الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاشباح التوأم قصة قصيرة

يعقوب زامل الربيعي

2017 / 2 / 12
الادب والفن


الأشباح التوأم
...........
تسلل رجل - مشعر على هيئة ثور براس انسان شعره مجدول بثلاث جدائل من الناحيتين، يبدو خائفا - الى الغرفة، حين توسطها اضطجع على الارض. بعد حين سمع شخيره، كان عالياً تماماً، ومقلقاً في نفس الوقت. ( " لقد أوغل في السفر البعيد، لكنه تعب فعاد " ). توسم السلام هنا في الغرفة ( " لقد أدرك الحكمة، والذي نفذ في كل الاشياء " ).
- هل ترينه؟
- من؟
- النائم هنا في وسط الغرفة
- لا. ليس سواك معي، والطفلان!
- هذا. الذي نصفه انسان، ونصفه الآخر ثور؟!
- أنت متعب الليلة. ولعل رائحة النفط اصابتك بالغثيان!
عندما وجدته، مهتماً كثيراً برائحة النفط، اكثر من اهتمامه بها، همست وهي تقوده لفراشها. وكانت قد رشته برائحة عطر العجائز الريفيات:
ـ أنه النفط ليس الا.
اشارت براسها لطفل متعرٍ، لم يتجاوز الخامسة من عمره. وكان يغط بسبات عميق:
ـ لقد سكبه الشيطان!
بدا أول الامر متضايقاً.. ومتعجلاً لإتمام ما جاء من أجله لينصرف بعدها. جذب المرأة المضيفة بغتة ليضمها اليه. لكنها وبلطف زائد، افلتت جسدها من بين يديه، مندفعة نحو مضجع صبيها النائم. كان عارياً تماماً. نصفه على الفراش ونصفه الاخر على الارض. أنحنت عليه، وبحركات سيدة مهذبة، سحبته كلياً الى الفراش، ثم غطت جسده جيدا.
- يشعر بالحرارة دائماً لذا ينام عاريا.
- ( " منذ اقدم الزمان، لم يحدث أن يكون النائم والميت متشابهين- أفلا تبدو عليها هيئة الموت؟! " ).
- ماذا قلت؟
- ل اشيء!
كان بإمكانه ان يرى حواف لباسها الداخلي واضحة من خلال ثوبها الشفاف، اثناء انحناءاتها على مضجع الصغير الذي تحرك تحت الغطاء، بحركة تلذذ حين أحس بالدفء. كما القت نظرها الجميل على الطفلة التي نامت قريبة من شقيقها الصغير. كانت وديعة مستكينة، تنام باستسلام لذيذ تحت غطاءها، وقد وضعت كفها تحت خدها، وكان خيط من اللعاب يسيل على جانب من فمها. لم تنس الام ان تمسحه بطرف الغطاء لتتحرك بعد ذلك نحو فانوس نفطي كان يرسل خيطا من دخان أسود في طرف ذبالته لتقلل توهجه.
القى نظره من جديد، على الانسان الثور (rimu)والذي كان لا يزال يرسل شخيره: " أنه متعب وقد اصابته رائحة النفط بالغثيان".
كانت حركتها، عندما فعلت ذلك، رشيقة، غير متباطئة، سريعة. وكان وجهها عاطفيا مشرقا، رغم اثر السهر الواضح عليه. وكانت في نفسها دفقة معطرة بالإثارة لخوض الاشياء المثيرة التي تعطي لوجهها الشاحب لوناً من الحيوية والسمرة الليلية. وكان ليلاً خافتاً يظلل المكان. كما كان يرى ذراعيها الرشيقتين تتحركان خلال زبد الثوب صافيتين تحت تكور كتفيها.
جلست قربه وقد تعرق ساقاها، وكان مضطجعا مع نظره الساكن وسط الغرفة متلمسا عري الثور الانسان الذي تقلب ضجراً في منامه. قالت:
ـ أنس أمر الرائحة. ساكفيك منها.
اضطجعت متلاصقة به على فراش اعدته على الارض، بعد أن تركا السرير فارغا. كان قد اشتكى من صريره الدائم أثناء وصاله بها، فكان لزاماً عليها أن تغير حلبة لذتهما لمكان أكثر امناً واستقراراً، ليتمتعا معا.
جدائل شعرها ( " كجدائل" نصابا ")(1) كثيفة كالسنابل. وكانت شبيهة بماشية السهوب. تحرك الثور السماوي، وتقلب على الارض، كان وجهه معفراً بالتراب والألم. انزلقت بين ذراعيه. في وجهها نظرة مستحية صافية وبساعديها البيضاوين طوقت رقبته. تكور ثوبها تحت حقويها، جردها منه بحركة سريعة متقنة:
ـ مابك؟ سالته بغنج معهود.
قال من بين اسنان مصطكة:
ـ لا شيء.
اضافت:
ـ أراك الليلة متعجلا !
احساسه بالضيق، كان بائناً عليه. خشيت أن يكون متبرما منها. وكانت تستقصي حقيقة الامر. استفسرت منه:
- هل بسبب الرائحة اللعينة؟
- ربما!
- أنساها. (قالت بمواء منخفض)
تحسس جسدها. سمع الثور يقول:
ـ (" ليأخذ شهوتك واكشفي عن عورتك لينال من مفاتن جسمك لا تحجمي، بل راوديه وابعثي فيه الهيام ").
كان جسمها مكتمل النضج والوسامة، كما رآها أول مرة، لكنه لم يكف عن التطلع الواله فيها.
ـ (" علمي الوحش الغر، فن.. المرأة ")
وكان يرى جسمها مثل قمر يخوض متورداً في سحابة من اللذة، كأنه في ليل فائق السحر. لكنه مع الوسامة والاكتمال كان يشده لألم قديم، دفين، يطفو في لحظة، مثل بقع الحساسية تحت الجلد.
ـ أحبكِ.
همهم من بين نهديها اللذان غمرا وجهه:
- لا تنظر! (" دع العيون تشبع من ضوء الشمس").
- (" الظلام فارغ، ما احوجني للنور! ").
- (" نفذ الغم في جوفي، همت في الصحراء خوف الموت ").
- (" كلكامش الى اين تسعى!؟ ").
- لا أدري!
ألتفتت اليه، وكان السحر بعينيها، قالت:
- ماذا قلت؟
- لا أدري.
انزلقت ثانية في حضنه، طوقت خصره بتوهج:
- أسمعني الدلال.
- "شمخت!" (2)
- من؟.. م هي شمخت
- عشتار!
- آلهة النفط؟
قال الثور السماوي المثقل بالوزر والخطيئة هادراً:
ـ (" أفرجي لباسك... ليستلقي عليك!.. امنحيه اللذة ـ متعة النساء-").
لم تخجل منه، تقبلت انفاسه، وافرجت لباسها. فاستلقى بعيداً عنها. فجأة انخذلت فحولته العظيمة دون أن يشعر بردة فعل من نفسه، وامام عينيها المندهشتين. سقط في الضحك المداف بالسعال الموجع. كانت تغمزه بعينيها. ضحكت "شمخت" حين اندهش هو الآخر لطريقة ضحكتها المعبرة المفضوحة. كانت عيناه تجوسان بعقدة مجهولية نفسها الخبيثة. سألها بخيبة أمل شديدة:
- علام تضحكين؟
- لا شيء، انه مجرد وهم قديم!
وكانت ما تزال تضحك، ولكن بتمهل. تخاف ان تصيبها نوبة السعال. كما اصابته أو ربما لأنها شعرت بشيء من السخف والندم بدأ يعتريها وكان القلق يخيفها:
- أتذكر، ليلة نمنا أول مرة. كانت مصيبة لا توصف.
- آه... هكذا الامر إذا؟
اضافت بنبرة حزينة، وأن بدت تحت ستار من الشفافية الكدرة:
ـ في تلك الليلة كدت اصاب بالسكتة القلبية. تصورتك غير مكتمل الفحولة!
ظلال الغيوم التي انتشرت في السماء، كانت تحجب ضوء القمر. واحيانا يكشف عريهما والاشياء.(" يكسو الشعر كل جسمه، شعر رأسه كشعر المرأة، جدائله المتموجة كشعر نصابا، لم ير الناس، ولا يعرف البلاد، لباسه اشبه بـ: السموقان(3). مع الضياء يأكل الاعشاب، مع الحيوان يستقي من مورد الماء، مع القطعان يطيّب لبه بالماء ").
- أيه صديقي الحبيب. ما الذي عطل اللذة في جسدك. هل هي ذكراي أنا، أم ماذا؟ أن الحياة قصيرة يا صنوي فلا تخلع ارديتها مبكرا. تمتع بها. فغدا يطويك الموت. أنا اعرف كم عانيت في هذه الرحلة القاسية، وكم شربت من مرارتها حتى ثملت. وكم فقدت من السعادة والاحبة؟. لكن يكفيك أنك وفيّ للخل والصديق. تصحبك المروءة دائما." انكيدو" سيبقى عطرك مزهراً على الدوام فتمتع صديقي بالبقية الذاهبة! (" أملأ جوفك وامرح نهاراً وليلاً – اذ – ليس في هذا عمل الانسان ").
- لقد سكبها الشيطان منذ الصباح، لكن رائحتها ما تزال قوية. أنه نفط ليس غير!
- مللت تلك الرائحة! لكثرة ما شممتها.
- لم تقل لي: أنكَ كنت تبيعه!
- لا.. لم اكن. كنت أعمل في التنقيب عنه.
نظر في وجهها متطلعا، ونظرت مستغربة مستفهمة. اضطجعا ساكنين، وكأنهما في منتصف الحلم. وعندما تأكد أنها لم تصدق ما قال، ضحك بهدوء لئلا يثير الصغيرين النائمين. سالته بخبث مثير:
- باي شيء كنت تنقب؟!
- هههه .. لا تعبثي معي.. أنها الحقيقة!
توقف عن الضحك، حين شعر بأصابعها على صدره. كانت تثير حماسته إليها. صعد دمه الى عينيه، وجفل من اللحظة الفاضحة. نظر في عينيّ صاحبه الجذل، ثم قال له:
ـ (" هل سأموت هكذا ميتة أنكيدو؟!...هل يمكن للميت رؤية بريق الشمس؟ ").
(" أدار وجهه نحو خله الحيوان، فلما راته الظباء.. هربت منه! ").
ـ (" أنت جميل يا انكيدو. أنت تشبه الاله ").
كانت اصابعها تطبق، كامرأة مجربة بالإثارة. همهم بكلمات غير مفهومة، عندها قاطعته قائلة:
ـ "سأكشف لك يا – مليكي – الكلمة السرية، أحكي لك أنا.. سر النبتة. هذه النبتة – كالشوك – تخز يديك، أن توصلت يداك للحصول عليها، لكن ستحض .. بشباب دائم ").
قال الثور الاسطوري:
ـ (" أكان واقفا، أم جالساً – فهو ملك من راسه الى قدميه. ثلثاه إله وثلثه انسان ")
وبمجهولية خالصة تورد ثابتاً، وكان الماء الحار يفور داخل جسده. يستحم في مياه واسعة تمتد من رأس الرجاء الصالح، حتى خليج الازمات والافكار المعقدة.
الايام الثلاثة التي مضت قديماً في ماضيه معها، كانت قاسية معه. ورغم محاولاتها لإثارة شوقه التي ذهبت ادراج الرياح، إلا أنها الخبيرة ظلت صابرة معه، حتى حلت عقدة تفسخه بمتعها وقابلياتها العظيمة. وكان وبكل الثقة العظيمة في نفسه، يعرف قدراته كرجل. لكنما علّة عفافه هي التي اسقطته في تلك الفجيعة. ظل يتجرع بصمت مفردات قبولها كبغي حتى صحا اخيراً!
ولكي تغير ناموس اللحظة الاتية، احتضنته من جديد. طبعت شفتيها الريانتين على فمه بقبلة حارة. شعر بلسانها يلج داخل لحاء فمه فيقشعر بدنه في سرور. وكان منفعلا.
- (" في اتحادنا معا نصنع.. الذي لا ينسى بعد الموت! ")
- (" يا صديقي، سأصنع تمثالا، لم يصنعه صديق لصديق. بطول الصديق. ومظهره فيه سيكون واضحا. قاعدته من الصخر، وشعره من اللازورد، وجسمه من الرخام الشفاف، ومن الذهب جسمه. ")
( فاستجمع روحه، وسار الى الامام، وفي "المجال" الرابع الذي اجتازه، كان الظلام كثيفا، ولا يرى النور). وكان قد اختفى فجأة.
صرخ بقوة.
ـ أين أنت أيها الصديق؟ ما الذي فعلته حتى تجافيني بغتة؟
(وفي المجال التاسع شم (رائحة) البرودة، ولفحت وجهه لمسة من ريح..).
ـ حتى انت يا "شمخت!" كلكم ترحلون؟!
(وفي المجال) الحادي عشر قبل بزوغ الفجر، وفي (المجال)الثاني عشر ظهر النور!).
....................
بغداد ــ 2001
........
(1) إلهة الحبوب والغلة عند السومريين.
(2) عاهرة من أوروك.
(3) السموقان: إلهة الصيد والماشية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با