الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة بلاد وادي الرافدين. المعتقدات والأساطير الدينية / الحلقة الرابعة

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2017 / 2 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المعتقدات والأساطير الدينية

يعتبر النتاج الأدبي لبلاد وادي الرافدين مرآة صادقة تعكس كثيراً من المعتقدات الدينية للسكان وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية, ويذكر الدكتور عبد الواحد علي أستاذ السومريات في جامعة بغداد في مقال تحت عنوان (الأدب) قال : (بالرغم من كثرة الوثائق المسمارية المكتشفة في المدن الأثرية في العراق والتي يزيد عددها على نصف مليون, فإن نسبة قليلة منها فقط مدونة بأعمال أدبية بينما تتكون الغالبية من نصوص اقتصادية وهي تشكل 90% من الوثائق المسمارية المكتشفة. ولهذا يقدر بعض المختصين عدد النصوص الأدبية في حدود خمسة آلاف رقيم أو يزيد على ذلك بقليل).
وعلى الرغم من أن الأساطير الخاصة بالكون والآلهة تشغل حيزاً كبيراً في الأدب العراقي القديم إلا أن هناك أفكاراً ومعتقدات سومرية وبابلية لا تبدو بعيدة عن منطق العلم, فقصص الخليقة في العراق القديم تؤكد على أن الكون كان في البدء كتلة واحدة لكن الإله آنليل (أو مردوخ) شطره إلى قسمين, خلق منهما السماوات والأرض. ثم أن كثيراً من المعتقدات السومرية والبابلية تركت بصمات واضحة في معتقدات أقوام عديدة وعلى وجه الخصوص في معتقدات العبرانيين, فعملية خلق الكون والإنسان وقصة الفردوس المفقود وقصة الطوفان التي وردت في سفر التكوين لها ما يناظرها في التآليف السومرية والبابلية, كما أن موضوعات توراتية أخرى مثل قصة أيوب ونشيد الإنشاد لسليمان والأفكار الخاصة بالموت والعالم السفلي هي الأخرى ذات جذور سومرية وبابلية.
وقد شبه سكان بلاد وادي الرافدين آلهتهم بالبشر, فهي تحب وتكره وتتزاوج وتنجب وترضى وتغضب, وقد ترفع الحجب بين الآلهة والإنسان في الأسطورة أحياناً, فنجد الآلهة تتحدث وتتعامل مع الإنسان الذي يكون في مثل هذه الحالات, وبعض الأساطير تصف كيف إن آلهة الجنس والخصب عشتار وقعت صريعة في حب كلكامش, ومع ذلك فإن الآلهة تتميز بالسمو والرفعة والقدسية والخلود.
النصوص الأدبية تتحدث عن خصب الأرض وفيض النهرين العظيمين, وعن النخلة شجرة العطاء, وعن السماء وجمال النجوم, فجسدوا آلهة الحب والجمال عشتار بالزهرة أجمل الكواكب السماوية, وكانوا النساخ للأعمال الأدبية الأصيلة القديمة يحرصوا على مطابقتها وتدقيقها, وكان الناسخ يذيل ما يستنسخ بالعبارة المأثورة (كتب ودقق وفق النسخة الأصلية), لم يذكر اسمه وأحياناً اليوم والشهر.
كما أن النصوص الأدبية لم تقتصر على التآليف الأدبية بل شملت نماذج أخرى كالتآليف ذات الطابع الديني مثلاً, وأن ملحمة كلكامش قوامها أربع قصص سومرية تدور حول كلكامش وانكيدو بالدرجة الأولى, لكن رجال الأدب البابليين خلقوا من تلك القصص المتفرقة ملحمة جديدة في الأسلوب والموضوع والهدف.
أسطورة الخليقة :
وتعتبر أسطورة الخليقة البابلية واحدة من أبرز القصائد الشعرية في الأدب الديني, وقد كتبت على سبع رقم من الطين يرجع تاريخها إلى العصر البابلي القديم في حدود 1800 ق.م, علماً بأن هناك قصصاً عن الخليقة مدونة في السومرية تسبق هذا التاريخ بعدة قرون.
وموضوعة قصة الخليقة تبدأ من عنصرين إلهيين أولهما مذكر يتمثل في المياه العذبة (ابسو) وثانيهما مؤنث وهي المياه المالحة (تيامة), وإنهُ نتيجة لامتزاج هذه المياه مع بعضها ولد الإله (لخمو) والإله (لخامو) ثم ولد بعدهما (انشار) و (كيشار) اللذان ولدا الإله (آنو) وهو الذي صار إلهاً للسماء فيما بعد.
ثم تذكر قصة الخليقة البابلية أن مردوخ شطر جسم تيامة إلى شطرين, خلق منهما الأرض والسماء, بعد ذلك خلق الكواكب والأقمار والمياه والأشجار والنباتات, ثم قرر مردوخ خلق الإنسان ليقوم بخدمة الآلهة ويقدم لهم القرابين لكي تشعر هي بالراحة التامة, فبارك الآلهة الفكرة على أن يخلق الإنسان من دم أحد الآلهة, عندئذ جيء بالإله (كنكو) قائد قوات تيامة, فذبحوه ومزجوا دمه بالطين وخلقوا منهُ الإنسان.
أما قصة الطوفان التي روتها المآثر السومرية والبابلية في مدونة في السومرية يسمى بطلها (زيوسدار) الذي أنقذ البشرية من الفناء العظيم الذي شمل برمتها حسب اعتقاد الأقدمين, والرواية الثانية تتمثل في ملحمة كلكامش حيث نقرأ عن رجل اسمه (اوتنابشتم) قام ببناء سفينة ضخمة حمل فيها ما استطاع من الناس والحيوانات والطيور والمتاع, والرواية الثالثة وهي أكثرها تفصيلاً تعرف بقصة (اتراخاسيس) نسبة إلى اسم الرجل الذي يقوم بدور مشابه لنظرية (زيوسدار) و(اوتنابشتم).
وكان الطوفان كسلاح تلجأ إليه الآلهة للحد من تكاثر البشر بغية القضاء على صخبهم الذي صار يقض مضجع الآلهة ويسبب انزعاجها. وعندما خرج رجل الطوفان من السفينة لأول مرة بعد أربعة عشر يوماً من دخوله, سكب الماء المقدس على قمة الجبل ونصب القدور ليعد الطعام قرباناً للآلهة.
ومن التآليف الأدبية في بلاد الرافدين مجموعة كبيرة من التراتيل والصلوات وقصائد الرثاء والمناحات مدونة أما في السومرية أو البابلية, ويتضح من هذه النصوص أن السومريين والبابليين رفعوا دعواتهم وصلواتهم إلى الآلهة وخصوصاً بالعبادة والتقديس وقدموا لها القرابين, وشيدوا لها المعابد والزقورات العالية, وكانت هذه التآليف الأدبية ذات الطابع الديني من تأليف كهنة المعبد.

المصادر :
1- طه باقر. مقدمة في أدب العراق القديم . بغداد . 1976م.
2- طه باقر. ملحمة كلكامش . ط4 . بغداد . 1980م.
3- د. فاضل عبد الواحد علي. عشتار ومأساة تموز . بغداد. 1973م.
4- د. فاضل عبد الواحد علي. الطوفان. بغداد. 1975م.


يتبع الحلقة الخامسة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح