الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الاختلاف بين البورجوازية الامبريالية والبورجوازية الكولونيالية مهدي عامل

عليه اخرس

2017 / 2 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


علاقة الاختلاف بين البورجوازية الامبريالية
والبورجوازية الكولونيالية
1 في التكون التاريخي
للبورجوازية الكولونيالية
قلنا: إن هذا الاختلاف الأيديولوجي لا يظهر على حقيقته إلا في ضوء ذاك الاختلاف في الوجود الطبقي بين هاتين الطبقتين، والذي هو أساس له. فالبورجوازية الفرنسية طبقة مهيمنة ثورية استطاعت أن تقوم بثورة تاريخية قضت على علاقات الإنتاج الاقطاعية التي كانت تحد من تطورها وتطور القوى المنتجة الاجتماعية، ودفعت البنية الاجتماعية بعنف في أفق تطورها الرأسمالي، أي إلى التطور في إطار من علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تولدت داخل الاقطاعية نفسها. على أنقاض الاقطاعية بنت البورجوازية نظام سيطرتها الطبقية الجديدة، وأوجدت، بثورتها هذه، الشروط السياسية الضرورية لانتقال البنية الاجتماعية إلى نظام الإنتاج الرأسمالي. في هذه العملية التاريخية الثورية من الصراع الطبقي ضد نظام الاقطاع، تبلورت أفكار الثورة الفرنسية وتحددت مفاهيم الأيديولوجية البورجوازية، فاكتسبت بهذا طابعها الثوري التحرري.
فالبورجوازية الفرنسية إذن، والأوروبية بشكل عام، طبقة مهيمنة كانت تحمل في صيرورتها الطبقية نظاما جديدا من الإنتاج يستلزم تحققه هدما جذريا لعلاقات الإنتاج الاقطاعية السابقة، أي تحويلا ثوريا للبناء الاجتماعي بكامله. هذه هي قوة الهدم الثورية التي كانت تحملها، في البدء، مفاهيم الثورة الفرنسية البورجوازية، فأي نظام من الإنتاج كانت تحمل بورجوازية النهضة في صيرورتها الطبقية، وأي مضمون محدد اكتسبته هذه المفاهيم الأيديولوجية البورجوازية بانتقالها إلى حقل جديد من الممارسات الأيديولوجية الطبقية؟
إن الاختلاف الجذري الذي تتميز به البورجوازية في بلداننا العربية عن البورجوازيات الأوروبية يكمن في طبيعة تكوينها التاريخي الذي هو يحدد طبيعة صيرورتها الطبقية، أي طبيعة تطورها اللاحق، وبالتالي، طبيعة علاقات الإنتاج المرتبطة بسيطرتها الطبقية. لقد تكونت هذه الطبقة بشكل أساسي في ظل علاقة التبعية الكولونيالية، أي بفعل التغلغل الاستعماري في بنياتنا الاجتماعية وما أحدثه فيها من تفكك نسبي كانت نتيجته تولد علاقات جديدة متميزة من الإنتاج تختلف عن علاقات الإنتاج الرأسمالية كما نجدها في البلدان الأوروبية. وبغض النظر عن طبيعة الإنتاج الذي كان يسود هذه البنيات الاجتماعية قبل بدء التغلغل الاستعماري، هل هو إنتاج إقطاعي بدأ التأزم في تناقضاته الداخلية ينبىء بظهور إنتاج رأسمالي، كما تشير إليه بعض الظاهرات من وجود إنتاج حرفي متطور أو تحول في شكل تملك الأرض، أم أنه من نوع آخر ينتمي إلى شكل محدد من أشكال الإنتاج الآسيوي، فإن التغلغل الاستعماري أحدث انعطافا جذريا في حركة التطور التاريخي لهذه البنيات الاجتماعية، أي إنه أحدث تغييرا جذريا في منطق تطورها الداخلي، وجعلها تخضع لمنطق آخر من التطور هو منطق التبعية الكولونيالية. قد يكون بعض الباحثين محقا في القول: إن بوادر إنتاج رأسمالي« طبيعي » أخذت تظهر في بنياتنا الاجتماعية، في مصر أو لبنان مثلا، قبل التغلغل الاستعماري، أي بفعل تطورها الداخلي نفسه وكنتيجة له. هذا ما يشير إليه برنامج الحزب الشيوعي اللبناني في فصله الثالث : « سمات تطور لبنان وخصائصه » وهذا ما يؤكده بقوة ابراهيم عامر في كتابه : «الأرض والفلاح المسألة الزراعية في صر »حين يقول مثلا :لقد كانت أسباب نشأة الرأسمالية كامنة في مصر قبل التدخل الخارجي، وكانت تلك الأسباب تتخذ شكل تطور الاقتصاد الزراعي المصري من. اقتصاد طبيعي إلى اقتصاد للسوق...» ص، 82 ) وهذا ما يؤكده أيضا فوزي جرجس ) في معرض البحث في التفكك الذي أحدثه تطور الإنتاج الرأسمالي في البنية الاجتماعية حين يقول مثلا في كتابه:«دراسات في تاريخ مصر السياسي منذ العصر المملوكي » : وهذا التفتت (في المجتمع المصري) كان من المحتم أن يتم بالتطور الطبيعي للرأسمال الوطني» ولكنه لم يتم أيضا في هذه المرحلة من تاريخ مصر (أي » في عهد عباس وسعيد واسماعيل)، ولكن تطور الرأسمالية الأوروبية الذي يتخطى حد المقارنة إذا ما قيس بتطور الرأسمال الوطني، جعلها هي التي تقوم بهذا الدور في مصر .« ولمصلحتها هي وضد مصالح الطبقات الشعبية المتخلفة، وضد الرأسمال الوطني (ص 74 75 ) غير أن التغلغل الاستعماري، مما لا شك فيه، وجه هذا التطور الداخلي الناهض أو البادئ في نهضته، منذ بدايته، في أفق التبعية الكولونيالية الضروري، أي في خط آخر منحرف أو مختلف جذريا عن الخط « الطبيعي »لتطور الإنتاج الرأسمالي. ولا فائدة من البحث المجرد في معرفة نوع التطور التاريخي الذي كانت ستتجه فيه مجتمعاتنا في حال عدم وجود التغلغل الاستعماري، هل هو تطور رأسمالي شبيه بالتطور الرأسمالي الأوروبي ومماثل له، أم هو تطور آخر مغاير له، فمجال التخيل في هذه القضية رحب لا يحده واقع تاريخي. أما الحقيقة المادية الفعلية التي تجذب التفكير العلمي وتبعده عن ذاك التخيل فهي إن هذه المجتمعات انطلقت في تطورها التاريخي الحديث في وقت كان فيه تطور الرأسمالية في أوروبا قد وصل إلى مرحلة التوسع الاستعماري.فما كادت تبدأ بالخروج من إطار نظام الإنتاج السابق السائد فيها، في عملية تاريخية معقدة وبطيئة من الانتقال إلى الإنتاج الرأسمالي، حتى اصطدمت بعنف، في حركة تطورها الداخلي، بموجة التغلغل الاستعماري العارمة التي أخذت تجتاح العالم بأسره، سواء عن طريق التوسع المتزايد للسوق العالمية، كسوق المنتوجات الصناعية الرأسمالية الأوروبية وللمواد الخام التي كانت تستوردها، أم عن طريق تغلغل الرساميل الأجنبية إلى البلدان غير الأوروبية.في هذه الشروط التاريخية المحددة من انتقال الرأسمالية إلى طور تطورها الامبريالي، لم يكن ممكنا على الإطلاق أن يتخذ تطور مجتمعاتنا الشكل الرأسمالي الذي اتخذه تطور أوروبا، بل كان عليه بالضرورة أن يتخذ شكلا آخر متميزا هو الشكل الكولونيالي، أي شكل الارتباط التبعي البنيوي بمنطق التطور الامبريالي للرأسمالية الأوروبية.
ولقد كان، بالطبع، لهذا الشكل الكولونيالي من التطور الاجتماعي أثره العميق في الحركة الخاصة بتكون البورجوازية في بلداننا،وبالتالي في تحديد طبيعة وجودها الطبقي وصيرورتها الطبقية. ويمكن القول، من زاوية معينة، إن تاريخ تكون هذه الطبقة الكولونيالية هو في حد ذاته تاريخ تكون العلاقة الكولونيالية نفسها، من حيث هي علاقة بنيوية من التبعية بين بنيتين اجتماعيتين مختلفتين:بين بنية اجتماعية رأسمالية اكتمل تكونها منذ زمن بعيد، ودخلت في طور تطورها الامبريالي من جهة، وبين بنية اجتماعية لم يكتمل بعد تكونها، بل هي في مرحلة من التكون الجديد، أي في مرحلة انتقال من نظام إنتاج سابق للرأسمالية إلى نظام إنتاج آخر هو في الظاهر نظام الإنتاج الرأسمالي، من جهة أخرى لا تكافؤ إذن، في هذه العلاقة، لأنها علاقة بين بنية شديدة التماسك الداخلي، وأخرى في تفكك بنيوي،بسبب من وجودها بالذات في علاقة مع الأولى، أو قل في علاقة فرضتها الأولى بالعنف عليها. فهي إذن، بالضرورة علاقة سيطرة بنيوية، أي علاقة تسيطر فيها الأولى، بحكم منطق تطورها نفسه، على الثانية وتحدد تطورها. لهذا السبب كله، لم يكن ممكنًا، في الواقع أن تتكون البورجوازية الكولونيالية في بلادنا على الشكل الذي تكونت فيه البورجوازية الرأسمالية الأوروبية، حتى وإن كان لهذا الإمكان من تماثل التكون الطبقي وجود في منطق التطور الداخلي للبنية الاجتماعية السابقة للرأسمالية. إن التكون التاريخي للبورجوازية الكولونيالية عندنا، في إطار علاقة التبعية البنيوية، وسمها، منذ البدء، بعجز بنيوي عن أن تكون في علاقة تماثل، هو أصلا مستحيل، مع البورجوازية الامبريالية، فكانت علاقتها معها قائمة بالضرورة على أساس من الاختلاف البنيوي، أي من الاختلاف في الوجود الطبقي والصيرورة الطبقية، هو في الحقيقة تفارق طبقي تتميز به عن البورجوازية الامبريالية في ارتباطها التبعي نفسه بها. لم تقم البورجوازية عندنا، على نقيض لبورجوازية الفرنسية مثلا، بثورة على البنية الاجتماعية السابقة، أو على الطبقة المسيطرة فيها، ولم تصل، عن طريق ثورة، إلى تملك السلطة السياسية وفرض سيطرتها الطبقية. ومن الواضح أيضا أن البنية الاجتماعية الكولونيالية، أي هذا الشكل التاريخي المتميز من البنية الاجتماعية الرأسمالية، لم تخرج بالعنف الثوري من أحشاء البنية الاجتماعية السابقة، سواء أكانت هذه البنية الاجتماعية إقطاعية وهذا مستبعد أم « استبدادية » وهذا هو الأرجح، ولم تقم على نقاضها، كما حدث في فرنسا مثلا، بل إنها قامت، بالعنف الاستعماري، على أساس هذه البنية الاجتماعية السابقة وفي إطارها،وليس على أنقاضها، فكانت بذلك عملية تكونها التاريخي تفكك هذه البنية وتحافظ عليها في الوقت نفسه، أو تحافظ على عناصر بنيوية كثيرة فيها، وتوحد بينها في إطار بنيوي جديد هو إطار التبعية الكولونيالية .فعملية الهدم الثوري لعلاقات الإنتاج السابقة عملية لم تحققها البورجوازية عندنا قبل بدء التغلغل الاستعماري، ولم يحققها الاستعمار أيضا، برغم ما قام به من تفكيك لعلاقات الإنتاج هذه، أو قل: إنه لم ينجزها،بل كان بالعكس عائقا في وجه ذلك، لأنه كان في الحقيقة يرسخ وجود هذه العلاقات في شكل تفكيكه وتحويله لها. ولا نستبق البحث كثيرا، ولا نبالغ في الاستطراد إذا قلنا:عن القيام به من هدم جذري وتحويل ثوري لعلاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية، بسبب من تطور سيطرتها الطبقية في ظل العلاقة الكولونيالية.لم تقم هذه الطبقة إذن، بثورة بورجوازية تقضي بها على علاقات إنتاج تعيق تطورها، ولم يكن لها أو بإمكانها أصلا أن تقوم بها، لسبب بسيط هو أن التغلغل الاستعماري كان قد ابتدأ ولما يبتدئ بعد تكونها الطبقي، أو قل: إنه كان في مهده، فجرت عملية هذا التكون الطبقي واكتملت بالشكل الذي حددها فيه ذاك التغلغل الاستعماري، وبفعل منه، وفي الإطار البنيوي الذي ولده وجوده نفسه، بمختلف أشكال هذا الوجود، سواء في ربطه الإنتاج الزراعي المحلي بالسوق الأوروبية، وما كان لهذا الربط من أثر فعال في تكون الملكية الخاصة الفردية للأرض وتطورها، أم في إنشائه بنوك الرهونات والتسليفات وغيرها، أم في مده البلد المستعمر بقروض سخية موجهة تقوده إلى إفلاس حتمي، كما جرى في مصر في أواخر عهد اسماعيل، ومن ثم إلى الوقوع بسهولة عجيبة تحت السيطرة الاستعمارية الشاملة، إلخ...بل يمكن القول: إّن هذه الطبقة لم تكن قط ثورية، حتى بعد اكتمال تكونها وانطلاقها في تطورها من موقع وجودها في السلطة السياسية كطبقة مسيطرة،برغم دخولها، في مرحلة لاحقة من تطورها، في نوع محدد من التناقض مع الاستعمار الذي تكونت في ظله وتحت رعايته. إن تاريخ تكون الملكية الفردية للأرض في مصر مثلا، من حيث هو تاريخ تكون البورجوازية الكولونيالية نفسها، بدأ فعليا مع بدء التغلغل الاستعماري، أي مع حملة بونابرت وصدور قانون 16 سبتمبر 1798 الذي »وضع النواة النواة »الأدنى لنشأة الملكية الفردية في الأرض الزراعية في مصر، وزعزع أسس نظام ملكية ،« الدولة ونظام الانتفاع حسب قول ابراهيم عامر (المرجع نفسه). واستمر مدة مائة عام تقريبا اتخذت فيه إجراءات مهمة، كاللائحة السعيدية مثلا والقانون المدني الأهلي الذي صدر في 28 ديسمبر سنة 1883 والتعديلات التي أدخلت عليه فيما بعد حتى سنة 1896 ، أدت إلى تكريس الملكية الفردية للأرض كشكل جديد من الاستغلال الطبقي وبالتالي إلى تكون طبقة من الملاكين الزراعيين الكبار هي طبقة البورجوازية الكولونيالية أو الجناح الرئيسي من هذه الطبقة التي يكون كبار تجار التصدير والاستيراد جناحها الآخر. ليس غريبا، في هذه الشروط، أن يلعب الاستعمار الدور الرئيسي في عملية تكون هذه الطبقة، وأن يكون القوة التاريخية المحررة لها من قيود علاقات الإنتاج « الاستبدادية »السابقة. بفعل تغلغله، أخذت تتكون علاقات إنتاج جديدة هي القاعدة المادية الفعلية لوجوده ولبقائه في البنية الاجتماعية من نظام إنتاجها السابق إلى نظام إنتاج آخر جديد. معنى هذا أن الاستعمار لعب في تطور بنياتنا الاجتماعية الدور التاريخي الذي لعبته الثورة البورجوازية في تحقيق انتقال البنية الاجتماعية في فرنسا مثلا من نظام الإنتاج الاقطاعي إلى نظام الإنتاج الرأسمالي. إلا أن علاقات الإنتاج الكولونيالية التي تولدت بفعل تغلغله ليست، لهذا السبب بالذات، مماثلة لعلاقات الإنتاج الرأسمالية التي تولدت في إطار الإنتاج الاقطاعي نفسه، وبفعل تطوره الداخلي،ثم تكرست وترسخت وتحرر تطورها العام بفعل الثورة البورجوازية. فعلاقة التبعية البنيوية التي تربط الإنتاج الكولونيالي بالإنتاج الرأسمالي الاستعماري تمنع أصلا وجود التماثل بينها، بل تفرض، بالعكس، وجود تفاوت يقوم في أساسه على وجود الاختلاف البنيوي، أي الاختلاف في البنية، بينها. والتبعية هذه تكمن في بنية علاقات الإنتاج الكولونيالية المتميزة نفسها، ووجودها رهن بوجود هذه البنية، يظل قائمًا ما دامت هذه البنية قائمة.

مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
مهدي عامل
النسخ الالكتروني عليه اخرس











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024