الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثامن من فبراير.. [5] مراهقة سياسية..

وديع العبيدي

2017 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


وديع العبيدي
الثامن من فبراير.. [5]
مراهقة سياسية..

(29)
مراهقة سياسية: هي الخلاصة التي استنتجها حنا بطاطو في دراسته للتيارات السياسية الفاعلة في العراق الحديث. مستنتجا ان قيادات الشيوعية والقومية المتنافسة عقب يوليو 1958م كانت في حدود الثلاثينيات من عمرها، وليس لها خبرة حقيقية في الحكم.
المراهقة هي دالة على التذيذب والتقلب والسطحية والانفعال!.. وهي -بيولوجيا- مرحلة وسطية دون البلوغ أي النضج –بين الطفولة والكهولة-.
ان حياة كل انسان هي مشروع سياسي حضاري، فكيف بحياة ستة أو ثمانية ملايين انسان، هم نفوس العراق في بداية الستينيات!.
السياسة والعائلة ذات جذر واحد في علم الاجتماع، ذلك الجذر هو مركزية الاب. مركزية الأب هي دالة المسؤولية والرؤية البعيدة.
الحالة العراقية حالة مشوهة –ذات اصول صحراوية/ بدوية- مبنية على الرفض والتمرد، ولها صور التناقض والتنافر ورفض الانسجام، وهي مفطورة على (قتل الأب)، والانارخية بلا حدود!..
الأب هو –دالة- الرأس في الجسد او العائلة. وقتل الأب/ الزعيم، هي قطع الرأس.
الرأس دالة العقل والتفكير والبصيرة.
والعدو الجبان يخشى الرأس. الاسكندر المقدوني لم يكن يقتل الملوك الذين يهزمهم. وفي مصر لم يتم قتل الملك او الرؤساء – السادات قتله الاسلاميون المحملين بجينات مراهقة بدوية-.
في الفباء الاجتماع او الوصايا العشر، يشكل (الكذب) مفتاح (القتل)!.
جريمة القتل تبتدئ بجريمة (الكذب). والكذب كذب مهما صغر او تفه.
كل قاتل هو كذاب. الكذب عاهة اخلاقية. وكل جريمة هي مركبة، تتضمن الكذب في كل مراحلها.
والحكم في العراق، يقتل كل سابقه ويحل محله!. حكم يولد عبر الجريمة ويعتاش على القتل والكذب. ولما كانت الحكومة، رأس الدولة والسلطة. والدولة رأس المجتمع. والمجتمع سلبي وسطحي. فما هي الية التطور والتراكم، وكيف يعمل ديالكتيك التاريخ؟..
لكن (الكذب) ليس مفتاح الجريمة في الحالة العراقية فحسب، وانما غطاؤها وتبريرها ومانحها شرعية مزورة، تخفف من غلواء نتائجها، وتنزع عن مرتكبيها جريرة الاجرام.
جريمة قتل الاب رسمت نهاية العهد السومري الاول، وبداية انحطاطها. جريمة قتل الأب رسمت نهاية العهد الاشوري والبابلي على التعاقب.
انا اربط (الكذب) بالجريمة، لأن (الكذب) يشوّه الحقائق، ويزوّر التاريخ ويزوّقه، ويعيق الاجيال عن الفهم الصحيح لمجريات التاريخ. تاريخنا يكتبه المهزوم والغازي والجبان، وليس اهل البلد او المؤرخ العالم المعتبر كما هم مؤرخو الاغريق.
تاريخنا يكتبه مزورون محترفون ومجرمون مجهولون، يخفون أنفسهم وراء حجاب وبرقع. ويكفينا، ان عراقا يعود تاريخه المدون على الحجر الى عشرة الاف عام، لا يوجد فيه اسم مؤرخ معتبر واحد. وليس له تاريخ مستقل بذاته.
مؤرخونا المعاصرون، في القرن العشرين، ليسوا غير تلاميذ مرتزقة تزوير. وعند القول، ان العراق حالة مشوّهة، يستنكر بعضهم هذا القول ويعتبره شتيمة. مهمة الطبيب والباحث المخلص تشخيص المرض، وتوجيه العلاج، وليس مسح اللحى المتلونة.
نحن قرفنا من المجاملة والمسايسة وترديد الاكاذيب.
ان سقوط سومر ليس مقنعا بحسب ما يورده التاريخ. سقوط اشور على يد تحالف بابل مع العيلاميين غير مبرر. سقوط بابل اثر تحالف يهود بابل مع الايرانيين ليس مقنعا. في كل مفصلية تأكيد لحالة خيانة وغدر. أدلجة للغلط.
وعندما تتهلهل صورة التاريخ ويتخلخل بناؤها، لا يتمكن السكان من فهمه وفهم أنفسهم، ومن ثمة.. تكوين شخصيتهم التاريخية وهويتهم الحضارية والقومية.
العراق -تحديدا- محظور عليه الارتباط بشي اسمه [وطنية/ قومية/ هوية/ حقيقة]. لأنه مذبوح قبل وجوده على مذبح التنازع الايراني الرافديني/الاعرابي، الذي استحال الى صراع شيعي سني، للمد في نسغه القومي القديم.
وعندما اريد له، تطوير استخداماته، كأرض دولية حرام، للتنافس الامبراطوري بين بريطانيا والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، كانت المؤهلات متوفرة، وقد وجد كل من المتصارعين الجدد، وكلاء محليين يمثلون ادوارهما.
تيار عبد الاله ونوري السعيد يمثل الامبريالية البريطانية، والشيوعيون يمثلون حرس ستالين والاتاد السوفيتي بالمقابل. اين هو العراق؟..
من نفس المنظور.. استخدمت الولايات المتحدة العراق – بعد افغانستان- لتوجيه ضربة قاصمة الى الاتحاد السوفيتي، الظهير الاول لعراق البعث، كما هو لسوريا البعث حتى اليوم.
ومع نفاذ صلاحية التنافس الاميركي السوفيتي، عاد العرق لمسرحية النزاع الايراني الاعرابي/ الشيعي السني، باعتباره المبرر الوحيد لوجود طغمة الحكم واستمرار المغالطات.
فالعراق وسوريا- بالمنظور الغربي لعصر ما بعد الحداثة، هما ميدان صراع وتصفية الايديولوجيا الاسلامية، وحرب باليابة عن قطبي الاسلام [السعودية- ايران].
هكذا اريد للعراق وسكان العراق ان يبقى (خبط عشواء).. لا يخطئ ولا يصيب!
وهكذا تتوالى الانشقاقات الينيوية داخل نسيج الاجتماع العراقي، وتزداد اهتراء وسفاهة مع تقدم الزمن.
من حق الانسان السليم توقع العكس طبعا!.
من حق الانسان العراقي ان يسأل: لماذا؟..
لماذا اكون انا – كبش القربان- دائما؟!.
(30)
"غلط يصحح في غلط"- علي الشرقي
مع بدايات القرن العشرين، كانت ضرورتان تحتدمان في ذهن النخب الوطنية: التغيير والتحديث!.
في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر، اهتمت السلطات العثمانية بالتحديث التدريجي البطيء. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، مع سقوط العثمانيين، ونشأة دولة عربية في سوريا/(1919م)، قامت البرجوازية التقليدية بانشاء أول حكومة عراقية وطنية برئاسة عبد الرحمن باشا النقيب عام (1920م).
حكومة عبد الرحمن النقيب – نقيب أشراف بغداد- الاولى، انجزت سؤال التغيير، لكنها لم تتبن مشروعا للتحديث الاجتماعي، وقد هيمن رموز البرجوازية التجارية والدينية على مقاعدها، الى جانب المحاصصات الاثينية والطائفية المقيتة.
الخطوة الثالثة تقدم بها المحتل البريطاني، الذي تولى بناء نظام سياسي يجمع بين الهوية العراقية وبرنامج التحديث الاجتماعي والحياة العصرية، وذلك بحسب بصمات انجليزية وتحت رعاية التاج البريطاني ومصالح الامبراطورية.
صحيح ان الدولة الجديدة ليست مثالية متكاملة من كل الوجوه، ولا تلبي كل تطلعات الاهلين، ولا تحظى برضا 99% من السكان، لكنها، كانت أفضل ما يمكن، في تلك اللحظة التاريخية.
ان الطفل لا يخرج من بطن امه وهو يركض ويقرأ النشيد!. بل يحتاج الى وقت ممل ومعاناة ورعاية صحية ومادية واجتماعية، ليكون انسانا صحيح العقل والجسم والاخلاق..
لكن الفكرة مختلفة في القاموس العراقي القائم على مربع: المثالية والراديكالية والاناركية والية (كن فيكون!). ولذلك اسباب، منها: عدم وجود الية للتطور، عدم اعتراف بالية الزمن والتقدم. نزعة الازدواجية، والتضادّ، وانعدام الخبرة والمرونة وبعد النظر.
نعلمنا في صغرنا، ان العراقي [اذا أحب شخصا يرفعه على المنارة، وإذا كره شخصا، ينزله للطهارة!] –، والطهارة باللغة العراقية عكس معناها المعجمي/ النحوي.
ويقال ايضا: ان العراقي لا يعجبه العجب!.. وان ارضاء العراقيين محال. وثمة احاديث كثيرة في ثقافتنا الشعبية، تشخص جوانب فكرية وسلوكية للشخصية العراقية. وعندما يتحدث العراقي، تحسبه يعرف كل شيء، وعندما يتصرف، يثبت عكسه.
(31)
طبقة المثقفين العراقيين، التي اخذت بالظهور في اواخر القرن التاسع عشر، ممثلة بالكوادر التعليمية والموظفين السابقين في الدولة، والعائدين من بعثات ثقافية خارج البلاد، فضلا عن طبقة المتعلمين المتأثرة بالقراءات والاصدارات التي تدخل البلاد من مشارب واتجاهات عدة.
كل هاته، كانت تتجمع في تيارات فكرية وثقافية، وبعضها تتبلور في افكار وتصورات سياسية، متأثرة، بتجارب القوميين الترك، او التيارات الاجتماعية والسياسية في باريس وبرلين وموسكو.
من البدء، ارتسمت صورة الدولة الحديثة: ملكية دستورية برلمانية علمانية لبرالية. وكانت مجموعة الحكم مدركة ومستوعبة لنظرية الحكم وطبيعة النظام السياسي والاجتماعي، وهي مفارقة وحيدة ويتيمة في تاريخ العراق، لم تتكرر!.
وكما.. تنكبت الطليعة الاولى، مسؤولية الحكم وادارة اليات التحديث والموازنة في السير بين اشواك الاحتلال، وتلبية تطلعات الاهلين، ومراوغة الغام المعارضة السرية؛ اخذت على عاتقها، خوض فصل اكثر تعقيدا من لعبة الحكم، هو الحياة النيابية، وتشكيل الاحزاب والجمعيات السياسية.
فكانت مجموعة الحكم – على الاغلب-، تتولى تأسيس احزاب مؤيدة للحكومة، بينما يقوم بعضها بتشكيل احزاب معارضة – داخل البرلمان-. ومن خلال التفاوض والمنافسة والصراعات النيابية، كان الطرفان، ينتهيان لاستحصال مزيد من حقوق العراق ومزيد من صلاحيات الحكم ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
الى جانب ما سبق، كانت الغاية من تشكيل الجمعيات والاحزاب، تثقيف الحياة العامة بالافكار والمبادئ والقيم العصرية، ورفع معدل الوعي السياسي والمشاركة في ادارة البلاد من خلال الانتخابات العامة.
ومن بين اقدم الاحزاب العراقية في العهد الملكي..
1- الحزب الوطني العراقي بادارة جعفر ابو التمن- [2/ 8/ 1922م]- معارض.
2- حزب النهضة بادارة امين الجرجفجي – [19/ 8/ 1922م]- معارض.
3- الحزب الحرّ العراقي بادارة محمود عبد الرحمن النقيب- [3/ 9/ 1922م]- حكومي.
4- حزب الأمة بادارة ناجي السويدي – [19/ 8/ 1924م].
5- حزب الاستقلال الوطني-(في الموصل) بادارة عبدالله رأفت العمري- [1/ 9/ 1924م]- معارض.
6- حزب التقدم بادارة عبد المحسن السعدون- [-/ 10/ 1925م]- حكومي/ نيابي.
7- حزب الشعب بادارة ياسين الهاشمي- [20/ 11/ 1925م]- حكومي.
8- حزب العهد بادارة نوري السعيدي- [14/ 10/ 1930م]- حكومي/ نيابي.
9- حزب الاخاء الوطني – المعارض- [نوفمبر 1930م]، بمشاركة ناجي السويدي، ياسين الهاشمي، رشيد عالي الكيلاني، حكمت سليمان، علي جودة الايوبي، عبد الاله حافظ، يوسف غنيمه، محمد زكي المحامي، كامل الجادرجي.
10- ائتلاف حزب الاخاء الوطني مع الحزب الوطني العراقي في [16/ 1/ 1931م] لمعارضة حزب العهد برئاسة نوري السعيد رئيس الحكومة التي وقعت معاهدة [30 يونيو 1930م].
وكل هذه الاحزاب والممارسة البرلمانية، تمت خلال مرحلة الانتداب البريطاني [1921- 1932م]، وهي مرحلة البناء السياسي والتطور الملحوظ في نقل المجتمع العراقي من البداوة واالاناركية، الى سدة التحضر والحياة المدنية العصرية.
بعد انتحار الملك فيصل الاول في جنيف/(1933م)، ومقتل خلفه الملك غازي/(1939)، مرّت البلاد بتجربتين غير عاديتين: انقلاب بكر صدقي/(1936م)، وحركة رشيد عالي/(1941م). واستمرت حالة فوضى لما بعد الحرب العالمية الثانية في العراق.
في عام 1946م تجيز حكومة توفيق السويدي قانون عودة الاحزاب، في وقت سيطرت عليه أشباح حدثين تاريخيين: انشاء دولة اسرائيل/ 1948م، وتجديد المعاهدة البريطانية العراقية المعروفة بمعاهدة بورتسموث.
مما رفع حرارة الشارع العراقي [1948- 1958م] الى درجة الغليان الشعبي السياسي. وفي خلال ذلك يتميز الحزبان الشيوعي والبعثي. وبدل اتفاقهما وائتلافهما لخدمة القضية الوطنية وتوحيد قوى الشعب، يتنافسان ويصطرعان، والجماهير منقسمة وراء هذا وذاك، فيما بعضها الاخر يفضل الصمت او التيار التقليدي.
(32)
ما معنى الحزب؟!..
دعنا نسأل هذا السؤال في مجتمع يتوارث عقلية التسليم، ويفتقد طبقة ارباب العقل والحكمة والتنظير*. والطريف ان القرآن- الكتاب المقدس عند العرب- يركز في كثير من المواضع على عبارة:[لعلهم يعقلون، لعلهم يفقهون!].
دون ان يخطر لكثيرين دعوته الضمنية لاستخدام العقل والادراك ودراسة الامور وليس التسليم لها تسليم القطيع، وهو السائل:[قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟.. انما يتذكر اولو الالباب]- (الزمر9). والالباب جمع لب وهو العقل. والالباب= العقول.
مجتمع تسوده الامية الابجدية والثقافية، ويعادي الحضارة والمدنية الغربية، ثم يستهلك منتجات الغرب الصليبي والاستعماري، ليتصدى بها لمحاربة الغرب نفسه.
من سمات احزاب ما بعد الانتداب/ ما بعد الحرب الثانية، انها: لم تكن لها وجوه اجتماعية معروفة أو موثوقة في الوسط السياسي والرسمي؛ اعتمادها على العمل السري غير الرسمي؛ افتقادها الحنكة والتجربة والمرونة؛ وتركيزها على العنف الثوري الراديكالي المتجاوز للقانون والعرف. وهي خصائص تذكر بحركة الاخوان المسلمين/(1928م) المراهقة في مصر، والتي انتهت الى شق وحدة المجتمع المصري، وبيع البلاد عبر صفقات سرية خلال اول عام من استلامها السلطة[2012م].
فالشرعية في اصلها، تتمثل في احترام الحزب للجو القانوني للبلاد، وعدم جعل نفسه فوق القانون وفوق الحكومة، وهذا من خصائص مرحلة المراهقة. وحتى اليوم، يعمل كل حزب او مأفيا مسلحة – في العراق- باعتبار نفسه فوق القانون وفوق شرعية الدولة. ويتصرف كل منها بصفة [دولة داخل دولة]!.
وقد استمرت تلك الآفة في عقلية قيادة البعث بعد استلامه للسلطة، فكانت تتحدى الدولة وتتجاوز على القانون الذي وضعته بنفسها، ولصدام حسين مقولة مشهورة في هذا المجال: [القانون شخطة قلم!]. فالبعث العراقي كان ردة للقبلية الاناركية، مقارنة بالمدنية السورية الاكثر اتزانا، وهي سمات تتعلق باالاجتماع والحضارة، وليس –عجينة- الحزب.
وصدام الذي حذر وسخر من فكرة [دولة داخل دولة] في النصف الاول من سبعينيات القرن الماضي، كان المسؤول الاول عن انتاج تلك الظاهر، عبر مستويات متعددة من دولة الحزب، دولة المخابرات، دولة العشيرة، دولة العائلة، ثم دول اقطاب عائلة الحكم التي انتهت للصراع بين سلطات دولة عدي وصلاحيات دولة حسين كامل، التي قوضت شخصية صدام وعزلته عن عجلة الحكم، ومهّدت لانهيار النظام والعائلة من الداخل.
وقد استنسخ جماعة الحكم الجديد عقب الغزو كل سلبيات وكوارث النظام البعثي وجعلوها منهاجا لادائهم السلطوي. بعبارة اخرى، بدأوا من حيث انتهى سابقهم، ولذلك يدور حكام الاحتلال حول قبورهم، ولا يجدون من يدفعهم فيها، ليرحمهم ويرحم الناس من غبائهم.
لا تستطيع ان تدير سلطة، وانت تخالف قوانيها الاساسية، وتجعل نفسك فوق القانون. والشاعر مظفر النواب (مواليد 1934م) يقول "قتلتنا الردّة.. كلّ يحمل في الداخل ضدّه". ويقول الشاعر العراقي عبد الامير جرص [1964- 2003م]: اني اقرّ على نفسي وأعترفُ.. أني معي، دائما، في الرأي، أختلفُ!..
فوجود الجماعة الحزبية او المافيا المؤدلجة، التي تمنح نفسها سلطة مطلقة- سلطة الايديولوجيا والسماء-، تحتكم لامور منافية للدستور والاطر القانونية والاعراف العامة، وهذا معيار فشلها وموتها العاجل.
وكل من التنظيمات الشيوعية والقومية العروبية والبعثية، بدأت خارج القانون، وركزت في عملها على تحريض الشارع وتسخيره وتسيير المظاهرات المعادية للحكومة.
ولكنها لم تنجز اية خدمات اجتماعية او اقتصادية لصالح المواطنين والمصلحة الوطنية في اطار سلمي. فالعمل السياسي لا ينبغي ان يقتصر على العنف والاستفزاز الذي صار يدعى اليوم بالبلطجة والشبيحة -في مصر وسوريا-.
قدم الشيوعي نفسه ممثلا للاتحاد السوفيتي في مرحلة كانت الحرب الباردة على اشدها بين الشرق والغرب. وتم وصم القوميين بالشوفونية واليمين –[عملاء الامبريالية!]، جريا على نسخ المصطلحات الاوربية، وتوريد اجواء التوترات الغربية في الداخل العراقي.
اتخذ ت الدعاية الشيوعية في العراق من الحكم الملكي ونوري السعيد صورة للشيطان وعملاء الاستعمار والامبريالية والاستغلال، باعتبار – نفسه- ممثلا لطبقة الكادحين والمستَغلين – البروليتاريا التاريخية- منممتجات الدعاية السوفينية.
ومع انقراض الحكم الملكي ورموزه، تم احلال العروبيين والبعثيين محل الرموز الملكية ووصفهم [عملاء الامبريالية]، متنكرا لكونهما – القومي والشيوعي- ناعضا الحكم الملكي قبل انقلاب 1958م الدموي.
والشعار الذي وزعه الحزب الشيوعي في التاسع من فبراير 1963م: [اسحقوا المتآمرين عملاء الامبريالية والفاشية!]، شعار طفولي ساذج مستورد بغباء من قيادة الكومنترن. ولم يعرف، انه بتلك المزاودة الرخيصة، على العمل الوطني والتحرري، وضع نفسه في فوهة المدفع، دون ايما خط رجعة: [درب الصدّ ما ردّ!].
والواقع، ان الحزب الشيوعي العراقي كان مجرد اداة عمياءن بلا عقل، منذ اعلانه الرسمي عام 1935م، بيد الدعاية الستالينية الشوفينية، مقتاتا على عقلية الدعاية والاشاعة وتجارة الشعارات والوعود، دون تقديم ايما مصداقية او قدرة على العمل. وللاسف، استمرت العقلية الستالينية الجامدة، التي انتقدتها مدرسة فرانكفورت منذ الثلاثينيات، ما زالت تسود منهاج الشيوعي العراقي رغم انقلاب ظروف العالم والعراق عشرات المرات. ولن يتأخر يوم، يقوم فيه بوصف شركائه – الشيعة- في سلطة الاحتلال بأنهم: [عملاء الامبريالية]، وتقديم نفسه على الدوام في صورة (البديل الديمقراطي المنتظر) في نسخ استعاري لعقلية الخلاص بيد المهدي – الشيعي- المنتظر!..
ومن حقنا التساؤل اليوم، لماذا جرت التضحية بالعراق على مذبح الصراعات الخارجية؟؟.. لما جرى حرف اتجاه الاصطراع الحزبي بين جماعتين مراهقتين سياسيا، الى صراع بين الاشتراكية السوفيتية والامبريالية الغربية؟..
ان المطلوب اليوم هو: قلب تربة المرحلة وتجريد الجماعات السياسية من حصانتها ومعصوميتها المقدسة، واعادة مناقشة الظروف السياسية التاريخية، ومدى شرعية الاداء السياسي للاحزاب والتيارات خلالها، لتقديم الحقيقة العارية امام العراقيين، والمسؤول عن تضليلهم، وراء شعارات واطر ديماغوجية خارجية، نقلت -بسذاجة- الصراع الامبريالي الغربي الى داخل العراق، وبشكل تسبب في دفع العراق الى حالة الدمار وشفير الهاوية.
فالفوضوية والبلطجة الحزبية، والقرار غير المسؤول، باستخدام الناس البسطاء والكسبة غير المتعلمين لترويج شعارات [عملاء الامبريالية] هي فوق مستوى وعي الطبقة العامة من الناس يومذاك، وما كان ينبغي التضحية – والتغرير- بالناس والعراق ارضاء لعيون جوزيف ستالين-[1878- 1953م] الذي كان الروس اول من القى بصوره وتماثيله من النوافذ والابواب عقب موته- (اريك هلاسكو في رواية المقبرة).
برز الاداء الشيوعي الفوضوي غير المسؤول، في الموقف وطرق التعامل مع عبد الكريم قاسم، ذلك الرجل الذي، ما كان ليصلن الى ما وصل اليه، لولا الشيوعيين العراقيين.
قاسم، الزعيم الاوحد ومحبوب الشعب و(ماكو زعيم الا كريم)، ثم الدكتاتور والمتفرد برأيه، حبيس حجرةته في وزارة الدفاع، لم يكن اول ضحايا الشيوعية الستالينية في العراق، ولا آخرهم، ولكن تلك الصفحة، وسجل ضحايا الاناركية الشيوعية العراقية يحتاج الى توثيق، ومراجعة وطنية حرة ومحايدة.
ايديولوجيا المظلومية الشيوعية- على منوال المظلومية الشيعية-، ليس غير غطاء حصانة ذاتية، ومعصومية تاريخية مقدسة، لفكرة الذئب في جلد الخروف، ذات المرجعية الدينية.
(33)
اعتمد الحزب الشيوعي على مجموعتين من الناس، لتسويق افكاره وترويج الدعاية لنفسه. احدهما الطبقات الفقيرة من المجتمع، سكان الاحياء الفقيرة في المدن والقرى، وتحريضهم ضد السلطات الحكومية، والقرارات والسياسات العامة وجماعات الاقطاع المتنفذين.
وكانت (الاشاعة)، وكيل (الاتهامات) لممثلي الحكومة ابرز وسائله، وكلاهما تحت عنوان (الفاعل مجهول). ولا يعرف كم المتضررين بالسجن والملاحقة والاعدام جراء تلك الاشاعات والتهم المجانية، التي لا تتضمنها مدونة عراقية محايدة.
الفئة الثانية التي استغلها التنظيم الشيوعي هم طلبة المدارس والكليات، المأخوذ بعضهم بشعارات -(التقدمية)- ضد ثالوث الاستعمار والصهيونية والرجعية الذي شاع في عراق الخمسينيات.
وفي صدارة اولئك الطلبة: كان الشعراء والادباء الشباب يومها، الذين نظروا لشعارات الاشتراكية والتحرر والعدالة والمساواة نظرة رومانسية مثالية سطحية. وفي بداياتهم تمنى بعض الشعراء ان يجعلوا نصوصهم بيانات سياسية لهذا الحزب او ذاك.
ومن غرائب مرحلة الخمسينيات، اعتبار (الحبس) دالة بطولة وصفة نضالية. علما ان السجن دالة النشال واللص. وهي جانب من التشوه النفسي والاجتماعي الذي اخترق النسيج الاجتماعي.
وفي سيرته يذكر جورج اوريل [1903- 1950م] الكاتب الشيوعي البريطاني، انه كان يمضي مساء الى حي شعبي ويختلق نزاعا، ليأتي البوليس ويقضي ليلته في الحبس – ربما لعدة ايام- لحين تثبت براءته او تفاهة سبب المشاجرة.
وفي أوراقه سخر عبد الرزاق عبد الواحد- [1930- 2015م] من الشاعر كاظم جواد- [1928- 1984م]، واعتبره يحلم بدخول السجن. وعندما حصل له ذلك، يقول عبد الواحد، جاء كاظم جواد للمقهى وهو يصيح بفخر انا مناضل سياسي!.. لقد خرجت للتو من السجن.
والمقصود بالسجن هو توقيف الشرطة المؤقت او الحجز في النظارة.
وأقرأ في سيرة الشاعر عبد الوهاب البياتي- [1926- 1999م] انه اعتقل في (سجن السعدية). ولا يوجد سجن في (السعدية) الواقعة شمالي حمرين في ديالى. وانما يوجد مقر الفيلق الثاني للجيش العراقي في منطقة المنصورية المحاذية لهضبة حمرين. وفي خلال ادائه خدمة المكلفية في مركز تدريب المنصورية، - ربما- جرى توقيفه لساعتين في المعسكر، وتم تضخيمها الى حبس سياسي حسب مقتضيات النضال الدعائي.
والبياتي هو من أدخل مفردات [المنفى والجنرال] في الشعرية العراقية متأثرا بناظم حكمت ومايكوفسكي، يما رسخ فيه سمات الشاعر المناضل. و(المناضل) عنوان رواية عزيز السيد جاسم.
بمثل هذا التبخيس والتزوير يكتب تاريخنا السياسي والادبي وتلطخ السير التي يرددها القراء دون امتحان او تصحيح تاريخي.
كل من عبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد انتهىيا حيث المال الجاه، فلم يكونا – شأن كثيرين غيرهم- غير تجار كلمات وشعارات، وضحايا أزمة ذات ونرجسية مريضة.
وانتهى السياب والنواب في اهمال وتجاهل تام، بعدما كانت قصائدهم ونصوصهم منشورات حزبية يتداولها الشباب الشيوعي كالشفرات. وكمثل ذلك انتهى سعدي يوسف – الشيوعي الاخير- معزولا ومنعزلا عن الجميع، وهو الاخر كانت نصوصه ومجاميعه الشعرية، نسيج العمل والروح الشيوعية.
الواقع، ومن منظور النقد الادبي، فأن الشعراء المتعاطفين مع الافكار الاشتراكية والماركسية والسلام، هم اداة الدعاية والاعلام الشيوعي الذي خلقوا ثقافة وقاعدة فكرية، بنى عليها الحزب الشيوعي – تحديدا- صيته وتاريخه.
ومن غير مصادرة اعمار الشعراء وسرقة قصائدهم وجهودهم الفكرية، ما هي القيم والتقاليد المدنية والاضاءات الفكرية التي وضعها الحزب الشيوعي في الشارع العراقي؟..
كم هو عدد رياض الاطفال والمستشفيات والمدارس والجامعات ومعاهد البحث والمنتديات العلمية التي دفعت عجلة التقدم الاجتماعي للامام؟.. ما ينفع الناس يبقى، والزبد يذهب جفاء/(الرعد 17)..
مقتل الشيوعية العربية انها مجرد: وكالات دعاية للسوفيت، يقودها الكومنترن وتحكمها عقلية ستالين. و[لا يغير الله ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم]!- (الرعد 11).
(34)
التيارات العروبية القومية والبعثية، على شاكلة التيارات الشيوعية والماركسية، ذات اصول ومنابع ومؤثرات غربية، والتياران: الشيوعي والعروبي الاشتراكي، من مخلفات ما بعد ماركس.
فالى جانب التيار الاشتراكي الصهيوني الذي ضم عدة تنظيمات ونقابات عمالية وسياسية، والحزب القومي الاشتراكي الالماني، ومثيلاته في فرنسا وايطاليا، تشكلت التجارب الاولية لحزب القومي الاجتماعي السوري وحركة البعث العربي والاتحاد الاشتراكي وحركة القومية العرب والتيار الناصري، التي اعتبرت الاولويات الاجتماعية والاقتصادية، مقدمة للنهضة القومية الممثلة بالوحدة العربية.
ان البرنامج السياسي ولوائحه العملية الاولية هي الوحيدة من نوعها، واكثر نضجا وبلورة في المحيط العربي حتى اليوم. ويلحظ ان التيارات العروبية القومية كلها متفقة ومنسجمة ومتعاونة فيما بينها نظريا وعمليا، سياسيا وشعبويا.
وهو أمر لم يتوفر في برامج الاحزاب الشيوعية العربية، ولم يتحقق أي تقارب او انسجام ووحدة عمل، او وحدة حال بين الاحزاب والتيارات الشيوعية العربية، رغم المتغيرات والكوارث السياسية والعسكرية التي المت بالمنطقة وبالشيوعيين تحديدا.
وفي البلدان السبعة التي استلم العروبيون السلطة، انتهجوا برامج تنمية واصلاحات اجتماعية، شملت مجانية التعليم والتنمية الاجتماعية وتحسين اوضاع المرأة والفلاحين واجراء سلسلة تاميمات ستراتيجية، كان لها الفضل في تحسين ظروف المجتمعات وتوسيع قواعد التعليم وطبقات الخريجين وما الى ذلك.
ورغم حملة الدعايات والاتهامات المستمرة ضد الانظمة القومية وربطها بحركة الاستعمار – لا يزال هذا في عراق الاحتلال المزدوج، واحزابه المتصلة بسلطات الاحتلال والبيت الابيض-، فقد واجهت الانظمة العربية الثورية حملات غربية سياسية وعسكرية، انتهت بالتدخل العسكري ضد اربعة منها:[عراق، ليبيا، سوريا، اليمن]، واختراق البقية منها.
ان معيار السياسة وتقييم الحكومات والاحزاب هو النتائج والسياسات العملية على ارض الواقع.
المجتمعات العربية بحاجة الى ثمار حقيقية ملموسة ونافعة، وليس تشبع بالاحلام والوعود والتبريرات والاناشيد والنصوص الدينية.
لقد ابتز السياسيون العرب شعوبهم احسن ابتزاز، وحققوا لانفسهم ما لا يستحقونه، وحان للفرد العربي ان يصحوا من جرعات التخدير، ويرفض علف الكلام.
(35)
لقد انتجت مرحلة بناء الدولة الملكية طبقة برجوازية من الضباط الجدد – خريجي الكلية العسكرية العراقية-، وطبقة انتلجنسيا محدودة، من الاساتذة وطلبة البعثات ما يوصف ببرجوازية المثقفين. ولكن النظام الملكي، لسبب أو اخر، لم يمنح البرجوازية الناشئة، فرصة اثبات قدراتها وتنمية خبراتهم.
وربما كان انقلاب بكر صدقي-[1886- 1937م] ضدّ رفيق طفولته وابن بلدته، وزير الدفاع جعفر العسكري-[1886- 1936م]، ورفيقه الاخر ياسين الهاشمي-[1884- 1937م] رئيس الوزراء، ترجمة مبكرة لطموح العسكرية العراقية. باعتبار بكر صدقي، تخرج في الكلية العسكرية وتخرج منها برتبة ملازم اول – تكريما-!.
الغريب.. ان فترة الجمود والتوتر والتخلف العراقي، للفترة من عام 1933م، سنة اختفاء الملك فيصل الاول، وهي سنة أول صعود ادولف هتلر-[1889/ 1933- 1945م] سدة الحكم الالماني، وبدء الاحتقان والتأزم في اوربا الغربية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م.
يضاف اليها في المدونة العراقية معاهدة بورتسموث واعلان دولة اسرائيل في عام 1948م. والتي تستمر اثارها وانعكاساتها حتى عام 1953م سنة تتويج فيصل الثاني ووفاة ستالين.
فاستمرار عقدين من التأزم المستمر في دولة حديثة العهد، تتوقف معها عجلة التنمية والتطور الاجتماعي والحياة السياسية، امر ليس عاديا، ولا يمكن مرورها بغير انعكاسات وتغيرات جذرية، تقلب قاعدة الحكم والنظام.
والمأساة، ان فيصل الثاني كان عديم الارادة والرؤية والاهلية في ان. وكانت عقلية عبد الاله ونوري السعيد وما بينهما من صراع وتنافس باطني، اعطيا افضل ما لديهما، ودخلا مرحلة التكرار والدوران حول نفسيهما. وربما.. لو كان احدهما موجودا لوحده، اتاح فرصة افضل لتنمية البلاد. فوجود عبد الاله، كان مصادرة لكل منجزات نوري السعيد. بينما كان نوري السعيد متوجسا من مخططات عبدالاله للتخلص من فيصل الثاني وسرقة عرش العراق لنفسه.
بعبارة اخرى، ان عمر النظام الملكي العراقي، انتهى عمليا في عام 1941م، خلال حركة رشيد عالي الكيلاني وضباطه الخمسة من (كتلة الضباط القوميين/ 1927م): [محمود سلمان [1898- 1941م]، صلاح الدين الصباغ [1894- 1945م]، كامل شبيب [1895- 1944م]، فهمي سعيد [1898- 1941م]، يونس السبعاوي [1898- 1941م]].
وكان المفروض تسليم بريطانيا بالتغير السياسي في العراق –عام 1941م- والاعتراف باستقلاله ومحاولة التقرب منه بعلاقة تعاون استراتيجي اكثر توازنا.
لكنها نفحت احتلالها واعوانها من الطاقم البريطاني التقليدي وقتا ضائعا [1941- 1958م]، حيث يتكرر مشهد الهروب والتصفيات. لقد قام عبد الاله بتصفية العقداء الخمسة، والحكم باعدامهم، ليحين موعد اعدامه بأيدي زملائهم وتلاميذهم [النقيب عبد الستار العبوسي الذي انتحر هو الاخر، عام 1970م].
فترة السبعة عشر عاما لم تكن وقتا ضائعا ومدمرا للعراق والعراقيين، وانما كانت ستسجل لصالحهم ايضا، لو انها اخذت مسارها التاريخي.
في نفس الوقت، لم تنعكس فترة السبعة عشر عاما، كخبرة تراكمية، لدى ضباط حركة يوليو 1958م. فلا استقطبوا شعبية ما، او علاقات سياسية، او خبرة سياسية، ولا شيء من الحنكة وحكمة الشيوخ.
اسوة بقادة الاحزاب الراديكالية، انطلقوا بمراهقتهم الى قصف سدة الحكم، قتل الملك/ (قتل الأب) والحلول محله. وترك التفاصيل والتصفيات تحكم نفسها بنفسها، من غير اليات واطر سياسية ورسمية، ومن غير استيعاب وتوجيه طاقات الشعب ومشاعرهم المتفاوتة ، في عالم تسوده الفوضى واللااتجاه الذي تمضي فيه سفينة الوطن.
من المسؤول عن ضياع السنين وهدر الوقت والطاقات والوطن؟..
كلما تراخت قبضة الدولة تشيع الفوضى والاناركية العراقية. من المسؤول عن اشاعة الفوضى وتخريب المؤسسات واطلاق موجات الفوضوية والاناركية في طول البلاد وعرضها؟..
وعجبا كيف تحتل اعمال الفرهود – المحدود- في نيسان 1941م من الاهمية والتناول التاريخي، فيما لا يتطرق احد الى الفوضى والفرهود، والقتل والسحل واعمال الثأر والانتقام، التي اعقبت انفلات الدولة في بدايات عهد قاسم؟. كما في بدايات عهد الاحتلال الاميركي؟.. ولماذا يتم تغييب اخبار وقوائم القتلى والجرحى والمتضريين، بدون تأشير او تعويض او تاطير رسمي، وكأنهم خارج منسوب البشر؟..
وفي ظل الصمت واليأس والفوضى، تظهر اصوات من هنا وهناك، تدعو الى تقديس هذا او ذاك، او تقديس بعض الممارسات وتحويلها الى مراسيم حفاوة سنوية، دون اعتبار ومراعاة لمشاعر ووجود الاطراف الاخرى، ودون الشعور بارثاء لحالة الوطن.
المصادرة والمزاودة، بما فيها مصادرة الوطن والوطنية، هي احد اسباب تخلفنا عن العالم.
"أيخون انسان بلاده؟.. ان خان معنى ان يكون، فكيف يمكن أن يكون؟"- قصيدة (غريب على الخليج) للسياب-[1926- 1964م].
(35)
كان المفترض بحنكة النظام الملكي، انشاء مؤسسات سياسية ترسخ وتدعم استقرار النظام، وتفتح اجواء نظرية الحكم بدل اختزالها القسري [ثلاثة وعشرون رئيس وزارة مقابل تسع وخمسين وزارة].
ومن تلك المؤسسات: مجلس الاعيان/ الشيوخ، يتم فيه ترحيل السياسيين اليه عند بلوغهم سنا معينة، او عقب خروجهم من الوزارة. وبما يسمح بترشيح خبرات شبابية مستجدة الى مجلس النواب، ومنه الى الحقائب الوزارية وحكام الولايات/ المحافظات والمناصب العليا.
وكان الوقت المفترض لذلك هو نهاية الحرب العالية الثانية، وبالتالي، امتصاص الكثير من أسباب الاحتقان والتوتر الداخلي التي طبعت تلك الفترة، وسحب البساط من تحت السياسيين الراديكاليين المراهقين، واختيار الجيدين منهم للعملية السياسية.
كثيرون يعتقدون ان ما حصل في العراق، هو افضل ما يمكن. ولم يكن منه بد. وهو غير صحيح. ففي أي مرحلة سياسية من تاريخنا المعاصر، وحتى في عهد صدام، كانت الاحتمالات والاوراق كثيرة، وما تم استخدامه هو الاسوأ، وليس احسن الاحتمالات، او الاقل ضررا.
ان السائد اليوم ليس قدرا، وانما دالة عجز وسلبية.
العناوين الرئيسة لاحداث العراق، جرت في بلدان عربية ايضا، منها مصر مثلا. لكن النتائج اختلفت في كل بلد، وانعكاساتها لم تكن كارثية وتدميرية كما في العراق. وهذا سؤال يقتضي من السياسيين القادة مناقشته، ومصارحة الملأ به.
فالوطن لا يكون بغير كرامة. والسياسة لا تكون غير مسؤولة.
مطلوب من السياسيين، الاعتراف باخطائهم، واعتزال العمل السياسي عند الخطأ، واحترام خصومهم، وعدم التطرف الفوضوي في تجريمهم، من باب امتلاك الحق المطلق.
المفروض.. ان يصل وعي السياسي العراقي بالمسؤولية وكرامة الوطن الى مستوى شجاعة الاعتراف، وتصحيح مساره او ترك الامب لغيره، لو اقتضى الامر. في العراق، الانقلاب الوحيد الذي حصل هو الانحياز لمائدة الحكم واصطياد الغنائم، نكاية في خيانة الشعب.
ارفعوا الحصانة والقداسة والمسؤولية عن اللاعبين في المسرح السياسي، لينطلق الوطن حرا سعيدا، لان ستالين مات، وعبد الناصر مات.. وعبادة الماضي ينبغي ان تموت وتلغى من المدونة العراقية..
ليولد عقل جديد وجيل جديد، ورؤية تستحق المستقبل!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي