الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدارة التوحش.. وبرنامج داعش العملي

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2017 / 2 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صدر عن مركز الدراسات والبحوث الإسلامية (وهو مركز وهمي) كتاب "إدارة التوحش"، دون الإشارة لسنة الإصدار ومكانه، ولكن يفهم من السياق أنه صدر قبل عشر سنوات.. الكتاب مثير وخطير وفي منتهى الصراحة، لدرجة تثير الاستغراب. وهو متوفر على "النت" بأكثر من 15 ألف رابط. ويقدَّر عدد النسخ المنزلة منه أكثر من 10 ملايين نسخة.

المؤلف يدعى "أبو بكر الناجي"، وهو شخصية غامضة، قد يكون اسما مستعارا، وقد يكون الكتاب نتاج جهد جماعي، يقع الكتاب في 113 صفحة، يشرح الفكر الأيديولوجي للتنظيمات الجهادية، ويقدم بالشرح المفصل رؤية "القاعدة" في كيفية إدارة المناطق التي تسيطر عليها، وما تعتبره "واقع الأمة الإسلامية".. ويقدم الدليل الفكري والعملي لنسختها المطورة "داعش"؛ والتي لو تتبعنا عملياتها لوجدناها تطبيقا حرفيا لما جاء في الكتاب؛ لذلك يعتبره الباحثون البرنامج العملي لداعش، الذي يسير بهديه، وينهل منه معتقداته المتشددة.

في الوهلة الأولى، ظننت أن "إدارة التوحش" يُقصد بها إدارة الجيوش الغازية (الكافرة) للدول العربية والإسلامية التي احتلتها، مثل أفغانستان والعراق وسورية، نظرا لهول الجرائم التي ارتكبتها هناك.. ولكن المفاجأة أن المقصود بها هو إدارة "الدولة الإسلامية" للمناطق التي تسيطر عليها، وطبعا بطريقة متوحشة.. حيث جاء فيه: "إدارة التوحش هي المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة، وتعد الأخطر، فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة- بإذن الله- هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة، وإذا أخفقنا -والعياذ بالله- لا يعني ذلك انتهاء الأمر؛ ولكن هذا الإخفاق سيؤدي لمزيد من التوحش".

يصف المؤلف المراحل الثلاث التي يتبعها تنظيم داعش للوصول لأهدافه العليا؛ وهي مرحلة شوكة النكاية والإنهاك، ثم مرحلة إدارة التوحش، وأخيرا مرحلة شوكة التمكين، وهي مرحلة قيام الدولة.

"في مرحلة النكاية والإنهاك يكون التركيز على أهداف بعيدة، في الأطراف، أو في المناطق الشعبية التي لا توجد فيها قوات عسكرية، أو يكون وجودها بأعداد قليلة وبقيادة ضعيفة، وذلك لأن الدولة تضع الأكفاء لحماية الأهداف الاقتصادية، ولحماية الرؤساء والملوك، وبالتالي تكون هذه القوات سهلة المهاجمة والحصول على ما في أيديها من سلاح، وستشاهد الجماهير كيف يفر الجند لا يلوون على شيء، ومن هنا يبدأ التوحش والفوضى، وتبدأ هذه المناطق تعاني من عدم الأمان".

أي أن هدف هذه المرحلة هو "إنهاك قوات العدو والأنظمة العميلة لها، وتشتيت جهودها، ومنعها من التقاط أنفاسها بعمليات وإن كانت صغيرة الحجم، إلا أن انتشارها وتصاعدها سيكون له تأثير على المدى البعيد".

أما مرحلة إدارة التوحش فتقوم على "إظهار الشدة المفرطة إزاء الأعداء؛ بالذبح، وقتل المئات، والرجم، والرمي من مرتفعات شاهقة، والحرق، والإذابة بالحوامض.. وتصوير هذه العمليات بمهارة فنية، وبثها على أوسع الطرق، وإظهار مشاهد الأشلاء والدماء والرؤوس المقطوعة".. والهدف حسب المؤلف، هو أن "يفكر العدو ألف مرة قبل أن يهاجمنا"، أو لتسهيل احتلال المناطق من خلال بث الرعب والخوف في نفوس الأهالي، وكل ذلك في إطار الحرب النفسية.

ويفسر المؤلف مصطلح "إدارة التوحش" و"الفوضى المتوحشة"، بقوله: "لماذا أطلقنا عليها "إدارة التوحش"، ولم نطلق عليها "إدارة الفوضى"؟ ذلك لأنها ليست إدارة لشركة تجارية، أو مؤسسة تعمها الفوضى، أو جيران يعانون من الفوضى، ولكنها ستكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان؛ منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية، يتعطش أهلها لمن يدير هذا التوحش، بل ويقبلون أن يدير هذا التوحش أي تنظيم، أخياراً كانوا أم أشراراً".

ويضيف شارحا: "مناطق التوحش يمكن أن تكون قرية، أو شارعا، أو حيا في مدينة". وهذا ما لمسناه في سوريا والعراق، حيث بدأ نشاط داعش بالسيطرة على شوارع، وأحياء وقرى، ثم اتسعت دائرة نشاطهم بسرعة خاطفة.

ويشير الكتاب إلى أن عملية اختيار المناطق للدخول إلى مرحلة "إدارة التوحش" اعتمدت على دراسات مرتبطة بالأحداث الجارية. فاستبعدت بعض المناطق، على أن يتم ضمها لاحقا، وأدخلت السعودية ونيجيريا في المرحلة الأولى، ومن ثم أصبحت الدول المرشحة مبدئياً لتدخل في مجموعة المناطق الرئيسية هي: الأردن والمغرب وباكستان واليمن.

ولتطبيق هذه النظرية، يضع المؤلف خطتين: الأولى، "تنويع وتوسيع ضربات النكاية في العدو الصليبي في كل بقاع العالم، بحيث يحدث تشتيت لجهود حلف العدو، ومن ثم استنزافه، فمثلاً: إذا ضُرب منتجع سياحي في إندونيسيا، سيتم تأمين جميع المنتجعات السياحية في جميع دول العالم، وبالتالي شغل قوات إضافية وزيادة كبيرة في الإنفاق، وإذا ضُرب بنك ربوي في تركيا سيتم تأمين جميع البنوك في جميع البلاد ويزداد الاستنزاف، وإذا ضُربت مصلحة بترولية في عدن ستوجه الحراسات المكثفة إلى كل شركات البترول وناقلاتها وخطوط أنابيبها لحمايتها وزيادة الاستنزاف، وإذا تم تصفية اثنين من الكتّاب المرتدِّين في عملية متزامنة ببلدين مختلفين فسيستوجب ذلك عليهم تأمين آلاف الكتّاب في مختلف بلدان العالم.. وهكذا تنويع وتوسيع لدائرة الأهداف التي تنفذها مجموعات صغيرة ومنفصلة، مع تكرار نوع الهدف".

والخطة الثانية، التي يقترحها المؤلف تتمثل في تشتيت قوى الأنظمة الحاكمة في العالم العربي، بإجبارها على توزيع قوى الأمن لديها بحيث تصبح أولوياتها حماية الشخصيات للعائلات المالكة والأجهزة الرئاسية، ثم حماية الأجانب، ثم تأمين المرافق الاقتصادية، والسياحية.

الكتاب خطير، لأنه بمثابة "دستور الدولة الإسلامية المستقبلية" كما هو الحال في دولة داعش، ولأنه نموذج للخطاب الإسلامي الجهادي المتطور بكل معانيه الفكرية، والعسكرية والسياسية؛ الذي يعتمد على الحركة أكثر من الفكر، وعلى الفعل العسكري أكثر من الفعل السياسي، وعلى المستقبل أكثر من الماضي. ويثير الكتاب التساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، أهمها: هل هذا الخطاب الذي تتبناه السلفية الجهادية يمثل فكراً إسلامياً أصيلاً؟ أم أنه فكر دخيل؟

في النهاية لا يرى المؤلف إمكانية البقاء للدولة الإسلامية؛ فهي في نظره لا تستطيع تحقيق شعارها "باقية وتتمدد"، ولكنه يرى أن إزالتها لا تعني تحقيق الأمن والسلام. ويتساءل إلى أين سيذهب آلاف المجاهدين؟ وماذا سنفعل بهم؟ فإذا كان مع "بن لادن" في "تورا بورا" حوالي ألف مجاهد؛ فإن للبغدادي عشرات الألوف، والقاعدة تقول إن كل "مجاهد" ينتج مائة في عشر سنين. فهل هذا يعني أن الموجة القادمة سيكون فيها ملايين الجهاديين!

تنفيذ برنامج إدارة التوحش

استعرضنا بإيجاز كتاب "إدارة التوحش"، لأبي بكر الناجي، وتبين لنا أنه عبارة عن البرنامج العملي والدليل الفقهي لتنظيم داعش.. يُقال أن القوات الأمريكية هي التي عثرت عليه في أفغانستان سنة 2004.. وقامت "وزارة الدفاع" بترجمته، ونشره على الإنترنت. وهو أمر يثير علامات الاستفهام. المهم أن الكتاب صدر قبيل انشقاق داعش عن تنظيم القاعدة.. وأهمية تحديد سنة إصدار الكتاب تكمن في تتبع الأحداث والعمليات التي نفذتها القاعدة وداعش فيما بعد، والتي جاءت تنفيذاً حرفياً لما جاء فيه.. أي أن داعش أعلنت في هذا الكتاب عن خطتها المستقبيلة بشكل واضح وصريح.

يقدم الكتاب شرحا وافيا للأسس الأيديولوجية للتنظيمات الجهادية، ويمثل نقلة نوعية في الخطاب السلفي المتشدد، والذي يمثله تنظيم داعش، ويكشف عن الجانب المهم في انشقاق داعش عن القاعدة، وهو تغيير أولوياتها؛ حيث باتت أولوية داعش العدو القريب (الحكومات وأجهزتها الأمنية، المرتدين، الشيعة، الأقليات، والسُنّة المعارضين)، في حين كانت أولوية القاعدة هي العدو البعيد (أمريكا والدول الصليبية)، فلذلك نجد أن القاعدة ضربت أمريكا أولا، بينما اعتبرت داعش أن إقامة دولة الخلافة أهم من محاربة أمريكا والصليبيين.

يشرح الكتاب معنى "إدارة التوحش"؛ وهو خَلق منطقة لا تخضع لسلطة وقوانين الدولة، لتعم فيها الفوضى والقتل والرعب والتوحش، أو الانتقال إلى مناطق تعرضت للفوضى بسبب حرب أهلية مثلا، وإدارتها بمنطق "إدارة التوحش"، حيث يضطر الناس لقبول حكم هذا التنظيم (بإدارته المتوحشة) بإعتبارها البديل الوحيد للفوضى والخراب.

وفقا للبرنامج العملي لإستراتيجية داعش؛ يقوم التنظيم بدراسة الدول التي يوجد فيها مناطق رخوة، أو مُمكن إنشاء مناطق رخوة متوحشة فيها، ثم يبدأ بضرب الدولة في أماكن مُعينة عديدة، وإن كانت ليست ضربات قوية ولكن استمرارها يمنع الدولة من التقاط أنفاسها، فمثلاً، ضرب كنيسة يجعل الدولة تصرف جهودها لحماية بقية الكنائس، أَي إجبارها على إنفاق مزيد من الجهود والأموال، ثم إختيار يوم لضرب البنوك، فتقوم الدولة بتأمين حراسات للبنوك الأخرى، وهكذا تخصص يوم لضرب الجوامع، ويوم للجسور، ويوم للمرافق السياحية، إلى أن يتم استنزاف الدولة. والخطير أن هذه الهجمات تحتاج مجموعات صغيرة، أو أفراد، ما يصعّب المهمة على أجهزة الأمن. وحسب الكتاب، فإن مجموع نتائج تلك الأعمال الصغيرة سيؤدي للإنتصار الكبير، حيث تُنهك الدولة تدريجياً إقتصاديا وسياسيا وأمنيا.. يُساند هذه العمليات حرب إعلامية تُزعزع ثقة الدولة بنفسها وثقة شعبها بها، وترفع من معنويات أفراد التنظيم وتجعله يكسب عناصر جديدة، وخاصة من فئة الشباب..

وحسب هذه النظرية؛ فإن عناصر الأمن والجيش الكفؤة والمدربة سيتم توفيرها بالدرجة الأولى لحماية كبار الشخصيات، والمرافق الحكومية والاقتصادية، والبعثات الأجنبية والسفارات والمطارات.. ما يخلق جيوبا أمنية رخوة في مناطق معينة، يتسلل إليها التنظيم، ويحكم سيطرته عليها (مناطق إدارة التوحش)، وهذه المناطق قد تكون حياً في مدينة، أو قرى صغيرة.. لكنها ستكون منصة انطلاق للتمدد إلى مناطق أخرى أوسع وأهم.. حيث يؤدى هذا الوضع، إلى المزيد من التدهور، مُسبباً المزيد من الانسحابات لقوات النظام، وهو ما يترتب عليه مزيدا من التوحش، وهكذا. تماما كما حدث في العراق وسورية؛ حيث بدأ تنظيم داعش في الفلوجة والرمادي.. ثم امتدت رقعته من الموصل إلى الرقة.

بعد سيطرة التنظيم على "مناطق التوحش"، يأتي دوره لترويض هذه "الفوضى المتوحشة"، أي مرحلة إدارة التوحش، من خلال إدارة هذه المناطق لتحقيق عدة أمور، أهمها: فرض الأمن الداخلي، وتأمين منطقة التوحش من غارات "الأعداء"، وإقامة "القضاء الشرعي" في مناطق سيطرتها، ورفع المستوى الإيماني والكفاءة القتالية لشباب مناطق التوحش، وإنشاء المجتمع المقاتل بكل فئاته وأفراده عن طريق التدريب الميداني..

السعودية والأردن ومصر ما تزال حسب رؤية داعش في مرحلة شوكة الإنهاك، أي مرحلة إشغال الدولة وإنهاكها، ولو تتبعنا مجريات الأحداث في تلك الدول، والعمليات الإرهابية التي تعرضت إليها سنجد تطبيقا حرفيا لخطة داعش في إدارة التوحش.. في الأردن مثلا، استهدفت العمليات الإرهابية فنادق ومرافق سياحية ومراكز أمنية في عمان وإربد والكرك والبقعة والركبان وغيرها، أي في الشمال والجنوب والوسط، بهدف تشتيت جهود الدولة.. قد ينظر البعض لتلك العمليات على أنها صغيرة، ولا تشكل تهديدا جديا للأردن، وهذا صحيح، لكنها عمليات تأتي في سياق إستراتيجية طويلة الأمد يتبعها داعش، تعتمد على مراكمة الإنجازات الصغيرة، وصولا للهدف الأكبر.

وقد كشفت أحداث قلعة الكرك والفتوى الأخيرة بتكفير المجتمع الأردني التغيير الذي طرأ على العقيدة القتالية لداعش بانتقالها من حالة استهداف الجيش والأجهزة الأمنية إلى استهداف المدنيين، فوفقاً لنظرية "إدارة التوحش" فإن الأردن يعتبر ولاية في دولة الخلافة، وعليه فإن هدم منظومته الأمنية والسياسية والاجتماعية هدف قائم بحد ذاته، لإثارة الفوضى وإشغال القوات الأمنية وصولا لانفراط العقد الاجتماعي كما حصل في سوريا والعراق، تمهيدا لمرحلة تفكك وإنهيار الدولة، وإنشاء حالة التوحش التي تسمح للتنظيم بالتمدد فيها. ومع أن داعش لا تميز بين عسكري ومدني، بيد أن فتواها الأخيرة تعني بوضوح الانتقال من مرحلة تكفير الأجهزة الأمنية والجيش والنظام إلى مرحلة تكفير المجتمع الأردني ككل.

في مصر، تمكنت التنظيمات المتشددة من خلق مناطق هشة أمنيا، وتحويلها إلى منطقة "إدارة التوحش"، بالذات في سيناء، ولأنها لم تصل إلى المرحلة الثانية (السيطرة الكاملة على المنطقة)، فهي تلجأ إلى أسلوب استنزاف الدولة المصرية (المرحلة الأولى)، من خلال عمليات إرهابية متنوعة من حيث الأهداف والوسائل والأماكن، تارة تضرب كنيسة في القاهرة، ثم تضرب أنبوب الغاز في سيناء، أو تهاجم مركزا أمنيا في الصعيد، أو تضرب أهدافا على حدود ليبيا، ثم تعود لضرب أهداف في المدن الكبرى.. وهكذا، حتى تظل الدولة في حالة إنهاك دائمة، فتُستزف قدراتها، وتتشتت جهودها، وتشغل قواتها في أماكن متفرقة.. إلى أن يصل التنظيم لمرحلة "إدارة التوحش" في أكثر منطقة رخوة أمنيا، وهي سيناء.. ولها في ذلك إلى جانب أهدافها الأساسية، أهدافا سياسية أخرى تتعلق بمنع مصر من استعادة مكانتها ودورها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومنعها من تحقيق الأمن الداخلي اللازم لأي عملية تنمية أو تطوير، فضلا عن كون سيناء مرشحة لسلخها عن مصر، وتقديم جزء منها كوطن بديل للفلسطينيين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #