الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحن الى هذه الوجوه

شادية الأتاسي

2017 / 2 / 12
سيرة ذاتية



أحن الى هذه الوجوه . ..

هيلا ذات الوجه الصبوح ، إبنة المعضمية ، إبنة الحياة ، تقرع بابي والأبواب ، في صباحات البرد والحر ، تبيع تعبها ، تبيع يومها وتروي حكايتها ، حياة مفعمة بالبؤس ، هزيلة الفرح ، رديئة الإخراج ، تروي وهي تضحك و تشرق بدموعها ساخرة من آلامها ومن الحياة ، وتعود إلى بيتها في آخر النهار راضية ، وفي يدها بضعة وريقات ثمنا ليوم طويل من العرق والقهر والتعب .


بائع الصبارة ، إبن داريا الوسيم ذو الوجه الأسمر المعروق
في ركنه المعهود ، يشعل فوانيسه الملونة كل مساء ، وينثر الماء على أصص الفل والشاب الظريف والست المستحية ، وتخترق رائحة بضاعته أميرة البساتين الشهية عمق الليل الدمشقي الحار ، ويسهر المحبون على كراسيه الواطئة في الأرصفة والزوايا مع نسمات المساء حتى الصباح ... ..

بائع الذرة ، إبن بساتين المزة القوي ، الملوح بوهج الشمس ، يشق صوته الأجش عمق الغروب ، كل غروب دافعا عربته المتأرجحة ، حانيا ظهره ، مقدما لبضاعته الشهية ،/ بيضا ..بيضا /، يلقي سلام الصديق وهو يتخذ مكانه المألوف في زاويته المعتادة تحت ضوء الشارع ، تغرف رائحة العرانيس الساخنة القلوب في هرج المساء .. ويعود مع الصباح والعربة فارغة والقلب أتعبه يوم شاق طويل


بائع المواسم إبن الغوطة الشرقية والغربية ، يلم ما تجود به أرضه من مواسم خيرة ،، ناثرا بضاعته في وهج الشمس على الأرصفة الفول والبازلاء ،الملوخية و البامية ، خضراء ناضجة مغرية .يجادل ويدافع بشراسة عن تعب وضنى الأيام الطويلة . إلا إنه سرعان ما يتراجع و يرضى ويحمد الله ويشكره ، داعيا أن تزين مائدتك دائما بضاعته ، المجبولة بالتعب والشمس والخير .


المسحراتي إبن الحارات القديمة ، نداءه الأجش القادم من جوف الليل الرمضاني ، على إيقاع طبلته يا صايم وحد الدايم ، يثير في اعماقنا شجن واشواق غامضة الى البيت القديم والريح تعصف في الخارج لكن الداخل دافئ و حنون . كنا نرى في المسحراتي وطبلته السحرية ، مارد خرافي يخرج في الليالي الرمضانية الباردة داعيا إلى الإسراع في الطعام والشراب قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ..فنهرع مذعورون الى ملء بطوننا بالطعام والشراب خوفا من جوع يوم طويل


وفي جنون الدمار والموت الذي يحوم فوق الجميع ، أتساءل فيما إذا كانت هذه الوجوه الجميلة قد اختفت !!!
هي وجوه عابرة ولكنها وجوه حقيقية تلملم ما تبعثر من تفاصيل الأيام في الذاكرة قبل أن تخبو وتبهت .
شربما اختفى بعضهم وربما اختفوا جميعا ، غيابهم القوي عن حياتنا ، الذي كان يشكل تفاصيل أيامنا ونحن لاندري ، يفقدها حيوية الحنين إلى الدفء ، إلى البيت ، إلى الوطن . أتمنى لو كنت قد عرفتهم عن قرب ، أتمنى أن أسأل عنهم ، ولكني لا أفعل ، فالجميع اليوم يذهب دون وداع والجميع يغيب دون استئذان ، ونحن قد نغيب فجأة دون وداع ..فلا أحد على رأسه خيمة اليوم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم