وأنابيب النقل والارصفة ، في حساب التكاليف الاستثمارية !

في نصوص العقود ترد فقرة تقول ان القوات المسلحة العراقية ملزمة بتوفير الحماية للخبراء والموظفين .
يتحدث عصري صالح موسى عضو الوفد المفاوض من طرف وزارة النفط مع شركات النفط العالمية ، ان الوزارة ارتأت بعد سنوات ان تقوم الحكومة العراقية بنفسها بتوفير الحماية لموظفي الشركات العاملة ضمن عقود الخدمة ، تخفيفا للتكاليف ، بدل استمرار دفع تكاليف باهضة جدا للشركات التي تتعاقد مع شركات الحماية الدولية!
مع ذلك لم يذكر في حساباته لتكاليف الانتاج اي إشارة لتلك المصاريف ، ولا لتكاليف استهلاك سلاح الجنود واليات نقلهم!
المعروف عن عقود الخدمة ان فتراتها الزمنية قصيرة ، وأطول مدة ممكنة هي عشرة سنوات. الا ان فترة التعاقد في جولات التراخيص التي سُميت ( عقود خدمة ) التي وقعتها وزارة نفط الشهرستاني بلغت 20 عاما ، قابلة للزيادة ( حقلي الزبير والرميلة مددت الى 25 , القرنة الى 30 )
في العقود يرد نص غريب ( ان الشركات المتعاقدة ، تقوم بتشغيل الكوادر العراقية ، قدر الإمكان )
وقدر الإمكان هي عبارة مطاطية ، لاتلزم الشركات المتعاقدة باي شيء .
ولم يرد اي نص يتعلق بتدريب كادر محلي . وبصورة عامة فان العقود أضعفت شركة النفط الوطنية.

كيف تحسب كلفة انتاج البرميل ؟
النفط بضاعة ، وإنتاج اية بضاعة يحتاج الى العمليات التالية:
صناعة البضاعة
خزن البضاعة
نقل البضاعة
الرأسمال المستثمر لا يقتصر على آلات المصنع وبنايته ، بل يشمل المخازن ووسائل النقل المختلفة.
المدافعون عن عقود الخدمة يخلطون عمدا بين انتاج النفط ، كعملية انتاج بضاعي متكاملة وبين المرحلة الاولى ، ولكن الاساسية المسماة " استخراج"
عقود الخدمة تقتصر على الاستخراج ، ولا تشمل عملية الانتاج ككل. لذا فان حساب كلفة الاستخراج قد يكون منخفضا بعض الشيء اذا ما أسقطنا الكلفة التشغيلية وكلفة الاندثار لبقية عمليات الانتاج.

عندما نتحدث عن النفط ، بالنسبة للعراق ، فإننا نتحدث عن عَصّب الحياة الاقتصادية ، عن احلام البناء ، عن المستقبل ، عن الحالة المعيشية للأفراد .
لهذا كله من حقنا ان نستفهم : لماذا استدرجت الشركات النفطية الحكومة العراقية للتعاقد على تطوير الاستخراج فقط ، بينما أهمل عمدا تطوير الصناعة المرتبطة بالنفط ( تكرير النفط وصناعة مشتقاته والصناعات البتروكيمياوية ) والتي كانت حتما ستنعش الاقتصاد ككل.

و عندما نتحدث عن احتلال بلادنا ، فان اول ما يتبادر الى الذهن النفط ، الذي اصبح معضمنا يتمنى عدم وجوده ، او سرعة نضوبه ، حتى نتخلص من سياسة الهيمنة الاقتصادية التي يمارسها الرأسمال العالمي بحق وطننا عبر الحرب ، التخريب ، القروض والمعاهدات المختلفة .
من المسلمات التي لم تعد تخفى على احد ان الولايات المتحدة الامريكية تتبع سياسة فرض الهيمنة الاقتصادية على البلدان التي تحتلها بدل الادارة المباشرة . فرض الهيمنة الاقتصادية يتم عن طريق إعادة هيكلة اقتصاديات تلك البلدان لكي يكون بمقدور الولايات المتحدة من ضمان سيطرتها على المواد الأولية التي يعتمد عليها الاقتصاد الدولي .
اذا كان هنري كسينجر الذي يزعم ان أهمية براميل النفط باهمية زجاجات الكوكولا ! قال قوله الشهير " اذا سيطرت على النفط ، فإنك تسيطر على أمم باكملها او مجموعة امم" فكيف اذن كان الامر اثناء المفاوضات مثلا مع شركة إكسون موبايل التي يرأسها ويديرها اكس تايليرسون الذي اصبح الان وزيرا لخارجية ترامب!
هل يعلم بعض القرّاء الأعزاء من ان إكسون موبايل مثلا عندما وقعت بعض عقود الخدمة في الجنوب ، من بينها ( القرنة 1 ) ، وقعت بنفس الوقت ستة عقود شراكة في كردستان .
الاتفاقات النفطية التي وقعها المركز والإقليم بشكليها ( عقود الخدمة وعقود المشاركة ) تأتي في إطار المحاولات التي لاتنتهي من قبل شركات النفط الاحتكارية للهيمنة على النفط العراقي ضمن سياسة الرأسمال العالمي بتعميق نظام التبعية في البلد التابع.
يتسأل الاستاذ نبيل جعفر عبد الرضا : ما الذي جاء بالشركات النفطية والعراق بلد طارد للاستثمارات؟
ويستمر الكاتب فيقول انه يتضح من الفقرات والمواد التي تضمنها عقد الرميلة انه ليس بعقد خدمة اذ ان عقد الخدمة لا يستمر لمدة طويلة، وهو في الغالب لا يزيد كحد اعلى عن عشر سنوات فيما يشير عقد الرميلة بفقراته ومواده الى انه عقد مشاركة او عقد تقاسم الانتاج. وهو ذات العقد الذي وقعته حكومة كردستان باستثناء العائد الذي تحصل عليه الشركات الاجنبية والمحدد بدولارين في عقد الرميلة مقابل كل برميل نفط خام مستخرج ، في حين تحصل الشركات الاجنبية في كردستان على معدل يتراوح بين 15 – 30 % من نفط الربح.
وباستثناء ذلك فإن كل الشروط العامة المثبتة في عقود المشاركة مدرجة في عقد الرميلة والعقود الاخرى ضمن جولات التراخيص.
وحسب الكاتب فان :
1- كلا العقدان يقيدان تصرفات الحكومة بشكل كبير.𔆒- عقود التراخيص وعقود المشاركة طويلة الاجل والمدة 20 سنة قابلة للتمديد.𔆓- الفقرة الثابتة موجودة في العقدين أي لا تسري القوانين الجديدة بما فيها الضريبة على الشركات الاجنبية العاملة في البلد.𔆔- عقود التراخيص وعقود المشاركة كلاهما يعطيان الحق للشركات الاجنبية لإلغاء العقد في أي وقت تشاء (في حدود ثلاثة اشهر) ولا يتاح مثل هذا الحق للدولة المتعاقدة𔆕- ان أي خلاف بين الحكومة والشركات الاجنبية لا يحل بالمحاكم الوطنية بل في المحاكم الدولية ومنها محكمة غرفة التجارة الدولية في باريس.𔆖- في كلا العقدين تتحكم الشركات النفطية بالتكاليف والتكنولوجيا.𔆗- لا يجوز للحكومات تخفيض الانتاج الا بعد دفع التعويضات عن الخسائر التي يسببها انخفاض الانتاج كما في عقود التراخيص ولا يسمح مطلقا بتخفيض الانتاج في عقود المشاركة.𔆘- كلاهما يمثلان تجاوزا عل حق الاجيال المستقبلية نظرا لطول مدد العقود. 

من كل هذا يتضح ان عقود الشراكة التي وقعها ساسة الإقليم مع شركات النفط الاحتكارية العالمية هي اسوء من عقود " الخدمة " التي وقعتها حكومة المركز.
وهذا لا يعني ان عقود الخدمة افضل من عقود الشراكة ، فاحلاهما مر.
لذا ليس من الصحيح المقارنة بين هذين البديلين فقط ، كلاهما يقومان بتعميق تبعية الاقتصاد العراقي للرأسمال العالمي المتوحش ، وبالتالي يستمر انتهاك استقلال البلد.
اذا كانت عقود المشاركة ليست بخير ، فان عقود الخدمة هي الاخرى ليست بخير !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية